إيداع المحامي مهدي زقروبة السجن    رئيس الجمهورية يركّد على ضرورة انسجام العمل الحكومي    قيس سعيّد: "لا وجود لأي مواجهة مع المحامين ولا أحد فوق القانون"    لجنة التربية والتكوين المهني والبحث العلمي تبحث تنقيح قانون التعليم الخاص    درجات الحرارة ليوم الخميس 16 ماي 2024    نمو مستمر للإسلام في فرنسا    يوميات المقاومة .. تحت نيران المقاومة ..الصهاينة يهربون من حيّ الزيتون    جلسات استماع جديدة ضد الصهاينة في محكمة العدل ...الخناق يضيق على نتنياهو    العدوان في عيون الصحافة العربية والدولية ..أمريكا تواصل تمويل حرب الإبادة ..دفعة أسلحة جديدة بقيمة مليار دولار    عاجل: بطاقة إيداع بالسجن في حق المحامي مهدي زقروبة ونقله إلى المستشفى    بعد تعرضه لمحاولة اغتيال.. حالة رئيس وزراء سلوفاكيا خطيرة    عقارب: أجواء احتفالية كبرى بمناسبة صعود كوكب عقارب إلى الرابطة المحترفة الثانية.    متابعة سير النشاط السياحي والإعداد لذروة الموسم الصيفي محور جلسة عمل وزارية    ينتحل صفة ممثّل عن إحدى الجمعيات لجمع التبرّعات المالية..وهكذا تم الاطاحة به..!!    الكشف عن شبكة لترويج المخدرات بتونس الكبرى والقبض على 8 أشخاص..    دعوة الى إفراد قطاع التراث بوزارة    أولا وأخيرا .. «شي كبير»    سليانة: إلقاء القبض على سجين بعد فراره من أمام المحكمة    صفاقس: اشتباكات بين المهاجرين غير النظاميين فيما بينهم    القرض الرقاعي الوطني 2024: تعبئة 1،444 مليار دينار من اكتتاب القسط الثاني    البنك الاوروبي لإعادة الإعمار والتنمية يتوقّع انتعاش النمو في تونس    أمراض القلب والجلطات الدماغية من ابرز أسباب الوفاة في تونس سنة 2021    الديوانة تطلق خدمة التصريح بالدخول الخاص بالإبحار الترفيهي    مندوبية التربية بقفصة تحصد 3 جوائز في الملتقى الوطني للمسرح بالمدارس الاعدادية والمعاهد الثانوية    عاجل : أحارب المرض الخبيث...كلمات توجهها نجمة'' أراب أيدول'' لمحبيها    أغنية صابر الرباعي الجديدة تحصد الملايين    بمناسبة عيد الأمهات..البريد التونسي يصدر طابعا جديدا    الإعلان عن تركيبة الإدارة الوطنية للتحكيم    حاحب العيون: انطلاق فعاليات المهرجان الدولي للمشمش    الفلاحون المنتجون للطماطم يطالبون بتدخل السلطات    مكثر: وفاة شاب واصابة 5 أشخاص في حادث مرور    مجلس عمداء المحامين يصدر بيان هام..#خبر_عاجل    في اليوم العالمي للأسرة: إسناد 462 مورد رزق لأسر ذات وضعيّات خاصة ب 15 ولاية    قطر تستضيف النسخ الثلاث من بطولة كأس العرب لسنوات 2025 و2029 و2033    لاعب الأهلي المصري :''هموت نفسي أمام الترجي لتحقيق أول لقب أفريقي ''    وفاة عسكريين في حادث سقوط طائرة عسكرية في موريتانيا..#خبر_عاجل    وزير الشؤون الدينية يؤكد الحرص على إنجاح موسم الحج    على هامش الدورة 14 لصالون للفلاحة والصناعات الغذائية صفاقس تختار أفضل خباز    وزير الفلاحة يعرب عن إعجابه بصالون الفلاحة والصناعات الغذائية بصفاقس    قضية سرقة وتخريب بمصنع الفولاذ: إصدار بطاقات إيداع بالسجن في حق 7 أشخاص    أكثر من 3 آلاف رخصة لترويج الأدوية الجنيسة في تونس    علاجات من الأمراض ...إليك ما يفعله حليب البقر    من بينهم طفلان: قوات الاحتلال الصهيوني تعتقل 20 فلسطينيا من الضفة الغربية..#خبر_عاجل    وزارة المالية تكشف عن قائمة الحلويات الشعبية المستثناة من دفع اتاوة الدعم    وزير الرياضة في زيارة تفقديّة للملعب البلدي بالمرناقية    صورة/ أثار ضجة كبيرة: "زوكربيرغ" يرتدي قميصًا كُتب عليه "يجب تدمير قرطاج"..    ما حقيقة سرقة سيارة من مستشفى القصرين داخلها جثة..؟    عاجل - مطار قرطاج : العثور على سلاح ناري لدى مسافر    أنشيلوتي يتوقع أن يقدم ريال مدريد أفضل مستوياته في نهائي رابطة أبطال أوروبا    الأهلي يصل اليوم الى تونس .. «ويكلو» في التدريبات.. حظر اعلامي وكولر يحفّز اللاعبين    اليوم إياب نصف نهائي بطولة النخبة ..الإفريقي والترجي لتأكيد أسبقية الذهاب وبلوغ النهائي    أول أميركية تقاضي أسترازينيكا: لقاحها جعلني معاقة    قابس : اختتام الدورة الثانية لمهرجان ريم الحمروني    مفتي الجمهورية... «الأضحية هي شعيرة يجب احترامها، لكنّها مرتبطة بشرط الاستطاعة»    أولا وأخيرا: نطق بلسان الحذاء    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لو كان القتال لعلة الكفر لكان الرهبان أولى الناس بالقتل
نشر في الحوار نت يوم 09 - 09 - 2009


