سعد مرتضى مؤلف هذا الكتاب, هو أول سفير مصري وعربي يمثل بلاده في إسرائيل بعد زيارة الرئيس أنور السادات تل أبيب في نوفمبر/تشرين الثاني 1977, وبعد توقيع اتفاقيات كامب ديفد وبدء ما سمي "عملية السلام" في نهاية السبعينيات من القرن الماضي. - الكتاب: مهمتي في إسرائيل - المؤلف: سعد مرتضى - الصفحات: 336 - الناشر: دار الشروق, القاهرة - الطبعة: الأولى/2008
جاءت مهمة مرتضى وسط أجواء عربية وعالمية شديدة التوتر والحساسية والتعقيد, زاد من سخونتها تأزم الموقف العربي رسميا وشعبيا, وقطع العلاقات الدبلوماسية بين أغلب الدول العربية ومصر, واشتعال الحرب الإعلامية ضد مصر باعتبارها خارجة على الإجماع العربي في موقفه من إسرائيل. تلك الأجواء انتهت باغتيال الرئيس المصري أنور السادات في أكتوبر/تشرين الأول 1981. هذا الكتاب استعراض لهذه المرحلة الخطيرة, وهذه التجربة المثيرة. كيف قَبِل المؤلف أن يكون سفيرا لمصر لدى العدو الإسرائيلي, وكيف عاش هذه الأجواء العصيبة, وكيف وجد المجتمع الإسرائيلي, وكيف تعامل معه ومع القضايا التي كلف بها أثناء توليه مسؤولية امتدت 31 شهرا, ابتداء من فبراير/شباط 1980 وحتى العدوان الإسرائيلي على لبنان الذي قررت الحكومة المصرية بسببه سحب سفيرها في سبتمبر/أيلول 1982. وجهة نظر شخصية حرص المؤلف منذ البداية على التأكيد أن هذا الكتاب مجرد وجهة نظر شخصية وليست رسمية, وأنه يروي تجربة ذاتية وليست تأريخا للمرحلة, وبالتالي فهو يتوقع أن يثير كتابه انتقادا سواء من الجانب المصري والعربي أو من جانب إسرائيل. في الفصل الأول يتحدث المؤلف عن حياته الدبلوماسية قبل تكليفه بالسفر إلى إسرائيل, وكيف خدم في وزارة الخارجية حتى وصل إلى منصب سفير مصر في دولة الإمارات العربية المتحدة عقب استقلالها عام 1971, ثم سفيرا في السنغال, وفي المغرب, حتى جرى قطع علاقاتها الدبلوماسية مع مصر عقب زيارة الرئيس السادات إسرائيل. ويبين أنه عمل مديرا لإدارة الصحافة بالخارجية حتى استدعاه وزير الدولة للشؤون الخارجية آنذاك الدكتور بطرس غالي في ديسمبر/كانون الأول 1979 ليبلغه ترشيحه للعمل سفيرا في إسرائيل. كان اختيار المؤلف لهذا المنصب مفاجأة للجميع, حتى بالنسبة له شخصيا, لأنه لم يعمل في إدارة فلسطين ولا إسرائيل في وزارة الخارجية, ولم يسافر إلى القدس مع الرئيس السادات, ولم يشارك في محادثات كامب ديفد, لكنه في نفس الوقت كان مؤيدا لعملية السلام, ولديه اقتناع بإمكانية تحقيق السلام بين مصر وإسرائيل, لصالح الأمة العربية والإسلامية, رغم ما يلوح في الأفق من صعاب. السفر إلى إسرائيل يروي المؤلف في الفصل الثاني كيف التقى برئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن أثناء زيارته مدينة أسوان للقاء الرئيس المصري في يناير/كانون الثاني 1980, وكيف واجه الإعلام المصري والأجنبي المتعطش لمعرفة السفير الجديد وآرائه ومواقفه وموعد سفره إلى تل أبيب, ثم