رئيس الجمهورية يأذن بعرض مشروع نتقيح الفصل 411 من المجلة التجارية على مجلس الوزراء بداية الأسبوع المقبل    عضو هيئة الانتخابات: حسب الاجال الدستورية لا يمكن تجاوز يوم 23 أكتوبر 2024 كموعد أقصى لإجراء الانتخابات الرّئاسية    تونس حريصة على دعم مجالات التعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ( أحمد الحشاني )    مسؤول باتحاد الفلاحين: أضاحي العيد متوفرة والأسعار رغم ارتفاعها تبقى "معقولة" إزاء كلفة الإنتاج    تونس تشارك في الدورة 3 للمنتدى الدولي نحو الجنوب بسورينتو الايطالية يومي 17 و18 ماي 2024    المنستير: إحداث اول شركة أهلية محلية لتنمية الصناعات التقليدية بالجهة في الساحلين    العثور على سلاح "كلاشنيكوف" وذخيرة بغابة زياتين بجرجيس مخبأة منذ مدة (مصدر قضائي)    الترجي الرياضي يكتفي بالتعادل السلبي في رادس وحسم اللقب يتاجل الى لقاء الاياب في القاهرة    كاس تونس - النجم الساحلي يفوز على الاهلي الصفاقسي 1-صفر ويصعد الى ربع النهائي    الحرس الوطني: البحث عن 23 مفقودا في البحر شاركوا في عمليات إبحار خلسة من سواحل قربة    طقس... نزول بعض الأمطار بالشمال والمناطق الغربية    المنستير : انطلاق الاستشارة لتنفيذ الجزء الثالث من تهيئة متحف لمطة في ظرف أسبوع    اليوم العالمي لأطباء الطب العام والطب العائلي : طبيب الخط الأول يُعالج 80 بالمائة من مشاكل الصحة    قبل أسبوعين من مواجهة ريال مدريد.. ظهور صادم لمدافع دورتموند    بوسالم.. وفاة شاب غرقا في خزان مائي    مهرجان «بريك المهدية» في نسخته الأولى: احتفاء بالتّراث الغذائي المحلّي    عمر الغول.. الولايات المتحدة تريد قتل دور مصر بالميناء العائم في غزة    ملتقى وطني للتكوين المهني    المجلس المحلي بسكرة يحتجّ    منال عمارة: أمارس الفنّ من أجل المال    عاجل/ صفاقس: انقاذ 52 شخصا شاركوا في 'حرقة' وإنتشال 4 جثث    عاجل/ ضبط 6 عناصر تكفيرية مفتّش عنهم في 4 ولايات    النجم الساحلي يمرّ بصعوبة الى الدور ربع النهائي    كأس تونس : النجم الساحلي يلتحق بركب المتأهلين للدور ربع النهائي    تمدد "إنتفاضة" إفريقيا ضد فرنسا..السينغال تُلّوح بإغلاق قواعد باريس العسكرية    القصرين: القبض على شخص صادرة في حقه 10 مناشير تفتيش    الإنتخابات الرئاسية: إلزامية البطاقة عدد 3 للترشح..هيئة الإنتخابات تحسم الجدل    آمر المركز الأول للتدريب بجيش الطيران صفاقس: قريبا استقبال أول دورة للجنود المتطوّعين    قريبا.. الحلويات الشعبية بأسعار اقل    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    قراءة في أعمال ومحامل تشكيلية على هامش معرض «عوالم فنون» بصالون الرواق .. لوحات من ارهاصات الروح وفنطازيا الأنامل الساخنة    شبهات فساد: الاحتفاظ بمعتمد وموظف سابق بالستاغ وإطار بنكي في الكاف    بقلم مرشد السماوي: كفى إهدارا للمال العام بالعملة الصعبة على مغنيين عرب صنعهم إعلامنا ومهرجاناتنا!    المهرجان الدولي للمشمش بحاجب العيون في دورته الثانية ...مسابقات وندوات وعروض فروسية وفنون شعبية    ليبيا: اشتباكات مسلّحة في الزاوية ونداءات لإخلاء السكان    القيمة التسويقية للترجي و الأهلي قبل موقعة رادس    تضم منظمات وجمعيات: نحو تأسيس 'جبهة للدفاع عن الديمقراطية' في تونس    وزيرة الصناعة: مشروع الربط الكهربائي بين تونس وإيطاليا فريد من نوعه    هذه القنوات التي ستبث مباراة الترجي الرياضي التونسي و الأهلي المصري    أبو عبيدة: استهدفنا 100 آلية عسكرية للاحتلال في 10 أيام    ألمانيا: إجلاء المئات في الجنوب الغربي بسبب الفيضانات (فيديو)    5 أعشاب تعمل على تنشيط الدورة الدموية وتجنّب تجلّط الدم    وزير الصحة يؤكد على ضرورة تشجيع اللجوء الى الادوية الجنيسة لتمكين المرضى من النفاذ الى الادوية المبتكرة    السبت..ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة    ابرام اتفاق شراكة بين كونكت والجمعية التونسيّة لخرّيجي المدارس العليا الفرنسيّة    دار الثقافة بمعتمدية الرقاب تحتفي بشهرث الثراث    بينهم طفلان..مقتل 5 أشخاص نتيجة قصف إسرائيلي على لبنان    داء الكلب في تونس بالأرقام    حلوى مجهولة المصدر تتسبب في تسمم 11 تلميذا بالجديدة    كمال الفقي يستقبل رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك    نحو 20 % من المصابين بارتفاع ضغط الدم يمكن علاجهم دون أدوية    جندوبة : يوم إعلامي حول تأثير التغيرات المناخية على غراسات القوارص    حفل تكريم على شرف الملعب الإفريقي لمنزل بورقيبة بعد صعوده رسميا إلى الرّابطة الثانية    الصادرات نحو ليبيا تبلغ 2.6 مليار دينار : مساع لدعم المبادلات البينية    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحزن العربي إلى زوال يا صديقي!
