الخارجية الأردنية: وفاة 14 حاجا وفقدان 17 آخرين    خلايا رعدية مصحوبة بأمطار بعد الظهر    منسق البعثة الصحية: لا وفيات في صفوف حُجّاجنا    تخصيص برنامج متكامل لرفع الفضلات خلال أيام العيد    قائمة الأطباء البياطرة المتطوعين في العيد ونصائح حول أهم القواعد الصحية    أنس جابر تُشارك الأسبوع المقبل في بطولة برلين للتنس    الصوناد: رقم أخضر لتلقي التشكيات عن الاضطراب في الماء الصالح للشرب    هنية يوجه كلمة بمناسبة عيد الأضحى: نحن في خضم ملحمة تاريخية والمقاومة أبدعت    الليبيون يؤدون صلاة عيد الأضحى وسط مراسم إحياء ذكرى ضحايا فيضان دانيال    وزير الشّؤون الدّينية يواكب تصعيد الحجيج إلى المشاعر المقدّسة    أول أيام عيد الأضحى.. الحجاج يؤدون طواف الإفاضة    في أول أيام عيد الأضحى.. الحجاج يرمون جمرة العقبة الكبرى    المطربة المصرية منى عبد الغني تنهار باكية أثناء أداء مناسك الحج على جبل عرفات (فيديو)    أطباء يحذرون من حقن خسارة الوزن    المهدية: الإحتفاظ بمتحيليدلس وثائق للراغبين في الحصول على عقود عمل بالخارج    مركز الإجهاد الحراري وضربات الشمس بمشعر عرفة يستقبل 225 حالة    أنس جابر تغادر بطولة نوتينغهام العشبية من الدور ربع النهائي..#خبر_عاجل    رئيس الجمهورية ونظيره العراقي يتبادلان التهاني بمناسبة عيد الأضحى..    الطقس هذه الليلة..    الرابطة 1 – الترجي الرياضي بطلا للمرة الثالثة والثلاثين في تاريخه    بعد وقفة عرفة.. الحجاج يتجهون إلى مزدلفة    المرصد التونسي لحُقوق الإنسان: وفاة 5 حجيج في البقاع المقدسة    وزير الدّاخليّة يؤكد سعي الوزارة إلى تدعيم سلك الحماية المدنية بالمعدّات والتجهيزات    جندوبة: السيطرة على حريق نشب بغابة سيدي حمادة    يورو 2024.. اسبانيا تسحق كرواتيا بثلاثية    النادي الصفاقسي يعود بانتصار ثمين من جوهرة الساحل    جريمة بشعة تهز ألمانيا بالتزامن مع المباراة الافتتاحية ل'يورو 2024'    أول إطلالة للأميرة كايت منذ بدء علاجها من السرطان    وزارة التربية تكشف عن استراتيجية وطنية للقضاء على التشغيل الهش    إقبال ضعيف على الأضاحي رغم تراجع الاسعار الطفيف بهذه الجهة    قفصة: الإطاحة بوفاق لترويج المخدرات يقوده موظف    مختصون يوصون بتجنيب الأطفال مشاهدة ذبح الأضحية    أعلى من جميع التمويلات الحالية.. تركيا ستحصل على قرض قياسي من صندوق النقد    الرابطة الأولى: تشكيلة النادي الصفاقسي في مواجهة النجم الساحلي    المهدية: مؤشرات إيجابية للقطاع السياحي    وصول أول رحلة للجالية التونسية في هذه الصائفة    بنزرت : حجز 1380 لترا من الزيت النباتي المدعم    بداية من اليوم: تونس تلغي التأشيرة عن الايرانيين والعراقيين    ذبح الأضاحي : توصيات هامة من المصالح البيطرية    اليوم: فتح شبابيك البنوك والبريد للعموم    أكثر من مليوني حاج يقفون بعرفة لأداء ركن الحج    بشرى لمرضى السكري: علماء يبتكرون بديلا للحقن    مجموعة السّبع تؤيد مقترح بايدن بوقف إطلاق النار في غزة    «لارتيستو»: الفنان محمد السياري ل«الشروق»: الممثل في تونس يعاني ماديا... !    رواق الفنون ببن عروس : «تونس الذاكرة»... في معرض الفنان الفوتوغرافي عمر عبادة حرزالله    المبدعة العربية والمواطنة في ملتقى المبدعات العربيات بسوسة    يحذر منها الأطباء: عادات غذائية سيئة في العيد!    حصيلة منتدى تونس للاستثمار TIF 2024 ...أكثر من 500 مليون أورو لمشاريع البنية التحتية والتربية والمؤسسات الصغرى والمتوسّطة    رئيس الحكومة يلقي كلمة في الجلسة المخصّصة لموضوع ''افريقيا والمتوسط''    مستودعات للتهريب و تلاعب في الموانئ ...