جندوبة: انطلاق موسم الحصاد وسط تقديرات بإنتاج مليون و400 ألف قنطار من الحبوب    المؤسسات الصناعية في تونس : تشغيل حوالي 534 ألف عامل    المشتبه به عربي الجنسية: إلقاء قنبلة على سفارة الاحتلال في رومانيا    كهل يُقدم على الانتحار داخل منزل مهجور بهذه الجهة    عاجل/ الدندان: ضبط قوارير "مولوتوف" لدى مجموعة من الشبان أغلبهم قصّر    بيت الحكمة يُصدر كتابا بعنوان "رحلة اليوسي" لمحمّد العيّاشي بن الحسن اليوسي عن تحقيق الباحث التونسي أحمد الباهي    عاجل : شادي الهمامي لاعب النادي الرياضي الصفاقسي يعتزل    عاجل : رئيس الحكومة أحمد الحشاني يصل الى مطار سيول الدولي    صادم: 17 ألف طفل يتيم في غزة!!    مجلس نُوّاب الشعب يعقد غدا الثلاثاء جلسة عامة للنظر في مقترح قانون يتعلق بالمسؤولية الطبية    سوق الجملة ببئر القصعة: أسعار البصل تزيد بنسبة 137 بالمائة الإثنين    الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه الدولية: تراجع النتيجة الصافية ب30 بالمائة في 2023    صفاقس: الكشف عن وفاق إجرامي مختص في السرقة باستعمال العنف    حادث اصطدام بين تاكسي جماعي وسيارة بسوسة..وهذه حصيلة الجرحى..    "الهريسة التونسية" إصدار جديد للتعريف بهذا التراث الغذائي التونسي المسجل على لائحة اليونسكو    قبلي: الاتحاد الجهوي للشغل يطالب في لائحة مهنية حول تطورات ملف شركة البستنة بتصنيفها كقطاع عام    الاستعداد للحج .. "شوق" وعادات وفيه "منافع للناس"    تونس : أكثر من 140 ألف مترشح سيجتازون مناظرة باكالوريا 2024    عاجل/ خبراء من الأمم المتحدة يدعون دول العالم للاعتراف بدولة فلسطين..    وزير الدّاخليّة يتفقد الإدارة العامة للعمليات بمقر وزارة الداخلية    تفاصيل بيع تذاكر مواجهة المنتخب الوطني ومنتخب غينيا الإستوائية    الرابطة الأولى: الترجي الرياضي يؤكد إحترازه في الدربي .. وعقوبات صارمة في إنتظار النادي الإفريقي    مدرب الترجي غاضب ويلوح بالرحيل.    ر م ع شركة اللحوم ل"الشروق": نسعى لتوفير 4000 رأس من الأضاحي    التواتي: تحديد سعر لحم الضأن ب43 دينارا للكلغ    عاجل/ القيزاني يفجرها ويكشف: "اخلالات في هذه القطاعات وقرارات قريبا"..    الحكومة المصرية تقدم استقالتها للسيسي    حوادث : مقتل 11 شخصا وإصابة 314 آخرين خلال ال24 ساعة الأخيرة    نابل: حجز أزياء عسكرية وايقاف صاحب شركة    المالديف تحظر دخول الإسرائيليين أراضيها    المرصد التونسي للاقتصاد يدعو إلى إرساء سياسة فلاحية تكرّس مبدأ السيادة الغذائية    بطولة فرنسا: سانت إتيان ينتزع بطاقة الصعود لليغ 1    إدارة الترجي الرياضي تحيل حارس مرمى على لجنة التأديب و الانضباط    غرفة تجار المصوغ : البنك المركزي غير قادر على توفير الذهب لأصحاب المعامل    سمها قاتل وانتشرت مؤخرا .. أخصائي يحذر من تناول هذا النوع من السمك    هام / الرابطة المحترفة الثانية … برنامج مباريات