قضى سكان رأس لانوف ليلة الجمعة إلى السبت يطوفون ويحتمون ببيوت الله هربا من قناصة القذافي وقواته القادمة برا وبحرا، إضافة إلى عمليات القصف الحربي المتتالية. * * هكذا تعيش المدينة الصامدة، فمنذ أيام وجبهة رأس لانوف مشتعلة بنفس طويل، يرابط فيها الثوار ويقاومون تقدم القذافي، الذي دخلت بوارجه المواجهة لتطوق المدينة، فالمدينة النفطية أصبحت مقصد ثوار الشرق، حديثي العهد في معظمهم، مع القتال واستخدام السلاح، فمن التحق بالخدمة العسكرية كان له الحظ للتعرف على الأسلحة الفردية والمتوسطة، ويبقى الاتكال بشكل أساسي على العسكريين الذين التحقوا بالثورة. هؤلاء يعول عليهم في قيادة المعارك، وقد أقيمت لإعداد المقبلين على الثورة معسكرات تدريبية سريعة، أهمها اثنان في بنغازي؛ أحدهما لتعليم استخدام السلاح الفردي والمتوسط. * ويقول أحد الثوار: "تعلمنا فك كلاشنكوف وتركيبه في يوم. وثاني يوم تعلمنا إطلاق النار. وفي اليوم الثالث قدمنا اختبارا أمام المدربين والتحقنا بالجبهة"، أما مركز التدريب الثاني في بنغازي فهو لتعليم استخدام ال "ميم طاء"، أي مضاد الطيارات، وهو السلاح الثقيل الأكثر شيوعا بين الثوار الذين حصلوا عليه من مخازن السلاح المصادرة في الشرق. * يتسلل الهدوء ظهرا إلى المدينة النفطية ورائحة الدماء تنتصر على البارود، ويلملم المقاتلون جرحاهم ويرصدون الأضرار: الصيدلية قصفت والاعتداءات طالت المركز الطبي ومداخل المدينة إضافة إلى المسجد. والمدينة تحتاج إلى إمدادات، يستريح البعض في أنحاء المدينة، ويحتفظ آخرون بمواقعهم على المضادات تخوفا من ضربات مباغتة، وتوزع وجبات الطعام المؤلفة من كرتونة زبادي وقطعة حلوى. * قوت الكرامة * هل هذه الوجبة تكفي لسد الرمق بعد صولات المقاتلين في مدينة شبه صحراوية؟ يبتسم أحد المقاتلين ويهز رأسه متهكما "الحرية زودتنا بحاجة سنوات من الطعام والمشرب، الكرامة قوت كاف". * من البريقة تلوح وفود سيارة في الأفق. يتحضر الجميع. تلقم الأسلحة على عجل. لكن الألوان الخضراء والسوداء والحمراء لعلم الثورة تهدئ النفوس. ينزل شباب من السيارات ويتوجهون إلى الثوار بعبوات المياه، والبنادق على الأكتاف. * ويقول أحد المقاتلين: "إحنا ميتين ميتين نريد أن نبني لنا ولأولادنا مستقبلا أفضل"، لا يتجاوز عمر هذا الفتى 19 عاما، لكن الأعوام رسمت على وجهه تضاريس العجائز، "أنا من البيضاء انأ حالتي المادية كويسة بس أبي (أريد) الحرية... قتلنا والله من قبل ما نموت المجرم. يهودي هاذا والله". * انسحاب تكتيكي * وإزاء تعرض الثوار إلى القصف العنيف والمتواصل منذ يومين اضطروا إلى الانسحاب مؤقتا من رأس لانوف، بينما تجمع نحو ألفي شاب مسلح من قبيلة الورفلة، أكبر قبيلة في ليبيا والتي يزيد عدد أفرادها عن المليون ونصف المليون نسمة، قبل أن يتجهوا إلى رأس لانوف. * وانسحب الثوار من آخر نقاط التفتيش إلى الشرق بعد أن صعدت قوات القذافي هجومها برا وبحرا وجوا، بهدف استعادة السيطرة على البلدة النفطية ذات الأهمية الاستراتيجية. كما التهمت النيران مخزنا للنفط بالمدينة بعد غارة جوية، لكن عددا من قادة الثوار قالوا بروح عالية: لن نترك لانوف لقمة سائغة لقوات الطاغية، وما نقوم به هو انسحاب تكتيكي لكن العودة قائمة وقريبة. * وسعا القذافي لمحاصرة المدينة من ناحية البحر بعد عملية إنزال لقواته إلى المدينة الساحلية التي تبعد نحو 590 كيلومترا إلى الشرق من طرابلس. * وأكد أحد القياديين للشروق: "قوات القذافي انسحبت الجمعة من المنطقة السكنية في وسط مدينة رأس لانوف بعد معارك عنيفة"، وأضاف: "دار قتال عنيف مع قوات القذافي، انسحبوا من المنطقة السكنية إلى الغرب، ونقوم الآن بتمشيط المنطقة". * انقسام في صفوف قوات القذافي * وبعد وصولنا إلى بنغازي فرارا من شدة القصف الذي استمر على رأس لانوف التقينا بعدد من المسؤولين في المجلس الوطني الانتقالي، والذين أكدوا أنهم يخوضون معارك سياسية في العالم أجمع لإسقاط نظام القذافي واعتراف كافة الدول بشرعية المجلس الانتقالي. * وأشارت مصادر رفيعة المستوى بالمجلس أن مندوبا عنه أجرى لقاءات مع مسؤولين مصريين في القاهرة، وأن مصر أبلغت المجلس دعمها الرسمي له ولمطالب الثوار الليبيين. * وأضافت المصادر ل الشروق: المجلس يكثف الاتصال بجامعة الدول العربية وبعدد من الدول الأوروبية والعربية لنيل الاعتراف الرسمي به كممثل وحيد للشعب الليبى. وكشفت المصادر أن إعلان مجلس التعاون الخليجى بفقدان القذافي لشرعيته وقرب اعتراف المؤتمر الإسلامي قريبا بالمجلس، هونتاج حراك من المجلس الانتقالي الليبي. * وأكدت المصادر أن المجلس العسكري التابع للثورة تحول إلى وضع خطط عسكرية دفاعية وهجومية مدروسة للتعرف على أهداف نظام القذافي ومرتزقته وتحديد مواقعه، بالإضافة إلى تحصين المواقع التي حررناها، وتحديد إمكانية تحرير بن جواد وبالأخص مدينتا سرت وطرابلس لفك الأسر عن أهلهما الذين أيدونا وأخطرونا بأنهم معنا. * كما أكدت المصادر أن التقدم العسكري للثوار يزيد من حالة الانقسام في صفوف قوات القذافي، وأضافت: كتائبه تنقسم تحت الضغط والخوف لصالح الثوار وبعضهم الآخر وهم المرتزقة يهربون للأمام. * وأشارت المصادر إلى أن هناك إجماعا ضد التدخل الأجنبي حتى ولو وصل إلى حظر الطيران وأضافت: لا نحتاج إلى أسلحة. فلدينا أسلحة تحصلنا عليها من الجيش. * وحول ما تردد عن وجود طيارين سوريين يعملون لحساب القذافي، قالت المصادر: هذا موجود من أيام نظام الرئيس السورى السابق حافظ الأسد، حيث بعث ببعض الطيارين السوريين لمساعدة ليبيا في حربها مع تشاد، وما زالوا موجودين في ليبيا، وبعضهم منحوا جنسية ليبية.