أسير الفلسطيني يفوز بالجائزة العالمية للرواية العربية    حادث مرور مروع ينهي حياة شاب وفتاة..    إلى أين نحن سائرون؟…الازهر التونسي    حالة الطقس لهذه الليلة..    أولا وأخيرا: لا تقرأ لا تكتب    افتتاح الدورة السابعة للأيام الرومانية بالجم تيسدروس    إيران تحظر بث مسلسل 'الحشاشين' المصري.. السبب    تعادل الأصفار يخيّم على النجم والإفريقي    إنتخابات جامعة كرة القدم: إعادة النظر في قائمتي التلمساني وتقيّة    بين قصر هلال وبنّان: براكاج ورشق سيارات بالحجارة والحرس يُحدّد هوية المنحرفين    البنك التونسي للتضامن يحدث خط تمويل بقيمة 10 مليون دينار لفائدة مربي الماشية [فيديو]    بسبب القمصان.. اتحاد الجزائر يرفض مواجهة نهضة بركان    بطولة المانيا: ليفركوزن يحافظ على سجله خاليا من الهزائم    نابل: إقبال هام على خدمات قافلة صحية متعددة الاختصاصات بمركز الصحة الأساسية بالشريفات[فيديو]    تونس تترأس الجمعية الأفريقية للأمراض الجلدية والتناسلية    المعهد التونسي للقدرة التنافسية: تخصيص الدين لتمويل النمو هو وحده القادر على ضمان استدامة الدين العمومي    مشروع المسلخ البلدي العصري بسليانة معطّل ...التفاصيل    2024 اريانة: الدورة الرابعة لمهرجان المناهل التراثية بالمنيهلة من 1 إلى 4 ماي    الكشف عن مقترح إسرائيلي جديد لصفقة مع "حماس"    بودربالة يجدد التأكيد على موقف تونس الثابث من القضية الفلسطينية    انطلاق فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن    عميد المحامين يدعو وزارة العدل إلى تفعيل إجراءات التقاضي الإلكتروني    الكاف: قاعة الكوفيد ملقاة على الطريق    جمعية "ياسين" تنظم برنامجا ترفيهيا خلال العطلة الصيفية لفائدة 20 شابا من المصابين بطيف التوحد    استغلال منظومة المواعيد عن بعد بين مستشفى قبلي ومستشفى الهادي شاكر بصفاقس    الدورة الثانية من "معرض بنزرت للفلاحة" تستقطب اكثر من 5 الاف زائر    بطولة مدريد للتنس : الكشف عن موعد مباراة أنس جابر و أوستابينكو    تسجيل طلب كبير على الوجهة التونسية من السائح الأوروبي    تونس تحتل المرتبة الثانية عالميا في إنتاج زيت الزيتون    جدل حول شراء أضحية العيد..منظمة إرشاد المستهلك توضح    كلاسيكو النجم والإفريقي: التشكيلتان المحتملتان    عاجل/ الرصد الجوي يحذر في نشرة خاصة..    اليوم.. انقطاع الكهرباء بهذه المناطق من البلاد    وزير السياحة: 80 رحلة بحرية نحو الوجهة التونسية ووفود 220 ألف سائح..    عاجل/ مذكرات توقيف دولية تطال نتنياهو وقيادات إسرائيلية..نقاش وقلق كبير..    فضيحة/ تحقيق يهز صناعة المياه.. قوارير شركة شهيرة ملوثة "بالبراز"..!!    