محاكمة ممثل فرنسي مشهور بتهمة الاعتداء الجنسي خلال تصوير فيلم    المهدية.. إنتشال 9 جثث لفظها البحر    وزير خارجية نيوزيلندا.. لا سلام في فلسطين دون إنهاء الاحتلال    مبابي يصمد أمام "ابتزاز" ومضايقات إدارة باريس    القصرين.. رعاة وفنانو ومبدعو سمامة يكرمون الكاتبة الفلسطينية عدنية شبلي    أخبار باختصار    الاحتفاظ بالمهاجرة غير النظامية كلارا فووي    صفاقس الإحتفاظ بالكاميرونية "كلارا فووي" واحالتها للتحقيق    أخبار المال والأعمال    تونس تشارك في الدورة الأولى من الاجتماع الخاص للمنتدى الاقتصادي العالمي حول التعاون الشامل والنمو والطاقة بالرياض    وزارة التجارة تنفي توريد البطاطا    مجلس الوزراء يوافق على جملة من مشاريع القوانين والقرارات    عاجل/ سعيّد: الدولة لن تبقى مكتوفة الأيدي أمام من يحاول المساس بأمنها    دامت 7 ساعات: تفاصيل عملية إخلاء عمارة تأوي قرابة 500 مهاجر غير نظامي    عاجل/ جيش الاحتلال يعلن مقتل ضابطين وإصابة آخرين في قطاع غزة    النادي الافريقي: 25 ألف مشجّع في الكلاسيكو ضد النادي الصفاقسي    خالد بن ساسي مدربا جديدا للنجم الساحلي؟    درة زروق تهيمن بأناقتها على فندق ''ديزني لاند باريس''    المجمع الكيميائي التونسي: توقيع مذكرة تفاهم لتصدير 150 ألف طن من الأسمدة إلى السوق البنغالية    نائبة بالبرلمان: ''تمّ تحرير العمارة...شكرا للأمن''    الطلبة التونسيون يتحركون نصرة لفلسطين    تعرّض سائق تاكسي إلى الاعتداء: معطيات جديدة تفنّد روايته    بن عروس : تفكيك وفاق إجرامي مختص في سرقة المواشي    نادي تشلسي الإنجليزي يعلن عن خبر غير سار لمحبيه    الجامعة التونسية المشتركة للسياحة : ضرورة الإهتمام بالسياحة البديلة    الرابطة الأولى: تفاصيل بيع تذاكر مواجهة النادي الإفريقي والنادي الصفاقسي    المجر ترفع في المنح الدراسية لطلبة تونس إلى 250 منحة    السنغال تعتمد العربية لغة رسمية بدل الفرنسية    عاجل : وزير الخارجية المجري يطلب من الاتحاد الأوروبي عدم التدخل في السياسة الداخلية لتونس    إنهيار سد يتسبب في موت 42 شخصا    "بير عوين".. رواية في أدب الصحراء    سليانة: 4 إصابات في اصطدام بين سيارتين    كأس الكونفدرالية الافريقية : نهضة بركان المغربي يستمر في استفزازاته واتحاد الجزائر ينسحب    نقطة ساخنة لاستقبال المهاجرين في تونس ؟ : إيطاليا توضح    مدنين : مواطن يحاول الإستيلاء على مبلغ مالي و السبب ؟    قيس الشيخ نجيب ينعي والدته بكلمات مؤثرة    تصل إلى 2000 ملّيم: زيادة في أسعار هذه الادوية    ما حقيقة انتشار "الاسهال" في تونس..؟    تونس : ديون الصيدلية المركزية تبلغ 700 مليار    جائزة مهرجان ''مالمو'' للسينما العربية للفيلم المغربي كذب أبيض    بعد مظلمة فرنكفورت العنصرية: سمّامة يحتفي بالروائية الفسطينية عدنية شبلي    الرابطة الأولى: برنامج مباريات الجولة السادسة لمرحلة التتويج    هام/ بشرى سارة للراغبين في السفر..    