يوميات المقاومة: رغم مرور 7 أشهر على الحرب: صواريخ المقاومة تضرب الكيان المحتل    حالة الطقس لهذه الليلة..    حادث مرور مروع ينهي حياة شاب وفتاة..    إلى أين نحن سائرون؟…الازهر التونسي    أولا وأخيرا: لا تقرأ لا تكتب    افتتاح الدورة السابعة للأيام الرومانية بالجم تيسدروس    كاتب فلسطيني أسير يفوز بجائزة 'بوكر'    إيران تحظر بث مسلسل 'الحشاشين' المصري.. السبب    تعادل الأصفار يخيّم على النجم والإفريقي    بعد انفصال لعامين.. معتصم النهار يكشف سبب عودته لزوجته    إنتخابات جامعة كرة القدم: إعادة النظر في قائمتي التلمساني وتقيّة    البنك التونسي للتضامن يحدث خط تمويل بقيمة 10 مليون دينار لفائدة مربي الماشية [فيديو]    بسبب القمصان.. اتحاد الجزائر يرفض مواجهة نهضة بركان    بطولة المانيا: ليفركوزن يحافظ على سجله خاليا من الهزائم    بين قصر هلال وبنّان: براكاج ورشق سيارات بالحجارة والحرس يُحدّد هوية المنحرفين    نابل: إقبال هام على خدمات قافلة صحية متعددة الاختصاصات بمركز الصحة الأساسية بالشريفات[فيديو]    مشروع المسلخ البلدي العصري بسليانة معطّل ...التفاصيل    تونس تترأس الجمعية الأفريقية للأمراض الجلدية والتناسلية    الكشف عن مقترح إسرائيلي جديد لصفقة مع "حماس"    المعهد التونسي للقدرة التنافسية: تخصيص الدين لتمويل النمو هو وحده القادر على ضمان استدامة الدين العمومي    بودربالة يجدد التأكيد على موقف تونس الثابث من القضية الفلسطينية    انطلاق فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن    عميد المحامين يدعو وزارة العدل إلى تفعيل إجراءات التقاضي الإلكتروني    الكاف: قاعة الكوفيد ملقاة على الطريق    استغلال منظومة المواعيد عن بعد بين مستشفى قبلي ومستشفى الهادي شاكر بصفاقس    الدورة الثانية من "معرض بنزرت للفلاحة" تستقطب اكثر من 5 الاف زائر    تسجيل طلب كبير على الوجهة التونسية من السائح الأوروبي    بطولة مدريد للتنس : الكشف عن موعد مباراة أنس جابر و أوستابينكو    جمعية "ياسين" تنظم برنامجا ترفيهيا خلال العطلة الصيفية لفائدة 20 شابا من المصابين بطيف التوحد    جدل حول شراء أضحية العيد..منظمة إرشاد المستهلك توضح    تونس تحتل المرتبة الثانية عالميا في إنتاج زيت الزيتون    كلاسيكو النجم والإفريقي: التشكيلتان المحتملتان    عاجل/ الرصد الجوي يحذر في نشرة خاصة..    اليوم.. انقطاع الكهرباء بهذه المناطق من البلاد    وزير السياحة: 80 رحلة بحرية نحو الوجهة التونسية ووفود 220 ألف سائح..    عاجل/ مذكرات توقيف دولية تطال نتنياهو وقيادات إسرائيلية..نقاش وقلق كبير..    فضيحة/ تحقيق يهز صناعة المياه.. قوارير شركة شهيرة ملوثة "بالبراز"..!!    بمشاركة ليبية.. افتتاح مهرجان الشعر والفروسية بتطاوين    بن عروس: انتفاع قرابة 200 شخص بالمحمدية بخدمات قافلة طبيّة متعددة الاختصاصات    برنامج الدورة 28 لأيام الابداع الادبي بزغوان    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو مناضليه إلى تنظيم تظاهرات تضامنا مع الشعب الفلسطيني    8 شهداء وعشرات الجرحى في قصف لقوات الاحتلال على النصيرات    البطولة الوطنية: النقل التلفزي لمباريات الجولتين الخامسة و السادسة من مرحلة التتويج على