مؤكدًا أن الإسلام يفتح أبواب المسالمة مع الجميع
الشيخ العلامة الدكتور يوسف القرضاوي: آية السيف مختلف عليها والبعض يقول بنسخها
لو كان القتال لعلة الكفر لكان الرهبان أولى الناس بالقتل

مصطفى عبد الجواد
شدد العلامة الدكتور يوسف القرضاوي على أن المحاربة وليس الكفر هي علة القتال في الإسلام، معتبرًا أنه لو كانت العبرة بالكفر لكان الرهبان أولى الناس بالقتال، ولم فرق الإسلام بين رجل وامرأة.
وأشار إلى وجود اختلاف حول الآية التي توصف بآية السيف، والتي يقول البعض بأنها نسخت مائتي آية من آيات القرآن منها آيات العفو والصفح، لافتًا إلى أن هناك من يقول بأن آية السيف نفسها منسوخة، ونبه لضرورة فهم وتفسير هذه الآيات في ضوء السياق الذي وردت فيه وأسباب نزولها.
كما تطرق القرضاوي، خلال حلقة الأمس من برنامج "فقه الحياة" الذي يبث يوميًا على قناة "أنا" الفضائية (تردد 12226 أفقي نايل سات) ويقدمه أكرم كساب، إلى حديث: "بعثت بالسيف بين يدي الساعة"، مؤكدًا أن الحديث ضعيف من ناحية المتن والسند.
وانتهى القرضاوي إلى أن نشر تلك الأفكار المتشددة ينقل صورة مشوهة إلى العالم عن الإسلام والمسلمين، بينما نحن نريد أن نفتح قلوب العالم بالمحبة وبالأخلاق، وليس بالسيف، معتبرًا أن المسلمين لم يقوموا بواحد في الألف من الجهد المطلوب لدعوة غير المسلمين إلى الإسلام.

