بطاقة ايداع بالسجن في حق المحامي مهدي زقروبة    مواصلة تنفيذ برنامج التمكين الاقتصادي    متابعة سير النشاط السياحي والإعداد لذروة الموسم الصيفي محور جلسة عمل وزارية    بعد تعرضه لمحاولة اغتيال.. حالة رئيس وزراء سلوفاكيا خطيرة    عقارب: أجواء احتفالية كبرى بمناسبة صعود كوكب عقارب إلى الرابطة المحترفة الثانية.    من بينهم اثنين حالتهم خطيرة: 10 جرحى في حادث مرور مروع بالكاف..    الكشف عن شبكة لترويج المخدرات بتونس الكبرى والقبض على 8 أشخاص..    الطقس يوم الخميس16 ماي 2024    ينتحل صفة ممثّل عن إحدى الجمعيات لجمع التبرّعات المالية..وهكذا تم الاطاحة به..!!    البنك الاوروبي لإعادة الإعمار والتنمية يتوقّع انتعاش النمو في تونس    القرض الرقاعي الوطني 2024: تعبئة 1،444 مليار دينار من اكتتاب القسط الثاني    سليانة: إلقاء القبض على سجين بعد فراره من أمام المحكمة    أمراض القلب والجلطات الدماغية من ابرز أسباب الوفاة في تونس سنة 2021    الديوانة تطلق خدمة التصريح بالدخول الخاص بالإبحار الترفيهي    مندوبية التربية بقفصة تحصد 3 جوائز في الملتقى الوطني للمسرح بالمدارس الاعدادية والمعاهد الثانوية    عاجل : هزة أرضية في قفصة    الإعلان عن تركيبة الإدارة الوطنية للتحكيم    عاجل : أحارب المرض الخبيث...كلمات توجهها نجمة'' أراب أيدول'' لمحبيها    أغنية صابر الرباعي الجديدة تحصد الملايين    بمناسبة عيد الأمهات..البريد التونسي يصدر طابعا جديدا    في ذكرى النكبة: تونس تجدّد دعمها اللامشروط للشعب الفلسطيني    الفلاحون المنتجون للطماطم يطالبون بتدخل السلطات    حاحب العيون: انطلاق فعاليات المهرجان الدولي للمشمش    يشكّل تهديدا للنمّو.. الصين تسجّل فائضا قياسيّا بملايين المساكن    هام/ هذا عدد مطالب القروض التي تلقاها صندوق التقاعد والحيطية الاجتماعية..    بسبب لقطة غير لائقة من الجمهور في مباراة الترجي والنجم: التلفزة التونسية تفتح تحقيق..    ميشيل مدرب جيرونا: إنهاء الموسم في المركز الثاني مهمة صعبة جدا    مجلس عمداء المحامين يصدر بيان هام..#خبر_عاجل    وفاة عسكريين في حادث سقوط طائرة عسكرية في موريتانيا..#خبر_عاجل    قطر تستضيف النسخ الثلاث من بطولة كأس العرب لسنوات 2025 و2029 و2033    على هامش الدورة 14 لصالون للفلاحة والصناعات الغذائية صفاقس تختار أفضل خباز    وزير الشؤون الدينية يؤكد الحرص على إنجاح موسم الحج    القلعة الخصبة: انطلاق فعاليات الدورة 25 لشهر التراث    الدورة ال3 لمهرجان جربة تونس للسينما العربية من 20 إلى 25 جوان 2024    وزير الفلاحة يعرب عن إعجابه بصالون الفلاحة والصناعات الغذائية بصفاقس    أكثر من 3 آلاف رخصة لترويج الأدوية الجنيسة في تونس    علاجات من الأمراض ...إليك ما يفعله حليب البقر    صورة/ أثار ضجة كبيرة: "زوكربيرغ" يرتدي قميصًا كُتب عليه "يجب تدمير قرطاج"..    من بينهم طفلان: قوات الاحتلال الصهيوني تعتقل 20 فلسطينيا من الضفة الغربية..#خبر_عاجل    وزارة المالية تكشف عن قائمة الحلويات الشعبية المستثناة من دفع اتاوة الدعم    وزير الرياضة في زيارة تفقديّة للملعب البلدي بالمرناقية    ما حقيقة سرقة سيارة من مستشفى القصرين داخلها جثة..؟    