ليبيا ضمن أخطر دول العالم لسنة 2024    بمشاركة ليبية.. افتتاح مهرجان الشعر والفروسية بتطاوين    بن عروس: انتفاع قرابة 200 شخص بالمحمدية بخدمات قافلة طبيّة متعددة الاختصاصات    برنامج الدورة 28 لأيام الابداع الادبي بزغوان    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو مناضليه إلى تنظيم تظاهرات تضامنا مع الشعب الفلسطيني    8 شهداء وعشرات الجرحى في قصف لقوات الاحتلال على النصيرات    البطولة الوطنية: النقل التلفزي لمباريات الجولتين الخامسة و السادسة من مرحلة التتويج على قناة الكأس القطرية    مدنين: وزير الصحة يؤكد دعم الوزارة لبرامج التّكوين والعلاج والوقاية من الاعتلالات القلبية    الكاف: إصابة شخصيْن جرّاء انقلاب سيارة    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    وزير الخارجية يعلن عن فتح خط جوي مباشر بين تونس و دوالا الكاميرونية    السيناتورة الإيطالية ستيفانيا كراكسي تزور تونس الأسبوع القادم    بنسبة خيالية.. السودان تتصدر الدول العربية من حيث ارتفاع نسبة التصخم !    تألق تونسي جديد في مجال البحث العلمي في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    منوبة: تفكيك شبكة دعارة والإحتفاظ ب5 فتيات    مقتل 13 شخصا وإصابة 354 آخرين في حوادث مختلفة خلال ال 24 ساعة الأخيرة    كاردوزو يكشف عن حظوظ الترجي أمام ماميلودي صانداونز    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



34 يوماً ... (1-3)"إسرائيل" والحرب في لبنان

تأليف: عاموس هاريل وايفي ايسا كروف - عرض وترجمة: عمر حنين
لا يزال الجدل مثاراً في العالم العربي وفي “إسرائيل” حول العدوان “الإسرائيلي” على لبنان في صيف عام 2006 الساخن، ولكن هناك اتفاقاً واضحاً على أنها الحرب الأولى التي كشفت عورة “إسرائيل” على نحو غير مسبوق، حيث انقسم الرأي العام فيها حول مدى نجاحها أو فشلها، وكذلك فإنها سلطت الضوء على المؤسسة العسكرية “الإسرائيلية” التي تأكد أنها ليست إلا “نمراً من ورق” فقد أخفقت في تحقيق أهدافها بعد 34 يوماً من العمليات العسكرية الواسعة النطاق ضد دولة صغيرة مثل لبنان .
الجيش “الإسرائيلي” تحول إلى رهينة بيد المقاومة اللبنانية
يقدم لنا هذا الكتاب صورة من وجهة نظر “إسرائيلية” حول الآثار السياسية والعسكرية لهذه الحرب التي تمثل حلقة جديدة من حلقات الصراع العربي “الإسرائيلي” وبطبيعة الحال، فإن السؤال الملح الذي سيسطر على القارئ العربي لهذا الكتاب هو إلى أي مدى كان المؤلفان عاموس هاريل وآيفي ايسا كروف قد التزما فعلا كما يزعمان بتقديم صورة موضوعية من خلال سرد متوازن لهذه الحرب، وكذلك عرض وجهات نظر أطراف الصراع العسكري الذي كان المدنيون اللبنانيون أكبر ضحاياه . وهذه الحرب قد أصبحت الرقم الصعب في تاريخ العدوان “الإسرائيلي” على أي دولة عربية، فقد كان واضحاً أن الحرب انتهت من دون تحقيق أهداف “إسرائيل” المعلنة، وهي إلحاق ضربة قاصمة بحزب الله تقوض مكانته السياسية والعسكرية، وللأسف الشديد فإن لبنان وأهله دفعوا ثمناً باهظاً بسبب حجم الدمار الوحشي الذي ألحقته “إسرائيل” بالبلاد سواء بالنسبة للخسائر البشرية الكثيرة أو المادية وتشريد الآلاف من أهالي جنوب لبنان وتقويض البيئة التحتية .
يتحدث المؤلفان عن استخدام “إسرائيل” لذريعة خطف الجنديين “الإسرائيليين” في صباح يوم 12 يوليو/ تموز من عام 2006 فقد كان هذا الحادث الشرارة التي أشعلت هذه الحرب “الإسرائيلية” الثانية ضد لبنان بعد غزو العام 1982 .
