ليفربول يعلن رسميا خليفة كلوب    منوبة.. إيقاف شخص أوهم طالبين أجنبيين بتمكينهما من تأشيرتي سفر    رئيس الاتحاد يشرف على اختتام الصالون المتوسطي للفلاحة والصناعات الغذائية بصفاقس    تحويل ظرفي لحركة المرور على مستوى جسري الجمهورية والقرش الأكبر    مطالبة بتوفير 10 مليارات وحصد التتويجات: هيئة «السي. آس. آس» تحت الضّغط    الدّورة الثّالثة لمؤتمر مستقبل الطّيران المدني: وزيرة التّجهيز تقدّم رؤية تونس في مجال الطّيران المدني في أفق 2040    الثلاثاء: حالة الطّقس ودرجات الحرارة    المسابقة العالميّة الكبرى لجودة زيت الزيتون بنيويورك 26 ميداليّة لتونس    ما هي الدول التي أعلنت الحداد العام على رئيسي ومرافقيه؟    المهدية .. الملتقى الوطني لفنون الصّورة والسّينما والفنون التّشكيلية .. عروض ثريّة للإبداعات والمواهب التلمذيّة    رئيس الحكومة في زيارة ميدانية للشمال الغربي للبلاد التونسية    سجن سنية الدهماني .. يتواصل    مع الشروق .. إدانة... بنصف الحقيقة    القيروان: انتشال جثة إمرأة من قاع فسقية ماء بجلولة    رقم مفزع/ من 27 جنسية: هذا عدد الأفارقة المتواجدين في تونس..    هل فينا من يجزم بكيف سيكون الغد ...؟؟... عبد الكريم قطاطة    التضامن.. الإحتفاظ ب3 اشخاص وحجز كمية من المواد المخدرة    الليلة: سحب عابرة ورياح قوية والحرارة تتراوح بين 16 و26 درجة    عاجل: وسائل إعلام رسمية: انتخابات الرئاسة في إيران ستجرى في 28 جوان    فقدان 23 تونسيا في'حَرْقة': ايقاف 5 متهمين من بينهم والدة المنظّم واحد المفقودين    مدير عام ديوان تربية الماشية: النحل يساهم في ثلث غذاء الإنسان    بنزرت تستعد لاستقبال أبناء الجالية المقيمين بالخارج    والي بن عروس: فخور ب"دخلة" جماهير الترجي وأحييهم ب"عاطفة جيّاشة"    أغنية لفريد الأطرش تضع نانسي عجرم في مأزق !    النادي الصفاقسي : اصابة وضّاح الزّايدي تتطلب راحة باسبوعين    إضراب عن العمل بإقليم شركة فسفاط قفصة بالمظيلة    بودربالة يوجه الى نظيره الايراني برقية تعزية في وفاة إبراهيم رئيسي    وزارة التربية: هذه هي الانشطة المسموح بها بالمؤسسات التربوية خارج أوقات التدريس    وزيرة السعادة تحافظ على مركزها ال9 في التصنيف العالمي    أبطال إفريقيا: الكشف عن مدة غياب "علي معلول" عن الملاعب    تقرير يتّهم بريطانيا بالتستر عن فضيحة دم ملوّث أودت بنحو 3000 شخص    سيدي بوزيد: تواصل فعاليات الدورة 15 لمعرض التسوق بمشاركة حوالي 50 عارضا    كيف قتل "رئيسي"..خطأ تقني أم ضباب أم حادث مدبر..؟    تزامنا مع عيد الاضحى : منظمة ارشاد المستهلك توجه دعوة لقيس سعيد    نحو الترفيع في حجم التمويلات الموجهة لإجراء البحوث السريرية    وزارة التشغيل تمدّد في آجال التسجيل في برنامج مساندة المؤسسات الصغرى المتعثرة إلى غاية يوم 16 جوان القادم    فظيع: غرق شخص ببحيرة جبلية بجهة حمام بورقيبة..    الشاعر مبروك السياري والكاتبة الشابة سناء عبد الله يتألقان في مسابقة الدكتور عبد الرحمان العبد الله المشيقح الأدبية    تونس : أنواع و أسعار تقويم الأسنان    انطلقت أشغاله الميدانيّة: التعداد السكاني دعامة للتنمية الاقتصادية    اشادات دولية.. القسّام تتفاعل وإعلام الكيان مصدوم...