الشركات الأهلية : الإنطلاق في تكوين لجان جهوية    التشكيلة المنتظرة لكلاسيكو النجم الساحلي و النادي الإفريقي    وزير السياحة: عودة للسياحة البحرية وبرمجة 80 رحلة نحو تونس    انقطاع التيار الكهربائي بعدد من مناطق سيدي بوزيد والمنستير    كيف سيكون طقس اليوم ؟    عاجل/ الرصد الجوي يحذر في نشرة خاصة..    فضيحة/ تحقيق يهز صناعة المياه.. قوارير شركة شهيرة ملوثة "بالبراز"..!!    عاجل/ مذكرات توقيف دولية تطال نتنياهو وقيادات إسرائيلية..نقاش وقلق كبير..    اكتشاف أحد أقدم النجوم خارج مجرة درب التبانة    يتضمن "تنازلات".. تفاصيل مقترح الإحتلال لوقف الحرب    ليبيا ضمن أخطر دول العالم لسنة 2024    بمشاركة ليبية.. افتتاح مهرجان الشعر والفروسية بتطاوين    كلوب يعلق على المشادة الكلامية مع محمد صلاح    بطولة مدريد للماسترز: أنس جابر تتأهل الى الدور ثمن النهائي    زيادة ب 4.5 ٪ في إيرادات الخطوط التونسية    بن عروس: حجز 214 كلغ من اللحوم الحمراء غير مطابقة لشروط النقل والحفظ والسلامة الصحية للمنتجات الغذائية    الترجي الرياضي يفوز على الزمالك المصري. 30-25 ويتوج باللقب القاري للمرة الرابعة    وزير الثقافة الإيطالي: "نريد بناء علاقات مثمرة مع تونس في مجال الثقافة والتراث    معرض تونس الدولي للكتاب : أمسية لتكريم ارواح شهداء غزة من الصحفيين    ''ربع سكان العالم'' يعانون من فقر الدم وتبعاته الخطيرة    بن عروس: انتفاع قرابة 200 شخص بالمحمدية بخدمات قافلة طبيّة متعددة الاختصاصات    سوسة: وزير السيّاحة يشرف على حملة تفقد لعدد من الوحدات الفندقية    رئيس البرلمان يحذّر من مخاطر الذكاء الاصطناعي    تخص الحديقة الأثرية بروما وقصر الجم.. إمضاء اتفاقية توأمة بين وزارتي الثقافة التونسية و الايطالية    عمار يطّلع على أنشطة شركتين تونسيتين في الكاميرون    توزر.. مطالبة بحماية المدينة العتيقة وتنقيح مجلة حماية التراث    سوسة: القبض على 5 أشخاص يشتبه في ارتكابهم جريمة قتل    برنامج الدورة 28 لأيام الابداع الادبي بزغوان    بن عروس: حجز 214 كلغ من اللحوم الحمراء غير مطابقة لشروط النقل والحفظ والسلامة الصحية    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    اعتماد خطة عمل مشتركة تونسية بريطانية في مجال التعليم العالي    رئيس الجمهورية يستقبل وزير الثقافة الإيطالي    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو مناضليه إلى تنظيم تظاهرات تضامنا مع الشعب الفلسطيني    رئيس الاتحاد المحلي للفلاحة ببوعرقوب يوجه نداء عاجل بسبب الحشرة القرمزية..    القطب المالي ينظر في اكبر ملف تحيل على البنوك وهذه التفاصيل ..    اليوم..توقف وقتي لخدمات الوكالة الفنية للنقل البري عن بُعد    8 شهداء وعشرات الجرحى في قصف لقوات الاحتلال على النصيرات    البطولة الوطنية: النقل التلفزي لمباريات الجولتين الخامسة و السادسة من مرحلة التتويج على قناة الكأس القطرية    مدنين: وزير الصحة يؤكد دعم الوزارة لبرامج التّكوين والعلاج والوقاية من الاعتلالات القلبية    طقس السبت: ضباب محلي ودواوير رملية بهذه المناطق    أخبار الملعب التونسي ..