ملحوظة: جاءت هذه الخاطرة من آثار حملة قرصنة المواقع والمدوّنات وفي مقدّمتها موقع تونس نيوز الذي بقدر ما تمسّكنا به وأحببنا عناصرأسرة تحريره لا يزال بعض المرضى النفسيين يمنّون النفس بغيابه أو تغييبه، ومن خلال الاختطافات التي طالت الكثير من أحرار تونس لعلّ منهم على سبيل الذكر لا الحصر الأخ المجاهد عبدالله الزواري والأخ الفارس سليم بوخذير، ومن وقع الحرب المعلنة على الحجاب من طرف أناس لا يوقّرون فارض الحجاب... شهدت البلاد الإسكندنافية (الدانمارك، السويد، النرويج وإسلاند) بروز الفيكنغ ما بين سنة 800 و1100 ميلادي، وهم قوم كتبوا تاريخهم بالدّماء ووجدوا متعتهم القصوى في الحروب... وقد انقرض القوم تاركين أشباههم (السامراي، القراصنة) هنا وهنالك في أرجاء العالم الفسيح الضيّق، وتاركين أيضا مبادئهم. فكلّ مَن أخاف الآخرين كان على طريقتهم وعلى طريقهم وعلى دينهم (بتصرّف من النصّ الدّانوا)... كان العنف أهمّ وسائلهم المستعملة لإخافة النّاس وتقتيلهم، غير أنّه لم يكن الأوحد فقد كان من وسائلهم كذلك السحر والشعوذة. وكانوا يتميّزون بنقض العهود وعدم احترام المواثيق، إذ أنّ قوّتهم لا تقوّيهم على احترام غيرهم من "الضعفاء" وإن تفانوا في خدمتهم بل تطمّعهم في القضاء عليهم دون رحمة، إذ غاياتهم إفراغ المحيط إلاّ منهم. ما يهمّني اليوم ليس الحديث عن الفيكنغ، فبلدانهم قد كفتني وكفتكم ذلك، بما دوّنوا عنهم في كتب ومجلّدات وبما شيّدوا لهم من متاحف للزّيارة ومواقع إلكترونية تستطيع ولوجها بمجرّد كتابة لفظ (Viking) في سوّاقة البحث. ولكن الذي يهمّني هو الانكباب على الوضع في تونس "الخضراء"، حيث الكثير من تصرّفات الفيكنغ قد برزت خلال السنوات الأخيرة فيها، وتكثّفت منذ الاحتفال بعشرينيّة التغيير ال"كما قال عبدالله الزواري" حفظه الله... فالقتل والإرهاب والتخويف والطرد من المؤسّسات التعليميّة والوظيفية وغيرها، وإجبار النّاس على التزيّي بالزيّ الذي يريدون والتكلّم بالمنطق الذي يتخيّرون والعيش على الطريقة التي يفضّلون، والقرصنة للاستيلاء على الممتلكات وقرصنة المواقع الإلكترونية، كلّها تصرّفات "فيكنغية" كان أصحابها من أتباع الآلهة "أودين" و"ثور" وغيرهما، ولم يعرفوا ذات يوم (وذاك "عذرهم") الله ربّ العالمين. وإذ أنكبّ وتنكبّون معي (إن رأيتم ذلك) على الوضع في تونس فليس للإطناب في الحديث عن جرائم المغيّرين (فهي معلومة واضحة)، ولكن للتوقّف عند مسار أرجو أن يصدق على بلدي آخره كما قد صدق عليه أوّله... فالفيكنغ في بلد الفيكنغ قد اندثروا ومبادئهم في بلادهم قد نُسخت بما جلب للنّاس كلّ النّاس (إلاّ ما كان من استثناءات تهمّنا نحن القادمين من بلاد يحكمها الفيكنغ الجدد) الخير والطمأنينة. فهذا المواطن – وإن كان سليل فيكنغ ربّما – لا يظلم ولا يُظلم ولا يعتدي ولا يُعتدى عليه، لا يتذلّل لحاكم ولا يرشي موظّفا، لا يُفرض عليه نمط لباس ولا يُتدخّل له في أسلوب حياة (إلاّ ما كان من بعض الاستثناءات التي تحفظ ولا يقاس عليها)، وقد تحقّق كلّ ذلك وغيره بفضل مجهودات كبيرة بُذلت وتركّزت أساسا على رفض مبادئ الفيكنغ... فهل يمكننا ملء النفس بالأمل في انقشاع الغمّة (غمّة الفيكنغ في تونس)؟! سيّما وقد امتلأت النفس كرها لتصرّفاتهم وبغضا لسلوكياتهم… سيّما وقد نطق في تونس رجالاتُها دون خشية منهم… سيّما وقد خرج السجن عن سيطرتهم فخدم "السجين" دون أن يخدمهم، وأعزّ "المقهورين" المظلومين وأذلّهم (وإنّما العزّة من الله سبحانه وتعالى)، وصدّق المحاصَرين وكذّبهم، وستر المستَهدفين وكشفهم للعيان ظلمة ساقطين دمويين متوحّشين... أحسب أنّ هؤلاء الفيكنغ في تونس قد فقدوا الكثير من سطوتهم على النّاس وذلك بعد أن تأكّد التونسيون أنّ أفعالهم لا تتجاوب مع أقوالهم التي كانوا قد اشتروا بها ثقتهم... وأحسب أنّ التونسيين قادرون على الخروج من دائرة الرّداءة التي أوقعهم فيها المغيّرون، فقط بفرض ما يقتضيه أصلهم. فهم العرب المسلمون الكرام الأعزّاء المؤمنون الصادقون، ولم يكونوا يوما أتباع أو أذيال قوم أحلّوا الحرام وحرّموا الحلال ورقدوا في مضاجع الضلالة (كما قال ذلك الحجّاج وأقرّه الوزاء التونسيون)!... عبدالحميد العدّاسي، الدّانمارك المصدر: بريد الفجر نيوز [email protected]