«دخلة» الترجي حديث العالم    تونس تقدم التعازي في وفاة الرئيس الايراني    دول إفريقية مستعدّة لتنظيم عودة منظوريها طوعيا من تونس    هذه أول دولة تعلن الحداد لمدة 3 أيام على وفاة الرئيس الايراني..#خبر_عاجل    استدعاء ثلاثة لاعبين لتشكيلة البرازيل في كوبا أمريكا واستبدال إيدرسون المصاب    بينهم زعيم عربي.. زعماء دول قتلوا بحوادث تحطم طائرات    تحذير من موجة كورونا صيفية...ما القصة ؟    نهائي "الكاف": حمزة المثلوثي رجل مباراة الزمالك ونهضة بركان    المندوبية الجهوية للشؤون الثقافية بسيدي بوزيد تستعد للموسم الثقافي والصيفي 2024    القصرين : الوحدات العسكرية تشارك أبناء الجهة احتفالاتها بالذكرى ال68 لإنبعاث الجيش الوطني التونسي    المرشح الأول لخلافة الرئيس الإيراني..من هو ؟    4 تتويجات تونسية ضمن جوائز النقاد للأفلام العربية 2024    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    دار الثقافة بمعتمدية الرقاب تحتفي بشهرث الثراث    نحو 20 % من المصابين بارتفاع ضغط الدم يمكن علاجهم دون أدوية    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لسنا هناك ....... ولكنا معهم 2/1-د. إبراهيم أبو محمد
نشر في الحوار نت يوم 11 - 11 - 2010


لسنا هناك ....... ولكنا معهم 2/1

د. إبراهيم أبو محمد

فرق بين الحد والسر ، فالحد سور يحدد المساحة والحركة، بينما السر حكمة تتجلى بعض معانيها لبعض من طلبها أو حرص عليها ، والناس أمام الأسوار والأسرار أنواع وطلاب ، فمنهم من يطلب السور ليحدد معالم الحركة لتكون في الاتجاه الصحيح، وهذا هو الفقيه.
ومنهم من يطلب فوق السور سر ا طمعا في مزيد من أنوار الحكمة الإلهية ،وهذا هو العارف والكل من فيض علم الله يغترف {كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُوراً }الإسراء20
• ومصدرالسور والسر في النفوس المطمئنة بصدق يقينها والعقول المستبصرة بأنور شرعها، والقلوب الوجلة بذكر ربها في الأصل واحد، فالله هو نورالنور "{اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }النور35
• وكلما اقترب موسم الحج في كل عام، اختلف نبض قلوب المؤمنين وازداد فدعوة الأب الأول إبراهيم جذبت باستجابة الله لها أفئدة من الناس تهوي إلى هذا المكان، " ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون " وبين الهَوَى والهُوِيِّ بُعدًا في مسافة وسُمُوًّا في الاعتبار ، فالهوي بفتح الهاء والواو هو العشق في أوله أو في وسطه أو في غايته، بينما الهُويٌّ بضم الهاء والياء يعنى السقوط بغير إرادة المرء أو اختياره .
• وفي القاموس القرآني استعمل اللفظ في معنيين متناقضين ، فهناك هٌويٌ يسقط به المرء إلى سواء الجحيم وهناك هٌويٌ هو سلم الصعود إلى علياء النعيم، هوي يسقط به المرء سجودا لربه واستسلاما لأمره وخضوعا لسلطانه، فيرتفع به إلى مقام القرب في جنات ونهر عند مليك مقتدر .
• الأول قال الله فيه " {حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ }الحج31
• والثانى قال الله فيه:{تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ . فلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }السجدة 1617
• الأول يجعل الإنسان أسيرا ورقيقا وعبدا ذليلا لكل شئ ويخاف من كل شئ .