عاجل - مطار قرطاج : العثور على سلاح ناري لدى مسافر    أصحاب المخابز يُطالبون بصرف مستحقّاتهم لدى الدولة    اخر مستجدات قضية سنية الدهماني    أنشيلوتي يتوقع أن يقدم ريال مدريد أفضل مستوياته في نهائي رابطة أبطال أوروبا    صفاقس: ينهي حياة ابن أخيه بطعنات غائرة    الأهلي يصل اليوم الى تونس .. «ويكلو» في التدريبات.. حظر اعلامي وكولر يحفّز اللاعبين    اليوم إياب نصف نهائي بطولة النخبة ..الإفريقي والترجي لتأكيد أسبقية الذهاب وبلوغ النهائي    ارتفاع عدد قتلى جنود الإحتلال إلى 621    أول أميركية تقاضي أسترازينيكا: لقاحها جعلني معاقة    الرئيس الايراني.. دماء أطفال غزة ستغير النظام العالمي الراهن    قابس : اختتام الدورة الثانية لمهرجان ريم الحمروني    مفتي الجمهورية... «الأضحية هي شعيرة يجب احترامها، لكنّها مرتبطة بشرط الاستطاعة»    أولا وأخيرا: نطق بلسان الحذاء    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شيزوفرينيا صحفية؟ (الحلقة 2)
نشر في الحوار نت يوم 05 - 06 - 2011

حينما تم اعتقال أفراد ماسمي بخلية بليرج، أحدث الاعتقال ضجة كبيرة داخل البلد وخارجه، نظرا لاشتهار المعتقلين، خاصة السياسيين الستة، بمواقفهم ضد الإرهاب، وسمعتهم الحسنة في الأوساط السياسية، علمانية كانت أم إسلامية. لذلك اهتمت المنظمات الحقوقية الوطنية والدولية بهذه القضية، وتابعت أطوار المحاكمة الغريبة لأعضائها. بل إن جريدة "الصباح" المغربية ذكرت على صفحتها الأولى آنذاك أن "بلجيكا تصف المعلومات المغربية في ملف بليرج بالرديئة" (1)، وأن نوابا بلجيكيين من لجنة العدل بالبرلمان البلجيكي "يتهمون الأجهزة الأمنية المغربية بالكذب" (2).
ومن ضمن المنظمات الحقوقية التي اهتمت بهذه القضية "اللجنة العربية لحقوق الإنسان" –ومقرها باريس- والتي أصدر رئيسها السيد هيثم مناع، المراقب الدولي في قضية بليرج، تقريرا كان مما جاء فيه(3):
-"للأسف، قام عدد من الصحفيين بالترويج لمؤامرة كبيرة على المملكة المغربية. وساهم عزل المسئول الرئيسي في القضية عبد القادر بلعيرج في زيادة الشائعات والقيل والقال. فاتهم البعض إيران بمحاولة زعزعة الأوضاع في المغرب. وبعضهم تحدث عن دور لحزب الله. بل ولم يمتنع البعض عن ذكر دور لمنظمة القاعدة. لقد سمح بعض الإعلاميين لانفسهم بكل الفنطازيات الممكنة: بحيث اكتشف خيطا سريا يمتد من جماعة "أبو نضال"، إلى الجماعة الإسلامية المسلحة في الجزائر، ثم حركة التشيع عبر قناة المنار. أخيرا وليس آخرا، لم تنشر الصحف التي روجت لكل ذلك لمن طالب بحق الرد الدفاع عن نفسه. بل وتم استغلال الفراغات القانونية في الصحف الصادرة على الشبكة العنكبوتية للترويج لاتهامات كبيرة للسياسيين المعتقلين في هذه القضية".
-"كانت الشهادات من حولنا، بما فيها أقوال مسئولين حكوميين، تتلخص بالحديث عن أشخاص يتمتعون بسمعة عالية وأخلاق حميدة ونشاط مدني وسياسي وثقافي متميز".
-"وجهت انتقادات لظروف التوقيف والاعتقال وأخذ التصريحات تحت الإكراه، كما هو حال أكثر من معتقل تعرض للقمع والقهر والمعاملة غير الإنسانية أو اللائقة. خاصة وأن اعتقال البعض كان لتقاطع طارئ مع المتهم الرئيسي (مثل الذي جلب دواء للسيد بلعيرج فدعاه للغداء ولم يره بعدها)".
