يتضمن "تنازلات".. تفاصيل مقترح الإحتلال لوقف الحرب    اكتشاف أحد أقدم النجوم خارج مجرة درب التبانة    ليبيا ضمن أخطر دول العالم لسنة 2024    بمشاركة ليبية.. افتتاح مهرجان الشعر والفروسية بتطاوين    جماهير الترجي : فرحتنا لن تكتمل إلاّ بهزم الأهلي ورفع اللقب    كلوب يعلق على المشادة الكلامية مع محمد صلاح    وزارة السياحة أعطت إشارة انطلاق اعداد دراسة استراتيجية لتأهيل المحطة السياحية المندمجة بمرسى القنطاوي -بلحسين-    وزير الخارجية يواصل سلسلة لقاءاته مع مسؤولين بالكامرون    عمار يدعو في ختام اشغال اللجنة المشتركة التونسية الكاميرونية الى اهمية متابعة مخرجات هذه الدورة وتفعيل القرارات المنبثقة عنها    رئيس البرلمان يحذّر من مخاطر الاستعمال المفرط وغير السليم للذكاء الاصطناعي    سجنان: للمطالبة بتسوية وضعية النواب خارج الاتفاقية ... نقابة الأساسي تحتجّ وتهدّد بمقاطعة الامتحانات والعمل    بن عروس: حجز 214 كلغ من اللحوم الحمراء غير مطابقة لشروط النقل والحفظ والسلامة الصحية للمنتجات الغذائية    الرابطة 2: نتائج الدفعة الأولى من مباريات الجولة 20    الترجي الرياضي يفوز على الزمالك المصري. 30-25 ويتوج باللقب القاري للمرة الرابعة    بطولة مدريد للماسترز: أنس جابر تتأهل الى الدور ثمن النهائي    زيادة ب 4.5 ٪ في إيرادات الخطوط التونسية    إمضاء اتفاقية توأمة في مجال التراث بين تونس وإيطاليا    وزير الثقافة الإيطالي: "نريد بناء علاقات مثمرة مع تونس في مجال الثقافة والتراث    توزر: الندوة الفكرية آليات حماية التراث من خلال النصوص والمواثيق الدولية تخلص الى وجود فراغ تشريعي وضرورة مراجعة مجلة حماية التراث    تعاون مشترك مع بريطانيا    سوسة: القبض على 5 أشخاص يشتبه في ارتكابهم جريمة قتل    تامر حسني يعتذر من فنانة    بن عروس: حجز 214 كلغ من اللحوم الحمراء غير مطابقة لشروط النقل والحفظ والسلامة الصحية    الرابطة الثانية : نتائج الدفعة الأولى لمباريات الجولة السابعة إياب    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    برنامج الدورة 28 لأيام الابداع الادبي بزغوان    اعتماد خطة عمل مشتركة تونسية بريطانية في مجال التعليم العالي    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو إلى تنظيم تظاهرات طلابية تضامنًا مع الشعب الفلسطيني    رئيس الجمهورية يستقبل وزير الثقافة الإيطالي    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو مناضليه إلى تنظيم تظاهرات تضامنا مع الشعب الفلسطيني    صادم/ العثور على جثة كهل متحللة باحدى الضيعات الفلاحية..وهذه التفاصيل..    عاجل/ عالم الزلازل الهولندي يحذر من نشاط زلزالي خلال يومين القادمين..    رئيس الاتحاد المحلي للفلاحة ببوعرقوب يوجه نداء عاجل بسبب الحشرة القرمزية..    خط تمويل ب10 مليون دينار من البنك التونسي للتضامن لديوان الأعلاف    القطب المالي ينظر في اكبر ملف تحيل على البنوك وهذه التفاصيل ..    سيدي حسين : قدم له يد المساعدة فاستل سكينا وسلبه !!    8 شهداء وعشرات الجرحى في قصف لقوات الاحتلال على النصيرات    البطولة الوطنية: النقل التلفزي لمباريات الجولتين الخامسة و السادسة من مرحلة التتويج على قناة الكأس القطرية    مدنين: وزير الصحة يؤكد دعم الوزارة لبرامج التّكوين والعلاج والوقاية من الاعتلالات القلبية    طقس السبت: ضباب محلي ودواوير رملية بهذه المناطق    كيف نتعامل مع الضغوطات النفسية التي تظهر في فترة الامتحانات؟    