ويشير الكتاب إلى أنه بعد 34 يوماً من الحرب فإن وقفاً لإطلاق النار قد تحقق، ولكن الأهم من وجهة النظر “الإسرائيلية” أن الجغرافيا السياسية للمنطقة قد تغيرت على نحو كبير .
ويصف المؤلفان رد فعل “إسرائيل” على خطف الجنديين عند احدى نقاط الحدود بين لبنان و”إسرائيل” بأنه كان متعجلاً واتسم “بالعدوانية” ولكنهما يقران بأن وقتالاً عنيفاً قد دارت رحاه في جنوب لبنان، وكذلك فإن المؤسسة العسكرية “الإسرائيلية” سعت إلى تدمير الضاحية الجنوبية في بيروت معقل حزب الله، وكذلك فإن الكتاب يتطرق إلى ما أسماه المؤلفان صراع القوة الذي دار بين رئيس الوزراء اللبناني آنذاك فؤاد السنيورة وأمين عام حزب الله حسن نصر الله، وبالتوازي مع ذلك فإن الكتاب يتحدث أيضاً عن المعارك الدبلوماسية الضارية التي جرت في باريس وواشنطن ونيويورك، حيث مقر الأمم المتحدة من أجل إنهاء القتال . ومن الأمور اللافتة للنظر هنا أن دور لندن في هذا المجال كان ثانوياً وتحيط به الشبهات، حيث إن كوني بلير رئيس الوزراء في ذلك الوقت كان قد انضم إلى الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش في عدم المطالبة بوقف اطلاق النار لأنهما كانا يأملان في أن يتم القضاء على حزب الله قبل أن تسكت المدافع، وقد عجل هذا الموقف المثير للشبهات الذي اتخذه بلير بنهايته السياسية في بريطانيا، حيث كثف النواب العماليون الموالون للعرب ضغوطهم عليه لإرغامه على الإسراع بتقديم استقالته والخروج من المسرح السياسي، ولا يزال بلير يعاني حتى اليوم من آثار هذا الانحياز الأعمى ل”إسرائيل” حيث يعتبر أكثر رؤساء الوزارات في تاريخ بريطانيا انحيازاً ل”إسرائيل” . والمثير للدهشة أن عمله كمبعوث للجنة الرباعية الدولية يعتقد أنه كان للتكفير عن سيئاته في هذا المجال، إلا أن الإخفاق الذريع له في هذه المهمة كان متوقعاً تماماً من الجانب العربي .
وبالرغم من أن الكتاب يرى أن هذه الحرب لم تكن كبيرة لأن المؤلفين يزعمان أن أعمال العنف التي تقع خلال اسبوع واحد في العراق تخلف أعداداً أكبر من الضحايا بالمقارنة مع ما جرى في لبنان أو “إسرائيل” خلال 34 يوماً من القتال، إلا أن هذا يعتبر تحليلاً مغلوطاً لأن أعداد الضحايا اللبنانيين قد زاد على 1500 قتيل، علاوة على الجرحى بالمئات من المدنيين العزل .
ويعيد المؤلفان إلى الأذهان أن نحو 4 آلاف صاروخ أطلقها حزب الله قد سقطت على المدن والقوى الشمالية في “إسرائيل”، ولذلك فإن هذه كانت الحرب الأولى التي تعرضت فيها الجبهة الداخلية في “إسرائيل” لهجمات مستمرة لفترة طويلة على هذا النحو، ويقر المؤلفان بأن الجيش “الإسرائيلي” أخفق في محاولته الرامية إلى وقف القصف الصاروخي من جانب حزب الله، ولذلك فإن “إسرائيل” لم تتمكن من السيطرة على الموقف في نهاية الحرب، على عكس ما كانت تخطط له، إلا أن “إسرائيل” تمكنت من إبعاد حزب الله عن منطقة الحدود وانتشار القوات الدولية في المنطقة الحدودية، ولكن هذا لم يكن ما يريده إيهود أولمرت، رئيس الوزراء “الإسرائيلي” آنذاك، ولذلك، فإن هيبة تل أبيب وجيشها ومستقبلها كما يوضح الكتاب قد تعرضت لهزة “في منطقة معادية تحيط بها” .