** كيف تردون على من يرون في الجهاد حربًا على العالم كله، خصوصًا أنهم يستندون على آيات من القرآن وأحاديث من السنة النبوية؟
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا وإمامنا وأسوتنا وحبيبنا ومعلمنا رسول الله، وعلى أهله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد،
فقد ذكرنا في بعض حلقاتنا السابقة، أن قضية الجهاد وقعت بين طرفين وواسطة، طرف يريد إلغاء الجهاد وإماتة روحه حتى تستسلم الأمة لأعدائها، ولا تستطيع الدفاع عن نفسها، ولا عن دينها وأرضها وحرماتها. هذا قسم يقابله الذين يريدون أن يحاربوا العالم كله، من سالمنا ومن حاربنا.
وهؤلاء يسمونهم "الهجوميين"، فهم يقولون بأن الإسلام دين هجومي، ولابد أن يفرض سلطانه على العالم، أو على الأقل إذا لم يفرض العقيدة يفرض النظام والشريعة والدولة على العالم.
وهؤلاء الإخوة لهم طبعًا شبهات، وكل ذي دعوة لابد أن تكون له شبهات، لكن المهم دائمًا هو المحكمات، حيث يجب الاستمساك بالمحكمات من النصوص؛ والله تعالى أنزل القرآن (مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ) فالمنهج السليم هو أن ترد المتشابهات إلى المحكمات، إنما منهج أهل الزيغ على عكس ذلك.
وهم مثلاً يقولون إن القرآن يأمرنا أن نقاتل الناس كلهم، فإذا واجهتهم بالآيات الأخرى التي تأمر بعرض الدعوة على الناس (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) يقولون هذه منسوخة، من الذي نسخها؟ نسختها آية السيف.
وإذا جئت لهم بقوله تعالى: (فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً) والأمر فيها واضح، يقولون لك: هذه منسوخة، من الذي نسخها؟ نسختها آية السيف، وإذا جئت بقوله تعالى: (لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوَهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ) قالوا لك: هذه منسوخة، من نسخها؟ نسختها آية السيف، ووصل الأمر إلى أنهم قالوا إن آية السيف نسخت مائة وأربعين آية في كتاب الله، بل بعضهم قال نسخت مائتي آية، وإن هذه الآيات موجودة في المصحف خطًا ولفظًا ومعدومة المعنى.

** وما قولكم في قضية النسخ هذه؟
أنا أضيق جدًّا في القول بالنسخ في القرآن، وأرى مثلاً أن قوله تعالى في سورة البقرة: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ) نسختها الآية التالية (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ القُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) وهذا ثابت في البخاري ومسلم، وقد ذكر الإمام الزركشي في كتابه "البرهان في علوم القرآن" أن هناك من العلماء قديمًا من أنكروا النسخ في القرآن، ومن المعروف أن الإمام الرازي يذكر دائمًا قول أبي مسلم الأصفهاني الذي لا يرى نسخًا في القرآن ويؤول كل ما قيل إنه منسوخ.
وعلى كل حال قضية النسخ غير مقطوع بها، وما من آية قيل إنها منسوخة إلا وخالف فيها من خالف، ولا تجد آية مطلقًا متفقًا على أنها منسوخة، والأصل أن الله أنزل هذا القرآن ليهتدى به، وليعمل به، وليحتكم إليه، فكيف نقول: هذه الآية لم يعد لها عمل، ومن يجروا على أن يقول هذه الآية بطل مفعولها، والعجيب أنك حينما تسألهم ما آية السيف؟ لا يتفقون عليها.

آية السيف

** إذن هناك أكثر من آية تسمى آية السيف؟
هناك أربع آيات تقريبًا كلها في سورة التوبة، وأشهر الآيات هي قوله تعالى: (فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الحُرُمُ فَاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوَهُمْ وَخُذُوَهُمْ وَاحْصُرُوَهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ)، ولكن حينما تنظر في هذه الآية، تجد أنها جاءت في مشركي قريش، ومشركي العرب، الذين نكثوا العهود وتعدوا الحدود، وآذوا المسلمين، وقاتلوهم سنين طويلة، ونزلت فيهم سورة براءة (بَرَاءَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ المُشْرِكِينَ) فهذه الآية كما قال الإمام الحسن بن الجلال من أئمة الزيدية نزلت في المحاربين الذين يحاربون الإسلام.