لا بديل عن الانتصار وتحذير للجمهور    مانشستر سيتي الانقليزي يهنّئ الترجي والأهلي    رئيس الجمهورية قيس سعيّد.. المفسدون... إمّا يعيدون الأموال أو يحاسبهم القضاء    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    الكاف: إصابة شخصيْن جرّاء انقلاب سيارة    وزير الفلاحة: "القطيع متاعنا تعب" [فيديو]    بنسبة خيالية.. السودان تتصدر الدول العربية من حيث ارتفاع نسبة التصخم !    تألق تونسي جديد في مجال البحث العلمي في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    منوبة: تفكيك شبكة دعارة والإحتفاظ ب5 فتيات    قفصة: ضبط الاستعدادات لحماية المحاصيل الزراعية من الحرائق خلال الصّيف    تونس : أنس جابر تتعرّف على منافستها في الدّور السادس عشر لبطولة مدريد للتنس    مقتل 13 شخصا وإصابة 354 آخرين في حوادث مختلفة خلال ال 24 ساعة الأخيرة    عميرة يؤكّد تواصل نقص الأدوية في الصيدليات    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    انطلاق أشغال بعثة اقتصادية تقودها كونكت في معرض "اكسبو نواكشوط للبناء والأشغال العامة"    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عندما يصبح الحصار طريقا للإنتصار (6)
نشر في الفجر نيوز يوم 29 - 02 - 2008


عندما يصبح الحصار طريقا للإنتصار (6)
*علي شرطاني
- معنى أن يتحقق الإنتصار في ظل الحصار؟
لا نعني بالإنتصار ذلك المعنى الذي أعطاه إياه النظام العربي الرسمي في كل تاريخه "التقدمي" منه والرجعي، والذي حول فيه كل الهزائم والخسائر إلى انتصارات. وهي المعاني التي أعطتها له النخبة القومية العربية الخادمة لأنظمة الهزائم والدكتاتورية "التقدمية"باسم القومية العربية والحرية والإشتراكية والوحدة، والنخبة التقليدية "الرجعية" باسم العروبة والإسلام، وهي سائرة كلها في ركاب الغرب الإستعماري الصليبي شرقا وغربا، ومنفذة لمخططه في التقسيم وتثبيت الكيان الصهيوني العنصري والتمكين له، وهي وفي جانب منها كبير عل الأقل، تخوض معه معارك خاسرة كانت الجماهير العربية تدفع تكلفتها وثمنها غاليا، وهي التي كانت نتائجها في الهزيمة معلومة سلفا.
لقد انتهى عصر تلك المعاني، وانتهى التوازن الغربي الغربي، وانتهى عصر الحروب الوهمية المفتعلة التي كان يخوضها النظام العربي مع العدو مهما كان أصحابها صادقون، ومهما كان الناس يعتقدون في صدقهم، ومهما كان استمرار البعض على ذلك، وبقي النظام العربي المتهالك، وجاء عصر العولمة والهيمنة الأمريكية الصهيونية على العالم، وعصر التطبيع مع الكيان الصهيوني على قاعدة اعتبار السلام بالمفهوم الغربي الأمريكي الصهيوني خيارا استراتيجيا، وإنهاء المقاومة وتجريم حركة الجهاد واعتبارها إرهابا، واعتبار الفعل المقاوم الإستشهادي انتحارا، وسن القوانين لمحاربة حركة الجهاد والتحرر والتحرير من مثل القانون الأمريكي لمحاربة الإرهاب وغسيل الأموال المقصود به تجفيف منابع الدعم المادي للمقاومة وحركة الجهاد في العالم العربي الإسلامي وفي العالم، وتجريم الإشادة بالمقاومة وبالجهاد وبحركات المقاومة والجهاد في مواجهة الحملة الصليبية الصهيونية التي يقودها مجرم الحرب بامتياز الأمبراطور الأمريكي جورج بوش الإبن، المؤيد من كرزايات النظام العربي والأنظمة العلمانية الظالمة في مختلف أوطان شعوب الأمة الإسلامية، وأخيرا تجريم الفضائيات ومنابر الإعلام الحر والأحرار في الأمة حماية للنمطية المقيطة للإعلام الرسمي للنظام العربي المتحجر، وخطابه الخشبي المتخلف، خدمة للإمبريالية الأمريكية والصهيونية العالمية وبأمر منهما.