ابتكرتها د. إيمان التركي المهري .. تقنية تونسية جديدة لعلاج الذقن المزدوجة    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    وزير الخارجية يعلن عن فتح خط جوي مباشر بين تونس و دوالا الكاميرونية    طقس اللّيلة: الحرارة تصل 20 درجة مع ظهور ضباب محلي بهذه المناطق    وزير الفلاحة: "القطيع متاعنا تعب" [فيديو]    بنسبة خيالية.. السودان تتصدر الدول العربية من حيث ارتفاع نسبة التصخم !    تألق تونسي جديد في مجال البحث العلمي في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    منوبة: تفكيك شبكة دعارة والإحتفاظ ب5 فتيات    قفصة: ضبط الاستعدادات لحماية المحاصيل الزراعية من الحرائق خلال الصّيف    تونس : أنس جابر تتعرّف على منافستها في الدّور السادس عشر لبطولة مدريد للتنس    مقتل 13 شخصا وإصابة 354 آخرين في حوادث مختلفة خلال ال 24 ساعة الأخيرة    عميرة يؤكّد تواصل نقص الأدوية في الصيدليات    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    انطلاق أشغال بعثة اقتصادية تقودها كونكت في معرض "اكسبو نواكشوط للبناء والأشغال العامة"    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أين أنت في عشر ذي الحجة (2-2) أ.د. عبد الرحمن البر
نشر في الفجر نيوز يوم 08 - 11 - 2010

أستاذ الحديث وعلومه بجامعة الأزهر وعضو مكتب الإرشاد
وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
أين أنت في عشر ذي الحجة(1-2) : أ.د. عبد الرحمن البر
حكم صلاة النوافل عموما في غير رمضان في جماعة ليلاً أو نهارا ، في المساجد أو في غيرها:
الأصل في النوافل أن يصليها العبد منفرداً ، وأن يصليها أو يصلي أكثرها في البيت ، وقد كان هذا أكثرَ فعل النبي r ، لكن لا مانع شرعاً عند جمهور العلماء أن يصليها في جماعة ، مثلما يحدث في قيام رمضان ، وقد أخرج الشيخان قصة مبيت ابن عباس y عند خالته ميمونة رضي الله عنها ، زوج النبي r وصلاته خلف النبي r تلك الليلة ، وقد كان ذلك تطوعاً ، كما جاء صريحاً في رواية عند مسلم عن عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ y قَالَ : بِتُّ ذَاتَ لَيْلَةٍ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ ، فَقَامَ النَّبِيُّ r يُصَلِّي مُتَطَوِّعًا مِنَ اللَّيْلِ ، فَقَامَ النَّبِيُّ r إِلَى الْقِرْبَةِ فَتَوَضَّأَ ، فَقَامَ فَصَلَّى ، فَقُمْتُ لَمَّا رَأَيْتُهُ صَنَعَ ذَلِكَ فَتَوَضَّأْتُ مِنَ الْقِرْبَةِ ، ثُمَّ قُمْتُ إِلَى شِقِّهِ الأَيْسَرِ ، فَأَخَذَ بِيَدِي مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ يَعْدِلُنِي كَذَلِكَ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ إِلَى الشِّقِّ الأَيْمَنِ . قُلْتُ : أَفِي التَّطَوُّعِ كَانَ ذَلِكَ ؟ قَالَ : نَعَمْ.
وفي الموطأ سئل الإمام مالك عن الرجل يؤم الرجل في النافلة؟ فقال : ما أرى بذلك بأسا .
وقال مالك : لا بأس أن يصلى القوم جماعة النافلة في نهار أو ليل . قال : وكذلك الرجل يجمع الصلاة النافلة بأهل بيته وغيرهم لا بأس بذلك .
وخالف في ذلك أصحاب الرأي ، فكرهوا أن يصلي الناس التطوع في جماعة في غير رمضان ، وصلاة الكسوف .