والذي يدل على هذا أنه قبل هذه الآية جاء قوله تعالى: (إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ المُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُتَّقِينَ) كما أن قوله تعالى: (وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ المُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ) هو الآية المباشرة لها، وبعدها (كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ اللَّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ عِندَ المَسْجِدِ الحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ).
** إذن ترون أن هذه الآية لا تعتبر ناسخة لآية العفو والصفح؟
العجيب أن بعضهم قال إن هذه الآية منسوخة أيضًا، ونسختها آية سورة محمد: (فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوَهُمْ فَشُدُّوا الوَثَاقَ فَإِمَّا مَناًّ بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الحَرْبُ).

** ذكرتم أن سورة براءة أو سورة التوبة تضم وحدها أربع آيات تسمى بآية السيف، وأشرتم إلى إحداها، فما الآية الثانية؟
الآية الثانية قوله تعالى: (وَقَاتِلُوا المُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً) و"كافة" في الآية قد تكون حال من الفاعل، أو حال من المفعول، بمعنى أنتم أيها المسلمون تجمعوا على قتالهم كما يتجمعون على قتالكم، أو قاتلوهم جميعًا كما يقاتلونكم جميعًا ولا يستثنون أحدًا منكم واعتبروهم كتلة واحدة.
وهذه الآية جاءت في سياق الحديث عن الأشهر الحرم (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) والأشهر الحرم كما أشرنا من قبل هي هدنة إجبارية، ولذا فالسياق ليس سياق قتال العالم بل العكس هو الأولى.
أما الآية الثالثة التي قيل إنها آية السيف فجاءت في سياق الاستنفار وهي قوله تعالى (انفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا) وهي جاءت بعد قوله (مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ (38) إِلاَّ تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً)
والآية الرابعة هي آية الجزية (قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ) وهي تقول للمسلمين: استمروا في قتالكم، لأنها نزلت بعد غزوة تبوك، حيث اشتبك المسلمون مع الروم بعدما قتلوا دعاة المسلمين، وتهيئوا ليغزوا المسلمين في المدينة فكان لابد من لقائهم والخروج إليهم، وعند اللقاء لابد من أن يعرض عليهم إما الإسلام وإما قبول الجزية، ومعنى قبول الجزية هو الدخول تحت سلطان المسلمين، أما قوله (وهم صاغرون) فقد فسرها أكثر العلماء بأنها تعني جريان أحكام الإسلام عليهم، أي الخضوع للدولة الإسلامية في أحكامها الشرعية المدنية، أما الأحكام الدينية فلا تفرض عليهم، فلا نفرض عليهم صلاة ولا زكاة ولا أي شيء من هذا.
وإذا قبلوا الجزية فإنهم يدفعون شيئًا قليلاً، هو مقابل الزكاة من ناحية، ومقابل الجهاد من ناحية أخرى، ولذلك تعتبر الجزية كأنها بدل خدمة عسكرية.