وهكذا كان الأمر دائما بالنسبة لعلاقة النظام العربي في المنطقة العربية، وسائر الأنظمة في باقي أوطان شعوب الأمة الإسلامية بالقوى الغربية الإستعمارية. فهي التي تحقق من خلالها وعن طريقها وبفعلها ما تعجز عن تحقيقه بنفسها، بل وهي التي حققت عن طريقها ومن خلالها ما لم تستطع أن تحققه هي نفسها إبان حضورها العسكري الإستعماري المباشر. وقد أفادت التجربة أن ما عجزت القوى الإستعمارية عن انتزاعه من شعوب الأمة قد انتزعته عن طريق النخب العلمانية العبثية والتقليدية العدمية المكونة للنظام العربي "الإسلامي" والداعمة له.
إن الذي نعنيه بالإنتصار هو ما تحقق للشعب الأفغاني المسلم من إلحاق الهزيمة بواحدة من أكبر الجيوش المجهزة أفضل تجهيز والمدربة أحسن تدريب في العالم، والذي انتهى بسقوط النظام اللائكي الرجعي الماركسي الظلامي، والذي لحقت لعنته الإتحاد السوفياتي المهزوم، وقائد المعسكر الشرقي الذي انتهى إلى السقوط والتفكك في وقت مبكر وبسرعة مذهلة فاجأت كل المراقبين، والذي انتهت بنهايته المنظومة الشرقية الإشتراكية كلها.
وانتصار حزب الله اللبناني على الكيان الصهيوني عام 2000 وعام2006 ، وهو الذي لم يعرف هزيمة واحدة في تاريخ حروبه مع النظام العربي منذ نشأته سنة 1948. هذا الإنتصار الذي استاء أول وأكثر من استاء منه النظام العربي، وجانب كبير من النخبة العلمانية اللائكية في الوطن العربي والعالم الإسلامي، وهو الذي لم يعرف انتصارا واحدا ولم يذق له طعما، وهو الذي ذاق وأذاق الجماهير والشعوب كلها مرارة الهزائم المتعددة عقودا من الزمن، وهو الذي لا يريد لأي جهة أو قوة من داخل الأمة أن تحقق انتصارا ليكون الكل في الهزيمة والفشل سواء.
والذي نعنيه بالإنتصار هو ما توصلت إليه المحاكم الإسلامية في الصومال من حسم للصراع الذي ظلت رحاه دائرة فيه أكثر من 16 سنة أتت فيه على الأخضر واليابس، لتتدخل الولايات المتحدة الأمريكية في الوقت المناسب، وتحول ذلك الإنتصار إلى هزيمة عن طريق التدخل العسكري المباشر، وعن طريق عملائها ووكلائها من الأعداء الداخليين في البلاد والخارجيين في أفريقيا وفي العالم العربي والإسلامي، من الأنظمة والقوى التي بعد ما كانت تعطي للهزيمة الحقيقية معنى الإنتصار، أصبحت تعطي للإنتصار الحقيقي معنى الهزيمة.