لقائه بوفد من حزب "المابام" الإسرائيلي المعارض لحكومة الليكود أثناء زيارته للقاهرة. وصباح يوم سفره إلى إسرائيل استقبله الرئيس السادات وأوصاه بتنفيذ تعليماته بكل دقة ومتابعة ما يصدر عنه من تصريحات, مؤكدا أن المهمة صعبة وأن هناك الكثير من العراقيل, لكن لا بد من بذل الجهود لتحريك الموقف المتعنت لحكومة الليكود إزاء مباحثات الحكم الذاتي, حتى يتمكن الشعب الفلسطيني من أن يمارس حريته وحقه في تقرير مستقبله عند نهاية المرحلة الانتقالية التي نصت عليها اتفاقيات كامب ديفد. " المجتمع الإسرائيلي يتكون من أعراق كثيرة جدا ولغات متعددة, لكن إيمانهم الراسخ ب"أرض إسرائيل" هو ما يوحدهم " مزيج من التوتر والتفاؤل ويقول المؤلف إنه شعر بمزيج من التوتر والرغبة في التفاؤل أثناء ركوبه في الطائرة متجها إلى إسرائيل, ومرت في مخيلته صور الحروب السابقة في 56 و67 و1973, ولكنه كان متفائلا بنجاح مهمته, خصوصا أن اتفاقات السلام ستعيد لمصر ما بقى من أرض سيناء تحت الاحتلال الإسرائيلي. وعندما وصل إلى مطار بن غوريون وجد حشدا من الإعلاميين في استقباله, كما وجد اهتماما رسميا كبيرا. وفي اليوم التالي لوصوله قدم أوراق اعتماده لرئيس الدولة العبرية إسحق نافون, ليبدأ بعدها مهمته ويتعرف على المجتمع الإسرائيلي. وفي الفصل الثالث يتحدث المؤلف عن رؤيته للمجتمع الإسرائيلي الذي يتكون من أعراق كثيرة جدا ولغات متعددة, لكن إيمانهم الراسخ ب"أرض إسرائيل" هو ما يوحدهم, والفوارق بين الطوائف المكونة للمجتمع اليهودي واضحة. وبينما يسيطر اليهود الغربيون (الأشكناز) على السلطة، تهمش بقية العرقيات والقوميات, ورغم أن 80% من الإسرائيليين لا يتمسكون بكل التقاليد الدينية, فإن إيمانهم بأنفسهم كشعب يهودي ثابت لا يتزعزع. مجتمع غربي وفي تقييمه للمجتمع الإسرائيلي يقول المؤلف إنه مجتمع يتسم بالحيوية والنشاط والقدرة على التكيف, وأن مستوى المعيشة لديه مرتفع بالمقارنة مع دول المنطقة, والوعي السياسي كذلك, وهناك اهتمام كبير بمتابعة الأخبار والأحداث العالمية, وما يدور في أميركا بصفة خاصة, والإسرائيلي يثق بشكل عام في الأنباء التي يسمعها من إذاعة صوت إسرائيل أو يقرأها في صحافته. والمجتمع اليهودي يتمتع بروح الدعابة ويطلق النكات حتى على اليهود, أما أسطورة "البخل اليهودي" فليست صحيحة على إطلاقها, لكن الإسرائيلي عادة لا يبذر المال, ولا ينفقه على المظاهر. والخلاصة أن المجتمع الإسرائيلي مختلط في تكوينه, يميل إلى المجتمعات الأوروبية أكثر منه إلى المجتمعات العربية المحيطة به, ويعتبر الولاياتالمتحدة مثله الأعلى في الديمقراطية والحرية الفردية. " بيريز قيادة سياسية وحزبية محنكة وذات خبرة طويلة, ويتمتع برؤية سياسية واضحة, ويتقن فن الحوار السياسي ولا يسرف في إعطاء الوعود, في حين كان إسحق رابين شخصية جادة، أما شارون فشخصية عدوانية مليئة بالحيوية وتعرف ما تريد " شخصيات إسرائيلية