تونس إسماعيل دبارة :كان من الطبيعيّ أن تشهد تونس اثر رحيل نظام بن علي طفرة في أعداد الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، إذ تمّ الترخيص إلى مئات الاحزاب السياسية التي اضمحلّ الكثير منها وتفتّت اثر انتخابات المجلس التأسيسي، في حين اختار العشرات منها الاندماج والتوحّد ضمن كيانات سياسية جديدة تكافح لتجد لها موطأ قدم في مشهد حزبي يتقاسمه الاسلاميون واليسار. أما المنظمات والجمعيات فتشير بعض البيانات إلى أن أعدادها بلغت الآلاف، لكن عددا قليلا منها ينشط بصفة جديّة ويحظى بالحضور والمتابعة من لدن وسائل الاعلام والمجتمع ويقدّم اضافة للساحة والحراك الحاصل. شباب ضدّ الفساد والإقصاء سطع اسم منظمة (أنا يقظ) I WATCH مؤخّرًا، وحظيت هذه الجمعية الشبابية باهتمام نتيجة الجهد الذي يبذله المشرفون عليها في تقديم لمسات خاصة بهم للعمل الجمعياتي. تعرّف (أنا يقظ) نفسها على أنها "منظمة رقابية تونسية غير ربحية ومستقلة تهدف الى الاشارة الى الفساد المالي والإداري وتدعيم الشفافية". وتضم المنظمة ثلة من الشباب والشابات النشيطين في مختلف جهات تونس ويعمل جميعهم على الحفاظ على مكتسبات الثورة، ويرتكز عملهم على مبدأين أساسيين: مبدأ "لا للإقصاء"، أي عدم استبعاد أي شخص بناء على خلفية دينية أو سياسية أو إيديولوجية أو جهوية. ومبدأ "لا للوصاية"، إذ تؤمن (أنا يقظ) بالطاقات الشبابية التي قامت بالثورة والتي تملك مؤهلات تجعلها قادرة على اتخاذ القرارات بعيدا عن أي وصاية. الشباب يشارك في حديث للقسم العربي بإذاعة هولندا العالمية، يعطي الشاب مهاب القروي، أحد مؤسّسي منظمة (أنا يقظ) ورئيسها الحالي، مزيدا من التفاصيل على فكرة إنشائها، مؤكدا انها تضمّ حاليا أكثر من 200 شابا يملكون مستوىً تعليميا جيدا. ولمهاب قناعة يتقاسمها الكثير في تونس، وهي ان الشباب لم يجعل فقط لكي يكون وقودا للثورة، أي ان يقتصر دوره على الاعتصام والتظاهر والاحتجاج ومواجهة الشرطة وآلة القمع، إنما من حقه أن يكون له دور في البناء واتخاذ القرار. خلال اعتصام "القصبة 2" في فبراير 2011، ظهرت فكرة تأسيس المنظمة حسب مهاب القروي، هدفها مكافحة الفساد وإشراك المواطن والشباب في ضمان الشفافية والتشهير بآفة الفساد على جميع الأصعدة. لمسات شبابية توسّعت اهداف (أنا يقظ) شيئا فشيئا لتقترب أكثر من الشأن السياسي، واختار الناشطون صلبها طرقا مبتكرة للعمل. في انتخابات المجلس التأسيسي في أكتوبر 2011، رفعت المنظمة شعار "لا خيار لدينا سوى حماية اصواتنا بأنفسنا"، وأعلنت عن حملة لتدريب ملاحظين يراقبون الانتخابات. وتركز المنظمة كثيرا على تنويع وسائل العمل من أجل أهدافها، كالندوات وحلقات النقاش والعمل في الجهات، وانجاز سبر للآراء بين الفينة والأخرى، وتقوم بتوثيق أنشطتها بالصوت والصورة، وتنشر معظمها على شبكة فايسبوك الاجتماعية. "ما يميزنا هو روح الابتكار الموجودة لدى الشباب الناشط ضمن (أنا يقظ)"، يقول مهاب القروي رئيس الجمعية ويضيف: "نريد أن نكون قوة اقتراح، ونستعمل عدة اساليب ونستفيد من وسائل الاتصال الحديثة لتمرير رسائلنا ومطالبنا". ملاحقة الفساد والفاسدين يكشف رئيس جمعية (أنا يقظ) للقسم العربي عن قرب اطلاق موقع إلكتروني سيحمل اسم "بالكمشة"، وسيسمح