وهذا الحديث المذكور حجة عليهم ، ففيه التصريح بأن صلاة ابن عباس y خلف النبيr كانت تطوعاً ، وهناك أحاديث أخرى في ذلك ، منها حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ t عند الشيخين أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ دَعَت ْرَسُولَ اللَّهِ r لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ لَهُ ، فَأَكَلَ مِنْهُ ، ثُمَّ قَالَ : «قُومُوا فَلِأُصَلِّ لَكُمْ » قَالَ أَنَسٌ : فَقُمْتُ إِلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدْ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ r ، وَصَفَفْتُ وَالْيَتِيمَ وَرَاءَهُ ، وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا ، فَصَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ r رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ.
ولا ريب أن ذلك كان في نافلة ؛ إذ الفريضة كان النبيr يصليها جماعة في المسجد. ويدل على أنه لم يكن يصلي بهم المكتوبة ما رواه مسلم عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : دَخَلَ النَّبِيُّ r عَلَيْنَا ، وَمَا هُوَ إِلَّا أَنَا ، وَأُمِّي وَأُمُّ حَرَامٍ خَالَتِي ، فَقَالَ : «قُومُوا فَلِأُصَلِّيَ بِكُمْ » فِي غَيْرِ وَقْتِ صَلَاةٍ ، فَصَلَّى بِنَا...الحديث.
والصحيح رأي جمهور العلماء ، وقد فعله كثير من الصحابة y ، منهم عمر وابن مسعود وابن الزبير وغيرهم :
فقد أخرج مالك عن عبد الله بن عتبة قال : دخلت على عمر بن الخطاب t وهو يصلي في الهاجرة (وهي نصف النهار قبل الظهر أو بعده) تطوعاً - في رواية : فوجدته يسبح (أي يصلي نافلة) - فأقامني حذوه عن يمينه ، فلم يزل كذلك حتى دخل يَرْفَأ مولاه فتأخرتُ ، فصففنا خلف عمرt.
وعن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعودt قال : دخلت مع أبي المسجد، والناس صفوف في صلاة الصبح، فخنَس دونهم فأقامني عن يمينه ، فصلى ركعتين ، ثم لحق بالصف .
وعن هشام بن عروة قال : رأيت عبد الله بن الزبيرy يؤمهم في المسجد الحرام بالنوافل ، ووراءه شيوخ من أهل الفقه والصلاح ، يرون أن ذلك حسن .
قال هشام : إن الإمام كان يؤمهم في المكتوبة ، ثم يدخل الدار فيسبح (أي يتنفل) ويسبحون بصلاته ، وهو يؤمهم.
فهذه الأحاديث والآثار كلها وغيرها دالة على مشروعية صلاة النوافل في جماعة في غير رمضان ، وبخاصة في مثل هذه الأيام المباركة التي يضاعف فيها الأجر ، ويغفل عنها كثير من الناس .
ولا بأس بالاعتكاف بعض هذه الأيام في المسجد ، أو حتى اعتكاف بعض الساعات ، فقد أخرج عبد الرزاق عن يعلى بن أمية قال : «إني لأمكث في المسجد الساعة ، وما أمكث إلا لأعتكف» .
وأخرج عن عطاء قال : «هو اعتكاف ما مكث فيه ، وإن جلس في المسجد احتساب الخير فهو معتكف ، وإلا فلا» .
فمن تيسر له فضاء بعض الوقت أو الجلوس بضع ساعات في المسجد فليستحضر نية الاعتكاف ، والله نسأل أن يوفقنا جميعا لما يحبه ويرضاه .
(6) أين أنت من القرآن في أيام العشر ؟
القرآن كلمة الله الخالدة ، ليس مجرد مجموعة من الحروف والكلمات، ولكن وراء كل حرف روحا تحيي القلوب الميتة، وتطمئن النفوس القلقة المضطربة .
فهلموا إلى مائدة الله . أرأيتم لو أن أحد الملوك صنع مائدة، ودعا الناس إليها، ولم يمنع منها أحدا، ألا يكون المتخلف عنها عظيم الخسارة؟! الذي يُسمح له أن يجلس على موائد الملوك، ثم يأبى إلا أن يعيش بين الصعاليك، أيعدّ من العقلاء ؟!
هذا ربك قد بسط لك مائدته، وأنت حين تقرأ القرآن فإنك تلتمس روحا وتغذي قلبك إيمانا ويقينا . إن كنت قلقا فتحت كتاب الله فإذا به يناديك ]أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ[ (الرعد: 28)، إن ضاقت بك الحال واشتد عليك الأمر ويئست من الفلاح فتحت كتاب الله فنادي عليك ]وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ المُؤْمِنِينَ[ (الروم:47)، ووجهك إلى ]إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلاَّ القَوْمُ الكَافِرُونَ[ (يوسف: 87).