نقطة تحول
ويعترف المؤلفان بأن رد فعل “إسرائيل” كان يتسم بالمبالغة والسرعة المثيرة، وجاءت النتيجة غير الحاسمة والسلبية للحرب لتثير الشكوك لدى الرأي العام “الإسرائيلي” حتى اليوم بالنسبة لمقدرة الجيش “الإسرائيلي” الذي كان يعتبر الجيش الذي لا يقهر، وقد كشفت صواريخ حزب الله مدى عورة وضعف الجبهة الداخلية “الإسرائيلية” وكذلك فإنها ألقت أضواء كاشفة على مدى تردد الجيش “الإسرائيلي” في القيام بهجمات مضادة، ولذلك فإن المؤلفين يعتقدان أن بعض الدول العربية ترى الآن أن حزب الله قد نفذ استراتيجية ناجحة خلال هذه الحرب تستحق أن تصبح نموذجاً يحتذى في المستقبل، ولذلك فإن الكتاب يشير إلى أن حرب لبنان الثانية يمكن قراءتها على أنها تمثل نقطة التحول خلال العقد الحالي، ويوضح المؤلفان أن هذه الحرب لم تبدأ بعد خطف الجنديين فإن القصة كانت لها أبعاد أوسع نطاقاً وتعود إلى قرار “إسرائيل” الانسحاب من جنوب لبنان، والذي انتهى في مايو/ ايار من العام ،2000 ويحاول الكتاب أن يلخص لنا ما جرى خلال الأعوام الستة التي سبقت العدوان “الإسرائيلي” على لبنان في عام ،2006 وفي هذه الفترة السابقة للحرب الجديدة كانت القوات “الإسرائيلية” تواجه خلالها العمليات الانتحارية التي قامت بها الجماعات الفلسطينية ضد “إسرائيل” وبعد هذه الفترة الطويلة من انتهاء الحرب في لبنان فإن فصولاً عديدة تتعلق بها لا تزال تغلفها الأسرار وبعيدة عن الرأي العام .
فشل “إسرائيلي”
ويقول المؤلفان إن حزب الله كان يخطط منذ انتهاء الانسحاب “الإسرائيلي” في عام 2000 للدخول في مواجهة جديدة ضد “إسرائيل” .
وقد تعمد الكتاب أن يشير إلى أن المؤلفين قد قاما بأخذ شهادات وأقوال نحو 200 شخص كانوا قد شاركوا في الحرب من رتب ومستويات مختلفة، كما حصلا على معلومات مهمة من لجنة فينوجراد التي قامت بالتحقيق في ملابسات الحرب . كما تحدث المؤلفان مع مصادر دبلوماسية عديدة وصحافيين كان بعضهم في بيروت أثناء الحرب: إلا أنهما يتحدثان عن صعوبة الاتصال بشخصيات لبنانية، والأمر المثير للاهتمام هنا هو مدى صراحة الكتاب في التأكيد على أن “إسرائيل” قد أخفقت ولحق بها الفشل في تحقيق أهدافها من هذه الحرب .
