بسم الله الرحمان الرحيم، بعد القرار الذي اتخذته الهيئة الإدارية للاتحاد العام التونسي للشغل بشن إضراب عام يوم الخميس 13 ديسمبر الجاري وبعد ما شهدته عدة ولايات وخاصة ولاية صفاقس يوم السبت من مسيرة حاشدة ضخمة رافضة لهذه الدعوة يجدر الوقوف عند بعض الملاحظات: مجرد إقرار الإضراب العام ليس في مصلحة البلاد ولا في مصلحة ثورتها لأن من أولى أولويات الثورة اليوم تعافي البلاد وقدرتها على النهوض ثم التقدم وتدعّم الثقة فيها، وهذا القرار ذو مفاعيل سلبية على تقييم واقع البلاد ومستوى تقدم الاستقرار فيها. محاولة تنفيذ الإضراب ذات مخاطر متعددة، إذ ستكون خسائره المادية في القطاعات التي ينجح فيها بالغة، فهل يعتقد الداعون للإضراب أن عموم الشعب سيشكر للمضربين إلحاقهم أذى بالغا باقتصاد لا يزال هشا. ولئن كان هذا حال الخسائر المادية لمحاولة الإضراب فإن خسائره الاجتماعية يمكن أن تكون أكبر، إنه يهدد اللحمة الاجتماعية. لا أعتقد أن مئات الآلاف الذين خرجوا رفضا للإضراب يمكن أن يسلموا بتعطيل البلاد والإضرار بها بل يرجح أن تكون هناك ردود فعل رافضة بل وإصرار على العمل مما قد يسبب مواجهات بين الحريصين على العمل والعاملين على تعطيله. إن ذلك سيدخل البلاد في مناخ من التطاحن يجدر تفاديه. أما ما بعد الإضراب المعلن فعلى الأرجح ستكون هناك استتباعات وملفات ستفتح خاصة وهذا الإضراب غير قانوني لمخالفته مقتضيات الفصل 376 مكرر وما بعده من مجلة الشغل بحكم كونه على الأقل لم يحترم الآجال القانونية ومثله طبعا الإضرابات الجهوية التي دُعي لها خلال الأسبوع المنقضي في عدة ولايات. وهذا لوحده كاف للمؤاخذة التأديبية إن توفرت الإرادة، فما بالك إن تم الوقوف عند ما اعترى تلك التحركات من جرائم اعتداء على المال العام ومنع من العمل بالقوة وتعنيف في بعض الحالات وهو كاف للمؤاخذة الجزائية. إزاء هذه الوضعيات المحتملة يكون من الأفضل الاستماع إلى دعوات التعقل وتغليب المصلحة الوطنية. إن من الحري ترك المغالبة جانبا، فلئن كان الثقل العددي وجها من أوجه تحليل التوازنات إلا أن فوارق الأعداد بين أبناء الوطن الواحد تصبح أقل قيمة، فالأقلية جزء من الوطن والأغلبية أيضا، لا الأقلية تمثل الوطن لوحدها ولا الأكثرية تحتكر الوطن. فالتعايش بينهما سبيل بناء الوطن. والتعايش لا يمكن أن يترك للأهواء فيحدد طرف لوحده قواعد التعايش وضوابطه، بل المرجع في ذلك هو القانون الذي يجب أن يعلو على الجميع ولا يستثنى من الخضوع له أحد فردا كان مجموعة، نقابة كان أم جمعية أم حزبا. من هذا المنطلق يكون من المنطقي أن يلجأ الطرف الذي يرى بأنه قد تم التعدي على حقوقه للقضاء، ولا تستثنى الأحداث التي جدت بساحة محمد علي يوم الثلاثاء الماضي من هذه الآلية، فللاتحاد أن يقاضي من يرى أنهم قد اعتدوا عليه ومن حق المتظاهرين أفرادا أو جماعات أن يقاضوا الاتحاد إن رأوا أنه من بدأهم بالاعتداء، وسيتولى القضاء البحث والتحري والتحقيق ويحمل المسؤولية لمن يتحملها. هذا منطق من يريد أن تكون تونس دولة للقانون يشجع فيها الجميع القضاء على تحقيق استقلاليته ولا يضغط عليه لتوجيه أحكامه أو يتخطاه للبحث عما يعتقده حقا بسبل غير قانونية. الحبيب خضر