في حدث مفاجئ وغير متوقع، أسقط الشعب التونسي طاغيةً "حكمهم بالنار والحديد" طوال 23عاماً، ذاقوا خلالها مرارة الطبقية واستحواذ العائلة الحاكمة والمقربين منها على ثروات البلاد إضافةً إلى فسادٍ إداريٍّ ومالي كبيرين. فتونس دولة تحولت فيها المؤسسات إلى مجرد أجهزة تنفيذية للأجندة الأمنية، فلم يكن أمام المواطنين سوى التحرك الشعبي العفوي، وعلى مدار أقل من شهر أسس الشعب التونسي لمرحلة جديدة في تاريخ دولتهم على وجه الخصوص، وفي تاريخ المنطقة العربية برمتها.. تهاوى النظام التونسي بشكل سريع، وتغير وجه الخارطة السياسية التونسية، وكما أطاح التونسيون نظام "بن علي"، أطاحوا أيضا بتوقعات المحللين بأن الشعوب العربية لن تأخذ طريقها إلى الشارع، ولن تتجرأ على مجرد "الاحتجاج" على أنظمة حكمها المستبدة، فكيف بنظام تونس البوليسي؟! ثورة تونس، كانت مجرد ثورةٍ أعلنها البسطاء، فانطلقت كما سبقتها الثورة الإيرانية، والروسية، من المناطق المحرومة والأكثر فقراً، فبدأت بإحراق الشاب محمد بوعزيزي نفسه احتجاجا على الوضع البائس الذي وصل إليه كغيره من الشباب هناك.. وكأنه فجر مكنونات الغضب لدى الشعب التونسي الذي انطلق إلى الشارع في ثورة عارمة.. تلك الثورة ألهبت حماس الشعوب العربية، التي رأت في هذه الحركة الاحتجاجية بارقة أمل بإمكانية التخلص من الوضع البائس الذي تعيشه والإطاحة بنظم حكم فاسدة احتكرت الكرسيّ.. وهمشت الشعب.. في هذا التقرير نحاول إلقاء الضوء فوق تلك البقعة الخضراء "تونس" وأسباب الثورة فيها، وإمكانية امتداد مبادئها إلى بقية الشعوب العربية التي تعاني جبروت "الحاكم" في سياق التقرير التالي: إسقاطٌ للجلاد..! أم أحمد غراب رأت في الثورة التونسية انتصاراً مهماً على واحد من أكثر نظم الحكم العربية استبداداً، "ذلك النظام الذي أنشب أظفاره في جسد الشعب التونسي، وأطبقت أنيابه على مقدراته، ضاربا بعرض الحائط المواطن العادي البسيط"، معربةً عن أملها في أن تحذو بقية الشعوب العربية حذو التونسيين، وتطيح بعروش حكامها الفاسدين، لتستعيد عافيتها وحيويتها، وتستطيع أن تعيش حياة هانئة كريمة. بينما رأى المواطن أسعد الطويل أن القمع ليس موجودا في تونس فقط بل هو في كل البلاد العربية التي تخلت عن نهج سيدنا عمر بن الخطاب "عندما جاء رسول كسرى ورآه نائما تحت الشجرة فسأل من هذا؟ قالوا هذا أمير المؤمنين، فقال حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر"، أما حكام العرب فيمكن القول بالواحد منهم :"حكمت فظلمت فقتلت فهربت". وأَضاف :"فرحنا كثيرا عندما تخلص الشعب التونسي من الظلم الذي عاشه تحت حكم الجلاد "زين العابدين بن علي " لمدة 23 عاما ، أرجو أن تنهج بقية الشعوب العربية نهج الشعب التونسي وتتخلص من حكامها الظالمين". هبة شاملة المحلل السياسي ناجي شراب أوضح أن هذه ليست الهبة الأولى التي تشهدها تونس، لكنها المرة الأولى التي تخرج فيها تونس بكل شرائحها للشوارع للاحتجاج . ولفت إلى أن الهبة أخذت طابعا سلميا وواضحاً، رغم ما شابها من بعض مظاهر العنف التي لم تغير من طابعها السلمي الواضح، مشيراً