بسم الله الرّحمان الرّحيم نسمة... رغم بساطة الكلمة، لغويا إلاّ أنّني ذهبتُ إلى معجم لسان العرب لبحث جذورها وأنا على يقين لا يتزعزع من أنّ اختيار هذا الاسم لقناة تلفزية تتمركز وتبثّ ما هي بصدد بثّه، في بلادِ العبادلة السّبعة والفتوحات، و مقرّ عقبة ابن نافع وأرض الزّيتونة ليس مصادفة وبلا أهداف. ولمّا توغّلتُ في المعجم وجدتّ عجبا في خفايا الكلمة! و دعوني أنقل لكُم شذرات ممّا تَنَسّمَهُ ابن منظور وجمعه ممّا هبّ عليه من نسيم أقوال اللّغويين من وحي هذه الكلمة ومن ذلك يقول: و النَّسيمُ: ابتداءُ كلِّ ريحٍ قبل أَن تَقْوى وقال الجوْهري: أَيْ حين ابتَدَأَتْ وأَقْبَلتْ أَوائِلُها ويقال: أَين مَنْسِمُكَ: أَيْ أَيْنَ مذْهَبُكَ و مُتَوَجَّهُكَ ومن أَيْن مَنْسِمُكَ: أَيْ مِنْ أَيْن وِجْهتُك. وحَكىَ ابْنُ بَرّي: أَيْن مَنْسِمُكَ، أَيْ بَيْتُكَ.(انتهى الاقتباس) . في السّاعات الأخيرة ، خرجت فئات كبيرة من الشّعب التّونسي محتجّة على قناة نسمة ونظام الإعلام عامّة في تونس الجريحة، وطرح النّاس وهم يتظاهرون غاضبون، أسئلةً مباشرة على هذه الأبواق النّتنة قائلين على رأي ابن منظور: أَين مَنْسِمُك يا قناة نسمة ؟ أَيْنَ مذْهَبُكِ و مُتَوَجَّهُك ؟ من يدْفعُك بمعاولك الهدّامة ومن يُموّلك أنت وما شابهك من أبواق الانحلال و الانحطاط؟ وما هي أهدافك وخططك وأبعادُك داخل شعْبٍ، الحَيَاءُ أصالتُه والدّينُ منْبعُه والقرآن مَعينُه، رغم ما جرى عليه من تغريب وسلخ مهين. أحد المفكّرين من ذوي الألباب قال مقولةً حكيمةً لن أنساها فأيّ دقّة وبُعْدُ نظر فيما قال..! قال: إنّ فرعون لو كان لديه إعلامٌ وتعليمٌ ما ذبّح أوْلادَ بني إسرائيل واستحيا نساءهم.. وحيثيات ذلك، أن فرعون الّذي نادى في عصره أنا ربّكم الأعلى وهذه الأنهار تجري من تحتي.. جاءه الكهّان والمنجّمون، وأنذروه كارثة تحلّ بداره و تقوّض ملكه في القادم القريب، بدعوة توحيديّة تُحَرّرُ الإنسان منه ومن جبروته، وسيكون مُفَجّرَيْها شابّان (موسى وهارون) يولدان في شعب بني إسرائيل المستعبد العامل في مصر آنذاك لبذخ الفراعنة، وعليه أن يبادر لإنقاذ عرشه قبل فوات الأوان ولم تكن من وسائل لمنع هذا الخطر المحدّق إلاّ بقتل الأجيال القادمة وقد أوشك فرعون فعلا على إفناء ذلك الشّعب ليبقى بلا عبيد يخدمونه.. والشّابّان سيكون لهما خطابٌ يسْحَر الألباب ويُلين القلوب ويفجّر الثّورات تلو الثّورات ويعيد النّاس أحرارا، و حكيمُنا تخيّل لو كانت لفرعون قناة تلفزية كقناة نسمة و حنّبعل وبرامجَ كسْتارْ أكاديمي و صحفيون مسلُوخون ومنسلخون كالّذين عندنا يصنعون إعلامنا ومعلوماتنا، وإذاعات محلّية وأرضية مائعة كالّتي اكتسحت أسماع النّاس بتونس وغيرها من بلاد الإسلام، فألهتْهُم عن مقاصد الحياة السّامية.. لو توفّر لفرعون كلّ ذلك، ومعه نظام تعليم يضع مناهجه بيده كما يُريد للنّشء الآتي، لَتسنّى له قتل قلوبِ النّاس و لَصَاغ عقولهم كما يريد