بينما الثاني يحرر الإنسان من العبودية لكل شئ ويحرره من الخوف على أي شئ ليبقي عبدا لمن شيّأ كل شئ وخلق كل شئ وأحاط علمه بكل شئ وقدر كل شئ.
• الأول سيطرت غرائزه على عقله وفؤاده، بينما الثانى استجاب عقله وفؤاده لكلمات الله فانارت حياته وعرف طريقه ومن ثم انضبطت غرائزه وشهواته.
• الأول شره يتطاير فيصيب ما حوله كنافخ الكير يلوث الهواء النقي ويفسد البيئة ويعكر صفو الحياة ، بينما الثانى كأريج الأزهار يذهب دائما في اتجاه الرياح ، وحتى عكس الرياح .
• الأول نغم فاجر يشوش على سيمفونية الكون المسبحة بحمد ربها ويناقض منظومة الوجود التى تسير صوب معبودها. فكأنه يمشى عكس الوجود بأرضه وسمائه فيكون مكروها ومحروما ومطرودا .
بينما الثانى يشكل نغما طاهرا ضمن منظومة الكون يهتف بمجد ربه ويعلى بذكره ولا يغفل عن شكره.
• تلك مقدمة أردت بها أن أعزى النفوس وأن أواسي القلوب والأفئدة التى تهوي إلى هذا المكان الطاهر ولكنها لم تذهب بعد .
• نعم لسنا هناك ......ولكنا معهم.
• نستشرف حجب المكان والزمان ونعلو فوقه لنكون هناك بالأفئدة التى تهوي والعقول التى تفهم عن الله مغزى تلك الفريضة .
• وليسمح لى القارئ الكريم بالتجوال به ومعه في المكان والزمان ، بحثا عن شئ من السر العظيم وراء كل سلوك يقوم به من اختارته الأقدار وسبقت له من الله العناية ليلبي النداء بحج بيت الله الحرام.
• الحج في اللغة هو القصد، وفي الاصطلاح الشرعي هو قصد زيارة بيت الله الحرام، وبيت الله الحرام هو أول بيت وضع للناس. فقد اختاره الله لعباده في الأرض ووضعه لهم .
• البيت العتيق مثابة للناس وأمنا.
• وصف العتيق هنا ليس من القدم فقط ، وأنما هو من العتق أي الحرية لأن هذا البيت لم يخضع لجبار أبدا، ولم يكن تحت سيطرة طاغية على مدار العصور، فهو البيت الحر، وهو البيت الآمن أبدا ،والإنسان في هذا البيت يشعر بالأمان أكثر مما يشعر به في بيته الخاص .
• وعندما جاء أبرهة الحبشي ليهدم البيت بجنوده وأفياله تعرض الجنود لبعض إبل عبد المطلب فذهب إلي أبرهة يطلب منه أن يرد عليه إبله ، وكان عبد المطلب زعيما في قومه ، فهابه أبرهة وأكرمه وأجلسه بجواره ، وعندما بدأ الحديث بينهما طالبه عبد المطلب أن يرد عليه إبله فسقط من عين أبرهة وقال له جئت لأهدم بيت آبائك وأجدادك وتحدثني في بعض الإبل ؟ فقال عبد المطلب مقولته المشهورة : أما الإبل فهي ، وأما البيت فله رب يحميه . ثم أنشد قائلا
اللهم إن العبد يمنع رحله فامنع حلالك
وانصر على آل الصليب وعابديه اليم آلك
هم جردوا لك جمعهم والفيل كي يسبو عيالك .
إن كنت تاركهم وقبلتنا فأمر ما بدا لك
أو فافعل ما بدا لك ، على بعض الروايات .
• ويظن بعض الناس ومعهم ، ولديه يقين قاطع بأن بشرا مهما كان لا يمكن أن يحتل هذا البيت أو يسيطر عليه، ومن هنا كانت كلمته "أما الإبل فهي لى وأما البيت فله رب يحميه" ، وفعلا قد حماه الله ودحر عدوه وأرداه وجعله عبرة في التاريخ لكل جبار عنيد .