زلزال بقوة 4.6 درجات يضرب هذه المنطقة..    يوميا : التونسيون يهدرون 100 مليار سنويا    دكتور مختصّ: ربع التونسيين يُعانون من ''السمنة''    ثمن نهائي بطولة مدريد : أنس جابر تلعب اليوم ...مع من و متى ؟    معز السوسي: "تونس ضمن القائمة السوداء لصندوق النقد الدولي.."    خط جديد يربط تونس البحرية بمطار تونس قرطاج    طقس الاثنين: تقلبات جوية خلال الساعات القادمة    عملية تجميل تنتهي بكارثة.. وتتسبب بإصابة 3 سيدات بالإيدز    انطلاق فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أمريكا تريد والله فعّال لما يريد ... الحلقة الثانية: تأليف: د.عبد الحي زلوم


العالم الذي قال لا للمعلومالية
تأليف: د.عبد الحي زلوم
في كتابنا “نذر العولمة” الذي صدر سنة 1998 تساءلنا “هل يستطيع العالم أن يقول لا للرأسمالية المعلومالية” . في هذا الكتاب نبين أن العالم قد قال لا بالقلم العريض . الأزمات الاقتصادية المتعاقبة، والعولمة، وأدواتها المالية كالمشتقات المالية اعتمدت على مبدأ أن هناك أحمق يولد كل دقيقة، أما العولمة فاعتمدت على مبدأ أن العالم قد أصبح مسرحاً للتفتيش عن هؤلاء الحمقى، وقد وجدوهم في كل مكان . قال صمويل هنتغتنون “لم يربح لغرب العالم بسبب تفوق أفكاره أو قيمه أو ديانته، وإنما ربحه بسبب تفوّقه في استعماله للعنف المنظم، والغربيون غالباً ما ينسون هذه الحقيقة، أما غير الغربيين فلا ينسونها أبداً” . الأزمة الاقتصادية الاخيرة وحروب الإرهاب الغربي في العالم الإسلامي مباشرة أو عن طريق الوكلاء كما في فلسطين والعراق وأفغانستان وباكستان وغيرها، هي مسامير في نعش المشروع الامبراطوري الأمريكي الذي جعل من “العولمة” حصان طروادته . كتب وليام جريدر، مؤلف كتابCome Home America أحد أكثر الكتب مبيعاً في قائمة جريدة النيويورك تايمز .
“لدي أشياء قاسية أقولها عن وطني، ففيما وراء الركود الاقتصادي والأزمة المالية . . . نحن في مشكلةٍ أعمق مما يفترض الكثير من الناس، أو مما ترغب السلطات في الاعتراف به . ولست أرى طريقاً لطيفاً لقول ذلك، فأمريكا “كرقم واحد” قد انتهت، فالولايات المتحدة تتجه للسقوط، وهو قصاص شديد، سيفرض على مجتمعنا تحولات مشوهة ومؤلمة، كما سيوجه لطماتٍ مذلة لكبريائنا الوطني، وقادني تفكيري في هذه الأشياء إلى الاستنتاج بأن أمريكا في أزمة أعمق مما يعتقد بشكلٍ عام، وبأن استعادة عافيتنا القومية سوف يقتضي تغيرّاً كبيراً . . تحولاً تاريخياً في طرائق عيشنا وعملنا، وكذلك في الطريقة التي نحكم بها” .
كتابي الأول الذي نُشر في 1998 المعنون : نُذر العولمة كان عنوانه الفرعي: هل يستطيع العالم أن يقول لا للمعلومالية؟ أصبح واضحاَ أن العالم قال لا بالقلم العريض .