-"من المؤسف أن النقاش المعمق في مفهوم الطابع الشخصي والفردي للاعتقال الإداري، والاحتفاظ بالمتهمين في السجن، وعلاقته بخصوصية خطورة الشخص، وغياب خطورة الفعل، كان يتطلب من وكيل الحق العام ردا قانونيا وجيها عن أسباب الاحتفاظ بكل معتقل. إلا أن رده كان خارج المنطق القانوني، وضمن منطق التعليمات المسبقة. كذلك رفض طلب رفع العقوبات المالية عن أقارب معتقلين، وترك مسألة وضع السجناء للمؤسسة العقابية"....
التقرير الذي جاء فيه مثل هذا الكلام لم يعجب من انساق وراء الرواية الرسمية ودافع عنها، ومنهم صحفي من جريدة "الصباح" رمز لاسمه بحرفي الخاء والعين (4). هذا الصحفي كتب مقالا ينتقد فيه السيد هيثم مناع عنوانه: " مراقب دولي في ملف بليرج يلقن دروسا للصحافة والقضاء" (5). ومن خلال المقال يظهر غضب الصحفي مما جاء في التقرير.
لندعه غاضبا إلى مقال آخر، ولنأت إلى ماكتبه الشخص الذي تناولنا، في الحلقة السابقة، محاولته إثبات الرواية الرسمية المدينة لأفراد خلية بليرج المزعومة.
بعد مدة من مقاله الأول، كتب آخر جعل كلمة "مؤامرة" عنوانا له. وهو مقال يسير في نفس الخط الذي سار فيه مقال (خ.ع) المذكور أعلاه، مع صراحة أكثر وطعن أشد.
يبدأ الصحفي مقاله هكذا:
"يمعن بعض الأجانب، المتسترين خلف يافطة الجمعيات الحقوقية، في تصيد بعض الهفوات لتوجيه ضربات تحت الحزام، والإجهاز على كل المكتسبات التي حققتها بلادنا، على قلتها، والنيل من المؤسسات دون أن يرف لهم جفن الاعتراف ببعض الإنجازات، أو على الأقل اتخاذ موقف محايد، سيما في بعض القضايا الحساسة مثل ملفات الإرهاب" (6).
منذ البداية يحدد الصحفي موقفه من خلال كلماته المنتقاة بعناية :
فأولا، يستعمل الصحفي صيغة الفعل المضارع في موضع مر وانقضى، ولهذا دلالة كما سيأتي.
وثانيا، يرى أن هناك "تصيدا" من بعض الحقوقيين الأجانب للهفوات، أي أن قصد أولئك الحقوقيين هو الهفوة لاغيرها، وما يتبع ذلك من إغماض للعين عن غيرها. والغير هنا هو " المكتسبات التي حققتها بلادنا، على قلتها" و"المؤسسات" و" بعض الإنجازات".
هناك إذن، لدى الحقوقيين الأجانب، "تعمد" غير بريء، حسب مفهوم كلام الصحفي.
غير أن أولئك الحقوقيين لايعمدون إلى "تصيد" الهفوة فقط، بل "يمعنون"، حسب الصحفي، في ذلك "التصيد"، ويجدّون فيه ويستفرغون وسعهم وجهدهم -حسب تعبير الأصوليين- في طلب الهفوات، حتى يرووا فضولهم غير البريء منها!!(7).
لكن هل هؤلاء الأجانب حقوقيون حقا وصدقا؟
يرى الصحفي أنهم فقط "متسترون خلف يافطة الجمعيات الحقوقية "، وماداموا "متسترين" فهم يضمرون أهدافا أخرى غير الدفاع عن حقوق الإنسان، لعل من بينها، حسب الصحفي، إغماض العين عن المكتسبات والإنجازات التي ذكرها.
وهل كل الأجانب الذين يشتغلون على ملفات حقوق الإنسان " متسترون خلف يافطة الجمعيات الحقوقية"؟ يجيب أنهم " بعض الأجانب". أما البعض الآخر، حسبما يفهم من كلامه، فهم حقوقيون حقيقيون!