قناة الكأس القطرية    مدنين: وزير الصحة يؤكد دعم الوزارة لبرامج التّكوين والعلاج والوقاية من الاعتلالات القلبية    الكاف: إصابة شخصيْن جرّاء انقلاب سيارة    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    وزير الخارجية يعلن عن فتح خط جوي مباشر بين تونس و دوالا الكاميرونية    السيناتورة الإيطالية ستيفانيا كراكسي تزور تونس الأسبوع القادم    بنسبة خيالية.. السودان تتصدر الدول العربية من حيث ارتفاع نسبة التصخم !    تألق تونسي جديد في مجال البحث العلمي في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    منوبة: تفكيك شبكة دعارة والإحتفاظ ب5 فتيات    مقتل 13 شخصا وإصابة 354 آخرين في حوادث مختلفة خلال ال 24 ساعة الأخيرة    كاردوزو يكشف عن حظوظ الترجي أمام ماميلودي صانداونز    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي".. العدوّ والذّريعة والبُعبُع
نشر في الفجر نيوز يوم 23 - 08 - 2009

أجمع المحلِّلون الغربيون على أن عملية التفجير التي استهدفت السفارة الفرنسية في نواكشوط يوم 9 أغسطس وأسفرت عن إصابة ثلاثة أشخاص (أعلن تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي يوم 17 من نفس الشهر مسؤوليته عنها)، مؤشر قوي على تصاعُد عمليات "القاعدة" في منطقة المغرب العربي.
وما أكّد هذه الرؤية، أن الخط البَياني لعمليات "القاعدة" في الجزائر، أبصر في الفترة الأخيرة اتِّجاها تصاعُديا، وهناك مخاوِف واسعة من أن يشكِّل شهر رمضان مناسبة لتصعيد التفجيرات والاغتيالات، طِبقا للمنهج الذي دأبَت عليه هذه التنظيمات في السنوات الماضية.
وأتى التفجير الذي استهدف السفارة الفرنسية في موريتانيا، تنفيذا لتحذير سابِق وجّهه أيمن الظواهري، الرجل الثاني في تنظيم القاعدة، بضرب المصالح الفرنسية بسبب موقف باريس من الحجاب، استِنادا إلى المركز الأمريكي لرصد المواقع الإلكترونية الإسلامية.
ومن الواضِح أن "القاعدة في بلاد الغرب الإسلامي" تسعى من خلال تكثيف العمليات وتوسيع مجالها الجغرافي إلى كافة البلدان المغاربية، لتكريس موقِعها المِحوري بوصفها قوّة المعارضة المسلحة الرئيسية في المنطقة.
ويرى الإعلامي الجزائري احميدة العياشي أن الهدف المباشر ل "القاعدة"، ليس قتال اليهود والنصارى، وإنما الإطاحة بالأنظمة الحاكمة لتعويضها بحكومات إسلامية وإرجاء قِتال الأجانب إلى مرحلة لاحقة.
وفي هذا السياق، تستفيد "القاعدة" من مناخ عدم الاستقرار والتوتّر، لكسب مزيد من الاهتمام بها، وخاصة لاستقطاب الإعلام. وسبق لأمير الجماعة عبد الملك دروكدال أن أكّد في حديث نادر أدلى به لصحيفة "نيويورك تايمز" في صيف العام الماضي، أنه يسعى لوضع تنظيمه في موقِع مِحوري داخل الجزائر وكذلك في الخارج، أي في علاقة مع القوى الدولية المؤثِّرة في المنطقة.
غير أن آمال مَدّ نفوذ تنظيمه إلى ليبيا المجاورة، تلقّت نكسة قوية بتسارُع التّقارب بين الحكم و«الجماعة الإسلامية المقاتلة»، التي تخلّت عن الخِيار العسكري وسلّمت عناصر بارزة منها إلى السلطات "مراجعاتها التصحيحية"، التي قام بها قادتها المسجونون في ليبيا، لتنضَم الجماعة إلى جماعات عديدة في العالم العربي، تراجعت عن سلسلة من مواقفها السابقة التي أباحت العُنف لقلْب أنظمة الحُكم في بلدانها.