وفي ذلك الكتاب الذي نُشر في 1998 كتبت في المقدمة: “إن الأدوات التكنولوجية ووسائل العولمة هذه ليس مرغوباً بها فقط، وإنما هي تطور تاريخي حتمي، ندعو إلى انتهال علومه حتى الإدمان ومعرفة أدواته وأسراره ومواكبتها . لكن هذه الوسائل هي عربة العولمة، والمشكلة تكمن في الأنظمة والحضارة التي تم تركيبها داخل هذه العربة . فكما أي عربة، فيمكن أن تكون وسيلة خير أم وسيلة شرّ، وذلك يعود لطريقة استعمالها ومن يقودها . إن ثقافة وأنظمة العولمة يقودها الآن نظام امتصاصي طفيلي حوّل الاقتصاد العالمي إلى كازينو للمقامرة بثروات الآخرين وقدراتهم . كما أورثت حضارة العولمة التي يتم الترويج لها ثقافة الاستهلاك، وإطلاق العنان للشهوات والرغبات، والتفكك الأسري، والجريمة المنظمة، وخلقت دوماً في كل مجتمع وأمة طبقة الواحد في المئة المستولية على مقدرات تلك الأمم، في حين خلقت عوالم ثالثة من بقيّة شعوبها، ربّها كفافها في أحسن الأحوال . حتى يتراءى لك وأنت في بعض أحياء نيويورك أو لوس انجلوس وكأنك في بنغلادش! . . إن أهم دعامتين للعولمة هما المال والاعلام . ولقد دمجنا كلمتي المالية والمعلوماتية لينتج عنها مصطلح جديد أسميناه بالرأسمالية المعلومالية - تماماً كما دمجنا الكلمتين بالإنكليزية واسميناهماانفوفينشال Infofinancial Capitalism، وهي الرأسمالية الانجلوأمريكية نفسها التي يبشّر بها النظام العالمي المتعولم الجديد كدين ما أنزل الله به من سلطان . ولقد عطل النظام المعلومالي دور المال التاريخي من خادم للاقتصاد المنتج إلى عبء عليه، وتمّ تسخير المجتمع كله لخدمة النمو الاقتصادي بدلاً من أن يكون النموّ خادماً للمجتمع، وتمّ تجيير ذلك النمو كله إلى فئة قليلة متعولمة .
إن ما يقوله جريدر هو تمام ما تنبأنا به وفي الحقيقة، فإن عدداً من هذه البيوتات المالية قد دمرت ذاتياً بعد انقضاء سنواتٍ قليلة على وضع كتابنا ذلك، كأمثال بيرشتيرن ,Bear Stern وليمان برذرز Lehman Brothers، بينما حاق الإفلاس بآخرين, حتى إن البنوك الكبرى مثل سيتي جروب، وجولدمان ساكس، جاوزت موجوداتها غير العاملة، رأسمالهم أضعافاً، إلا أنه تم إنقاذهم بأموال دافعي الضرائب، وبالسماح لهم بإخراج أصولهم السامة من ميزانيتهم، وليس من قبيل الصدف أن ساعد في الموضوع كون وزير الخزانه هو السيد/هنري بولسون، المدير التنفيذي السابق لجولدمان ساكس، والذي تصدق بعشرات البلايين من الدولارات، من أموال دافعي الضرائب إلى رب عمله السابق .
“واذا ما استعملنا ما يسميه علماء الرياضيات استقراءاً واستخلاصاً للنتائج، فإن المستقبل عندئذ يبدو مفزعاً بالفعل . إن الفارق الأساسي بين الاقتصاديات الكلاسيكية في القرنين التاسع عشر والقرن العشرين يتمثل في ضخامة وجسامة الأحداث التي تتبع الهزة الأساسية .
ففي القرن التاسع عشر كانت البنوك تحتاج لمدة أسبوعين لتجلب الذهب أو تشحنه من اوروبا وإليها لتغطية عقود وصفقات كبيرة،إذا ما كانت الكميات المطلوبة متوفرة فعلاً . أما اليوم فالأمر مختلف تماماً، عندما أصبحت النقود ورقا في ورق، فالعرض النقدي غالباً غير محدود عبر آليات وأدوات جديدة ويمكن أن تشحن هذه الأموال بالوسائل الإليكترونية في غضون جزء من الثانية . إن نقل الأموال بسرعة البرق هذه، والكميات الهائلة التي يجري نقلها من الأموال، تخلق عوامل تفجير هائلة رأسمالية تستطيع أن تشعل آثاراً مدمرة وكأنها فتيل حرب كونية ثالثة، ولكن دون إطلاق رصاصة واحدة . وما الأزمات الاقتصادية التي عصفت بدول جنوب شرق آسيا وما نجم عنها من كوارث اجتماعية، إلا مثال بسيط على ما يمكن أن تأتي به الأيام من أخطار كامنة مخزنة في ذاكرة أجهزة الكمبيوتر، ولا يحتاج انطلاقها إلى أكثر من الضغط على بضعة أزرار في وول ستريت تكون نتائجها عابرة للقارات وعبر الحدود” .
