تونس:تشير استقالة الوزير الأول التونسي ووزيرة الخارجية الفرنسية في يوم واحد أمس، إلى أن ارتدادات الزلزال التونسي لم تهدأ بعد. صحيح أن ظروفهما مختلفة، إلاّ أنهما مرتبطتان بشكلٍ أو بآخر بشبهة سيئة تحمل إسم الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. فمن جهةٍ، كان محمد الغنوشي موضع ثقة بن علي لأعوامٍ طويلة، لذا يصعب أيضاً أن يحظى بثقة أنصار الثورة، حتى لو لم تتلوث سمعته بالقمع والفساد. ومن جهة أخرى، خسرت ميشال أليو ماري تجربة غنية في العمل الحكومي في فرنسا بسبب عطلةٍ أمضتها في تونس أثناء الاحتجاجات، فضلاً عن تمتعها ببعض امتيازات الضيافة التي قدّمها أحد معاوني بن علي.
لكن الأهم والأخطر في تونس الآن بعد أربعين يوماً على سقوط النظام، أن الوسط الحكومي والسياسي لا يزال يتخبط في خيارات المرحلة الانتقالية. ولعل الوزير الجديد الباجي قائد السبسي يستطيع أن يطمئن الشارع ويؤمن أخيراً شيئاً من الهدوء والاستقرار ولو النسبي، لتمكين الحكومة من بلورة ملامح الاستحقاقات المقبلة المتعلقة تحديداً بآلية إعداد الدستور الجديد، وتهيئة الأجواء والتشريعات اللازمة لانتخاباتٍ رئاسية وبرلمانية.
ويؤكد اختيار قائد السبسي، وهو سياسي في الثمانين من العمر، أمضى معظم حياته بالقرب من الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، انتصار التيار السائد بوجوب إقصاء أي وجوه ارتبطت بالعهد السابق. كما يوحي بأن هناك رغبة بتقصير المرحلة الانتقالية إلى أدنى حد وتمريرها بأقصى سرعة.
لكن هاجس تأمين بداية قانونية سليمة للعهد المقبل يصطدم بكثير من الصعوبات التي تحول دون تحقيق إنجازات سريعة. ثم إن التأخر في عودة الوضع الأمني إلى طبيعته سيشكل تحدياً رئيسياً للحكومة، أياً يكن رئيسها. وفي أي حال، سيكون تغيير رئيس الحكومة اختباراً مهماً في الأيام المقبلة لمعرفة ما إذا كان المجتمع التونسي مستعداً لتسهيل مهمتها. وإلاّ فإن استمرار التظاهر سيعني عندئذٍ أن التيارات السياسية دخلت باكراً في صراعاتها على رسم الخريطة السياسية المقبلة. فرانس24