وجاء صدور المراجعات بعد أيام من هجوم شنّه القيادي في «المقاتلة» أبو يحيي الليبي على حُكم العقيد معمر القذافي، لكن أبو يحيي لم يتحدّث باسم "المقاتلة"، وإنما بصفته قِيادياً في تنظيم «القاعدة». ونأى قياديون في "المقاتلة" الشهر الماضي بجماعتهم عن «القاعدة»، قائلين إن الجماعة الليبية ليست جزءً من التنظيم.
وقال الخبير التونسي في الشؤون الدولية احميدة بن رمضان ردّا على سؤال ل swissinfo.ch عمّا إذا كانت "القاعدة في بلاد الغرب الإسلامي" ظاهرة دائمة أم نتوءا عابِرا، أن تنظيم "القاعدة" لن يصل أبدا إلى الحُكم، إن كان في المغرب العربي أم في سِواه من المناطق، لسبب بسيط، وهو أن التاريخ أثبت أن أي حركة إرهابية، أي تلك التي تستخدم العنف المنهجي ضدّ المدنيين الأبرياء من أجل غايات سياسية، لم تنجح في الإطاحة بنظام قائم والحلول محلّه، بالنظر إلى أن وسائِلها تعزلها بسُرعة وتقطعها عن المدد الشعبي، الذي هو ضروري لأخذ الحكم.
وأضاف بن رمضان، الذي يعمل رئيسا للقسم الدولي في صحيفة "لابراس" اليومية التونسية، أن "القاعدة في بلاد الغرب الإسلامي "يمكن أن تغذّي بأعمالها نشرات الأخبار طيلة سنوات، لكنها حركة ضعيفة مقارنة ب "الجماعة السلفية المسلحة"، التي برزت في تسعينات القرن الماضي مثلا. فهي نفّذت بعض العمليات المثيرة على غِرار التفجيرات التي استهدفت مقرّات حكومية أو مكاتب للأمم المتحدة في الجزائر العاصمة، وقامت بهجمات جسورة على قوافِل عسكرية، غير أن نشاطها المسلّح يبقى ظاهرة هامشية ولا يُهدّد أي بلد من البلدان الخمسة، الأعضاء في الإتحاد المغاربي".
« نشاط "القاعدة في المغرب الإسلامي" المسلّح يبقى ظاهرة هامشية ولا يُهدّد أي بلد من البلدان الخمسة، الأعضاء في الإتحاد المغاربي »
احميدة بن رمضان، إعلامي تونسي
توزيع جديد للأدوار
واعتبر محلِّلون عسكريون جزائريون أن العمليّتين اللّتين وقعتا في برج بوعريريج وتيبازة في شهر يوليو الماضي، مؤشّر مهِمّ على توزيع أدوار جديدة في تنظيم "القاعدة".
والجدير بالذكر في هذا المضمار، أن الأمن الجزائري حدّد خمس مناطِق كُبرى لانتشار ما يُطلق عليه "الإرهاب"، بعدما توصّلت أخيرا أجهزة الاستخبارات إلى تأكيد معلومات تتّصل بإعادة انتشار الجماعات المسلّحة عبر الولايات والمناطق، وبإحداث تغييرات في توزيع الأدوار بين قيادييها وعناصرها، واعتبرت المصالح المتخصّصة في محاربة "القاعدة"، أن تلك التطورات تدُل على نفَس جديد في نشاط التنظيم.
وكانت عناصر "القاعدة" زحفت في مطلع الشهر الجاري على مواقع "حماة الدّعوة السلفية"، التنظيم المنافس لها في غرب البلاد، وأعلنت معمّر صوان مسؤولا جديدا في الغرب، حاسِمة بذلك التناحُر بين التنظيميْن ومكرّسة نفسها التنظيم المسلّح الوحيد النّشط في شرق البلاد وغربها. وفي هذا السياق، حرِصت على إعلان تبنِّيها لعملية استهدفت قافِلة للجيش في تيبازة، بعدما حامت شكوك قوية حول احتمال وقوف "الحماة" وراء العملية.