دع الحقائق تتكلم
بدأت أزمة جنوب شرق آسيا نتيجة تآمر المضاربين العالميين على عملات المنطقة، بدأ بالبهت التايلندي وانتهاء بالروبية الإندونيسية . ونتيجة ذلك كانت النتائج مدمرة، لا لذنب ارتكبه الإندونسيون ولكن نتيجة مقامرة المضاربين العالميين مستعملين ذراع الولايات المتحدة الطولى لترويع الآخرين ولغرض الاستعمار الجديد والسرقة بواسطة الرموت كنترول .
لم يعد من الضروري استعمار الأمم ونهب خيراتها عن طريق الاحتلال المباشر، بل أصبح أكثر خبثاً ودهاءً . فبواسطة شركاء محليين ارتضوا أن يشاركوا بارونات المال العالمي في عملية نهب شعوبهم مقابل الفتات من غنائم هؤلاء الاجانب . قاموا باغراق البلاد والعباد بالديون وجعلوا بلدانهم رهينة .
ولنأخذ اندونيسيا على سبيل المثال . كان مجموع ما قتل سوهارتو من الاندونيسيين يقارب المليون من اتباع سوكارنو ممن قيل أنهم “شيوعيون” ثم استولى وأتباعه على السلطة وفتح أبواب اندونيسيا على مصراعيها للشركات عبر القطرية وكان هو وأقرانه الشركاء دوما والوسطاء وأغرقوا البلاد بالديون .
وعندما قرر حفنةٌ من المضاربين العالميين المضاربة بعملات جنوب شرق آسيا بدءاً بالبهت التايلاندي انتقلت العدوى إلى أندونيسيا، فطالب صندوق النقد الدولي اندونيسيا إلى تخفيض عملتها بالاضافة إلى شروط أخرى . لم يقبل سوهارتو بهذا، فجاءه نائب وزير الخزانة الامريكي برسالة من كلينتون يقول له فيها أن عليه أن يقبل بوصفات صندوق النقد الدولي ومندوبي وزارة الخزانة الامريكية كأنها تأتي من عند الله .
(As if it comes from the hand of God) . وهكذا تمّ دمار الاقتصاد الاندونيسي ودفعت اندونيسيا أضعاف أضعاف مديونيتها بعد انخفاض عملتها كما بين الجدول رقم (1):
اطرح مجموع النقود المدفوعة 542$
الديون المدفوعة دون أن تحتسب
(أي الأموال المسروقة)
وبالكلفة الفعلية للاقتصاد الإندونيسي، فقد دفعت إندونيسيا بالروبيات ما يعادل 187،7 بليون دولار، ولكن نظراً لتخفيض العملة الذي فرض على إندونيسيا من قبل الدائنين أنفسهم، فقد سجل لحسابها 54،2 بليون دولار فقط، وكان الفرق، لو لم تكن هناك مضاربات خارجية، سيسدد كل الدين الإندونيسي : أصل الدين وخدمة الدين من فائدة وخلافه! . . وهكذا تم سرقة نحو 135 مليار دولار من الإندونسيين، فهل هناك استعمار أدهى وأقذر من هذا؟
ومن مجموع 282 شركة سليمة حسنة الأداء ومسجلة في بورصة جاكرتا، بقيت اثنتان وعشرون منها فقط على ما هي عليه بعد الهجوم على العملة الإندونيسية، وتم كل هذا من قبل المضاربين، عن طريق التحكم عن بعُد، وكان أن تم سلب أملاك 260 شركة، ونهب ثرواتهم الشرعية . تدافع هؤلاء أنفسهم الذين سببوا إفلاس الشركات الإندونسية إلى شرائها بأبخس الأسعار مما نتج عنه دفع 50 مليون إندونيسي إلى ما دون مستوى خط الفقر . هذا هو الاستعمار الجديد ذاته واسم دلعه العولمة .