للمواطنين بالإبلاغ مباشرة عن حالات الفساد التي يضبطونها بأنفسهم من قبيل الرشوة، وشراء الأصوات، والمحاباة، واستغلال المنابر الدينية للدعاية السياسية، واستغلال المنصب والوظيفة وغيرها، وسوف تتمّ عملية الابلاغ وتقبل الشكاوى عبر تويتر وفايسبوك والرسائل النصية والبريد الالكترونيّ. المال السياسي يؤكد رئيس (أنا يقظ) مهاب القروي أنّ عين جمعيته على مسألة تمويل الحملات الانتخابية خلال الانتخابات المقبلة في تونس. وشهدت تونس بُعيد انتخابات المجلس الوطني التأسيسي جدلا واسعا حول دور المال السياسي في تزييف أصوات الناخبين أو التأثير عليهم، ناهيك على عدم تكافؤ الفرص أمام الاحزاب ذات المال الوفير، والأحزاب التي تفتقد لموارد مالية مُعتبرة. وتستعدّ (أنا يقظ) لإعداد خطة ستكون رائدة في تونس والمنطقة المغاربية، إذ سيتم التركيز على مصادر التمويل التي تلجأ اليها الاحزاب السياسية خلال الانتخابات، وذلك للضغط من اجل نزاهة العملية الانتخابية وشفافيتها، وعدم مخالفتها للقوانين. تهم التمويل والاختراق لم تسلم (أنا يقظ) كغيرها من الجمعيات ذات التمويل الأجنبي في تونس من تهم الانسياق وراء أجندات غربية ترنو لتوظيف الحراك الحاصل في تونس لخدمة مصالحها. وتشير تقارير صحافية محلية متواترة، إلى أنّ عددا من نشطاء المجتمع المدنيّ، يستغلون الفراغ القانوني الحاصل منذ سقوط بن علي، للحصول على تمويلات أجنبية لا توظف بالضرورة لخدمة الصالح العام. ويفنّد مهاب القروي رئيس جمعية (انا يقظ) تلك الاتهامات، مؤكدا انها التنظيم الوحيد في تونس الذي يعلن عن مصادر تمويله، وأنّ كل عضو من اعضائها او متابع لنشاطها، هو على اطلاع على هذه المسألة، كما أنّ التقرير المالي للجمعية منشور بكل شفافية على فايسبوك. ويعدد القروي شروطا ثلاث يضعونها للحصول على تمويل وهي: التزام المًمول باحترام سيادة الدولة التونسية، واحترام سيادة المنظمة وعدم التدخل في شؤونها الداخلية وقرارها، واحترام مبدأ الشراكة، مع التنصيص على أنها شراكة وقتية تنتهي بانتهاء شروط قيامها، وموافقة المُمول على نشر بنود الاتفاق علنا. وتطرح (أنا يقظ) عادةً مشاريعها التي تحتاج تمويلاً، ومن ثمة تنظر في الاقتراحات التي تصلها، قبل تحديد الممول المناسب. يقول القروي: "منظمة أنا يقظ I WATCHتتعامل مع جميع الممولين باستثناء الذين يرتبطون بدول لا تجمعهم بتونس علاقات دبلوماسية، ولم يُفرض ولو مرة واحدة أي مشروع على المنظمة، بل نقوم نحن بطلب المنحة، وتحديد قيمتها وأهداف المشروع وفصوله، وعلى المُمول إما قبول بنود المشروع كما هي أو رفض المشروع برمته، وقد حدث استثناء وحيد مع منظمة فريدم هاوس، إذ توفرت فيها جميع الشروط المذكورة، لكن الأعضاء قاموا بالتصويت ورفضوا التعامل معها. وحصلت (أنا يقظ) في السابق على تمويلات من المعهد الوطني الديمقراطي الأميركي، ومنحة من وزارة الخارجية السلوفاكية، وأخرى من السفارة البيريطانية بتونس، وحصلت كذلك على تمويل من صندوق الأممالمتحدة الإنمائي، مع اعلام السلطات غداة الحصول على أي تمويل أجنبيّ، بحسب رئيس الجمعية. إسماعيل دبارة صورة:http://www.alfajrnews.net/atp/ar/images/newspost_images/ismaiel-dbara2013.jpg إذاعة هولندا العالمية تاريخ النشر : 17 جانفي 2013 - January