ونفّذت "القاعدة" في الفترة الأخيرة أيضا عملية في موريتانيا، أحدثت من الفرقعة الإعلامية أكثر ممّا أوقعت من الضحايا من خلال العملية الانتحارية التي استهدفت السفارة الفرنسية يوم 8 أغسطس 2009، أي بعد ثلاثة أيام من تسلّم الرئيس محمد ولد عبد العزيز مقاليد السلطة، وهو الذي تعهّد بمكافحة الإرهاب، والتي لم تُسفِر إلا عن جرح ثلاثة أشخاص. وأتت العملية بعد ستة أسابيع من اغتِيال مواطن أمريكي في حي القصر في العاصمة نواكشوط، والتي تبنّتها "القاعدة".
وحققت "القاعدة" هدفا تكتيكيا آخر بجرّ حكومة مالي إلى مُقايضة مُلفتة في الفترة نفسها، إذ استجابت حكومة الرئيس أمادو توماني توري من جديد لضغوط فرع "القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي"، في الصحراء والساحل الإفريقي، وقبلت بصفقة لتبادُل الأسرى أفرجت "القاعدة" بموجبها عن ثلاثة جنود ماليين كانت اختطفهم قبل فترة في اشتباكات مع الجيش المالي. وتكتّمت باماكو على طبيعة الصّفقة لقاء الإفراج الذي تمّ في منطقة قريبة من تومبوكتو، إلا أن مصادِر إعلامية جزائرية رجّحت إطلاق النظام المالي بدوره سراح ثلاثة سلفيين جهاديين ينتمون للتنظيم كانوا معتقلين لديه، ولم يُكشف عن أسمائهم.
ورأت سلمى بالعالة، الباحِثة في "مركز الدراسات والأبحاث الدولية" الفرنسي CERI أن الهدف الأخير للتنظيم هو البرنامج نفسه الذي كان لتنظيم الإخوان المسلمين وسائر الحركات الإسلامية، والمتمثل في "أسلَمة الدولة والمجتمع على السواء"، غير أنها أكّدت أن إيصاد الأبواب الشرعية أمام التيارات الإسلامية السياسية يُغذي التطرّف، مستدِلّة بالتجربة الجزائرية بين 1992 و1995، والتي قالت إنها اتّسمت بإقبال النشطاء الإسلاميين الراديكاليين على الإنخراط في "الجماعة الإسلامية المسلحة" في أعقاب حظر "الجبهة الإسلامية للإنقاذ".
واعتبرت المختصة في دراسة الحركات الأصولية في تصريح ل swissinfo.ch أن خطّ التبايُن الأساسي داخل التيار الإسلامي، يرتسم بين الذين اندمجوا في اللّعبة السياسية الشرعية ضمن الإطار القطري، والذين لجؤوا للعُنف الإرهابي وانتهجوا طريق "الجهاد الشامل".
بهذا المعنى، نفهم توسيع دائرة "الحرب الجهادية" التي تشنّها "القاعدة" بزعامة عبد الملك دروكدال، الملقب بأبي مصعب، إلى البلدان المحيطة بالجزائر، وخاصة التي تُعتبر حدودها مكشوفة، مثل موريتانيا ومالي والنيجر.
صورة نادرة تُظهر مسلحين في منطقة جبلية التقطت حسبما يبدو داخل الأراضي الجزائرية قبل عدة أعوام
صورة نادرة تُظهر مسلحين في منطقة جبلية التقطت حسبما يبدو داخل الأراضي الجزائرية قبل عدة أعوام
مطاردات جوية وحملة "جماعية"
هذا النشاط المُتزايد للتنظيم في مناطق مختلفة داخل الجزائر وخارجها، جعل المؤسسة العسكرية تنتقل سريعا إلى خطّة هُجومية بشنّ ثلاث حملات تمشيط واسعة، شارك فيها نحو عشرة آلاف جندي، إحداها في ولاية باتنة (510 كلم جنوب شرق العاصمة الجزائر) القريبة من الحدود المشتركة مع تونس، والثانية في تيبازة، القريبة من العاصمة، والثالثة في منطقة حدودية بين ولايتَيْ برج بوعريريج وبجاية (200 كلم شرق العاصمة).