وما كان يزوده صندوق النقد الدولي لإندونيسيا، وهو الذي أجبر إندونيسيا على برامجه التي أدت الى هذه المصائب، لا يعادل سوى جزء مما نهبته منها الأمم والمؤسسات العالمية الدائنة، فقد سلمها صندوق النقد الدولي عام 2000 مبلغ 2،6 بليون دولار فقط من مجموع 4،6 بليون دولار تعهد بها، وذلك بسبب ما وصفه البنك الدولي “بأوجه قصور وفشل في الإصلاح والمشاريع”، بمعنى فشل إندونيسيا في الاستجابه لكامل شروط صندوق النقد الدولي، وكانت القروض مربوطة إلى “إحراز تقدمٍ ملموس في الأداء السياسي”، بما يعني الخضوع الكامل لسياسات إجماع واشنطن . وبشكل أساسي فإن إندونيسيا لم تخصخص بسرعةٍ كافيةٍ تحظى برضى صندوق النقد الدولي، وبقيت المؤسسات المالية متعددة الجنسيات تطالب باستملاك النظام المصرفي الإندونيسي، والذي كان سيصبح من بين أول جوائز الخصخصة، وقبلت الحكومة إيقاف دعمها عن الطعام والوقود، إلا أنها - أي الحكومة - أرادت أن تفعل ذلك على نحوٍ أبطأ، كما قبلت بيع موجودات حكومية معينة، ولكن ليس بأسعارٍ محروقة . وفي مارس/آذار 2002 بيعت حصة أغلبية لمصرف آسيا الوسطى للمضارب فارالون، وقاعدته في الولايات المتحدة، ودفع للحكومة 500 مليون دولار مقابل هذه الصفقة، ولكنها ستفضي بالحكومة لدفع 700 مليون دولار سنوياً، واعترف صندوق النقد الدولي بأنه ارتكب أخطاء خطيرة في أزمة إندونيسيا ،1997 إلا أن إندونيسيا تُركت وحدها لتدفع ثمن أخطاء صندوق النقد الدولي .
ويعقد روبرت كوبر، المستشار السابق لدى رئيس الوزارء البريطاني، مقارنة بين اشتراطات صندوق النقد الدولي اليوم، وبين إمبريالية الأنجلو- فرنسيين في القرن التاسع عشر، عندما قرروا في 1875 تولي السيطرة المباشرة على مالية مصر لضمان سداد الديون، فكتب قائلاً: “كم يختلف هذا عما فعله اللورد كرومر وآخرون في مصر؟ . . .يبدو شبيهاً وإلى حدً لافتٍ بواحدٍ من برامج صندوق النقد الدولي المتشدد” .
عن كتابي إمبراطورية الشر الجديدة الصادر سنة 2003:
من الفصل الثامن: ازدهار اقتصاد الكذب:
إن العالم شهد، منذ أواخر الثمانينات من القرن العشرين، الكثير من الانهيارات الواحد تلو الآخر: في أكتوبر/تشرين الأول ،1987 انهار سوق الأسهم، وتلاه الانفجار الداخلي لسوق السندات المخاطرة،وأزمة القروض والادخار . بدأ عقد التسعينيات بانهيار سوق العقار الياباني وفقاعة سوق الأسهم، بعد أن أجبرت اليابان على تغيير نهجها الاقتصادي من واشنطن . في يناير/كانون الثاني ،1995 وضعت الأزمة المكسيكية النظام المالي العالمي على شفير كارثة حقيقية في العام نفسه، انهار مصرف بارينجز بانك (Barings Bank)، وفي ربيع عام ،1995 تحمّل النظام المصرفي الياباني 2 .1تريليون دولار على هيئة مخصصات الديون المعدومة . بدءاً من صيف ،1997 عاشت دول جنوب شرق آسيا انهياراً مفاجئاً لعملاتها، بنسب تتراوح ما بين 50 - 80%، وانهارت أنظمتها المصرفية ودمّرت اقتصاداتها بالكامل . في أغسطس/آب ،1998 تفجرت قنبلة الدين الروسي . في خريف ،1998 انهارت شركة إدارة رؤوس الأموال طويلة الأجل LTCM ، وكادت أن تودي بالنظام الرأسمالي بأكمله معها .
المعلومات المدققة تشير إلى عدم تحقيق نمو في الشركات غير المالية . وكشفت جداول الضريبة الجديدة لعامي 1995 إلى 1999 والتقديرات التي تمت مراجعتها لعام 2000 أن الشركات الصغيرة كانت تتكبد خسائر فادحة . وبلغ حجم خسائر الشركات الأصغر حجماً لعام 1999 رقماً مذهلاً، وصل 300 مليار دولار .