إن كنت عصبيّ المزاج، لا تعرف كيف تضبط أعصابك، وفتحت القرآن، وجدته يناجيك ]خُذِ العَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ[ (الأعراف: 199).
إن كنت مذنبا، فتحت القرآن فيناديك الحق ]فَمَن تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ[ (المائدة: 39).
ماذا أُعدّد لك؟ .
هذا القرآن ربى جيلا لم تر الدنيا مثله، في أخلاقهم ، في سموهم ، في عقولهم في عطائهم. فهل نغتنم أيام النفحات المباركة لنغذي أرواحنا وقلوبنا من مائدة القرآن المباركة ؟
(7) أين أنت في أيام العشر من الصدقة ؟
كان الحبيب r أجود الناس، ما في ذلك شك، لا يلحقه في ذلك أحد، لكنه في الأوقات الفاضلة كان يتجاوز حدود الجود المعهود عنه r إلى آفاق لا يحيط بها البشر.
فأين أنت في هذه الأيام الفاضلة من سد حاجة محتاج؟ أين أنت من إطعام جائع؟ أين أنت من كسوة عار؟ أين أنت من إخوانك المسلمين المحتاجين الضعفاء؟
نحن على أبواب عيد مبارك ، وقد جعل الله من شعائره ذبح الأنعام وإطعام القانع والمعتر )وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا القَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ( (الحج :36) الفقراء ينتظرون هذا اليوم لأنهم يعرفون أن أيدي الصالحين تمتد فيه بالعطاء ، والصالحون ينتظرونه لأنهم يترقون فيه درجات عالية في العطاء والسخاء .
أنت إن أعطيت لم تعط للمسكين ولا للفقير ولا للمسجد ولا للعمل الخيري ، أنت تعطي لأكرم الأكرمين الذي يرد على المحسن إحسانه أضعافا. ]هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ[ (الرحمن: 60)، وهو لا يرد الإحسان بإحسان، بل يرد الإحسان الواحد بسبعمائة إحسان، بل بألوف وأضعاف مضاعفة.
فهل تعامل الله بالصدقة في هذه الأيام أم تستجيب لنداء الشيطان الذي يقول عنه الرحمن جل وعلا: ]الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً[، والشيطان لا يملك شيئا، ولكن الرحمن يملك كل شيء ]وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ[.
(8) أين أنت من تحسين الأخلاق في أيام العشر ؟
لقد بعث النبي r متمماً لمكارم الأخلاق ، داعياً لأحمدها وأرشدها ، موصياً يحسن الخلق سائر أصحابه وأحبته ، فقد أخرج مَالِك أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ tقَالَ : آخِرُ مَا أَوْصَانِي بِهِ رَسُولُ اللَّهِ rحِينَ وَضَعْتُ رِجْلِي فِي الْغَرْزِ أَنْ قَالَ: «أَحْسِنْ خُلُقَكَ لِلنَّاسِ يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ».
وعدَّ حسن الخُلُق تمام البر ، فأخرج مسلم عَنْ النَّوَّاسِ بْنِ سِمْعَانَ الْأَنْصَارِيِّ tقَالَ : سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ rعَنْ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ فَقَالَ : «الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ»...الحديث
وعبر r عن الدرجة العليا والأجر العظيم لحسن الخلق،فيما أخرجه أبو داود وغيره عَنْ عَائِشَةَ رَحِمَهَا اللَّهُ قَالَتْ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ rيَقُولُ : «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ».
ولم لا وحسن الخُُلُق هو أثقل ما يوضع في الميزان يوم القيامة ، فقد أخرج أبو داود والترمذي وصححه عَنْ أَبِي الدَّرْدَاء ِtعَنْ النَّبِيِّ rقَالَ : «مَا مِنْ شَيْءٍ أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ».
وفي رواية الترمذي : «مَا شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ ، وَإِنَّ اللَّهَ لَيُبْغِضُ الْفَاحِشَ الْبَذِيءَ».