ويرجع ذلك إلى حد ما إلى عدم الخبرة أو الغطرسة داخل دائرة صناعة القرار سواء من جانب الحكومة أو الجيش “الإسرائيلي” . وعلى الجانب اللبناني فإنه بالرغم من الشعور الكبير بالكبرياء بالنسبة لنجاح المقاومة اللبنانية في التصدي للعدوان “الإسرائيلي” والمؤسسة العسكرية “الإسرائيلية” التي قامت بهزيمة جيوش عربية مجتمعة من قبل ولكن الكتاب يشير أيضاً إلى انقسام الرأي العام اللبناني، وهناك أيضا مخاوف من حدوث صراعات طائفية جديدة في البلاد . وقد أسفر ذلك عن حالة استقطاب داخل الرأي العام العربي على نحو أوسع نطاقاً، بينما كانت أمريكا قد أصبحت غارقة في الحرب في أفغانستان والعراق، ومن ناحية أخرى فإن إيران قد أصبحت قوة إقليمية كبيرة، ويتحدث المؤلفان عن شبح الحرب الذي يخيم على المنطقة وخاصة بين “إسرائيل” ولبنان .
ومن أبرز الانتقادات التي يثيرها الكتاب ضد الحكومة “الإسرائيلية” في عام 2006 والفترة التي سبقها التأكيد على أن إدارة تل أبيب للأزمات كانت مثير للقلق واتسمت باتخاذ قرارات غير مدروسة وبحساسية مفرطة تجاه الرأي العام، ولذلك فإن الحكومة تعمدت اطلاق تصريحات لا تستند إلى أي اساس صحيح، وقد دخلت أول قوة عسكرية “إسرائيلية” إلى الأراضي اللبنانية بعد أقل من ساعتين من اختطاف الجنديين “الإسرائيليين” في ذلك الوقت .
وفي الوقت نفسه فإن الكتاب يرسم لنا صورة صادقة لخلفيات الأحداث داخل المسرح “الإسرائيلي” والتي يرجع تاريخها إلى عام 1999 فيقول المؤلفان إن حكومة بنيامين نتنياهو التي كانت تتولى السلطة آنذاك كانت تواجه سخطاً شعبياً، وكذلك فإن الحكومة الأمريكية كانت مستاءة للغاية من تصرفات رئيس الوزراء “الإسرائيلي” التي تتسم بالغطرسة وتجاهل واشنطن بالنسبة لقضايا بالغة الحساسية في الشرق الأوسط وربما يمكن أن تنطبق هذه الصورة السابقة على الأوضاع الحالية، فإن نتنياهو قد نجح فعلاً الآن في إثارة غضب الإدارة الأمريكية بعد الحاقة الإهانة بها بعد قراره المثير للجدل بزيادة عدد المستوطنات “الإسرائيلية” في مدينة القدس . وقد تمكن إيهود باراك من إلحاق الهزيمة بنتنياهو في 17 مايو/ ايار من عام 1999 وكان الوعد الرئيسي الذي قطعه للناخب “الإسرائيلي” هو اتخاذ قرار الانسحاب من لبنان، إلا أنه أخفق في المقابل في تحقيق السلام مع الفلسطينيين .
ويكشف الكتاب أن هذا الانسحاب لم يكن يلقى التأييد من قطاعات واسعة في الجيش “الإسرائيلي” وربما كانت حرب عام 2006 بمثابة رد فعل غير مباشر على هذا القرار الذي اتخذه باراك . فقد كان الجيش “الإسرائيلي” قد تعرض لهزة نفسية ومادية كبيرة بعد هذا الانسحاب، وخاصة بعد المخاوف المتزايدة من وقوع المزيد من الضحايا من داخل جنوب لبنان ضد الجنود “الإسرائيليين” على الحدود الشمالية في “إسرائيل” . ويرى بعض الجنرالات “الإسرائيليين” أن إحدى نقاط الضعف الرئيسية بالنسبة لاستراتيجية “إسرائيل” في لبنان كانت عدم وجود سياسة واضحة حول كيفية “قهر حزب الله أو التغلب على فصائله العسكرية” . . ولذلك فإن القوات “الإسرائيلية” في جنوب لبنان كانت قد اضحت بمثابة رهينة في أيدي حزب الله .