في الفصل الرابع يستعرض المؤلف رؤيته وتقييمه لشخصيات إسرائيلية التقى بها. حيث يقول عن مناحيم بيغن إنه يعتبر نفسه صاحب رسالة سماوية يلتزم بأدائها, ويعيش الواقع والحاضر على ضوء التاريخ, ويؤمن بأن رسالته هي إعادة بناء صرح "مملكة إسرائيل". ويقول إن بيغن كان صاحب ثقافة تاريخية وقانونية وإنه ذكي وسريع البديهة, لكنه كان حاسما وصارما وعنيدا, وكان محل إعجاب الكثيرين في إسرائيل. ويقول عن رئيس إسرائيل إسحق نافون إنه صاحب شخصية واضحة ومحببة إلى النفس ويجيد الحديث بالعربية كأحد أبنائها, في حين كان وزير الدفاع عزرا وايزمان متسرعا في قراراته, رغم أنه شخصية محبوبة وجذابة وأهل للثقة. أما وزير الأديان الدكتور يوسف بورج فكان يتمتع بنصيب من روح الفكاهة, ولكنه كان مثالا للصلابة والتمسك بالمواقف. ويقول عن شخصية شيمون بيريز إنه قيادة سياسية وحزبية محنكة وذات خبرة طويلة, ويتمتع برؤية سياسية واضحة, ويتقن فن الحوار السياسي ولا يسرف في إعطاء الوعود, أما إسحق رابين فكان شخصية جادة لم يره المؤلف مبتسما قط, ويرى أن شارون كان شخصية عدوانية طموحة, ويتمتع بتأييد المتطرفين الإسرائيليين, لكنه مليء بالحيوية ويعرف ما يريد. من النيل إلى الفرات في الفصل الخامس يتحدث المؤلف عن بعض المؤسسات الإسرائيلية مثل الكنيست, ويقول إنه بحث عن الخريطة التي قيل إنها موجودة على جدرانه ومكتوب عليها: إسرائيل من النيل إلى الفرات فلم يجدها, ورغم ذلك فإسرائيل تطمع في أمور كثيرة. ويتحدث المؤلف عن الاشتراكية الاختيارية في "الكيبوتس"، ويرى أن الحياة فيها ليست طبيعية, وأن الكيبوتس تضم 3% فقط من مجموع السكان الذين يسكنون معا ويعملون بطريقة جماعية, لا يملك أحدهم شيئا ولا يتقاضون أجرا. كما يتناول تعاونيات الملاك واتحاد العمل (الهستدروت) الذي يضم 90% من الأيدي العاملة من كل مهنة وتجارة, ويشير إلى صناعة الماس وتجارته في إسرائيل التي تدر جزءا مهما من الدخل القومي, يأتي بعد تجارة السلاح. مسيرة التطبيع ويناقش المؤلف مسيرة التطبيع في الفصل السادس ويرى اختلافا في تصور الدولتين حوله, فإسرائيل ترى أن التطبيع يشمل كل شيء بدون تحفظ, وأن يتم ذلك في أسرع وقت ممكن, ولا ينبغي أن يرتبط بالتقدم في محادثات السلام. لكن مصر كانت ترى أن قيام السلام بين البلدين هو ثمن الانسحاب الكامل من سيناء, لكن ذلك لا يعني أن يشمل التطبيع كل شيء, ولا أن يتم فوراً بسبب مصالح مصر في الدول العربية. ويقول المؤلف إنه رغم الخلاف في وجهتي النظر بين مصر وإسرائيل, فإن لجان التطبيع كانت تواصل عملها في القاهرةوالقدس, وقطعت شوطا طويلا تمثل في الاتفاقات التي أمكن الوصول إليها وبلغ عددها 42 اتفاقا فرعيا. ويشير إلى أن إقدام إسرائيل على تدمير المفاعل النووي العراقي في يونيو/حزيران 1981 أدى إلى تدهور العلاقة بينها وبين مصر, وأن الرئيس السادات أمر بوقف التعاون المصري مع خبراء الزراعة الإسرائيليين. وأسهمت