و"للمتسترين" صفات وأفعال، كما للحقيقيين أيضا صفاتهم وأفعالهم.
بمنطوق الكلام، "المتسترون" "يجهزون" على كل المكتسبات التي حققتها بلادنا، و"الإجهاز" قتل، والقتل جريمة. والحقيقيون، بمفهوم الكلام، يشيدون بتلك المكتسبات.
و"المتسترون" أيضا ينالون –بمنطوق الكلام أيضا- من المؤسسات، أي "قضاء البلاد وصحافته" والوزراء ووزارة العدل كما ذكر في مقاله. و"النيل" هنا هو "الإجهاز" مرة أخرى، أو هو، حسب تعبيره في مكان آخر، "توجيه معاول الهدم" إلى تلك المؤسسات. والحقيقيون، بالمفهوم، هم الذين يشيدون بتلك المؤسسات: يذكرون أن في البلد قضاء عادلا ومستقلا دونه عدل الفاروق، وصحافة جادة ومستقلة لاتحلم صحافة أي دولة في إدراك جديتها واستقلالها، ووزراء أو حكومة تسوس البلد بالفعل بقوة وأمانة!!
و"المتسترون" كذلك غير محايدين في مواقفهم من قضايا حساسة مثل ملفات الإرهاب، ولعله هنا مربط فرس صاحب المقال، والحقيقيون محايدون في تلك الملفات.
وإذا علمنا أن السيد هيثم مناع –وهو "متستر" حسبما يفهم من المقال- شكك في الرواية الرسمية المتعلقة بأفراد خلية بليرج المزعومة، فإن الحقوقيين الحقيقيين ينبغي، كي يكونوا كذلك فعلا، أن يتبنوا تلك الرواية!
هجوم كاسح للصحفي منذ البداية، و"خير الدفاع الهجوم" كما يقال!
فإذا كان هذا هو مدخل المقال، فماذا سيأتي بعده؟
يتابع الصحفي كلامه فيقول: "ينساق بعض المغاربة وراء أطروحات الجمعيات الدولية، ولاتهمهم صورة المغرب في الخارج..." (8).
لنذكر مرة أخرى استعمال الفعل المضارع "ينساق"، مع أن "الانسياق" المزعوم حدث في ماضي الزمن الذي كُتِب فيه المقال. فبعض المغاربة، في نظر الصحفي، "تسوقهم" الجمعيات الحقوقية الدولية "فينساقون وراء" أطروحاتها، وليس في "الانسياق" تفكير. فهي القائدة وهم مجرد تابع ذليل!
وإذا علمنا أن الفعل المضارع يدل على الحال والتجدد والإستقبال، فمعنى ذلك أن هؤلاء "المنساقين" سيستمر "انسياقهم"، بل سيصبح "الانسياق" حالة لهم لاينفكون عنها!
وليت الذين "ينساقون" يفعلون ذلك بمراعاة مصالح البلد! إنهم –حسب الصحفي- "ينساقون" دون مبالاة بِ" صورة المغرب في الخارج..."! بمعنى آخر هم يساهمون في "تشويه" تلك الصورة وتلطيخ سمعة البلد! وكأن تلك الجمعيات الحقوقية منظمات سذّج ٍ يجهلون ما يجري في المغرب ويسهل خداعهم!
إننا نضع الأصبع هنا –مرة أخرى- على ثابت من ثوابت الذهنية السلطوية المذكورة أعلاه، وبعض الذهنيات الصحفية لها تبع، وهي ثابت: "إذا كنت مظلوما ورفعت صوتك بظلامتك، فأنت تشوه صورة المغرب في الخارج"! وفي هذا إيحاء بأن الظالم يزين صورة بلده في الخارج!! وبذلك تسقط كل إنجازات الأديان وما أنتجه الفكر الإنساني في مواجهة الظلم والظلمة. ولن يفلح قوم رأوا أن "الظلم مرتعه وخيم"، بل الفلاح كله لمن رأى أن "الظلم مرتعه هنيء مريء"!!