وفي هذا الإطار، قرّر الجيش مُضاعفة عمليات الاستطلاع الجوي لمطاردة عناصر "القاعدة"، وأفيد أن وزارة الدفاع الجزائرية تدرس حاليا عدّة خيارات لاقتناء طائرات استطلاع بلا طيار، لاستعمالها في محاربة "الإرهابيين"، لكن مصادر مطّلعة أكّدت ل swissinfo.ch أن هذه الصفقة تُواجه صعوبات تِقنية وسياسية عديدة، من دون الكشف عن طبيعة الصعوبات.
وفي السياق نفسه، قررت الجزائر نقل تعاوُنها الأمني مع كل من ليبيا ومالي إلى مستوى أعلى، بُغية تطويق نشاط "القاعدة" في المنطقة. وأعلن الرئيس امادو توماني توري في الأسبوع الثاني من شهر أغسطس أن الجزائر وليبيا ومالي "ستضع سوِيا وسائِلها العسكرية لمكافحة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي الذي يهدِّد أمْن مِنطقتيْ الساحل والصحراء".
وكان الرئيس المالي أعلن لصحيفة "ليسور" L'Essor الحكومية في آخر قمّة عقدها الاتحاد الإفريقي مطلع شهر يوليو الماضي في ليبيا، أنه تحدّث مع الزعيم الليبي معمر القذافي والرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة بالخصوص عن الوضع السائد في منطقة الساحل والصحراء، موضِّحا "قرّرنا وضع إمكاناتنا العسكرية والاستخباراتية سوِيا لمُكافحة هذه المشكلة".
وشنّ الجيش المالي في شهر يونيو عمليات في منطقة الساحل والصحراء، استهدف عدّة مجموعات مسلحة، بما فيها "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، مُعلنا يوم 17 يوليو، أنه قتل 26 "مقاتلا إسلاميا" في هجوم شنّه لأول مرّة على مواقِع لتنظيم "القاعدة" عند الحدود مع الجزائر في أقصى جنوب البلاد. كما أكّد الجيش المالي أيضا أن "عشرات" الأشخاص قُتِلوا في الرابع من يوليو في منطقة تومبوكتو خلال مواجهات مع تنظيم القاعدة.
وكان ستة أوروبيين من بينها زوج سويسري ودبلوماسيان كنديان خُطِفوا خلال الأشهر الأخيرة في مالي والنيجر المجاوريْن للجزائر، وأُفرج عنهم جميعا ما عدا بريطاني أعدمه خاطِفوه.
ومن المقرّر أن يُعقد مؤتمر قمّة إقليمي حول الأمن في الساحل لمواجهة المخاطِر العابِرة للحدود، وتمّ تأجيله مؤقّتا، انتظارا للإستفتاء الدستوري الذي جرى في النيجر في 4 أغسطس، وسيشارك في أعماله قادة مالي وبوركينا فاسو والنيجر والجزائر وليبيا وتشاد.
غير أن ليبيا لم تنتظِر هذه القمة وأوفدت وزير داخليتها عبد الفتاح يونس العبيدي إلى مصر أواخر الشهر الماضي، حيث أجرى محادثات مكثّفة مع نظيره حبيب العادلي، ركّزاها على وسائل إحكام التنسيق الأمني "للتصدّي لكافة الظواهر التي من بينها الهجرة غير المشروعة والجريمة المنظمة ومكافحة الإرهاب بكافة أشكاله".
وما لبث هذا التعاون أن اكتسى بُعدا إقليميا، إذ لم تمضِ أربعة أيام على وقوع الهجوم المسلّح على السفارة الفرنسية في نواكشوط، حتى اجتمع رؤساء أركان الجيوش في كلٍّ من الجزائر وموريتانيا والنيجر ومالي في مدينة تمنراست، جنوب الجزائر، من أجل "إطلاق حملة جادّة وجماعية" ضدّ "القاعدة"، كما جاء في بيان رسمي.
