وسط غرفة مظلمة زادتها رائحة الدخان قتامة، كان شاب ذو لحية كثة يبحث وسط الرماد عن شيء ما يثير اهتمامه. ظننت للوهلة الأولى أنه واحد من الليبيين الكثيرين الذين يتسابقون هذه الأيام للاستحواذ على أي شيء ذي قيمة داخل مؤسسات الدولة أو ممتلكات معمر القذافي التي أصبحت ابوابها مفتوحة منذ سقوط طرابلس في الثلث الأخير من أغسطس آب الماضي. اقتربت منه ، فقال لي بلهجة مختلفة قليلا عن لهجة اهل طرابلس، إنه سجين سابق قضى زهاء أربعة أعوام في معتقل بوسليم الرهيب. اسمه إبراهيم مسعود ويبلغ من العمر سبعا وثلاثين سنة. استعاد حريته يوم اقتحم مقاتلو المعارضة هذا السجن المترامي الأطراف في العاصمة الليبية بعدما استولوا على معسكر باب العزيزية الحصين، حيث كان معقل نظام القذافي. يقول إبراهيم إن أحد رجال المخابرات في بلدة تيجي بسفح جبل نفوسة، إلى الجنوب الغربي من طرابلس، "لفق" له تهمة التآمر على النظام والتفوه بكلام معادي لشخص العقيد القذافي. لم يتوقف إبراهيم عن البحث وسط رماد وثائق في مبنى إدارة سجن بوسليم التي قصفها الناتو قبل أسابيع. سألته عما يبحث عنه فأجاب بأنه يريد استعادة وثيقة هويته ووثيقة أخرى تثبت أن السلطات صادرت 23 ألف دينار ليبي (حوالي 17 ألف دولار أمريكي) إضافة إلى مفاتيح سيارته المصادرة منذ لحظة اعتقاله. يعد إبراهيم واحدا من عشرات الآلاف ممن احتجزوا في سجن بوسليم. وبالرغم من أن وضعه النفسي لا يبدو مستقرا كثيرا، فإنه على الأقل خرج حيا من هذا السجن ذي السمعة السيئة، فقد عثر في الآونة الأخيرة على جثث لعشرات من المعتقلين السابقين، الذين يعتقد بأن مسلحين من نظام القذافي أردوهم قتلى قبل مغادرة هذا السجن. وهذه ليست المرة الأولى التي تشهد فيها أجنحة السجن الشاسع أعمال قتل. فالليبيون ومنظمات حقوق الانسان ما زالوا يتذكرون مذبحة وقعت هنا عام 1996 حينما أطلقت قوات الأمن وحرس السجن النار على معتقلين، معظمهم من الإسلاميين، نظموا حركة احتجاجية على أوضاع اعتقالهم واستولوا على بعض مرافق السجن، وفكانت النتيجة نحو 1200 قتيل في عملية ساهمت، رغم مرور أكثر من 15 على تاريخ حدوثها، في تأجيج نيران الغضب على نظام صاحب "النظرية العالمية الثالثة". يتحدث الكثير ممن غادروا بوسليم عن تعرضهم هم ورفاقهم لصنوف من التعذيب والتنكيل أثناء فترات التحقيق المختلفة. وأسوة بزملائه يقول إبراهيم إنه تعرض لما وصفها ب"جلسات صعق بالكهرباء في الصدر ومناطق أخرى في الجسد، ويصاحب ذلك إراقة الماء البارد على الجسم". أصر إبراهيم على أن نرافقه إلى الزنزانة التي كان معتقلا فيها. كان يبدو كمن يعود إلى بيته ، حيث اتجه إلى ركن الزنزانة واستلقى على فراش رث يوجد فيها، ثم وضع قنينة ماء تحت رقبته، وقال: كانت هذه وسادتي.