1 الثورة التونسية و"مناقصات النخبة: تتميز الثورة التونسية بجملة من الخصائص الفريدة في تاريخ الثورات الشعبية، لعل من أبرزهاتقدم الوعي الشعبي بأشواط كبيرة على وعي النخب المفترضة. فقد جرت العادة في التحركات و الثورات الشعبية أن تعمد بعض النخب إلى المزايدات ورفع سقف المطالب بما لا تتحمله حركة الشعوب. غير أن الثورة التونسية كانت، ومنذ بداياتها مجالا "للمناقصات" من طرف بعض أطراف النخبة، بدءا بالقبول بالإشتراك في حكومة الفار المخلوع ضمن "افق 2014" وانتهاء بالحرص على تواصل الحكومة الحالية وعدم إسقاطها لتعلات ومزاعم واهية. أما اطراف النخبة الجدية التي التزمت بأفق مطالب الشعب فقد عجزب إلى حد الآن عن بناء البديل العملي رغم الوضوح الشديد لملامحه ولبرنامجه لدى الجميع، نخبة ومجتمعا. 2 الإعتصامات ونظرية" خليهم يتسلو": سقط الدكتاتور يوم 14 جانفي وانتصبت الدكتاتورية ولا تزال، ممثلة بهذه الحكومة المفروضة على الشعب من طرف قوى غربية مجاهرة بعداوتها الشديدة لنشأة الديمقراطية في بلداننا العربية والإسلامية، وهي قوى باتت معروفة لدى الجميع. وقد انكشفت جميع ألاعيب هذه الحكومة وفشلت فشلا ذريعا، وكان من آخرها ذبح القس البولوني وانهيار فزاعة" الإرهاب الإسلامي" التي سخر منها الشعب ولم تنطل على أحد. وها قد عادت جماهير الثورة بقوة إلى الإعتصامات والمظاهرات التي جمعت الملايين في مختلف مدن البلاد يوم الجمعة الفارط 25 فيفري، وقدر عددهم في ساحة القصبة وماجاورها بقرابة نصف المليون متظاهر ومعتصم. ورغم كل تلك الحشود، لم تبد هذه الحكومة سوى التعامي والصمم الكامل مع تصميم عنيد على البقاء مهما كلف الأمر. وفي الاثناء، عادت عصابات البوليس السياسي وميلشيات التجمع إلى الحرق والتخريب والتدمير ومحاولات السلب والنهب. ومن المنتظر أن تزداد وتيرة هذه الجرائم مع اقتراب منتصف شهر مارس الحالي، موعد المأزق "القانوني" و "الدستوري" لهذه الحكومة، ليكون هذا الإنفلات الأمني"حجة" تدافع بها عن استمرارها، مع عدم المساس بالمعتصمين مهما بلغ عددهم، بل وعدم السعي إلى الإحتكاك بهم وتركهم يواصلون "هيصتهم" عملا ب"حكمة" المخلوع مبارك "خليهم يتسلو". 3 في غياب نخبة فاعلة، علينا افتكاك السلطة من الأطراف: لقد تأخرت الأحزاب السياسية الجدية و والمنظمات المدنية والنقابات في الأخذ بزمام الأمور وتطلب الأمر أسابيع لإنشاء المجلس الوطني لحماية الثورة الذي لا تزال آفاق عمله غير واضحة في ظل التجاذبات بينه وبين الحكومة الحالية وما ينتظر من تجاذبات بين مختلف أعضاءه مستقبلا. إن الخل في هذه الظروف يكمن في إعمال منطق الثورة إلى مداه والتساوق الكلي مع مطالب الشعب، أي تشكيل حكومة وفاق وطني جامع وحقيقي تقطع نهائيا مع بقايا الدكتاتور. وهي حال لم يقع التوصل لمثل هذه الحكومة في اللأيام القليلة القادمة، فلن يبقى حينئذ أمام الشعب وقواه الحية من سبيل غير الإستيلاء الفعلي على جميع مفاصل السلطة في القرى والمدن والولايات، وصولا إلى محاصرة الحكومة المفروضة وإجبارها على التنحي.