• من بنى هذا البيت ..؟ هل هو آدم... ؟
بالقطع لا،لأن الله يقول " {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ} (96) سورة آل عمر
وآدم هو أول الناس. فمن الطبيعي أن يكون هذا البيت موضوعا لآدم وأبنائه.
وعندما أمر آدم بالطواف حول البيت طاف ثم فكر....!، وقال يا رب : إن لكل عامل جزاء ولكل عمل أجرا فما هو أجري على هذا العمل......... ؟
فقال الله له " أغفر لك ذنوبك مع أول شوط من الأشواط "، فقال آدم بطبيعة الإنسان الطامع في رحمة الله: زدني يا رب فقال الله له "وأغفر لكل من طاف حوله من أبنائك" ، فقال آدم زدني يا رب . فقال الله له "وحق عليّ أن أغفر لكل من يستغفر له الطائفون من موحدي أبنائك" فقال آدم لربه حسبي حسبي .
• فالبيت قد وضع للناس ، وبالإضافة إلى العوامل التاريخية المعينة جاء الطوفان في زمن نوح فانمحت معالم البيت، وشاء الله أن يجدد على عهد إبراهيم وقال الله تعالى :
{وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} (26) سورة الحج
• وأمر إبراهيم أن يرفع القواعد من البيت وكان يساعده ولده إسماعيل، ، فالمكان كان قد حدد لنبي الله إبراهيم طولا وعرضا ، حدده الله ،وبقي الارتفاع ليكون فيه جهد نبى الله إبراهيم وولده إسماعيل، وقال الله لنبيه ارفع القواعد، لكن إبراهيم لم يكتف برفع القواعد قدر طوله، فهو رجل الوفاء والزيادة والتطوع ولذلك فقد استعان بحجر ليقف عليه ،و أدار هذا الحجر حول البيت ليرفع البيت بالقدر الذي هو عليه الآن .
• كانت حرارة الإقبال على أداء التكاليف المصحوبة بعرق الجهد وبذل الطاقة مصحوبة أيضا بالتمني على الله أن يتقبل منهما وأن يجعلهما مسلمين له، وأن تكون ذريتهما كذلك {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (128) سورة البقرة .
• وبعد رفع القواعد قال له ربه أذن في الناس بالحج، فقال يارب وما يبلغ صوتي ؟ فقال له ربه: أذن وعلينا البلاغ ،{وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} (27) سورة الحج
فأذن إبراهيم في الناس ولبت الأرواح، وكل من لبى مرة حج مرة ،ومن لبى مرتين حج مرتين، وهكذا ..
• ولما كان محمد خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم وهو دعوة إبراهيم حين دعا ربه قائلا : {وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} (84) سورة الشعراء،
فكان محمد صلى الله عليه وسلم هو لسان الصدق الذي دعا به جده إبراهيم ،ومن ثم فهو الوريث الحق لرسالة إبراهيم عليه السلام ، ولذلك دخل الحج ليكون هو الركن الأخير من أركان الإسلام .
• الإحرام :
ويبدأ الدخول إلى الحج بمنسك يسمى منسك الإحرام ، والإحرام معناه الدخول في المنسك بنية الحج أو العمرة بهيئة مخصوصة في زمن مخصوص يرتدي فيها الإنسان لباسا مخصوصا ، ويحرم عليه بعد الدخول في المنسك بعض ما كان مباحا له من قبل. وفي هذا المنسك دروس منها:
• الدرس الأول
يفهم من مدخل هذه الفريضة أن الإحرام يعلم الناس أن كل توقيت له عمل ولكل وقت طاعة ،ولكل زمن عبادة ، كما يعلمهم أن ينتظموا في صفوف متساوية مع الآخرين.