حديث السيف

** لكن هناك حديثًا في مسند الإمام أحمد يستند إليه هؤلاء، وهو "بعثت بالسيف بين يدي الساعة" وهناك من العلماء من ذهب إلى صحة هذا الحديث؟
أنا أسمي هذا الحديث "حديث السيف" كما أن هناك الآية التي يسمونها آية السيف، وهذا الحديث رواه الإمام أحمد كما ذكرتم، وروى أبو داود، جملة منه "من تشبه بالقوم فهو منهم" وإن كان لم ير باقية الحديث، وهذا الحديث أول من صححه العلامة الشيخ أحمد شاكر في تخريجه للمسند، ومعروف أن الشيخ شاكر متساهل في التصحيح، وهو يأخذ بتصحيح ابن حبان، وابن حبان أحيانًا ينفرد بتصحيح بعض الناس، بناء على قاعدة عنده، ولذلك المحققون من علماء الحديث أخذوا هذا على العلامة الشيخ شاكر، لكنه حينما صحح الحديث فتح الباب لغيره، حيث جاء الشيخ الألباني بعده وصححه أيضًا، وجاء الشيخ الأرناؤوط ، أو آل الأرناؤوط ، شعيب وعبد القادر في "تخريج زاد المعاد"، وصححوا الحديث.
ولكن في تخريج المسند، وهو عمل موسوعي كبير أشرف عليه الشيخ شعيب، أعادوا النظر في تخريج هذا الحديث، وانتهوا إلى أنه حديث ضعيف، وهذا من بركة هذا العمل الجماعي، حيث عللوا الحديث بعلل لا يتسع المقام لذكرها.

** هذا عن السند، فماذا عن المتن؟
من ناحية المتن أرى أنه مخالف لما جاء في القرآن الكريم، فالله تعالى يقول (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً) و (الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الحَقِّ) فالرسول لم يبعث بالسيف، وإنما بعث بالبينات (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ)، والرسول وهو أول من أرسل بالبينات، فكيف نقول إنه بعث بالسيف، والمفروض أن الأحاديث التي تبين موقف الإسلام، يجب التوقف والتشدد فيها، والعلماء قالوا إن أحاديث الحلال والحرام، وأحاديث الأحكام لا يؤخذ فيها إلا بحديث صحيح أو حسن، وأنا أرى أن ذلك ينطبق أيضا على الأحاديث المتعلقة بفضائل الأحكام.

** ماذا عن الحديث المتفق عليه: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا أو حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله" ؟
ما المراد بالناس هنا؟ هل المراد أن نقاتل العالم كله؟ وهل إذا أخذنا بظاهر هذا الحديث لا نقبل حتى الجزية أم يجب أن نرد النصوص بعضها إلى بعض، فمن المناهج الأصولية في فهم الأحكام وفي فهم الشريعة، أن نرد النصوص بعضها إلى بعض، ونأخذ النصوص متكاملة، فلا نأخذ نصًا ونترك الآخر.
وهذا الحديث مثل الآية التي زعموا أنها آية السيف في سورة التوبة (فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الحُرُمُ فَاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوَهُمْ) فالمقصود في الآية هو مشركو العرب الذين أمهلوا هذا الإمهال، ليختاروا لأنفسهم، كما جاء في سورة البقرة (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ) فكلها معاملة بالمثل، والحقيقة أن هؤلاء المشركين اختاروا لأنفسهم فعلاً، ودخلوا الإسلام جميعًا، ولم يحتاجوا إلى قتال.

** ولكن قد يقول البعض ما الذي يجعل الشيخ القرضاوي يقول هذا الكلام، هل هناك من العلماء من الأقدمين أو من المعاصرين من سبقكم إلى هذا التفسير؟
نعم هناك كثيرون، وأشهرهم شيخ الإسلام ابن تيمية نفسه، فله كتاب اسمه "قاعدة في قتال الكفار" ويقول فيه: إن النبي عليه الصلاة والسلام لم يقاتل إلا من قاتله، ولم يحارب إلا من حاربه، ومن هادنة هادنه، ومن سالمه سالمه، وكل الغزوات تقول هذا، كما أن القرآن، وكتب الأحاديث، وكتب السيرة والغزوات، وكتب الفقه، كلها تدل على أنه عليه الصلاة والسلام لم يقاتل إلا من قاتله.
ومن المعاصرين هناك الشيخ الغزالي، والشيخ شلتوت، والشيخ محمد عبد الله دراز في كتابه "مبادئ السلم الدولي في الإسلام" والشيخ أبو زهرة والكثيرون غيرهم.