ويحق للأحرار من أبناء الأمة أن يشيدوا بالإنتصار الذي حققه الشعب الفلسطيني ومقاومته المجاهدة الباسلة على العدو الصهيوني العنصري، بإجباره على مغادرة قطاع غزة بفعل الجهد المقاوم لفصائل المقاومة الفلسطينية وللشعب الفلسطيني كله.وهو الإنتصار الذي يريد النظام العربي البائس والنخب الفاسدة الداعمة والخادمة له أن يحولوه إلى هزيمة، مثلما حولوا انتصار الجيش المصري والشعب المصري الداعم والمؤيد له سنة 1973 إلى هزيمة أبقى للكيان الصهيوني سيطرة مازالت قائمة على صحراء سيناء.
والذي مازال يسوء النظام العربي البائس أن حركة المقاومة الإسلامية "حماس" التي ضاقت ذرعا بالفوضى وبالفلتان الأمني والسياسي، وبالعبث بمكاسب ومصالح الشعب الفلسطيني كله، وجدت نفسها أمام مسؤوليتها التاريخية مضطرة لرفع الضر عن الشعب الفلسطيني، بالحسم العسكري والإستلاء على مؤسسات السلطة الراجعة بالنظر للرئيس الفلسطيني محمود عباس وعصابته، تفاديا لكارثة كانت وشيكة الحلول بالشعب الفلسطيني، وهي التي فعلت ذلك لإقرار الحق والعدل وفرض الأمن، وإنهاء الفوضى التي لا مصلحة فيها لتجار المخدرات، وللمتاجرين بأعراض الشعب الفلسطيني، وللمتخابرين مع الكيان الصهيوني للإلحاق الضربات الموجعة والمؤلمة به وبمقاومته الباسلة، ولا للصوص من أصحاب النفوذ في ما يسمى السلطة الوطنية الفلسطينية، وللمرتشين والمأجورين والمرتزقة الذين يعدون العدة لحرب أهلية فلسطينية لتحقيق هدف إنهاء المقاومة، تنفيذا لما تم الإمضاء عليه في اتفاقيات أوسلو المشؤومة ولخطة الجنرال الأمريكي دايتن، في توجيه ضربة يراد لها أن تكون قاصمة لحركة "حماس"، ولنزع سلاح المقاومة عموما. فكان ذلك نصرا للشعب الفلسطيني وللمقاومة ولحركة "حماس". لقد حصل ذلك في ظل الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني، والذي تقوده أمريكا، والذي كان النظام العربي البائس أهم وأنشط وأحرص الأطراف فيه. وهو الذي حقق فيه الشعب الفلسطيني في قطاع غزة تحديدا، وبقيادة حركة المقاومة الإسلامية "حماس" ومن حولها باقي مكونات المقاومة الجادة ذلك الإنتصار.
لقد تقرر الحصار الظالم على فلسطين كلها من أجل ارتقاء حركة المقاومة الإسلامية "حماس" للسلطة، مع محافظتها على الثوابت والحق في المقاومة، وبعد الحسم العسكري في قطاع غزة. ومع وجود الإنقسام الإجتماعي الحاصل من خلال الإنقسام الثقافي الذي كان الإستعمار الغربي والحركة الصهيونية طرفا رئيسيا فيه أصبح الإنقسام السياسي واضحا، وتركز اهتمام العالم على حصار قطاع غزة وحده لإسقاط حركة "حماس" والحكومة الشرعية التي تقودها، وعقابا للشعب الفلسطيني الذي اختارها لقيادته، والذي ظل متمسكا بها ومساندا لها سامعا ومطيعا، وتحمل كل الصعوبات وكل أنواع العقاب من أجل التفافه حولها وتمسكه بها وعدم الثورة عليها وإسقاطها. فقد تمثل الجانب الأول من ذلك الإنقسام السياسي في النخبة العلمانية الهجينة التابعة المفتونة بالمشروع الثقافي الغربي، والمؤمنة بالنمط المجتمعي الغربي، والهادمة للمشروع الثقافي العربي الإسلامي الأصيل والمتنكرة له، والتي ليس لها قبول به إلا على أساس ثوابت وأصول الفكر الغربي، أي إلا على أساس المسخ والتشويه والتحريف بما يبعده عن