• الدرس الثاني:
ويبدأ هذا المنسك بخلع الملابس العادية وارتداء الملابس المعينة تبدأ بخلع ملابس الزينة والأبهة والتفاضل والتي تضفي على أصحابها نوعا من العزة والكرامة، ثم تسوي بين الناس في الهيئة والملبس والعبودية وإظهار الافتقار إلى الله ، فالإحرام إعلان بمساواة الناس جميعهم في الهيئة والمظهر ، كبيرهم وصغيرهم ،غنيهم وفقيرهم عالمهم وجاهلهم يرتدون ثوبا واحدا يتساوى فيه الجميع وكأنه إعلان من جميع الناس بالمساواة أمام الله رب الجميع، وهذا هو الدرس الثاني الذي نستوعبه من مدخل هذه الفريضة ، المساواة الكاملة بين الجميع في الهيئة والمظهر والملبس وأداء المناسك ويطالب الغني بما يطالب به الفقير، مساواة كاملة بين كل الناس لإظهار عبوديتهم جميعا لرب الناس ملك الناس إله الناس.
• الدرس الثالث في معنى الإحرام.
الإحرام كلمة تعنى أن الإنسان يحرم على نفسه بعض ما كان مباحا، فليس من حقه أن يقص الشعر أو يقص الأظافر ،وليس من حقه أن يمس طيبا، ليس من حقه أن يخلع ملابس الإحرام ليرتدي ملابس أخرى، ليس من حقه أن يجادل، ليس من حقه أن يفسق، ليس من حقه أن يعاشر أهله، "{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ} (197) سورة البقرة
• وفي هذا الدرس جملة من الآداب التربوية ، والآداب التربوية تبنى نفسية المسلم ،تعلم المسلم وتربيه على الضبط الإرادي والالتزام، وكأنه ينتظم في جيش شعاره هو التلبية، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك ، وقضية التلبية هنا هي قضية التزام ، يعلن فيها المسلم ولاءه لله واستجابته لأمره وإن لم يفهم ، فيحرم عليه ما كان مباحا في الأمس القريب، ومن هذا الالتزام التأدب مع أجناس الوجود .
• ويبدأ هذا الأدب بالتأدب مع البشر فيمنع عنه الجدال ، ويتأدب مع الحيوان فلا يجوز أن يؤذي أي حيوان ،حتى مع الأسماك والطيور فلا يجوز له الصيد، صيد البر أو صيد البحر كما لا يجوز له أن يقتل أي حيوان .
• ثم يتأدب مع النباتات فلا يجوز له قطع الشجر في الحرم ولا في غير الحرم.
• ثم يتأدب مع الجمادات المسخرة له بامر ربه ، فالكعبة إنما هي بناء من حجر وفيها حجر معين يقف كل المسلمين أمامه، ولا بد لكل مسلم أن يستلمه أو يقبله أو على الأقل لابد من الإشارة إليه ، فكأن الله جل جلاله في هذه الرحلة يؤدب الإنسان مع كل أجناس الوجود حتى بما فيها الجمادات التى تهان منه في كل لحظة من الليل والنهار، فيأتي في هذه الرحلة ليطوف حول هذا البناء بأمر ربه ، حول بيت من حجر ويستلم منه حجرا ويقبله ويشير إليه، ونحن نعرف أنه بيت من حجر، والحجر الأسود فيه حجر لا يضر ولا ينفع، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين قال" والله إنى لأعرف أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أنى رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك"
• بهذه التعاليم نشأت دائرة للعلاقات الاجتماعية أوسع وأرحب من كل العلاقات المعروفة بين البشر، لأنها علاقة تتجاوز الإنسان ليدخل فيها كل أجناس الوجود بين الإنسان وبين البشر، بين الإنسان وبين الحيوان، بين الإنسان وبين النباتات، بين الإنسان وبين الجمادات، بين الإنسان وبين الطيور، وكان هناك علاقة تكاد عاقلة بين الإنسان وبين مفردات الوجود يتبادل فيها الإنسان الأدب والمحبة والصداقة والتسخير بينه وبين جميع أجناس الوجود.استجابة وامتثالا لقول الله تعالى" وليطوفوا بالبيت العتيق."