إن النظام المالي الحالي يعيش انهياراً مؤسسياً، وليس ركوداً، حيث يقول لوذر كمب الاقتصادي الألماني: “لم يكن هناك أبداً انتعاش اقتصادي أمريكي خلال التسعينات، . . .بل كان هناك أكبر فقاعة مضاربات يشهدها التاريخ، قامت على “ازدهار الأوهام” والإقراض الرخيص للمستهلكين ومستثمري الأسواق المالية، فضلاً عن عمليات الاستملاك والاستيلاء على الشركات” .
منذ مارس/آذار ،2000 انفجرت سوق الأسهم الامريكية بشكل هائل، وشهدنا هدر وضياع سبعة تريليونات دولار بالقيمة الورقية في الولايات المتحدة وحدها، إلى جانب تريليوني دولار في كل من أوروبا وآسيا . وخلال الفترة بين 10 مارس/آذار 2000 ونهاية الربع الأول من ،2001 تراجعت قيمة أسهم ناسداك Nasdaq السوقية من 7 .6 تريليون دولار إلى 3 .3 تريليون دولار . وهبطت أكبر ست شركات على مؤشر ناسداك من مستوياتها العليا في عام 2000 من 362 .2 تريليون دولار إلى 914 مليار دولار .
تراجعت القيمة السوقية ل 5000 شركة أمريكية التي تشكل مؤشر ويلتشاير Wiltshire 5000 من 96 .16 تريليون دولار إلى 6 .11 تريليون دولار، وبخسارة قدرها 34 .5 تريليون دولار . ودخلت الولايات المتحدة ذات أضخم مديونية في العالم عام ،2001 بمديونية قياسية مجمعة تمثل الدين الحكومي، ودين قطاع الشركات، والمديونيات الخاصة تصل إلى 26 تريليون دولار . وارتفعت مديونية المستهلكين إلى ثلاثة أمثال ما كانت عليه مطلع التسعينات، وكان هذا مصحوباً بأسوأ انهيار تشهده المدخرات الأمريكية، منذ الكساد الكبير، طبقاً للرسم البياني الذي صدر عن وزارة التجارة الأمريكية . كانت الشركات الأمريكية تضيف كل عام مبلغ 5 .1 تريليون دولار من الديون الجديدة، وهو ما يعادل ثمانية أمثال ما كانت عليه الحال مطلع التسعينات . إن الدين الإجمالي في الاقتصاد الأمريكي يتزايد بسرعة 4 مرات عن تزايد إجمالي الناتج المحلي . كانت مظاهر ضعف النظام بكليته وهشاشته صارخة الوضوح .
ما بين 12 و13 من يوليو/تموز لعام ،2000 وضع مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك (CFR) وهو مؤسسات نخبة النخبة . سيناريو بعنوان “الأزمة المالية التالية: إشارات تحذير، السيطرة على الضرر، والآثار” .
وقد تضمنت السيناريوهات السابقة التي لم يكشف النقاب عنها للملأ، كيف يمكن لهجوم إرهابي رئيس أن يؤدي إلى انهيار بالاقتصادين الأمريكي والعالمي . كان ذلك قبل أحداث سبتمبر/أيلول 2001 .
وجاءت أحداث سبتمبر . . . . .
كتب روبرت بارو (Robert J . Baro)، أستاذ الاقتصاد في جامعة هارفارد، والزميل الأعلى في معهد هوفر، في مجلة بيزنس ويك بعد أسابيع قليلة من هجمات 11 سبتمبر:
“إن استنتاجي الرئيسي هو أن الحرب التي تشن حالياً (ضد الإرهاب) ستكون توسعية، لذا فهي ستسهم في إنعاش الاقتصاد الأمريكي وانتشاله من حالة التباطؤ التي يعيشها” .
ثم جاءت حرب الإرهاب
في مقابلة تلفزيونية مع Amy Goodman صرح Edward Peck ادوارد بيك، رئيس بعثة الولايات المتحدة في العراق سابقاً، ونائب مدير لجنة مكافحة الإرهاب في البيت الأبيض أيام الرئيس ريغان بالآتي:
“في سنة 1985 عندما كنت نائباً لمدير لجنة مكافحة الإرهاب في البيت الأبيض في عهد الرئيس ريغان، طلبوا منا . . .أن نعرف الإرهاب بحيث يتم استعماله في وزارات الإدارة كافة . وقمنا بتقديم ستة خيارات للتعريف، وفي كل مرة تم رفضها لأن القراءة المتأنية لها تبين بأن بلادنا كانت تمارس بعضها . . .” .