ويركز الكتاب في صفحاته التالية على تفاصيل تتعلق بقرار الانسحاب “الإسرائيلي” من لبنان وتداعياته بالنسبة لتل أبيب وللبنان وخاصة بالنسبة لسيطرة حزب الله على المناطق التي انسحبت منها القوات “الإسرائيلية”، ويتطرق الكتاب أيضاً الى استراتيجية رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري بأن تصبح بلاده أكثر استقلالاً وبعداً عن السيطرة السورية وكذلك التطورات التي وقعت بعد اغتيال الحريري في 14 فبراير/ شباط من عام 2005 والتوترات التي وقعت بين سوريا ولبنان بعد هذا الحدث الخطير واسفرت بعد ذلك عن انسحاب القوات السورية من الأراضي اللبنانية .
أوهام أولمرت
ويعود المؤلفان بعد هذا العرض المختصر للأوضاع في لبنان بعد اغتيال الحريري وانسحاب سوريا الى اندلاع شرارة الحرب بعد اختطاف الجنديين “الإسرائيليين” . وقد كان أولمرت مصمماً على أن يقوم برد فعل عاجل على ذلك، حيث كان يرى أن تصرف حزب الله يمثل بالنسبة له فرصة كبيرة للتخلص من سيطرة الحزب على جنوب لبنان وإلحاق ضربة قوية بكيانه العسكري والسياسي . وبالمقارنة مع فترة حكم شارون فإن أولمرت تمكن بسرعة من أن يحصل على دعم رئيس أركان الجيش، على عكس ما كان الوضع خلال رئاسة شارون للحكومة، ويقول مستشارو أولمرت إنه كان هناك اجماع بعد المشاورات التي أجراها رئيس الحكومة مع المؤسسة العسكرية على ضرورة القيام بعمل عسكري مباغت ضد لبنان . وكان قرار الحرب قد جاء استكمالاً لاتفاق سابق تم التوصل اليه في مارس/آذار من عام 2006 حول ضرورة القيام بعمل ما ضد حزب الله لكسر شوكته، وكان المنطق “الإسرائيلي” كما يوضحه المؤلفان هو أن كل الأجهزة الأمنية اتفقت على ضرورة التحرك السريع في حال تعرض أي جندي “إسرائيلي” للاختطاف . وكانت هناك توصية بأن يكون هذا الرد متمثلاً في القيام بعمل عسكري كبير . وكانت هناك قناعة بأنه إذا لم تقم بالرد إذا ما تعرضت لأي ضربة “فإنك ستكون ضحية في المرة التالية لضربة أكثر ألماً وحدة” . وبعد مشاورات عاجلة وافق عمير بيرتس وزير الدفاع “الإسرائيلي” آنذاك على تنفيذ خيارين وهما شن هجوم على كل معاقل حزب الله على طول الحدود وكذلك القيام بضربات جوية على العمق اللبناني . وكانت القيادة العسكرية “الإسرائيلية” بقيادة دان حالوتس اعتبرت أن حادث الاختطاف يعتبر “نقطة تحول” في الحوار اللبناني “الإسرائيلي” وأنه من الضروري استهداف أي منشآت تابعة للحكومة اللبنانية، إلا أن الأمر اللافت للنظر كان القرار “الإسرائيلي” تعمد تفادي الزج بسوريا في الحرب، وتم تحميل الحكومة اللبنانية مسؤولية هذا الحادث وحدها، ووضعت خطط سريعة لقصف مواقع في بيروت خاصة أن هذا الموسم كان يمثل ذروة الموسم السياحي وفقاً لما يؤكده الكتاب . أي أن الحكومة “الإسرائيلية” كانت قد تعمدت إلحاق أكبر خسائر مادية ومالية بلبنان في هذه الفترة التي تعتبر مصدراً كبيراً للدخل السياحي في البلاد، اضافة إلى الاصرار على ضرورة إغلاق مطار بيروت وكذلك إعطاء إشارات واضحة إلى حكومة فؤاد السنيورة “بأن أيامها في الحكم قد اصبحت معدودة” .