غزوات هجومية؟

** هؤلاء يتعللون أيضًا بغزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنها كانت غزوات هجومية، كما في غزوة بدر؟
هذا سوء لفهم لغزوات النبي صلى الله عليه وسلم الرسول خرج في غزوة بدر لتعقب القافلة التجارية القادمة من الشام، ولم يكن يقصد قتالاً، ولذلك خرج مع مجموعة غير مستعدة للقتال، وكان يقصد أن يضرب قريشًا ضربة اقتصادية تعوض المسلمين عن بعض ما خسروا بمكة، لأنهم تركوا أموالهم، وعقاراتهم، وبيوتهم، ومزارعهم، فكان لابد من ضربة اقتصادية متمثلة في هذه القافلة.
لكن نجت القافلة، ولم يكن في ذهن النبي عليه الصلاة والسلام هذه الغزوة، إلا أن أبا جهل وأمثاله هم الذين أرادوها نوعًا من التحدي، وقالوا لابد أن نصل إلى بدر، وبدر محسوبة على المدينة، ونقيم هناك، وننحر الجذور، ونشرب الخمور، وتعزف علينا القيان، ويسمع بنا العرب فلا يزالون يهابوننا أبد الدهر، إذن كانت عملية تحدٍ، وكان لابد من أن يواجه الرسول هذا الموقف، والقرآن يقول: (كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ المُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ) أي غير مستعدين. وبعد ذلك جاءت غزوة أحد، والكفار هم الذين جاءوا إلى المدينة، أما غزوة الخندق "غزوة الأحزاب" فكان المقصود بها استئصال الرسول وأصحابه في عقر دارهم، فجاءت قريش وغطفان ومن حولهم، ليحاصروا المدينة.

** وماذا عن الفتوحات التي كانت في خلافة الراشدين، ما الذي جعل الصحابة عليهم رضوان الله يخرجون من جزيرة العرب، أليس في هذا نوع من بسط القوة والنفوذ؟
هو عندما تقوم الدولة وتريد أن تمكن لنفسها، هناك ضرورات، ومن هذه الضرورات تأمين الدولة إذا كان جيرانك يهددونك، فلابد إما أن تعاهدهم أو تحاربهم، أما هذا الوضع المائع فغير ممكن، والرسول والمسلمون كانوا يرحبون بكل معاهدة، والنبي عليه الصلاة والسلام بعدما دخل المدينة أقام اتفاقية بينه وبين اليهود، وهم الذين بدأوا بنقضها.
وفي ذلك الوقت كانت هناك دولتان كبريان تتنازعان العالم، الفرس والروم، وهؤلاء رفضوا الدين الجديد، والروم قتلوا الدعاة، وكسرى مزق كتاب محمد، فكان لابد من هذا الصدام.

** البعض يقول إن هناك إجماعًا على أن جهاد الطلب هو فرض كفاية؟
أولاً ليس هناك إجماع، حتى الصحابة كما ذكرنا من قبل منهم من خالف ذلك، وابن عمر يقول إن الجهاد ليس فرض كفاية، وذكرنا من التابعين عمرو بن دينار، وابن شبرمة وابن المبارك والبعض يقول إن الجهاد يكون فرض كفاية إذا خيف على المسلمين من أعدائهم، إنما إذا كانت بلاد المسلمين آمنة ومطمئنة وحدودها مؤمنة، فليس من الضروري أن يغزوا، وممن تبنوا هذا القول أيضا ابن رشد الجد في المقدمات والممهدات، كما ذكره شحنون وبعض الحنفية.
وحتى لو سلمنا بأن جهاد الطلب فرض كفاية، فهناك شرح وتفسير لمعنى فرض الكفاية عند بعض العلماء خصوصًا الشافعية، والشافعية هم أشد الناس في قضية القتال؛ لأنهم قالوا إن الكفر وحده علة للقتال على خلاف الحنفية والمالكية وغيرهم.
الشافعية يقولون إنه ليس من الضروري لأداء فرض الكفاية أن نبعث بغزاة وجنود يدخلون أرض الكفار، ولكن يكفي أن تشحن الثغور بالجنود المسلحين المدربين والقواد الأكفاء، حتى يكون للمسلمين رهبة عند أعدائهم، بحيث لا يفكرون في التوسع في أرضهم، فتخمد شوكتهم، وهذا ذكره الإمام الرافعي في روضة الطالبين، وذكره الإمام النووي في منهاجه، وشراح المنهاج كلهم اتفقوا على هذا الأمر.
محاربة أم كفر؟