إن الله سبحانه وتعالى يقول: (لايحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظُلِم) (النساء:). ولقد رأى الإمام البغوي رحمه الله في هذه الآية أن الله سبحانه وتعالى لايحب " أن يعلن أحد بالسوء كائنا من القول (إلا من ظلم)، أي إلا جهر من ظلِم فإنه غير مسخوط عنده تعالى، وذلك بأن يدعو على ظالمه أو يتظلم منه ويذكره بما فيه من السوء" (9).
وإن الامتناع عن أداء حقوق الناس، ولو كان الحق دينا بسيطا يستطيع المدين أداءه، يحل للدائن رفع صوته بالمطالبة بحقه. أخرج أبوداود عن عمرو بن الشريد عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليّ الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته" (10).
هذا في دين بسيط، فما بالنا بالحق في الحرية، وفي الحياة، وفي العيش الكريم...؟
إن ذكرنا للآية والحديث هنا راجع إلى سبب بسيط هو أن هذا الصحفي أورد، في مقاله الأول "المصداقية"، شطرا من حديث، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "انصر أخاك ظالما أو مظلوما" (11)، ونعى على الأحزاب اليسارية أنها تفهم هذا الحديث بطريقة "سطحية وقاصرة". وإني لأعتقد أن إيراد الحديث من أمثال هذا الرجل لايعني أنه يحترمه، وإلا فإن احترام الحديث هو العمل بمضمونه، من نصرة للمظلوم واحتجاج ضد الظالم، لاالدفاع عن رواية تكذب على معتقلين مظلومين!! إذ لو كان مثل هذا الصحفي مقتنعا بآية أو حديث لما كتب ما كتب.
ويستمر الرجل في "غيه" الصحفي، فيورد مثالا لعله المقصود من كل جعجعته التي لم نر لها طحينا، هو مثال "قضية بليرج". يقول: "آخر النماذج على هذا التحامل المجاني للأجانب قضية بليرج، إذ اصطف بعض الحقوقيين المغاربة للدفاع عن المعتقلين، سيما قادة أحزاب البديل الحضاري والحركة من أجل الأمة. وهذا من حقهم ويندرج في إطار الدفاع الطبيعي عن متهم مازال بريئا إلا أن تثبت إدانته..."(12).
في مقاله الأول "المصداقية" يستكثر ويرفض هذا الصحفي وقوف الأحزاب اليسارية إلى جانب معتقلين مظلومين، ويعتبر ذلك الموقف "صبا للزيت على النار"! لكنه هنا يرى أن ذلك الموقف " من حقهم ويندرج في إطار الدفاع الطبيعي عن متهم مازال بريئا...".
ذر للرماد في العيون! وكلام صيغ في ظلام التحريض والوشاية المجانية سرعان ما أتى عليه نور الحق في "الدفاع الطبيعي"! كأن الرجل لاإيمان له بالبراءة الأصلية للمتهم إلا إيمان اللحظة، وبعد ذلك ليكن موقف آخر نقيض وبهتان آخر جديد!
وتأخذ الرجل "الحمية" على قضاء البلاد وصحافته والوزراء...فيقول: "إن التقرير الأخير لهيثم مناع لم يقف عند حدود المحاكمة، وأصر على توجيه معاول الهدم إلى قضاء البلاد وصحافته، كما صفى حساباته مع الوزراء وانتقص من قيمة وزارة العدل، واكتشفنا أن ملف بليرج لم يكن إلا واجهة اختفى خلفها مناع ومنظماته الدولية لتصفية حسابات مع المغرب بطريقة غير مفهومة" (13).
هناك إذن، لدى هيثم مناع، إصرار لكن على الهدم. ولئن كان من حسنة لهذا الهدم –في نظر الصحفي- فهي أنه ساعده على "اكتشاف" "خطير"، هو أن " ملف بليرج لم يكن إلا واجهة"!
لم يكتشف الرجل، من خلال ملف بليرج وتداعياته، أن هناك محاولات للعودة بالمغرب إلى سنوات الظلم والظلام المعروفة بسنوات الرصاص، محاولات اجترحها "مهندسو إعاقة الديمقراطية"، كما سماهم أستاذنا محمد المرواني!
ولم يكتشف، من خلال الملف وما أحاط به من أحداث، فداحة الظلم الذي مس مواطنين مغاربة!