أصوله وثوابته، وعن طبيعته وحقيقته، وما يجعله نسخة عربية للمشروع الثقافي الغربي، والمعرضة عن النمط المجتمعي العربي الإسلامي الأصيل، والمتنكرة والرافضة له، والعاملة بكل ما يقربها من الغرب وبما يبعدها عن العروبة والإسلام، والمتمثلة في النخبة المتغربة العابثة المجتمعة في حركة فتح وفي غيرها من التنظيمات وفصائل المقاومة الفلسطينية الملتفة حول محمود عباس وعصابته والقريبة منه، والمعترضة على عملية الحسم العسكري في قطاع غزة، والمطالبة بالتراجع عن ما حصل هناك، واعتبار ذلك انقلابا على الشرعية التي لا يرى فيها الكثير من مكونات هذه النخبة إلا ما يراه النظام العربي والدولي، من أنه لا شرعية إلا لمحمود عباس، وأنه لا شرعية لحكومة منتخبة ولمجلس نيابي منتخب. وتلك هي طبيعة النخبة العلمانية اللائكية الهجينة في الوطن العربي وفي العالم الإسلامي والأصيلة في الغرب، كل ما تعلق الأمر بأي وضع خارج أوطانه وبعيدا عن شعوبه.
وتمثل الثاني في النخبة العربية الإسلامية الأصيلة المتمسكة بهوية الشعب العربية الإسلامية، والمؤمنة بالفضاء العربي الإسلامي أولا، ثم بالفضاء الدولي ثانيا، والمؤمنة بالثقافة العربية الإسلامية والإنفتاح على الثقافات العالمية والفكر الإنساني، والرافضة للتبعية الثقافية والسياسية والإجتماعية والإقتصادية في غير هدم للثقافة الغربية، والمتمسكة بالنمط المجتمعي العربي الإسلامي الأصيل المنفتح على غيره من الأنماط المجتمعية والقابل بالتعايش معها، على قاعدة الإحترام المتبادل والتكامل والتعاون والتضامن والأمن والسلام، والرافضة للتراجع عن الحسم العسكري والعودة بالوضع إلى ما كان عليه قبل ذلك. وهو منطق لا يقول به عاقل ولا وطني شريف، ولا يرضى به سوي الفطرة والمزاج، ولا سليم العقل والتفكير.
فكيف يقبل عاقل ورشيد باستبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير، وباستبدال النظام بالهوج، والإستقرار بالفوضى، والراحة بالتعب، والعدل بالجور، والفساد بالصلاح، والربح بالخسارة والنفع بالضرر...؟ والمتمثلة في حركة المقاومة الإسلامية "حماس" وغيرها من الشخصيات الوطنية العربية الإسلامية ومن أكثر فصائل المقاومة العاملة معها، والتي ترى أن ما حصل هو ما يجب أن يحصل بقطع النظر عن مآخذ البعض على حركة "حماس" عن بعض التجاوزات والأخطاء التي حصلت أثناء مدة فرض الأمن والإستقرار، وإعادة الأمور إلى نصابها وقطع الطريق عن المفسدين دون حصول الكارثة، والتي ترى أن ذلك ليس انقلابا إطلاقا، وكيف يستقيم الحديث على انقلاب نظام على نفسه؟
فالحكومة التي شكلتها "حماس" هي حكومة وحدة وطنية، وهي حكومة تستمد شرعيتها من الحركة التي لها وحدها حق تشكيل الحكومة باعتبارها صاحبة الأغلبية المطلقة في المجلس التشريعي. فهي حكومة شرعية لم تكتسب وتستمد شرعيتها من تكليف محمود عباس لأحد قادة "حماس" الذي كان المجاهد اسماعيل هنية لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية المتفق عليه في اتفاق مكة المكرمة، ولكنها تستمد شرعيتها من وضع أغلبية الشعب الفلسطيني ثقته في حركة "حماس" على أساس برنامج الإصلاح والمقاومة بالحصول على أغلبية مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني.