** الحروب والمعارك والغزوات التي وقعت ما الأصل أو السبب فيها؟ هل هو مجرد الكفر؟ أو هو الكفر مع المحاربة؟
هو الكفر مع المحاربة، أو المحاربة، هكذا قال الأحناف، فنحن نقاتلهم لحرابهم لنا، ولو كان القتال لغرض الكفر، لكنا نقتل النساء والرجال، فالمرأة كافرة مثل الرجل، ولكان أولى الناس أن نقتلهم هم الرهبان في الصوامع، الذين يحافظون على الدين، لكننا منعنا عن قتال الرهبان في الصوامع والحراث في أرضهم، والتجار في مزارعهم.
وإذن فالمحاربة هي السبب القتال، وهذا ما فصله ابن تيمية في كتابه "قاعدة في قتال الكفار" وذكر أدلة كثيرة منها قوله تعالى: (لا إكراه في الدين) ومنها قوله تعالى: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم) وقوله تعالى: (فإما منًا بعد وإما فداء) حيث يوضح أنه إذا كنا سنمن عليه أو نفديه وهو سيظل كافرا، فالأولى أن ما نقتله من البداية قبل الأسر، كما أن المقصود في الآية ، (فشدوا الوثاق حتى إذا أثخنتموهم) ليس ألا نبقى كافرًا، إنما نكسر شوكتهم حتى لا يعتدوا علينا.

** ما خطورة هذه الأفكار على الأمة الإسلامية ككل؟
هذه الأفكار إذا انتشرت ولم تجد من يرد عليها، أخذ العالم عنا، أننا قوم لا نريد السلام لأحد، بل نريد أن نسيطر على العالم بالقوة، ونحن نريد أن نفتح قلوب العالم بالمحبة، وبالأخلاق وليس بالسيف، كما أن الإخوة المتشددين يرتبون على هذا أنه لا يجوز أن ندخل في الأمم المتحدة، ولا أن نؤمن بميثاقها ولا أن نقبل عضويتها، ونعيش في عزلة عن العالم كله، العالم كله يصبح ضدنا.
وهذا ما لا يقبله الإسلام، الإسلام بالعكس يريد أن يفتح الأبواب حتى مع الذين يحاربهم ويحاربونه، (وإن جنحوا للسلم فاجنح له وتوكل على الله) (عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة) فليست هناك عداوة دائمة، ولا محبة دائمة، القلوب تتغير، والإسلام دائمًا يريد أن يفتح الأبواب للمسالمة مع الناس جميعًا؛ لأنه رحمة للعالمين.

** لكن مثل هذه العهود والمواثيق ألا تجعل الناس يقعدون عن الجهاد في سبيل الله؟
ما معنى يجلسون عن الجهاد في سبيل الله؟ عن نشر الإسلام؟ عن الدعوة إلى الإسلام؟ هل يمنع أحد المسلمين من دعوة الناس في العالم؟ العالم الآن وصل سكانه إلى 7 مليارات نسمة، فهل قدمنا نحن دعوتنا سلميًا إلى العالم حتى نقاتل العالم؟ مطلوب منا جيوش جرارة من الدعاة والإعلاميين والمعلمين ليخاطبوا العالم بلغته، ونحن لم نقدم واحدًا في الألف من الجهد المطلوب لدعوة غير المسلمين إلى الإسلام


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.