ويشْتهي فلا يخشى بعد ذلك ما يهدّد ملكه. هذا الكلام فهمه أعداء أمّتنا وحضارتنا النّقية منذ زمن بعيد، عندما فشلوا في استعمارنا مباشرة على ترابنا، فعمِلوا بجدّ وبتخطيط مُمنهج وصاغوا فكرنا و عقولنا كما يريدون لدفننا حضاريا. تعليمنا ( رغم انّه ليس موضوع المقالة) تعْلمُون مستواه وماذا أعطى عبر عقود طويلة، من عقم فكرٍ، وجهل بموروث، وبلادة عقل، وغباوة سياسة، وخنوع إرادة، وذلّ انقياد، وانحطاط أجيال.. واقرؤوا رسالة السيدة نزيهة رجيبة (أمّ زياد) إلى وزير التربية والتكوين في تونس يوم استقالت من التّدريس سنة 2003 بعنوان""المدرسة التونسية في خطر" ولا ينبئك مثل خبير، ولا شيء ينبئ بالتّغير في تونس الثّورة، فدار لقمان على أسوإ حال .. وأمّا قطاع إعلامنا ( وفي ها السّردوك الشّعب يريّش) هو أيضا منذ أمد يتنقّل في أيدي موبوءة وما وصل أبدا إلى أيادي صالحة حتّى ونحن نقْبِرُ أنظمة الفساد والدّكتاتوريات تحت سابع أرض. قناة نسمة وما جرّ جرّها سكين من سكاكين سلخ كثيرة أخرى تعمل منذ غابر الأزمان ولا أحد يشعر. كلّ واع يعلمُ أنّنا إن لم نستيقظ، أين سيكون المآل. قناة نسمة وأخواتها تبشّر في كلّ يوم بانحلال لا مثيل له، بفضل أولئك المرضى العاملين فيها، السّكارى المفتونين بالنصف الأسفل للإنسان والعياذ بالله، وبأرداف النّساء.. لكن ما الحلّ يا ترى؟ أنبقى مكتوفي الأيْدي ونحْن نُسْلَخُ؟ ويُقال لنا دائما ببلادة بيْننا زرٌّ أو "تيليكوموند"؟ ليس العنفُ الّذي يعالجُهم ويجابههم، وإنّما بهبّةٍ من الدّعوة والوعظ في كلّ المنابر المتاحة وبإنشاء القنوات المضادّة العاملة على بثّ القيم السّامية والعلم. وبالدّفع نحو النشاطات الإنسانية الخلاّقة وبإنشاء الجمعيات الّتي تقْوى رويدا رويدا، ثمّ تتجنّد وتجنّدُ النّاس، في أيام الرّاحة، فتنظّمُ التّظاهرات تلوى التّظاهرات أمام أوكارهم، وتعتصم أمام حُفرِهم بأسلوب حضاريّ، وتتصدّى بكلّ الوسائل التّوعوية البنّاءة لتحذير العامّة والخاصّة من مرضهم، وتُقارعهم بالقضاء حين يزداد مكرُ هؤلاء المرضى الموبوئين. شخصيا، لي تجربة أسوقها، لمن كان صالحا ويُريد أن يتحرّك ويترك بصماته في الكون: لقد كنت في كلّ مرّة أطأ بأقدامي أرض الوطن رغم شراسة النظام البائد.. أتنقّل بشاشتي المتحركة و( الفيديو بروجوكتور ) وأتمكّن من المحاضرة في معاهد إعدادية، وفضاءات، ورغم أنّ نشاطي المعتمد والأساسي كان مقاومة التّدخين كآفة تهدّد الإنسان ومعول فساد في الأرض، إلاّ أنّني كنت أقتنص الفرصة، لنشر الوعي الرّاقي و لا تخلو مداخلاتي من شتّى العلوم كالفضاء والفلك والبحار وأتطرّق إلى الفساد والمفسدين في الأرض. ليقف لي أطفالنا في نهاية كلّ محاضرة مصفّقين لدقائق بحرارة .. ثمّ تصلني رسائلهم الإلكترونية في أرض المهجر... فهل من مقاوم، هل من بانٍ في زمن كثر فيه الهدّامون؟ هل من عامل ليرَى الله عملهُ ورسوله والمؤمنون؟ وإلى لقاء آخر إن شاء الله مخلوف بريكي فرنسا