ولم يكتشف الضريبة الفادحة التي ينوء بثقلها كلكل البلد تخلفا جراء التبعية العمياء "للمخططات البوشية" –و"الأوبامية" كذلك- المسماة كذبا "بالحرب على الإرهاب"!!...
وإنما "اكتشف" أن " ملف بليرج لم يكن إلا واجهة لتصفية حسابات مع المغرب..."!! ولم يعن له أن يتساءل عمن تسبب في "صنع" هذا الملف ليتخذه مناع ومنظماته الدولية –حسب الصحفي- واجهة لتصفية حساباته مع المغرب!
فياله من "اكتشاف" يكتب لهذا الصحفي بمداد الفخر والاعتزاز!
هكذا إذن هم بعض صحافيينا: يشتمون "المجرم"، ويمدحون من دفعه إلى "الإجرام"! لا، بل ينعتون صنيع الدافع بالسياسة الرشيدة والعمل الحكيم! وانظروا إن شئتم إلى من فشل في حل مشكل انفصالية تعاطف معها من تعاطف من الأجانب بسبب ذلك الفشل، ثم مر الفاشل دون محاسبة، بل كوفيء رأسا لمجلس أو هيأة! في حين أُشبِعت الانفصالية شتما وذما!
ويسوق الصحفي روايته لحضور المراقب القضائي هيثم مناع إلى المغرب فيقول: "كانت البداية حين حل بين ظهرانينا شخص يدعي أنه مراقب قضائي، وأنه عضو اللجنة العربية لحقوق الإنسان والمرصد الفرنسي لحقوق الإنسان، وأصدر تقريرا قبل انتهاء محاكمة بليرج كاشفا عن تحيز واضح. فكل كلمات التقرير توحي أن هناك حكما مسبقا على الصحافة ووزارة العدل والقضاء، غير أن المثير أن البلد الذي يتهمه هذا المراقب بكل هذه الصفات فتح له ذراعيه، حيث عقد عدة لقاءات مع المحامين المكلفين بالملف، واجتمع بقيادات حزبية وأقارب المعتقلين وتنسيقية الدفاع عنهم. كما اجتمع مع رئيس المحكمة والنيابة العامة الذين رحبوا بوجوده. وماذا كانت النتيجة؟" (14).
إن الشخص الذي حل بالمغرب –حسب الصحفي- " يدعي أنه مراقب قضائي، وأنه عضو اللجنة العربية لحقوق الإنسان والمرصد الفرنسي لحقوق الإنسان"! وللقاريء أن يفهم ما وراء كلمة "يدعي" هذه: دعي؟ كذاب؟ منتحل صفة؟...أو ما شابه!
فلئن كان هناك فعلا "ادعاء" من هيثم مناع بالعضوية في اللجنة العربية لحقوق الإنسان والمرصد الفرنسي لحقوق الإنسان، فأين هو دور مصالحنا الخارجية في فضح هذا الادعاء؟ وأين هو "الدور الحيوي للأجهزة الأمنية" كما ذكر مرة أحد وقحاء الاستئصال؟ (15).
هذا "الكذاب" و"المنتحل"...أصدر تقريرا فيه "تحيز واضح" للمعتقلين في قضية بليرج!
وبلدنا –والمقصود حكومتنا- فتح لهيثم مناع ذراعيه. كيف؟
يقول الصحفي: " عقد عدة لقاءات مع المحامين المكلفين بالملف، واجتمع بقيادات حزبية وأقارب المعتقلين وتنسيقية الدفاع عنهم. كما اجتمع مع رئيس المحكمة والنيابة العامة الذين رحبوا بوجوده. وماذا كانت النتيجة؟"
إزاء هذا الكلام، يمكن طرح السؤالين التاليين:
-مالذي كان على المسؤولين أن يفعلوه إن لم يفتح البلد ذراعيه لناشط حقوقي وليس "دعيا" كما ادعى الصحفي؟ هل كان المنتظر طرده وإبعاده؟
-وما الذي ينتظر من ناشط حقوقي: ذكر الحقيقة حول التعسف والانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان، أم شهادة الزور لقاء فتح الذراعين؟
إن هناك من يعتبر دعم إجراءات التحقيق في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان "منة" من المسؤولين على الناشطين الحقوقيين. هذه "المنة" ينبغي، في نظر صاحب هذه الفكرة، أن يقابلها إغماض العين من طرف الحقوقيين على تلك الانتهاكات! ولعل هذا ثابت آخر من ثوابت الذهنية السلطوية وما يتبعها من ذهنيات في التعامل مع الحقوق الشرعية لأي إنسان!