• الطواف
هذا الطواف هل يمثل شيئا من الصنمية كملا يقول بعض الملحدين ؟
الحقيقة أن الطواف استجابة للتكوين الطبيعي في خلقة الإنسان، فالإنسان مكون من مادة وروح ، ولكل من المادة والروح نزوعهما إلى الأصل، فالمادة تنزع إلى أصلها، والروح تنزع إلى أصلها السماوي، فالإنسان له نسب سماوي، والقيم الشعورية الإيمانية تظل فكرة في النفس ما لم يكن لها نموذج عملي يجسدها في دنيا الواقع، وطبيعة الإنسان أنه ينزع بفكره إلى ملموس يحسه ويستشعره ، طبيعة التكوين البشري هكذا، أنها لا تكتفي بالمعنويات وإنما لابد أن يكون هناك من الحسيات ما يجسد هذه المعنويات ويماثلها ، واستجابة للجانب الحسي وللتكوين الطبيعي في الكيان الإنساني كانت الكعبة بيت الله الحرام ، ولما كان الإيمان بالله قضية تمثل قمة الغيب وهي بالطبع قضية معنوية وإن كان عليها ألف دليل من الحسيات والماديات، ولكنها تبقي في نهاية الأمر قضية معنوية، والقضية الغيبية المعنوية هذه لابد أن يكون لها مدلول حسي، والمدلول الحسي هذا هو أن يجعل الله له بيتا على الأرض ويقول للناس حجوا هذا البيت وتطوفوا به ، وبهذا يكون للطواف معنيان :
• المعنى الأول أنه استجابة لنوازع النفس في النزوع إلى الحسيات والماديات وعدم الاكتفاء بالمعاني فقط .
• والمعنى الثاني :أن الإنسان بالتطواف حول هذا البيت تنشأ بينه وبين الجمادات علاقة حسية فيها على غير العادة شيء من الشعور والحس، وتكاد تلك العلاقة أن تكون عاقلة ، ونحن نتذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف على جبل أحد وجبل أحد جبل وقعت عليه هزيمة المسلمين في موقعة أ حد، فتشاءم المسلمون من الجبل، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يرد هذه العلاقة إلى معناها الصحيح من الحب المتبادل بين الإنسان وجميع الكائنات فقال: أحد جبل يحبنا ونحبه ، وهنا يظهر لنا أن دائرة جديدة من العلاقات النفسية والاجتماعية ينشؤها الإسلام بين الإنسان وبين عناصر الطبيعة ومفردات والوجود، هذه العلاقة النفسية تنتفي فيها كل عوامل الصراع والتناقض والتضاد ويتحقق فيها الود المتبادل {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} (96) سورة مريم.
• فهناك ود متبادل بين الإنسان وبين عناصر الوجود الناشئ من خضوع الجميع لمعبود واحد، والاتجاه صوب رب واحد ،والاستجابة بالتسخير أو بالإرادة لإله واحد ، فتتحقق العبودية بكل ما فيها من معنى الخضوع والافتقار لمعبود واحد {أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} سورة آل عمران واحد (83)
• وبرحلة الطواف يقف بنا حادي الركب عند السعي بين الصفا والمروة ، وصحيح أننا لسنا هناك .......ولكنا معهم ، مع الأسرة الربانية في محنتها واختبارها وصبرها ونجاتها ونجاحها لتكشف لنا سنن الله في الاختبار والتمحيص والقدرة على الاستعلاء فوق المصائب والمحن حين يرضى المرء فيه بقدر الله وقضائه، وحين يحتمى من متاعب الدنيا وصعابها بظلال الإيمان وفرج الله القريب حين يتنزل غيثا عليهم من فيض رحمته فيمحو من النفس أثر المعاناة والكدر.
• ويسجل قلم التاريخ أحداثا تخلد في المكان والزمان وإلى آخر الدهر.
فإذا كنت عزيزي القارئ ممن ليسوا هناك في هذا العام ...... فانتظر في اللقاء القادم لنكون بصحبتك معهم.
• رئيس المؤسسة الأسترالية للثقافة الإسلامية
• ورئيس إذاعة القرآن الكريم في أستراليا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.