نشر في الحوار نت يوم 25 - 01 - 2011


نورالدين لشهب
Tuesday, January 25, 2011
إلى الصديق التونسي رضا الرجيبي
لا أظن إنسانا في هذا العالم، أقول إنسانا مجردا عن هويته النسبية أو المطلقة من لغة وعرق ونسب ودين سماوي أو أرضي.. الخ، لا يشعر بحالة من الفرح والسرور وربما الانبهار مما وقع في تونس هذه الأيام، شعب تحرر وحرر في الآن ذاته، تحرر من عقدة الخوف وثار في وجه الظالم لنفسه وشعبه وأمته وثقافته وحضارته وإنسانيته، فكان مكروها من قبل الإنسان... كل الإنسان كما أراد له الله أن يكون مكرما ومعززا. هكذا عبر عن ذلك المواطن التونسي شهيد الكرامة العربية المهدورة محمد البوعزيزي يرحمه الله، فكان الشرارة الأولى لانطلاق الانتفاضة المجيدة التي أطاحت بالطاغية وزبانيته والنظام البوليسي الرهيب... وكوني إنسانا قبل أي شيء ربطتني علاقة صداقة مع بعض التوانسة، ومن سوء حظي أني تعرفت على المعذبين في الأرض منهم فقط، ولم أتشرف بمعرفة من كان يطبل ويزمر للنظام البائد، أذكر مرة التقيت بتونسي يعيش في فرنسا ومتزوج من مغربية من مدينة وجدة، حكى لي أنه لم يزر تونس ما يقرب من عشرين سنة، وجاء للمغرب مع زوجته لرؤية أصهاره واللقاء بأمه التونسية الحنونة هنا بالمغرب، حين التقى بأمه انحنى على رجليها وبدأ يقبلهما، كانت أمه تريد أن تعانقه، لم يستطع المسكين أن يحذق فيها بالرغم من أنها أمه، انهزم أمام أمه وهو يبكي: سامحيني يا أماه لم أفكر يوما أن أعذبك.. جميع أصهاره استسلموا للبكاء.. ولأول مرة سيعرفون حقيقة النظام البوليسي في تونس الخضراء التي كان يحسبها بعضهم قاطرة للتنمية والحداثة.
حين قص علي قصته صديقي رضا الرجيبي استسلمت أنا كذلك للبكاء، لأني تعرفت على تونس الخضراء كما كان يرسمها لنا الإعلام العربي والغربي المنافق فوجدتها عام 2003 حمراء بنار الاستبداد.. صديقي رضا ترك لي نصا أشبه بالخاطرة، دونته في الحاسوب ونسيته، تذكرت رضا هذه الأيام وحاولت الاتصال به، فما أفلحت، بحثت عن النص فلم أجده، وبعد بحث مضن تذكرت أني وضعته في مدونتي التي نسيتها هي أيضا.
اتفقت مع صديقي رضا أن نعنون هذا النص ب "الحزن العربي" وقدمت للنص الذي اختار له عنوانا فرعيا " ترنيمة إلى أمي" قلت في التقديم:
" ليست خاطرة عابرة ما نطالع في هذا النص ،الذي بين أيدينا، إنها كتابة حارقة ومحرقة في نفس الآن، حكاية تقص علينا ظلم الظالمين، وجور الزمان وإثم السلطان الذي تلبس به هوس الشيطان، فجعل الحاكم(بأمر الله)يرى بعين واحدة ..المحافظة على سمعته "الطيبة" ...أما العبث بالإنسان والنفي من الأوطان لا يهمان يا جماعة الخير !!!هذا النص كتبه المبعد عن وطنه منذ ما يقرب من عشرين سنة ،إنه الصديق الفاضل رضا الرجيبي، هو تونسي المولد والمنشأ والثقافة، فكانت مشيئة الحاكم هي التخلص من وطنيته بعد تعذيب وسجن وتنكيل، هذا النص كتبه صاحبه رضا في مطار محمد الخامس بالمغرب بعدما قام بزيارة إلى مدينة وجدة رفقة زوجته، وكان لقاؤه بأمه هنا بالمغرب، لقاء أبكاه وأبكى من حضر هذا اللقاء وبعدما قرر العودة إلى ديار الغربة، إلى فرنسا ، كتب هذا النص".