لأجل ذلك لايروق لأصحاب هذه الذهنية أن يُصدِر أحد الناشطين الحقوقيين تقريرا يفضح الانتهاكات. ولأجل ذلك أيضا صرخ الصحفي قائلا: "ماذا كانت النتيجة؟ أياما قليلة بعد انتهاء الجلسة الأولى لمحاكمة بليرج أصدر المدعو (كذا)هيثم تقريرا متحاملا على مؤسسات البلاد..."(16). ثم وجه كلامه للحقوقيين المغاربة فقال: "كلمة أخيرة فقط إلى بعض الحقوقيين المغاربة: ما أنبل الحكمة التي تقول: ما حك جلدك مثل ظفرك" (17). لكن "خلفية" المقال هي الأخذ ُ بالرواية الرسمية وإدانة أفراد ما سمي بخلية بليرج، بالإضافة إلى ثوابت الذهنية السلطوية المبثوثة فيه. وبمعنى آخر: كان الأجدر بالمقال أن يختمه صاحبه بعبارة: " ما حك جلدك مثل ظفر أصحاب الرواية الرسمية"!
(يتبع)
___________
1-مقال بنفس العنوان للصحفية الفاضلة نادية البوكيلي، جريدة "الصباح"، عدد 2641، الإثنين َ 6 أكتوبر 2008.
2-نفسه.
3-هذا الكلام من "مراقبة قضائية أمام المحكمة الابتدائية في سلا (المغرب)، تقرير عن الجلسة الأولى للمحكمة 16/10/2008"، إنجاز الدكتور هيثم مناع، منشور على موقع : "صدى الدفاع عن الحقوق والحريات"، على الرابط: http://www.sadasolidarity.net/sada/reportes/maroc.htm
4-هل هو خالد العطاوي؟ قد يكون، خاصة وأنه كتب هو الآخر ضد أفراد الخلية المزعومة كما سيأتي.
5-جريدة "الصباح" عدد 2660، الثلاثاء 28 أكتوبر 2008.
6-خالد الحري، مقال "مؤامرة"، جريدة "الصباح"، عدد 2665، الإثنين 3 نونبر 2008.
7-جاء في "لسان العرب"، مادة "معن": (أمعنَتِ الأرض ومُعِنَتْ إذا رَوِيَتْ).
8-مقال الحري المذكور.
9-البغوي رحمه الله، روح المعاني، ص3/177.
10-أخرجه في الأقضية، باب في الحبس في الدين وغيره ، حديث 3628.
11-هذه العبارة جاهلية جرت على أخلاق الحمية الجاهلية، وأول من قالها جندب بن العنبر بن عمرو التميمي، لما أسرته امرأة من تميم، فمر به وهو مقيد سعد بن زيد مناة –وكان جندب قد عيره بالجبن- فاستغاثه، لكن سعدا قال له:"إن الجبان لايغيث". فقال له جندب:
ياأيها المرء الكريم المشكوم انصر أخاك ظالما أو مظلوم
وذلك في قصة ذكرها الميداني في "مجمع الأمثال والحكم" (تحت رقم 4202).
أما تتمة الحديث ففيها تصحيح رسول الله صلى الله عليه وسلم للعبارة الجاهلية، وهو الحديث الذي أخرجه البخاري رحمه الله عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " انصر أخاك ظالما أو مظلوما". فقال رجل: يارسول الله، أنصره إذا كان مظلوما، أفرأيت إن كان ظالما كيف أنصره؟ قال: "تحجزه أو تمنعه من الظلم،فإن ذلك نصره" (كتاب الإكراه، باب بدون ترجمة، حديث 6952). ولاأدري وجه اقتصار الصحفي على العبارة الجاهلية فقط!
12و13و14- مقال "مؤامرة" المذكور.
15-انظر مقالنا حول ذلك الاستئصالي الوقح، المعنون بِ "الحرباء" في مدونة "الالتزام".
16و17-مقال "مؤامرة" للصحفي المذكور.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.