من كتاب حروب البترول الصليبية/ الفصل الرابع عشر2005
“فإجمالي الدين الذي يعاني منه الاقتصاد الأمريكي حالياً، يتجاوز وبكثير أزمة الديون في فترة الكساد العظيم خلال الثلاثينات” . . ومنذ قرار نيكسون بإخراج الدولار من معيار الذهب ووضعه دون غطاء عام ،1971 والأوراق النقدية الأمريكية تتراكم بكميات مذهلة،وبالمقارنة، فإن حجم ما تم طبعه من ورقة النقد الأمريكية خلال الفترة من 1950 -،1970 سجل ارتفاعاً بنسبة 55%، وهي نسبة معتدلة، في حين نجد أن هذه النسبة تضاعفت إلى أكثر من 2000% من عام 1971 إلى العام 2000” . “وفي العام ،2003 قال بن بيرنانكي Ben S . Bernanke عن هذا الأمر عندما كان أحد الحكام الاتحاديين “تملك الحكومة الأمريكية تكنولوجيا تدعى المطابع، التي تسمح لها بإنتاج ما ترغب به من أوراق الدولارات ومن دون كلفة تذكر . . .ففي ظل نظام الأوراق النقدية، تستطيع الحكومة، إذا ما أرادت توليد المزيد من الإنفاق والمزيد من التضخم الإيجابي” .
“ونتيجة لهذه السياسة، أصبح خارج الولايات المتحدة من الأوراق النقدية الأمريكية (الدولار) ما يزيد على 2500 مليار دولار، هي عبارة عن دين لحاملها دون فوائد للخزانة الأمريكية . وفي حالة عودة جزء مهم من هذه الأوراق إلى الولايات المتحدة، عندئذٍ ستكون الطامة الاقتصادية الأمريكية الكبرى”!
“تكمن مشكلة الديون بالنسبة لرئيس الاحتياط الفيدرالي في أن جهنم الائتمان يقوم على الدين،الذي عادة ما يولد المزيد من الديون (ائتمانات للبنوك)، وذلك تجنباً لحصول انفجار مالي داخلي أو حتى انهيار فعلي للنظام المالي . وفي كل مرة يحاول الاحتياط الفيدرالي التخفيف من زيادة حجم فقاعة الديون، تظهر مشكلة احتمال انهيار الأسواق المالية، الأمر الذي يدفع الاحتياط الفيدرالي إلى فتح صنبور المال بصورة أوسع” .
جاء في كتابنا المذكور والمنشور سنة 2005 ما حصل تماماً بعد سنتين
“وفي حالة حصول ارتفاع ملحوظ في معدلات الفائدة الأمريكية، فإن ملايين العائلات الأمريكية الغارقة في الديون، ستجد نفسها فجأة مجبرة على التخلي عن منازلها، بعد أن أصبحت غير قادرة على تحمل كلفة الفائدة العالية . مثل هذا الوضع سيضرب البنوك، التي ستجد نفسها أمام رهونات عقارية بمليارات الدولارات، وقد أصبحت غير ذات قيمة، وهو ما سبق وحصل في الثلاثينات” .
كان هذا أيضاً ما حدث تماماً كما كتب قبل سنوات من حدوثه .
البروفيسور ليستر ثرو الذي ألف كتابا بعنوان “مستقبل الرأسمالية” وهو استاذ اقتصاد وعميد سابق في جامعة MIT العريقة يقول:
“إن الأنظمة المنافسة للنظام الرأسمالي من فاشية واشتراكية وشيوعية قد انهارت جميعها ولكن، بالرغم من أن المنافسين قد أصبحوا طي الكتمان في كتب التاريخ، فإن شيئاً ما يبدو وكأنه يهز أركان النظام الرأسمالي نفسه” .
“قلنا في كتابنا حروب البترول الصليبية آن الأوان لنضع حداً للمماطلة في إعلان إفلاس هذا النظام، ولنحرر حكومات العالم حتى تسلك الطريق نحو إعادة إنشاء أنظمتها المالية والنقدية والاقتصادية بشكل كامل .