إلى أن ما لفت النظر في هذه الثورة هو التلاحم بين المؤسسة الأمنية والجيش. وقال :"هذه هي المرة الأولى التي تحدث في دولنا العربية مظاهرات احتجاجية سلمية، بعيدة عن العنف والشغب، حيث اعتدنا على رؤية هذه المظاهرات في الدول الأوروبية كونها تعبر عن أن الشعب قد وصل لمستوى جيد من الوعي والنضج السياسي". ثورتان.. والسبب واحد وبين شراب أن الثورة التونسية تشبه إلى حد كبير الثورة الإيرانية ، فأسباب الثورة الإيرانية كانت الفساد السياسي والإداري والمالي، وسلطوية وديمومة نظام الحكم، واحتكار الدولة بأمنها وقوتها من قبل فئة محدودة ، فكانت ثورة "الفقر والخبز". وبين أن الأسباب التي دفعت التونسيين إلى الثورة مشابهة تتمثل في استبدادية الحاكم وسلطته وقيامه بتكميم الأفواه وانتشار البطالة والفقر ، وتمركز الثروة في يد فئة قليلة من الناس رغم كون تونس دولة غنية ، لكن الثروات تتمركز في يد الزمرة الحاكمة ، واتباع النظام لسياسات قمعية أمنية تدفع باتجاه الثورة . ثورة الفقر والخبز تكرارها وارد ولكن "قمعها" احتمالٌ أقرب للواقع وأوضح أن وسائل التكنولوجيا الحديثة لعبت دورا كبيرا في الثورة التونسية وساهمت في انتشارها بسرعة ، لافتا إلى أن حرق "بوعزيزي " لنفسه مثل رمزا لحالة سياسية اجتماعية ، رغم وجود كثيرين يحرقون أنفسهم ، لكنه مثل رمزا لحالة كامنة متراكمة في النفوس. وأكد شراب وجود علاقة طردية بين ازدياد نسبة العنف والاعتقال وتكميم الأفواه ، وإمكانية حدوث الثورة ، فالسلطة في النهاية مردها الشعب ، فكلما زاد قمع النظام الحاكم أصبحت ثورة الشعب أقرب . الشعوب لا تموت .. وأضاف شراب :" لم يكن هناك نظام قمعي أكثر من إمبراطور رومانيا شاوشسكو ، ومن الاتحاد السوفيتي ، لكن الشعوب أسقطتها، فلجوء السلطة للقمع الأمني يفقدها هيبتها وشرعيتها، فليس هناك شعب في العالم خاضع وجبان". ونوه إلى أن النظام المخلوع دام 23 عاما تأصلت فيها دائرة الفساد والقمع وكتم الحريات مما كان له دور كبير جدا في ثورة الشعوب ، معتقدا بخطأ الاعتقاد بأن الشعب التونسي انطلق في لحظة واحدة بل الشعب كان يتململ فخرج في هذا التوقيت الذي لم يعد قادرا فيه على تحمل فساد الحكم وأخطائه . وتابع شراب :"كان إحراق الشاب الجامعي العاطل عن العمل محمد بوعزيزي لنفسه بعد أن صفعته موظفة على خده، فكانت بمثابة صفعة نظام الحكم للشعب كله ، فأثارت المكامن الوطنية ومكامن الرفض ، فلتونس تاريخها الطويل في رفض الظلم ". وأردف قائلا :"التغطية الإعلامية العربية وكأنها تقول لتونس تعالي لتنقذينا ، فالآن أصبحت كل الدول العربية على المحك ، فأي دولة لا تأخذ حكمها من الشعب ، فبقاء حكمها مرتبط بمدى مصداقيته ، وحله للمشاكل الحياتية والفقر والبطالة ". هم عربي مشترك .. أما المحلل الاقتصادي نصر عبد الكريم، فبين أن الضائقة الاقتصادية التي دفعت التونسيين للثورة تشترك فيها معها معظم الدول العربية ، من سوء توزيع الموارد ، والفجوات بين الناس ، وعدم وجود عدالة، و فساد مالي وإداري، وقمع للحريات، وعدم وجود توزيع صحيح للموارد . وأشار إلى أن تونس تعاني من الفقر