وبالإنقسام السياسي القائم على أساس الإنقسام الثقافي الغربي، والعربي الإسلامي، أصبح للشعب الفلسطيني حكومة شرعية بقطاع غزة تستمد شرعيتها من الشعب الفلسطيني كله، وحكومة غير شرعية تستمد شرعيتها من الرئيس محمود عباس، ومن حركة فتح في رام الله بالضفة الغربية، ومن قبول واعتراف الإحتلال بها، ومن تأييد أمريكا والإتحاد الأروبي والنظام العربي لها.
فقد كان الإنتصار الذي حققته "حماس " :
- أنها استطاعت أن تصمد بالشعب الفلسطيني في وجه الحصار أكثر من ثمانية أشهر ومازالت صامدة في وجهه وفي وجه التآمر المحلي والإقليمي والدولي، ومازالت تكسب المزيد من أسباب الصمود، في الوقت الذي كان يعتقد خصومها وأعدائها الذين هم خصوم وأعداء الشعب الفلسطيني والشعب العربي والإسلامي في الوطن العربي وفي العالم الإسلامي، أنها لا يمكن أن تعمر طويلا.
- وهي التي يحسب لها انتصارا قدرتها على إدارة القطاع في ضل الحصار الخانق، وفي ظروف استثنائية يتربص بها فيها الأعداء والخصوم من كل جانب.
- وهي التي استطاعت أن تحقق انتصارا كبيرا لم تستطع أن تحققه غيرها من مكونات وحركات المقاومة والحركات السياسية في ظروف أفضل، وبإمكانيات مادية لا سبيل إلى مقارنتها بإمكانياتها المادية، في وضع يفتقر لأبسط أسباب الحياة، وتحيط به كل أسباب الموت، بكسب ثقة وود وعطف الجماهير الفلسطينية بالداخل وبالخارج الفلسطيني كله، وبالخاج العربي والإسلامي كله. وازداد بها الشارع الفلسطيني والعربي والإسلامي إعجابا لوضوح الرؤية والخطاب، ولنزاهة المواقف وصدق الإعلام، ولعيش هم الجماهير والتواضع لها، ولشفافية التعامل والتعاطي مع الوضع الفلسطيني والإقليمي والدولي.
- وهي التي استطاعت أن تحقق انتصارا بالقدرة على إدارة المعركة السياسية والثقافية والإعلامية مع الخصوم والأعداء، والعسكرية مع العدو الصهيوني الذي مازال يعتقد أنه من المستحيل عليه اجتياح قطاع غزة وإلحاق الهزيمة بالمقاومة.
- وهي التي استطاعت إلى حد الآن، أن تدير الوضع الداخلي سياسيا وثقافيا وإداريا بنجاح وعلى أي مستوى كان، وهي التي تفتقر إلى التجربة في إدارة الشأن العام، والتي تجد نفسها أمام إدارته بمفردها لأول مرة، في ظل حصار قاتل وبدون الحد الأدنى من الإمكانيات المادية التي يستحقها شعب كامل، ربطت حركة فتح ومن حولها النظام العربي البائس والنظام الدولي المنحاز والمعادي مصيره وأبسط احتياجاته بالعدو المحتل للأرض، الذي من المفروض أن لا تكون للشعب الفلسطيني علاقة به غير علاقة القتال والحرب حتى تحرير الأرض وطرد العدو ونيل الإستقلال.
