د.جهاد عبد العليم الفرا الدّنمارك في 25 سبتمبر 2011
ليس لها أي ذنب، ولم تقترف أية مخالفة... هي شابة ملتزمة بدينها، طائعة لربها، بارّة بوالديها، محبة لعائلتها، محتشمة في مظهرها، يزيّن هامتها المرفوعة وعنقها المشرئب إلى عنان السماء حجابُ الطهر والعفة ويكسو جسدها الطاهر جلبابُ الحشمة والوقار وتعلو محياها البراءة والفضيلة، شأنها في ذلك شأن أخواتها من فتيات حمص الذين رُبّين ونُشّئن على هذه المعاني الجليلة في بيوتات أبت إلا أن تصرخ بوجه الظلم، وتقف في وجه الباطل، وتتصدى للإجرام، وتهب بكل أحرارها وحرائرها لتُسقط نظام القتل والهمجية، نظام السفلة المارقين من كل دين أو عرف أو خلق أو ضمير... لم تتجاوز بعد التسعة عشر ربيعا، تختطفها الأيادي الآثمة لهذا النظام الإجرامي الدموي في أحد شوارع حمص الصامدة مدينة سيف الله المسلول الصحابي البطل الجليل خالد بن الوليد، هذه المدينة التي يضم ثراها الطاهر المئات من صحابة رسول الله الكرام في مقبرة الكتيب، المدينة التي كانت أسخى وأكرم من كل المدن السورية بعدد شهدائها ومعتقليها والتي لم تهدأ الثورة فيها ولم ولن تخبو حتى تحقق للشعب السوري آماله في العزة والكرامة والتحرر. المدينة التي هبت كل أحيائها وكل مناطقها ونواحيها وقراها وبواديها وانتفض كل رجالها ونسائها وثار كل أبطالها ضد الظلم والمهانة والمذلة من باب الدريب إلى باب السباع إلى كرم الزيتون "الحي الذي اختطفت فيه الشهيدة البطلة" إلى باب تدمر إلى الخالدية ودير بعلبة وتلبيسة والرستن وبابا عمرو والغوطة والإنشاءات والغنطو والقصور والوعر والرستن وتدمر والقصير وبستان الديوان وتلكلخ والحولة، وغيرها من كل جهات هذه المدينة الصامدة. اختطفوها كرهينة من أجل الضغط على أخيها المجاهد البطل الثائر الشهيد محمد الحصني لكي يسلم نفسه إليهم، وتمر الأيام ويتجرع الأهل الآلام ويجدّون الليالي والأيام في البحث عن الابن والابنة ويصبرون لعل الفجر يبزغ عليهم ويبشرهم بمحمد أو تطلع عليهم الشمس فيسعدون برؤية محيا زينب، وطال الانتظار ولم يبزغ ذلك الفجر ولم تشرق تلك الشمس، وبدلا من ذلك نزلت على العائلة المجروحة والأهل المكلومين عاصفة الشؤم وزوبعان الهول وكوابيس المصائب ليتسلموا جثمان الشهيد محمد الحصني من المستشفى العسكري بحمص ويذهب الأهل مسلمين أمرهم لله محتسبين شهيدهم عند الله صابرين على ما أصابهم وبارقة الأمل التي ربما خطرت ببال أحدهم بعودة زينب بعد أن استشهد أخوها سرعان ما تطايرت بعد أن استلموا جثمانها هي الأخرى مقطع الأوصال ممزقا إربا إربا!... الشهيدان الجليلان الشابان اللذان مازالا في زهرة العمر من آل الحصني، الأخ والأخت محمد وزينب، محمد عذب عذابا شديدا حتى قضى شهيدا وزينب المسكينة عذبت وقطع جسدها الطاهر إربا إربا ومزقت أوصالها تمزيقا، ويحمل الأهل المساكين الجثمانين الطاهرين تحت الوعيد والتهديد أن لا يقوم للشهيدين جنازة ولا تشييع، يشكون إلى الله ظلم الطغاة وحكم البغاة وقهر القتلة المجرمين. إنها لمأساة يعيشها الشعب السوري البطل، تقف الكلمات عاجزة عن وصفها، وتتعثر العبارت قاصرة عن الإحاطة بمعالمها، كل هذا القتل والإجرام من أجل التكالب على التسلط بغير وجه حق، ولا شك أنّ هذه المآسي الإنسانية هي غيض من فيض ونقطة من بحر المعاناة في ظل تكتّم إعلامي شديد على تفاصيل ما يحدث اليوم في سوريا الحبيسة الجريحة. إنّ العين لتدمع، وإنّ القلب ليخشع، وإنّ االنفس لتتصدع من هول هذا الإجرام ونذالة هذا النظام وخسة قطعانه المتوحشة التي أطلق لها العنان لتعبث بالطهر والشرف والعفة ومكارم الفضيلة والأخلاق، نعم مضت زينب الطاهرة طهر النسيم، البريئة من كل إثم، مضت إلى ربها مقطعة الأوصال تشكو إجرام قتلتها إلى ربها ووحشية نظام ليس عنده أو في قواميسه أي معنى للشرف والطهر والعفاف والفضيلة، بل هو قائم على الخسة والعهر والنجاسة والرذيلة... مضت زينب مع أخيها الشهيد البطل محمد الحصني وعلهما ملتقيان الآن في جنات النعيم وظلال أرحم الراحمين؛ مضى الأخوان من دنيا الظلم والقهر والاستبداد والطغيان والفساد إلى ربهما الحكم العدل الذي تعهد بالقصاص لكل مظلوم، والانتقام من كل ظالم... اللهم رحماك بالشهيدين، أسكنهما فسيح جناتك التي وُعد بها المتقون، اللهم رحماك بآل الحصني المقهورين المظلومين المكلومين، اللهم قصاصك العدل فيمن ظلمهم في الدنيا قبل الآخرة، رحماك يا ربّ بالشهداء وآلهم، رحماك يا ربّ بالمعتقلين وآلهم، رحماك يا ربّ بالمهاجرين وآلهم، رحماك يا ربّ بالمهّجرين وآلهم، رحماك يا ربّ بحمص الصامدة وأهلها الثابتين على دربهم المتمسكين بحقهم، رحماك يا ربّ بهذا الشعب الجريح المكلوم البطل الثائر على الباطل في كل أنحاء سوريا الجريحة... هيئ له اللهمّ كل أسباب الفرج والنصر والعزة والتمكين والكرامة والسؤدد والإباء وغدا ستطّهر بلادنا الحبيبة من الظلمة القتلة الفاسدين المفسدين المجرمين المتوحشين بإذن الله الواحد الأحد... وإنّ غدا لناظره لقريب.