التصرفات الإسرائيلية اللاحقة, وخاصة غزو لبنان 1982, في تحويل السلام بين مصر وإسرائيل إلى سلام بارد. " المؤلف ربما بالغ في تحسين صورة المجتمع الإسرائيلي, وقدم رموزه كقادة وأبطال, في الوقت الذي لا يزال فيه هذا الكيان العنصري يمارس القتل والتخريب والاغتيال والتدمير, كما أنه يعاني الكثير من الأزمات الداخلية والفشل, ولعل آخرها ما ذكره تقرير فينوغراد عن الفشل في حرب لبنان " الحكم الذاتي في الفصل السابع يستعرض المؤلف مشروع الحكم الذاتي للشعب الفلسطيني, ويشير إلى أن التصور الإسرائيلي كان يرى في الحكم الذاتي مجرد مشروع لمجلس بلدي مع احتفاظها بكل السلطات. وهذا معناه تأييد الاحتلال وإضفاء الشرعية عليه, وهو ما رفضته مصر رفضا باتا, حيث كانت ترى تمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه المطلق في تقرير مصيره, بما في ذلك إقامة دولته المستقلة ويجب أن يمارس السلطات الدستورية الثلاث. كما اعتبرت مصر أن جميع المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة غير مشروعة, وأن سلطة الحكم الذاتي المنتخبة تشمل جميع الأراضي المحتلة بعد يونيو/حزيران 1967 بما في ذلك القدسالشرقية التي تصبح مقرا للسلطة, لكن الأمور وصلت بين الطرفين إلى طريق مسدود. وفي الفصل الثامن يستعرض المؤلف عددا من المواقف التي اتخذتها إسرائيل ورفضتها مصر ومنها ضم القدسالشرقية وضم الجولان وإنشاء قناة تصل البحر الأبيض المتوسط بالبحر الميت, وكذلك إقامة المستوطنات في الأراضي العربية المحتلة, وكيف أن مصر رفضتها بقوة في المحافل الدولية استنادا إلى القانون الدولي. الانسحاب من سيناء في الفصل التاسع يتحدث المؤلف عن استكمال الانسحاب الإسرائيلي من سيناء وعودتها إلى السيادة المصرية في أبريل/نيسان 1982 باعتبارها جزءا من اتفاقية كامب ديفد التي وقعها الرئيس السادات, ثم أزمة الحدود في طابا وحلها بالتحكيم الدولي رغم تصلب الموقف الإسرائيلي. وفي نهاية الكتاب يحمل المؤلف إسرائيل مسؤولية "السلام البارد" بسبب تصلب مواقف قادتها, مما دفع الرئيس مبارك لرفض زيارة القدس, بل وإلغاء زيارة كانت مقررة في أوائل حكمه. كما يستعرض الغزو الإسرائيلي للبنان في صبيحة السادس من يونيو/حزيران 1982, ثم حصار بيروت والانسحاب في أغسطس/آب, وكذلك مذبحة صابرا وشاتيلا في سبتمبر/أيلول. وهذا ما دفع الرئيس المصري إلى اتخاذ قراره بسحب السفير المصري من تل أبيب احتجاجا على هذا العدوان الإسرائيلي على لبنان, ولتنتهي مرحلة من مراحل الصراع مع إسرائيل. ونلاحظ مع انتهاء هذا الاستعراض لأهم محاور وملامح الكتاب, أن المؤلف ربما بالغ في تحسين صورة المجتمع الإسرائيلي وقدم رموزه كقادة وأبطال, في الوقت الذي لا يزال فيه هذا الكيان العنصري يمارس القتل والتخريب والاغتيال والتدمير, كما أنه يعاني الكثير من الأزمات الداخلية والفشل, ولعل آخرها ما ذكره تقرير فينوغراد عن الفشل في حرب لبنان.