- وهي التي حققت انتصارا بفتح معبر رفح. والتي نجحت في التواصل مع النظام المصري للإبقاء على المعبر مفتوحا، وتعمل ليلا نهارا على الإنتهاء إلى إدارته مع النظام المصري، وإبطال وإلغاء الإتفاقيات والتفاهمات القديمة التي أعطت للعدو الصهيوني وللإتحاد الأوروبي حقا ليس لهما في المشاركة في مراقبته وإدارته والتحكم فيه لمزيد تشديد الحصار على الشعب الفلسطيني كله، وخاصة على قطاع غزة وعلى المقاومة وعلى حركة "حماس"، والمراهنة على عامل الوقت مع استمرار الحصار لإضعافها وإسقاطها.
- وهي التي استطاعت إلى حد الآن تجيير الوقت المراهن عليه لإضعافها وإسقاطها لصالحها ولصالح الشعب الفلسطيني، وتتقدم كل يوم خطوات في تذليل الصعوبات وتحقيق بعض المستحقات التي تساعده على الصمود، ويزداد إيمانا وتمسكا بعد الله بها، وإحداث خروقات في جدار الحصار الذي تبين أن المراهنة على نتائجه كانت خاسرة، وأن هذه النجاحات على تواضعها، وهذا الصمود المنقطع النظير في وجه أخطر حصار عرفه شعب من شعوب الأرض، وهذه القدرة على إدارة المعركة المتعددة الجبهات، في ظل اختلال كامل لموازين القوة لغير صالحها، ازدادت به احتراما ليس أمام الشعب الفلسطيني والشعب العربي والشعوب الإسلامية وحدها، ولكن أمام شعوب العالم. وسوف لا يكون الوقت طويلا بالقدرة على الصمود وتحدي الحصار الجائر لتنال إعجاب وتقدير بعض الدول التي من المعلوم أنه لا إعجاب لها بها ولا تقدير. وبقدر ما تكون أي جهة في العالم محترمة لذاتها، بقدر ما تكون محل إعجاب الآخرين بها وتقديرهم لها، حتى من بعض الجهات المعادية أحيانا. فالقيمة التي تعطى للذات هي القيمة. وهي التي لا تكسبها من أي جهة أخرى ولا تعطيها لها. وهي التي لا تعترف لها في النهاية إلا بتلك القيمة التي تعطيها لنفسها.
ألا يحق لنا بذلك أن نقول ونؤكد على أن حركة المقاومة الإسلامية "حماس" وباقي قوى الصمود والممانعة والمقاومة والشعب الفلسطيني كله في قطاع غزة خاصة، قد نجحوا جميعا إلى حد الآن، في تحويل الحصار الظالم الجائر المتورط فيه العالم كله بما فيها بعض الجماهير والنخب والشعوب المتثاقلة، إلى انتصار لا يستطيع العاقل المنصف أن يجد له فهما وتفسيرا، غير التأييد الإلهي لمن اتقى، ولمن انتصر لله ولرسوله. "وما النصر إلا من عند الله العزيز الحميد" على قاعدة قول الله جل وعلا " إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم"."والذين كفروا فتعسا لهم وأضل أعمالهم" "وأن الله مع الذين اتقوا والذين هم مؤمنون".
فألف تحية للشعب الفلسطيني ولحركة المقاومة "حماس"، ولكل فصائل المقاومة المجاهدة في قطاع غزة وفي فلسطين المحتلة. وسلام على الجميع من الله عز وجل، وبارك خطاهم وأيدهم بنصره، وجعل قتلاهم جميعا من الشهداء عنده إنه نعم المولى ونعم النصير.
واللعنة على المعتدين والمتخاذلين والخونة والعملاء، "من الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا"، وجعلوا من العدو وليا ومن الولي عدوا، فلمن لم يتب ولم يراجع قبل فوات الأوان اللعنة وسوء المنقلب وسوء الدار "جهنم يصلونها وبئس القرار".
قفصة في :22 فيفري2008
* صاحب المدونة على الرابط التالي : 15 صفر1429
http://chortani.wordpress.com
رابط البريد الإلكتروني :
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.