والفجوات بين الناس وعدم وجود سياسات اقتصادية معقولة ، رغم وجود موارد كافية ، فتونس اجتمعت فيها كل العناصر من غياب الحريات، والفساد ، والفقر، وشكلت بيئة خصبة جداً لاحتجاجات جماهيرية ، ظاهرها مطالب اقتصادية، وباطنها إحباط سياسي واجتماعي ، وعدم الرضا عن أداء السلطة منذ 23 عاما . شراب: ثورة التونسيين امتدادٌ لنظيرتها الإيرانية فكلتاهما نادتا بحياةٍ "إنسانية" كريمة ونوه عبد الكريم إلى أن الدول العربية تتقاطع مع حالة تونس في واحد أو أكثر من ظروفها ، فهي كلها تنتهج الفساد وقمع الحريات وتعزز الفجوات بين الناس ، مما يجعلها هي الأخرى عرضة لاضطرابات اجتماعية . فقر .. وغياب للديمقراطية وأكد عبد الكريم أن الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والديمقراطية قرناء، فإذا غابت الديمقراطية حضرت الضائقة الاقتصادية وأصبح الوضع لا يطاق، بينما في دول الخليج تغيب فيها الديمقراطية لكن هناك رخاء اقتصادي، مما يجعل الوضع محتملا، أما وجود وضع اقتصادي صعب مع الفساد والقمع، فبالتأكيد سيحدث اضطراباً اجتماعيلً من أجل لقمة العيش. وتوقع ألا تكون ثورة تونس "الحالة الأولى والأخيرة"، فقد حدثت مثلها في البحرين، ومصر ،وسوريا من قبل لكن بقيت تحركات محدودة ليست جماهيرية كبيرة، لكن لم يكن في هذه الدول أحزاب ومجتمعات نشطة تستفيد من الهبة الجماهيرية لصالح التغيير السياسي كما هو الأمر في تونس ، متوقعا ألا تؤدي هذه الهبات إلى النتيجة ذاتها بل ستسيطر عليها الأنظمة الحاكمة . ولفت عبد الكريم إلى أن الدول العربية المختلفة تحاول استباق انتقال التجربة التونسية إليها، فقامت بتقديم رشاوى ومكرمات وإعانات للمواطنين كي تسترضيهم، وتستوعب الاحتقان الموجود لديهم، مبينا أن ذلك لن ينجح لأنه مجرد إدارة للأزمة في ظل غياب الديمقراطية ، والعدالة . عبد الكريم: الأزمة الاقتصادية العالمية كشفَت المستور.. والجزائر واليمن مرشحتان حان وقت التغيير .. ورجح عبد الكريم أن تكون الجزائر واليمن الأكثر احتمالا لتكرار تجربة تونس، ما لم تتخذ حكومتا البلدين خطوات اقتصادية لردم الفجوات بين المواطنين . ونوه إلى أن الأزمة المالية العالمية كانت سببا في الثورة التونسية ، كونها كشفت المستور في الأنظمة والمناهج الاقتصادية في العالم وخاصة في الوطن العربي ، وبينت أن النظام الليبرالي و"السوق الحر" المتبع في معظم الدول العربية، فاشل . وأوضح عبد الكريم أن هذا النظام فيه تعزيز للفقر وعدم العدالة وعدم وجود حماية للفئات المهمشة ، وجاءت الأزمة العالمية لتزيد عدد المتضررين ، مما أدى إلى احتقان النفوس في ظل عدم قدرة الحكومات على مواجهة الاستياء والغضب ، مما زاد نسبة الفقر . وأكد أن الحل للأزمة التي تعاني منها الدول العربية يكمن في تخلي الأنظمة عن قناعاتها الاقتصادية ، المتمثلة في منهج الاقتصاد السوقي ، فتنشط الدولة أكثر في الحياة الاقتصادية ، دون مضايقة القطاع الخاص ، وتعيد توزيع الثروة ، مع الإنفاق على التعليم ودعم السلع في ظل ارتفاع الأسعار . الثلاثاء, 18 يناير, 2011, المصدر: صحيفة فلسطين فاطمة الزهراء العويني