أباطرة «الفريب» يعربدون    الصحة السعودية تدعو الحجاج لاستخدام المظلات للوقاية من ضربات الشمس    الرابطة 1 : نجم المتلوي ينتزع التعادل من مستقبل سليمان ويضمن بقاءه    الدورة الخامسة من مهرجان عمان السينمائي الدولي : مشاركة أربعة أفلام تونسية منها ثلاثة في المسابقة الرسمية    "عالم العجائب" للفنان التشكيلي حمدة السعيدي : غوص في عالم يمزج بين الواقع والخيال    قفصة : تواصل أشغال تهيئة وتجديد قاعة السينما والعروض بالمركب الثقافي ابن منظور    جامعة تونس المنار ضمن المراتب من 101 الى 200 لأفضل الجامعات في العالم    أنس جابر تتأهّل إلى ربع نهائي بطولة برمينغهام    تعيين ربيعة بالفقيرة مكلّفة بتسيير وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التعليم التّقني و المهني... القرارات المدمّرة توفيق بن رمضان
نشر في الفجر نيوز يوم 28 - 09 - 2012

تدمير منظومة التعليم المهني و التقني بالمعاهد الفنّية التي بنيت بعد الاستقلال، من وراءه و من تسبب فيه؟ لا يمكن القول في هذه الجريمة و الكارثة إلاّ أنّها مؤامرة غربيّة و صهيونيّة و قد نفّذها زعيم اليساريين صاحب نظريّة تجفيف المنابع محمد الشرفي عدو نفسه و الله و الدين و الشعب و الوطن، مع العلم أنّ أمثاله هذه الأيام كثر فهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعا و لكنّهم من أكبر المفسدين و المخرّبين للوطن و العقول و النفوس « إِنَّ
اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ » فكيف يرتجى الإصلاح بجماعة لها عقول و نفوس مخرّبة و ممسوخة، و قد مكّنهم نظام الرئيس المخلوع من مواقع القرار الأمر الذي جعلهم يجدون أنفسهم بعد الثورة متغلغلون في كلّ مفاصل الدولة و بالتّالي مسيطرون على المؤسّسات العمومية و الجامعية و التربوية و خاصة مؤسسات الإعلام، إنّهم يعيشون بين ظهرانينا و هم من بنو جلدتنا و لكنّهم مبهورون بالمجتمعات الغربية فهم يعيشون مجتثّون على هذه الأرض، فأجسادهم عندنا و عقولهم عند أسيادهم في الغرب و هم لا يتوانون أو يتردّدون في خدمته و تنفيذ أجنداته و برامجه، و بهم يتمكّن خبثاء الغرب و الصهيونية العالمية من التسلّل بسهولة لمجتمعاتنا من أجل تدميرها من الداخل، فتجدهم يقلّدون الغرب تقليدا أعمى من شدّة الانبهار به، و كلّ ما يأتيهم من الغرب يعتبرونه الحق المطلق الذي لا نقاش فيه و يسلّمون به و يعملون على فرضه و إسقاطه على أوطاننا و شعوبنا، فهم يعملون على تنفيذ برامج و حلول جاهزة و معلّبة و يجتهدون في تطبيق نظريّات مستوردة من أسيادهم في الغرب لا علاقة لها بمجتمعاتنا و بأوضاعنا، فتجدهم متعصّبون للإيديولوجيات المستوردة التي أثبتت فشلها عند صانعيها، بل تخلّى عنها من أسّسها و بعثها، كما أنّهم يتشدّدون في تنفيذها عندنا رغم أنّها جرّبت و أثبتت فشلها و قسورها منذ عقود و قد تخلّى عنها واضعيها، و من الغريب و العجيب أنّهم متمسّكون بتلك النظريات و الإيديولوجيّات إلى الآن و كما يقال "اللي يجرّب المجرّب لا يمكن القول فيه إلاّ أنّ عقله مخرّب" و الجماعة عندنا عقولهم مغرّبة و مخرّبة لا يرجى منها صلاح و لا إصلاح.
إنّهم من أكبر المفسدين لهاته الشعوب و الأوطان، « وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ (12) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَكِن لاَّ يَعْلَمُونَ (13) » و قد استعملهم بن علي و تواطئوا معه عن قصد أو غير قصد لضرب الدّيمقراطية و التعددية من حيث لا يعلمون و قد تمكّن النّظام السّابق من سحق الشعب و نشر الفساد بتواطئهم و انخراطهم معه في سحق التيار الإسلامي، و بعد تحييد هذا الفصيل المهم تمكّن بن على من الاستفراد بهم و تطويع الكثير منهم و بعد ذالك تمكّن من إضعاف الأحزاب القانونيّة المعترف بها و ضرب المشهد السياسي و صحّره و دمّره فلم نجد اليوم أحزابا جاهزة للقيادة و الحكم و استلام المشعل.