في رسالةٍ بعث بها بتاريخ 1 كانون الثاني 1989 إلى ميخائيل غورباتشوف، كتب آية الله الخميني ليبين أن أمراض الاشتراكية والرأسمالية إنما مردّها إلى افتقارهما كلتيهما للقيم الروحيه . قال:
“إنه من الممكن بالطبع وكنتيجةٍ لسياسات اقتصادية خاطئه من قبل السلطات الشيوعية السابقة، أن يبدو العالم الغربي - الجنة الوهمية - مثيراً للإعجاب . . إلا أن الحقيقة تقع في مكان آخر، وإذا كنت تأمل في هذا المفترق أن تقضي على العُقد الاقتصادية المستعصية للاشتراكية وللشيوعية، عن طريق الالتجاء إلى مركز الرأسمالية الغربية، فإنك فضلاً عن عدم معالجتك أيّاً من أمراض مجتمعك، ستقترف خطأ سيترتب على من يخلفونك محوه، ذلك أنه إذا كانت الماركسية قد وصلت إلى طريق مسدود في سياساتها الاشتراكية والاقتصادية، فإن الرأسمالية أيضاً قد أصبحت عاجزةً عن التقدم في هذه وغيرها من الأمور ولو على نحوٍ مختلف” .
ولا ضير إذا كان آية الله الخميني قد استشهد بالدين كي يعظ غورباتشوف، فهو رجل دين، أما رأس العلمانية، رئيس الولايات المتحدة، فقد لجأ لاستخدام “الربّ” ترويجا “لحربه على الإرهاب” مستخدماً لذلك كلاً من الإله والشيطان، و يأجوج ومأجوج، للترويج لحربه على العراق،فقد صرّح الرئيس الفرنسي جاك شيراك ببعض مما أبلغه إياه الرئيس بوش و في محادثة لهما على الهاتف قال بوش:
“إن يأجوج ومأجوج ناشطان في الشرق الأوسط، فتنبؤات الكتاب المقدّس تتحقق، وهذه المواجهة هي مشيئة الله الذي يريد استخدام هذا الصراع لاستئصال أعداء شعبه، قبل أن يبدأ عهد آخر” . ولم يستجب الرئيس الفرنسي المدهوش لطلب بوش، وبدلاً من ذلك طلب موظفوه إلى ثوماس رومر، وهو رجل لاهوت في جامعة لوزان، أن يقوم بتحليل الطلب الغريب . وكان أن قام الدكتور رومر في العام 2007 بإعادة وصف سلوك بوش في مجلة لوزان ألليه ساغوار .
حتى أنت يا بروتس:
كتب غورباتشوف - كما روت الواشنطون بوست - في عددها بتاريخ 7 حزيران 2009: “ في الغرب، يُنظر إلى تفكك الاتحاد السوفييتي على أنه نصرٌ كامل يثبت أن الغرب ليس بحاجةٍ إلى أن يتغير . . فإجماع واشنطن، ومبدأ تحرير السوق وفكفكة القوانين، والميزانيات المتوازنة بأي ثمن، قد أُطعِمت لبقية العالم بالقوّة . . ولكن أتت الأزمة الاقتصادية عامي 2008 و2009 وأصبح واضحاً بأن النموذج الغربي ليس سوى سراب أفاد بشكل رئيس أولئك الأكثر ثراءً، وإنه لمما يثير الاهتمام أن كلاً من غورباتشوف والخميني قد استعملا الكلمة نفسها لوصف الازدهار الرأسمالي بالوهم أو السراب . ويتابع غورباتشوف:
“ولكن إذا كانت جميع الحلول والاجراءات المقترحة، لم تتمخض سوى عن مجرّد إعادة تلميع للنظام القديم، فإن من المقدّر لنا أن نشهد كارثة أخرى، وربما كانت هذه المرة أضخم . . . فالنموذج الحالي ليس بحاجةٍ إلى تعديل، بل إنه بحاجةٍ إلى التبديل . . إن النموذج الآن يتصدع . . ولا بد من استبداله إن عاجلاً أم آجلاً، وسيكون ذلك عملية في غاية التعقيد والإيلام للجميع بمن في ذلك الولايات المتحدة” .
من الذي زعم بأنه لا يمكن لغورباتشوف أن يكون على صواب، ولو على الأقل مرة واحدة في حياته؟ حتى غورباتشوف قال لا للرأسمالية المعلومالية بعد أن ظّن أنها هي الجنّة .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.