ترنيمة إلى أمي
أيام تمر..تعقبها أيام.. تطويها أيام.. يطول بعادي ويزداد شوقي..شوق إليك يا أمي هيّجه الفراق.
صار فؤادي يعتصره الحنين إليك كلما سمعت همسة أمي.. قلبي يتفطر ألما كلما داعبت عيناي صورتك اليتيمة المعلقة في غرفتي المنحوتة في داخلي.
كم حدقت فيها تلك الصورة... كلما وقع نظري عليها همت فيها والتهمتني فلن تراني في ذات المكان ولا ذات الزمان... تحضنني الصورة فأحس بدفء صدرك.. فأدفن رأسي بين ذراعيك فتنبعث منك كل روائح الأمومة...أستنشقها ملأ رئتيّ فتتشرّبها كل حواسّي ومسامي.
لعل الفراق ليس غريبا عنا فمند عقد وحزمة من الزّمن حل الفراق ضيفا ثقيلا بيننا.. منذ داهمتنا ذات ليلة
ذئاب عوت في بيتنا فنثرت في أرجائه الخوف والرعب.
كنت ليلتها صيدهم المقصود أو طريد تهم كما قال أحدهم مزهوا وهو يعرضني علي أسياده انتزعوني من بين أحضانك الدافئة ليقتادوني تحت ليل بهيم لا تكاد تسمع فيه إلا عواء ريح سموم تقطع صمته أوعواء تلك الذّئاب المسعورة وصفعات مخالبها تنهش لحمي....عندها... وخطاهم تبتعد بي أحسست بسهام الفراق تخترق فؤادي...لم أحسّ بجلداتهم تنهال عليّ ولابعوائهم...بل سمعت صوتا ينبعث من ورائي فيشقّ سكون الليل "يا حليلي وليدي" تسمّرت في مكاني..مادت بي الأرض..أردت أن أقبّلك أن أعتذر إليك ولكن....!
لن أحدثك عن البقيّة يا أمّي...لن أحدثك عمّا يلقاه الإنسان في حفر الموت حيث تداس الكرامة البشرية ...حيث تنقلب المفاهيم والتّعريفات...حيث يصبح المواطن العاشق لوطنه مخرّبا ومارقا عن القانون والتعبير عن الرأي تقويضا وهدما للوطن ونشرا للفوضى والمتديّن ظلامياّ...حيث تهتك الحرمات وتكشف العورات وتقطّع الأجساد,حيث البانو والرّوتي والسلاسل والحبال والعصيّ....إنها المسلخة يا أمي.
من هنا...بدأت رحلة العذاب والفراق.
فرّقت بيننا القضبان وتقاذفتنا السّجون والسّجانون وتهتِ بين مدن " الوطن السّجن" تبحثين عن ابن التهمته حفر الظّلم.....لم يمنعك بعد المسافات ولا لهيب الشّمس ولا شدّة البرد ولا فظاظة الحرّاس ولا......من محاولة الزّيارة حتّى وإن باءت بالفشل.
في كلّ زيارة كنت أقرأ في وجهك المنهك من وعثاء السّفر ومن إهانة السّجان...أقرأ إرادة تفل الحديد وعزيمة تكتسح الجبال وصبر ينساب إليّ تحت نظرات السّجان الرّامقة أحيانا والمتوعّدة أحيانا والمشفقة أحيانا...ينساب إليّ ذبذبات تشحنني وتشدّ من أزري حتّى اللّقاء المقبل.
عظيمة أنت يا أمي... امرأة أنت من زمن القمم الشّامخات...وقفت وسط الوحوش صامدة لم تبعثر رياح المحنة الهوجاء إيمانك....لم يكن المدد مالا ولا متاعا ولا علما إنّما يحدوك إيمان بأن الدّين أمانة تحملها الرّجال وأن الرجال خلقوا للمحن...كنت أقرأ ذلك في كلماتك البسيطة التي كنت تهمسين بها إلي في يقين حتى كأني أراها فتشدّ من أزري كلما رأيتِ الوهن ينتابني.
لا زالت الغربة تلاحقنا يا أمي... فالغربة في وطني ألوان وأشكال وأغرب الغربة أن نعيش غرباء على أرض الوطن.
حتّى نلتقي على صفحات ورقات أخرى ألثم يدك وأقول لك سامحيني يا أمي.." انتهى النص.
على سبيل الختم :
ها انت يا رضا ستلتقي مع أمك الحنونة وإخوانك وأحبائك ووطنك، حزنك إلى زوال يا رضا، بل حزننا نحن جميعا إلى زوال يا رضا... على سلامتك عزيزي رضا... من هذا المنبر أقول لك صديقي: مبروك لك وللشعب التونسي العظيم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.