وكشفت صحيفة "الوطن" الجزائرية، أن الحملة قِوامُها 25 ألف جندي سينتشِرون في المناطق الحدودية المُشتركة، التي اتّخذت منها "القاعدة" ملجأ آمنا من ملاحقة القوات النظامية، وقاعدة خلفية للتخطيط لمزيد من الهجمات. وأوضحت الصحيفة (الحسنة الإطلاع عادة) أن القوات العسكرية ستكون معزّزة بالطيران الحربي الجزائري خلال حملتها، ومدعومة من قبائِل الطوارق المُنتشرة في شمال مالي والنيجر، والتي تحتفِظ بعلاقات متِينة مع الحُكم في الجزائر.
ولوحظ أن هذه العملية الواسِعة، تشكِّل امتدادا لعمليات التّمشيط التي نفّذها الجيش داخل الجزائر، وهي لا تشمل الجيشيْن، المغربي والتونسي، ربما لأن الجزائريين يعتبِرون أن هدفها ينحصِر في توجيه ضربة قاصِمة لتنظيم "القاعدة"، الذي ينشط أساسا في بلدهم ويمتدّ إلى موريتانيا، لكن صحيفة "الوطن" أبدت استِغرابها من الغياب الملحوظ لليبيا من الاجتماع الرباعي، خصوصا أن البُلدان المشاركة تُعد لقمّة بين رؤسائها، سيكون مِحورها القضاء على "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي".
وقد تكون الجزائر تسعى للتّعاطي معها بوصفها الحليف الرئيسي للولايات المتحدة في المنطقة على حساب المغرب أساسا، وهو ما يبدو من تعليق الباحث الفرنسي إيف ديبوا Yves Dubois الذي قال ل swissinfo.ch، "إن الجزائر تعاطت مع الولايات المتحدة بعد تفجيرات 11 سبتمبر 2001، بوصفها الشريك الأكبر في الحرب على الإرهاب"، وأضاف أن "هذا التعاطي رفَع من منزِلة الجزائر في أنظار الأمريكيين على حساب حلفاء إقليميين آخرين"، لكنه حذّر من التغافُل عن دور النّفط في تلك النقلة "بالنظر إلى الموقِع البارز الذي باتت تحتلّه الشركات النفطية الأمريكية الكُبرى في الجزائر"، على حد قوله.
« الخطر الوحيد يتمثّل في توحيد الجماعات المُنتشرة في مدن مختلفة في إطار تنظيم وطني جامع »
سلمى بالعالة، خبيرة جزائرية
تطابق مع الجزائر وليبيا
ومن البديهي أن التركيز الجزائري على محاولة التخلّص من "القاعدة"، يتطابق مع أولويات السياسة الأمريكية في شمال إفريقيا، التي ركّزت أيضا اتِّصالاتها مع دول المنطقة في الفترة الأخيرة، على تطوير التعاون في مكافحة الجماعات المسلحة وفي مقدّمتها "القاعدة".
ومن دلائل ذلك، أن جيفري فالتمان، مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط بالوكالة، أكّد خلال زيارته لطرابلس أواخر شهر يوليو الماضي، أن الولايات المتّحدة "تأمل بتعزيز تعاونها مع ليبيا في المجال العسكري، ولاسيما فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب".
وقال خلال مؤتمر صحفي عقده في طرابلس "إن ليبيا والولايات المتحدة مُدركتان للخطر الذي يُمثله تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، مشدِّدا على أنهما متّفقتان على التعاون من أجل الحيلولة دون حصول اعتداءات إرهابية جديدة في شمال إفريقيا.
ويُعزى هذا التّركيز إلى أن أنشطة "الجماعة السلفية للدّعوة والقتال"، كانت منحصرة بشكل أساسي في الجزائر، قبل أن يُوسّع التنظيم دائرة عملياته مع تحوّله إلى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي قبل حوالي ثلاثة أعوام، وتحديدا في سبتمبر 2006، إلى منطقة "الساحل"، حيث غالِبا ما يستهدف مصالح ورعايا غربيين.
