الأردن:مع توجه الحكومة إلى تعديل التشريعات الإعلامية المقيدة لحرية الصحافة، حسبما أكدت، ترتفع حدة الانتقادات لتغليظ قانون المطبوعات والنشر المعدل رقم (27) لسنة 2007 للعقوبات المالية الواردة في نصوصه.ولذلك، يطالب زملاء صحافيون بتعديل النصوص القانونية التي تفرض عقوبات مالية "مرتفعة" على المؤسسات الصحافية، حتى تكون السلطة التنفيذية حققت "الردع" للصحافي الذي يتجاوز القانون، إلى غاية أخرى، وهي "جباية الأموال". وأرجعوا ذلك إلى أن "الهدف من العقوبة، يتحقق بفرض غرامة أقل من المبالغ المالية الكبيرة التي فرضتها نصوص قانون المطبوعات والنشر". وتختلف العقوبة المالية بفرض غرامة، عن المطالبة بالتعويض عن الضرر المدني؛ إذ يستطيع المدعي الذي كسب قضيته، رفع دعوى يطالب فيها بالتعويض عن الضرر المعنوي الذي لحق به، جراء نشر المادة الصحافية، طبقا لأحكام المادة (256) من القانون المدني الأردني، والتي تنص على أن "كل إضرار بالغير، يلزم فاعله ولو كان غير مميز بضمان الضرر". ويتساءل الزملاء الصحافيون عن الجدوى من تغليظ العقوبة "المالية"، بخاصة أن بإمكان المدعي، الذي صدر الحق لصالحه، المطالبة بالتعويض، بيد أنهم يرجعون ذلك إلى أن الحكومة، هدفت من هذا القانون جباية الأموال فقط، وليس تحقيق الردع. وكان الوسط الصحافي والسياسي عبر عن شديد رفضه لتغليظ العقوبات على حرية التعبير بهذه الطريقة؛ ذلك أن بقاء ما يقيد هذه الحرية، يضع عقبة إضافية معيقةً لدوران عجلة الإصلاح، ويعيد الأردن الى مرحلة الأحكام العرفية المقننة. كما يعيق ذلك حركة التقدم نحو الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، ويؤكد على نفوذ قوى "الشد العكسي" التي تحاول الالتفاف على متطلبات الاصلاح السياسي والتحول الديمقراطي والتنمية الاقتصادية. وينتقد صحافيون قيام الحكومة ب "تغليظ العقوبات المادية والتوجه نحو مضاعفتها منذ قانون 1998 وتعديلاته"، متسائلين عن الأسس والقواعد والمعايير التي اعتمدتها الحكومة، ومن ثم لجنة التوجيه الوطني في مجلس النواب في احتساب الغرامات. يقول زميل صحافي طلب عدم نشر اسمه إن "تشديد هذه العقوبات يضع ضوابط حادة على الحق في التعبير، الذي يفترض أنه مصون بالدستور والقوانين النافذة". ويضيف أن "تغليظ هذه العقوبات سيزيد من الرقابة، التي ستفرضها المؤسسة الإعلامية على الصحافي حتى تتجنب دفع مبالغ مالية مرتفعة"، ما يعني أن الهدف منها يسير في اتجاهين هما "جبي الأموال، وتكميم الأفواه". وبتطبيق هذه النصوص القانونية، لا يحقق هذا القانون الهدف المرجو منه، ما يتطلب إعادة تعديله، لجهة "التقليل من هذه القيود القانونية". وتقول الزميلة الصحافية إخلاص القاضي من وكالة الأنباء الأردنية (بترا): إن "تغليظ العقوبات المالية، يشكل قيدا صارخا"، يتعارض مع التزامات المملكة الدولية في حرية الرأي والتعبير وحقوق الإنسان. من جهته، يدعو الزميل الصحافي حاتم العبادي من صحيفة "الرأي" إلى تعديل قانون المطبوعات، بما يتناسب مع التزامات المملكة الدولية في رفع سقف الحريات الصحافية. ويشدد الزميل العبادي على أن ذلك يتفق مع توجه جلالته في رفع سقف الحريات الصحافية، وتعزيز حرية الرأي والتعبير والحوار المسؤول المهني من دون وجود أي إساءات أو اغتيال للشخصية. ويتفق مع ذلك، الزميل محمد غزال من صحيفة "الجوردان تايمز" الناطقة باللغة الإنجليزية، بتشديده على أن "رفع سقف الحرية، لا يتأتى من دون وجود بيئة تشريعية توفر أفضل الإمكانات للصحافيين حتى يعبروا عن آرائهم، وينقلوا الحقيقة كما هي". وبين هذه الطروحات والرؤى، ترتفع الأصوات المطالبة ب "تعديل قانون المطبوعات والنشر"، الذي يصفه صحافيون بأنه "لم يأت بجديد، سوى تشديد العقوبات القانونية المالية"، رغم ترويج الحكومة له على أنه عصري، ويتفق مع التزامات الأردن الدولية في تعزيز الحريات. وبجسب دراسة قانونية أعدها مركز حماية وحرية الصحافيين أخيرا، فإن المشكلة الأساسية في التشريعات التي تؤثر وتحكم مسار العملية الإعلامية في المملكة تكمن في أن المشرع "لم ينطلق من رؤيا توسع من فضاءات حرية الإعلام، ولم تستلهم روح الدستور الأردني في ضمان حرية الصحافة والتعبير، ولم تواكب المعايير والمعاهدات الدولية لحرية الإعلام". لذلك، فإن الكثير من التشريعات الإعلامية وغير الإعلامية، اتجهت الى وضع العراقيل أمام الإعلام والصحافة، فيما تحولت بعض المواد في التشريعات إلى "مصائد" و"حقول ألغام" من الصعب بعدها ممارسة الإعلامي لعمله بحرية من دون الخوف من الوقوع في شركها، حسب وصف الدراسة ذاتها.
كما أن هناك من يعتقد أن مشكلة الإعلام، تكمن في التعامل مع قانون المطبوعات والنشر، أو قانون نقابة الصحفيين، على ما أشارت اليه الدراسة.
بيد أن التجربة الحقيقية، تكشف عن أن الأمر أكثر تعقيداً من ذلك، فالقضايا التي رُفعت على الصحافة منذ عودة الحياة البرلمانية في العام 1989 لم تستند فقط على القانون الخاص بالصحافة والإعلام، بل تعدّت ذلك إلى العديد من القوانين الأخرى؛ إذ أصبح الصحافيون يحاكمون بموجب قانوني المطبوعات والنشر والعقوبات، أو أية قوانين أخرى في آن معاً، وفق الدراسة. وبعيداً عن المشكلات التشريعية، فإن التجربة العملية، كشفت كذلك عن أن قضايا الصحافة في السنوات الماضية تدخلت فيها السياسة، كما مارست الحكومات والأجهزة التابعة لها ضغوطاً خاصة في السنوات السابقة التي كثر فيها تحريك الحكومة لقضايا ضد الصحافة، وتحديداً الأسبوعية منها، كما جاء في الدراسة.