دمار واسع
وأعلن ناطق باسم وزارة الدفاع “الإسرائيلية” للصحافيين بعد اجتماع عاجل للحكومة بأن رئيس الأركان قد أكد ضرورة أن “يتم إرجاع لبنان عشرين عاماً إلى الوراء”، واتخذ رئيس الأركان مواقف تتسم بالتشدد والتصلب وتم الإيحاء لوسائل الاعلام بأن رد فعل “إسرائيل” سيكون قاسياً ومتشدداً . وتم اتخاذ قرارات أيضاً . بضرورة “القيام بأعمال عدوانية شديدة على طول خط الحدود واستخدام الجرافات وتقويض المنطقة لتصبح ركاماً ووضع قواعد جديدة للعبة” .
وتطرق حالوتس إلى فكرة تتمثل في شن هجمات على أهداف مدنية بما في ذلك المنشآت التحتية في لبنان، وكذلك قصف مطار بيروت بالقنابل وإطفاء جميع انوار بيروت بحيث يعم الظلام فيها وكذلك الهجوم على محطات الطاقة الكهربائية لتحقيق ذلك . وكان رئيس الأركان يوصي بضرورة انقطاع الكهرباء عن بيروت لمدة عام كامل، وأن يكون حجم الدمار ضخماً بحيث يقدر بمليارات الدولارات . وكانت السلطات “الإسرائيلية” قد اعتقدت بأن امامها فرصة لا تتجاوز يومين أو ثلاثة قبل ان يتدخل المجتمع الدولي . ولكن الخطة كانت تقوم على ألا يتم الاعلان بأن هدف هذا العمل العسكري الشرس هو مجرد إعادة الجنديين “الإسرائيليين” والافراج عنهما .
تحاشي سوريا
وكان رئيس الأركان يعتقد أن الجنديين قد يكونان نقلا إلى سوريا أو ايران . ويكشف الكتاب أن موقف وزير الدفاع “الإسرائيلي” بيرتس كان الأكثر تشدداً، وذلك على الرغم من عدم خبرته بالشؤون العسكرية كما يقول المؤلفان، ويوجهان الاتهام اليه بأنه كان خاضعاً لضغوط من الجنرالات، وكانت “إسرائيل” تعتقد أنه سيكون بوسعها تدمير صواريخ حزب الله من خلال ضربات جوية وقائية . وكانت احدى النظريات المطروحة هي أنه إذا ما تم الحاق ضربات بالمرافق الاساسية فإن حزب الله سيقع في ورطة حول ما اذا كان سيتمكن من الرد . ولكن وزير الدفاع كان مصراً على أن يشمل الهجوم حزب الله والحكومة اللبنانية معاً . وأكد حالوتس رفضه القاطع لضرب أي اهداف في سوريا، وكذلك أبدى مائيير داغان مدير الاستخبارات “الإسرائيلية” تحفظاته على القيام بأي هجمات ضد سوريا، ولكنه أوصى بأن يتم ضرب اهداف للمقاومة الفلسطينية في سوريا وكان يعارض أيضاً ضرب أي مرافق اساسية لبنانية لأن ذلك سيؤدي إلى توحيد الشعب اللبناني ضد “إسرائيل”، ولكن بعض القادة العسكريين حذروا من توسيع نطاق العمل “الإسرائيلي” لأن حزب الله قد يقوم بضرب مناطق الجليل بالصواريخ مع عدم توافر مخابئ كافية هناك . وكان الحديث عن القيام بهجوم بري مثار جدل ايضاً، مع تحذيرات بأنه سيكون غير مقبول على نطاق واسع من الرأي العام “الإسرائيلي” وسيكشف الفصل التالي عن الاتصالات التي أجرتها “إسرائيل” مع واشنطن قبل شن هذا الهجوم الموسع، وكيف كان رد فعل واشنطن على ذلك .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.