وفي رواية أخرى للترمذي : «وَإِنَّ صَاحِبَ حُسْنِ الْخُلُقِ لَيَبْلُغُ بِهِ دَرَجَةَ صَاحِبِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ».
وأخرج الترمذي وصححه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ tقَالَ : سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ rعَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ؟ فَقَالَ: «تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ».
وبين النبي r أكمل المؤمنين إيمانا ، فقال فيما أخرجه أبو داود والترمذي وصححه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t :«أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا».
فأين أنت من التدرب على تحسين أخلاقك ، وبخاصة في هذه الأيام العشر ؟ .
(9) أين أنت من صلة الأرحام في هذه الأيام العشر؟
صلة الرحم من أفضل الأعمال وأعظمها أجراً ، وقد قرن الله تعالى قطع الأرحام بالفساد في الأرض ، فقد أخرج الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t عَنْ النَّبِيِّ rقَالَ : «خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ قَامَتْ الرَّحِمُ فَأَخَذَتْ بِحَقْوِ الرَّحْمَنِ ، فَقَالَ لَهُ : مَهْ ! قَالَتْ : هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنْ الْقَطِيعَةِ . قَالَ : أَلَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ ؟ قَالَتْ : بَلَى يَا رَبِّ . قَالَ : فَذَاكِ» . قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ )فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ( .
وفضلا عن كون صلة الرحم محبة للأهل وسببا في بركة الرزق والعمر وتعجيل الثواب ؛ فقد جعله النبي r أحب الأعمال إلى الله بعد الإيمان بالله ، فقد أخرج ابن أبي عاصم وأبو يعلى عن رجل من خثعم أنه قال : يا رسول الله ، أي الأعمال أحب إلى الله عز وجل ؟ قال : «إٍيمَانٌ بِاللهِ تَعَالَى» . قال : يا رسول الله ، ثم مَهْ ؟ قال : «ثُمَّ صِلَةُ الرَّحِمِ» .
فاحرص أخي المسلم الكريم على اغتنام هذه الأيام المباركة لتصل رحمك وبخاصة ما انقطع منها لأي سبب ، واعلم أن الوصل لا يعني أن تصل أولئك الذين يصلونك ويجاملونك ، بل الوصل الحقيقي هو وصل من قطعوك أو قطعت بينك وبينهم الظروف أو الخصومات ، فقد أخرج البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو y عن النَّبِيِّ r قَالَ : «لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ وَلَكِنْ الْوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا» .
فلتحرص على صلة رحمك في هذه العشر المباركة ، جعلنا الله وإياكم من الواصلين .
(10) أين أنت من إعداد الأضحية ؟
هذه الشعيرة الكريمة هي في أصلها تشبه بأبي الأنبياء خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام ، حين فدى الله ولده سيدنا إسماعيل من الذبح بكبش عظيم أنزله إليه فذبحه الخليل بيده ؛ ليكون ذلك تصديقا لرؤياه ، وذلك في قصة الذبح المعروفة المشهورة .
وقد داوم النبي r على هذه الشعيرة الكريمة وحث عليها إعلانا بالشكر لله على نعمه ، وتوسعة ومواساة للفقراء والمساكين ، وتقربا مخلصا لله رب العالمين ، على حد قول الله تعالى ) لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ المُحْسِنِينَ ( (الحج :37).
والأضحية من أفضل القربات وأعظم الشعائر التي يمارسها المسلم في أيام العيد الأكبر ، إعلانا بشكر نعمة الله وامتثالاً لأمر الله ) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ( .
وقد روي في فضلها آثارٌ حِسانٌ ، منها ما أخرجه ابن عبد البر والخطيب عن ابن عباس y قال : قال رسول الله r : « مَا مِنْ نَفَقَةٍٍ بَعْدَ صِلَةِ الرَّحِمِ أَفْضَلُُ عِنْدَ اللهِ مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ ».
وأخرج عبد الرزاق وابن عبد البر عن عائشة رضي الله عنها قالت : يا أيها الناس ضَحُّوا وطِيبوا أنْفُساً ، فإني سمعت رسول اللهr يقول : « مَا مِنْ عَبْدٍ تَوَجَّهَ بِأُُضْحِيَتِهِ إِلَى الْقِبْلَةِ إِلَّا كَانَ دَمُهَا وَفَرْثُهَا وَصُوفُهَا حَسَنَاتٍ مُحْضَرَاتٍ فِي مِيزَانِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَإِنَّ الدَّمَ وَإِنْ وَقَعَ فِي التُّرَابِ فَإِنَّمَا يَقَعُ فِي حِرْزِ اللهِ حَتَّى يُوَفِّيَهُ صَاحِبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ » .
وأخرج الترمذي وحسنه عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : «مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ ، إِنَّهَا لَتَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَظْلَافِهَا وَأَنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنْ اللَّهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ مِنْ الْأَرْضِ فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا».
قال الترمذي : «وَيُرْوَى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْأُضْحِيَّةِ : (لِصَاحِبِهَا بِكُلِّ شَعَرَةٍ حَسَنَةٌ) وَيُرْوَى (بِقُرُونِهَا) ».
ولعله يشير إلى ما أخرجه ابن ماجه وأحمد والحاكم بسند ضعيف عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ t قَالَ : قَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ r : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذِهِ الْأَضَاحِيُّ؟ قَالَ : «سُنَّةُ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ» قَالُوا : فَمَا لَنَا فِيهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ : «بِكُلِّ شَعَرَةٍ حَسَنَةٌ» قَالُوا : فَالصُّوفُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ : «بِكُلِّ شَعَرَةٍ مِنْ الصُّوفِ حَسَنَةٌ» .
فهل أعددت نفسك وميزانيتك لأداء هذه الشعيرة الكريمة على الوجه الأكمل ، فاخترت أفضلَ الأضاحي وأسمنَها وأغلاها وأنفسَها ، كما كان حبيبك r يفعل ؟
أخرج الشيخان عَنْ أَنَسٍ tقَالَ : ضَحَّى النَّبِيُّ r بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ (وفي رواية : أَقْرَنَيْنِ) فَرَأَيْتُهُ وَاضِعًا قَدَمَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا يُسَمِّي وَيُكَبِّرُ فَذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ .
وفي لفظ لمسلم : وَيَقُولُ : بِاسْمِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ .
وعند ابن ماجه وأحمد عَنْ عَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ yأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ اشْتَرَى كَبْشَيْنِ عَظِيمَيْنِ سَمِينَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ، فَذَبَحَ أَحَدَهُمَا عَنْ أُمَّتِهِ لِمَنْ شَهِدَ لِلَّهِ بِالتَّوْحِيدِ وَشَهِدَ لَهُ بِالْبَلَاغِ، وَذَبَحَ الْآخَرَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَعَنْ آلِ مُحَمَّدٍ r .
وكذا روى أبو داود عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ yقَالَ : ذَبَحَ النَّبِيُّ r يَوْمَ الذَّبْحِ كَبْشَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مُوجَأَيْنِ، فَلَمَّا وَجَّهَهُمَا قَالَ : «إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ عَلَى مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ ، إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ ، اللَّهُمَّ مِنْكَ وَلَكَ ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ وَأُمَّتِهِ ، بِاسْمِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ ذَبَحَ» .
أسأل الله العظيم أن يتقبل نسكنا وأن يغفر ذنوبنا إنه جواد كريم .
وأخيراً :
أسوق إليك أخي الكريم هذه النصائح الغالية التي رُويت عن هادي البشرية r : « اطلبوا الخير دهركم، واهربوا من النار جهدكم ، فإن الجنة لا ينام طالبها ، وإن النار لا ينام هاربها ، وإن الآخرة محففة بالمكاره ، وإن الدنيا محففة باللذات والشهوات ، فلا تلهينكم شهوات الدنيا ولذاتها عن الآخرة ، إنه لا دنيا لمن لا آخرة له ، ولا آخرة لمن لا دنيا له ، إن الله قد أبلغ في المعذرة وبلغ الموعظة ، إن الله قد أحل كثيرا طيبا لكم فيه سعة ، وحرم خبيثا فاجتنبوا ما حرم عليكم ، وأطيعوا الله فإنه لن يحل الله شيئا حرمه ولن يحرم شيئا أحله ، وإنه من ترك الحرام وأكل الحلال أطاع الرحمن ، واستمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها ، واجتمعت له الدنيا والآخرة ، هذا لمن أطاع الله عز وجل » .
والله ولي التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.