وتشير إحصاءات مَوثوقة، أن الجماعات المسلحة المرتبطة ب "القاعدة"، اختطفت حتى الآن 30 سائحا غربيا ودبلوماسيين كنديين أفرجت عنهم جميعا، لقاء صفقات مالية مُعتبرة، عدا مواطنيْن، سويسري وبريطاني.
ورأى الإعلامي التونسي احميدة بن رمضان أن الملاحقات المكثّفة، التي تتعرض لها عناصر "القاعدة" في البلدان المغاربية، وخاصة في الجزائر وتونس، تُفسِّر هجرتها إلى الجنوب نحو مالي والنيجر "حيث هي أبعد ما تكون عن الإنتشار والعنفوان، بل أقرب إلى الغوص البطِيء في رمال الصحراء، وخاصة في ظِل تطوير التنسيق الأمني بين الجزائر وجيرانها الجنوبيين".
وسألته swissinfo.ch عن سِرّ بقاء التنظيم، رغم كثافة المطاردات وتلاحُق الضربات العسكرية، فأشار إلى أن محلِّلين كُثرا يعتقِدون أنه، إذا استمر هذا التنظيم كلّ هذه المدّة ولم يُقضَ عليه قضاءً مُبرما، فلأن المؤسسة العسكرية الجزائرية تحتاج إليه من أجل أسباب واضِحة، تتّصل بميزانية الدّفاع وتأثير الجنرالات في الساحة السياسية الجزائرية. وأكد أن الجيش "يُهاجِم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي من أجل إضعافه، لكنه لا يريد تدميره بالكامل، لأنه يُستخدَم ذريعة وبُعبُعا في الوقت نفسه".
وسُئل: هل أن الضّجيج الإعلامي الذي يرافِق عمليات تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي مُضخم، فأجاب "بلى من دون شك، فهُم يتحدّثون عنه بأكثر ممّا يستحق، كما أن القلق الذي يُثيره هنا وهناك غير متناسِب مع قوته الحقيقية". وأضاف أن الولايات المتحدة يُمكن أن تكون لها أيضا مصلحة في استخدام هذا التنظيم بُعبعا على نحو يُسهِّل تركيز قاعدة أمريكية في إفريقيا، في إطار ما يُطلق عليه الأمريكيون "تعزيز المكافحة الشاملة للإرهاب"، والذي يثير في واقع الأمر في أوساط الأفارقة ردود فِعل تُراوح بين التحفّظ إلى المعارضة الصريحة.
غير أن سلمى بالعالة حذّرت من مفاجأة قد تأتي من الجماعات المتشدّدة المغربية التي نمت في الأحياء القصديرية ولا يمكن السيطرة عليها. وأوضحت أن هذه الجماعات الصغيرة لا تنحدر من الفئات الفقيرة في المُدن، وإنما من المعدمين الذين يُنشِئون مساجد من ألواح القصدير لبث الخُطب الحماسية ويشكِّلون مجموعات مستقلّة عن بعضها البعض، لكنها موصولة بتنظيمات دولية.
وأشارت إلى أن الفترة الانتقالية التي أعقبت إقالة وزير الداخلية القوي على أيام الملك الحسن الثاني إدريس البصري وتنحية رؤساء الأقاليم الأمنية المُوالين له، هي التي أبصرت ميلاد معظَم التنظيمات الرّاديكالية التي نفّذت تفجيرات وعمليات اغتِيال في مدن مغربية في السنوات الأخيرة.
واعتبرت بالعالة أن الخطر الوحيد يتمثّل في توحيد الجماعات المُنتشرة في مدن مختلفة، في إطار تنظيم وطني جامع، لكنها لاحظت أن التنظيمات ما زالت مشتّتة حتى الآن ومُفتقِرة لقيادة موحّدة، وتساءلت "إلى متى سيستمِر هذا الوضع؟".
رشيد خشانة – تونس – swissinfo.ch


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.