و لنعود لمنظومة التعليم التقني و المهني، فهل يعقل أنّه بعد اكتمال بناء تلك المنظومة في أواخر الثّمانينات و التي أنفقت فيها المليارات بعد الاستقلال، جاءنا السيد محمد الشرفي و دمّر ما اكتمل بناؤه طيلة ثلاث عقود، و قد ارتكبت عدة أخطاء أخرى فقد اتّخذ بعض وزراء بورقيبة و بن علي عدة قرارات كارثيّة من غلق جامع الزيتونة لبناء شبكة مترو الساحل و غيرها من القرارت و على سبيل الذكر لا الحصر نذكّر بقرار إزالة شبكة الترنفاي سنة 1975 فبعد أقلّ من عشرة سنوات من اتخاذ هذا القرار الكارثة تبيّن أنّه كان قرارا خاطئا و بعد سنوات قليلة اتّخذوا قرار إعادة بناء المترو و كلّفت هاته الأخطاء، أي قرار إزالة شبكة الترنفاي و إعادة بناء شبكة المترو الخفيف مليارات على المجموعة الوطنية التي كان من الأحرى تخصيصها لمشاريع تنموية أخرى، و يجب اليوم بعد الثورة محاكمة من كانوا وراء هاته الكوارث و اتخذوا تلك القرارات المدمّرة و إن لم يكونوا على قيد الحياة.
و بعد تدمير منظومة التعليم المهني و التقني و إلى حدّ اليوم منظومتي التكوين المهني و المعاهد العليا للدّراسات التكنولوجية لم تتمكّنا من ملئ الفراغ الذي أحدثه إزالة تلك المنظومة التّي أنفقت فيها المليارات و الجهود و السنوات و التّي كانت ناجحة و فاعلة في تكوين الكوادر الفنيّة و التقنيّة للاقتصاد الوطني، فقد كانت تساهم في تكوين عشرات الآلاف من التّقنيين المهرة في كل الاختصاصات و في كل الميادين التقنية، الفلاحيّة و الاقتصادية و العديد من القطاعات الأخرى المهمّة.
و كل ما نشهده اليوم من تفاقم لأزمة البطالة سببه إزالة منظومة التعليم المهني و التقني، الذي انجرّ عنه إخفاق في التوجّهات و القرارات، فقد كوّنت منظومة التعليم العالي كوادر لا حاجة للاقتصاد التونسي بها، بينما أغلب القطاعات التقنية و الصناعية تشهد نقصا فادحا و واضحا من المهارات و الكفاءات، فالمشكلة مشكلة تكوين و اختيارات و تخطيط و استشراف بالأساس.
إنّ من بين الأسباب الأساسيّة التي تسبّبت في انتشار البطالة و دفعت إلى ثورة الشباب هو تدمير منظومة التعليم المهني و التقني، حيث أنّه لم يعد لدينا مهارات في الاختصاصات التقنيّة و الفنيّة، كما أنّ جزءا هاما من حاملي الشهادات العليا عاجزون على تلبيّة متطلّبات سوق الشغل لعدم تطابق الاختصاصات و المهارات مع النّسيج الصناعي و العروض المطلوبة، و أقول للمشرفين و المسئولين عن التربية و التكوين، يجب عليكم من اليوم الاستعداد للمستقبل القريب و للسنوات القليلة المقبلة، و يجب أن تأخذوا في الحسبان الكارثة التي ستواجهها الصّناعة التّونسية و كلّ المجالات الاقتصادية الأخرى، فعندما يحال على التّقاعد التقنيين الذين تكوّنوا في منظومة التعليم التقني و المهني و الذين يمثّلون العمود الفقري في تسيير المؤسسات الاقتصادية الخاصة و العموميّة، عندها لن تجدوا من يعوّضهم و ربّما سنجد أنفسنا مضطرّون إلى استقدام المهارات المطلوبة من الخارج، إنّ الأمر خطير و عليكم التفكير فيه بجديّة و الاستعداد له من الآن قبل فوات الأوان و قبل أن "تقع الفأس في الرأس" كما يقولون.
و تجدر الإشارة أنّه مدّة العشرة سنوات الأخيرة منظومة التكوين المهني لم تتمكّن من استيعاب طلبات التكوين بسبب إزالة منظومة التعليم التقني و المهني و بلوغ الحدّ الأعلى لطلبات التكوين، و لحلّ مشكل استيعاب طالبي التكوين تمّ الالتجاء إلى طريقة التكوين بالتّداول التّي تسبّبت هي الأخرى في ضرب الجودة و تدمير منظومة التكوين المهني المعوّل عليها في تعويض المنظومة المدمّرة بالمعاهد الفنّية، و قد وجدنا أنفسنا خلال السنوات الأخيرة بمنظومة المعاهد التكنولوجية الغير فعّالة و منظومة التكوين المهني المدمّرة بسبب سوء التصرف و الفساد في الإدارة و التسيير، و يا ليتنا حافظنا على منظومة التعليم التقني و المهني التي كانت ناجحة و متميّزة في تكوين اليد العاملة المختصّة في الكثير من المجالات و الاختصاصات، فلو بقيت تلك المنظومة قائمة و تمّت المحافظة عليها إلى اليوم لما وصلنا إلى هاته الأوضاع المزرية و لكانت أزمات التشغيل و البطالة أقلّ حدّة، و للخروج من الأزمة على المشرفين على مؤسسات التربية و التكوين إصلاح ما تمّ تدميره في أقرب الآجال.
توفيق بن رمضان (كاتب و محلل سياسي)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.