الجولة الخامسة و العشرين    طقس الاثنين: الحرارة تصل الى 42 درجة بهذه المناطق    خامنئي: عملية طوفان الأقصى أفشلت محاولات التطبيع مع الكيان الصهيوني    الفنانة إبتسام الرباعي ل«الشروق».. أتمنى تطهير الساحة الفنيّة من الدخلاء    القيروان: برمجة ثرية في مهرجان المشمش بحفوز (صور)    فيلم "المابين" لندى المازني حفيظ يتوج بجائزة أفضل فيلم في مهرجان الفيلم العربي بروتردام    اليابان : زلزال قوي بلغت شدته 5,9 درجات يضرب وسط البلاد    مدرب الترجي معلقا : ''ما شاهدته في الدربي لم يكن كرة قدم، بل حرب وفوضى ''    عاجل - تونس : ارتفاع استهلاك السجائر لدى اليافعين والأطفال تزداد أكثر فأكثر    نقص أدوية وطول إجراءات...مرضى السرطان يعانون في صمت!    رغم نجاحات أطبائنا...مستشفياتنا تعاني... والصحة «مريضة»    تونس الأولى عربيا في التدخين والسيجارة الإلكترونية بديل قاتل    الهند: موجة حر تخلف عشرات القتلى و25 ألف اصابة بضربة شمس    ردّا على حملة في «الفايسبوك»...وزارة التربية تمنع حمل الكوفية الفلسطينية خلال امتحانات الباكالوريا    سريلانكا.. فيضانات وانهيارات طينية تخلف 10 قتلى ومفقودين    لأول مرة في الكويت: نجوم مصريون يحيون 'ليلة النكد'    مكتب منظمة الصحة العالمية بتونس: معدّل عمر متعاطي أول سيجارة في تونس يناهز 7 سنوات    وفاة المخرج الشاب محمد أمين الزيادي    المخرج التونسي الشاب محمد أمين الزيادي في ذمة الله    متى تبدأ ليلة وقفة عرفة؟...وموعد صيام العشر الأوائل من ذي الحجة    عادل خضر نائب لأمين اتحاد الأدباء العرب    من الواقع .. حكاية زوجة عذراء !    الشايبي يُشرف على افتتاح موسم الأنشطة الدّينية بمقام سيدي بالحسن الشّاذلي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رسالة نسمة المشفرة
نشر في الحوار نت يوم 11 - 10 - 2011

شاهدت فلم "فارس بوليس" - persepolis- على قناة نسمة. و تساءلت مرارا و أنا أستمع إلى المتكلّمين باللهجة التونسيّة التي يفهمها الصغار و الكبار على حدّ السواء، تساءلت عن الأسباب التي دفعت إلى دبلجة الشريط إلى لهجتنا المحلية بمضمونها الثقافيّ المخالف لما شاهدناه من أحداث تدور في إيران!.
و تذكرت أنّ آخر عهدنا بالأعمال المدبلجة إلى اللهجة التونسيّة تلك الصور المتحرّكة الطريفة المسمّاة "قرينط الشلواش" و "المفتّش كعبورة" و قد شاهدناها في الثمانينات. و كانت الغاية آنذاك إدخال البهجة على الأسرة التونسيّة بصغارها وكبارها بفضل طرافة ما نراه في الصورة و ما نسمعه بالصوت المفهوم.
الوضع في 2011 و بالتحديد في شهر أكتوبر و أثناء الحملة الانتخابيّة بتونس، يختلف بكلّ تأكيد لأنّ نسمة و من خلفها أرادت أن "تشلوش" لنا فلما إيرانيّا بلهجة تونسيّة رغبة في أنْ "تكعبرها" لحزب معروف يدخل الانتخابات بحظوظ وافرة للفوز بنسبة محترمة من مقاعد المجلس التأسيسيّ حسب بيانات الاستطلاع المعلنة.
و الرسالة التي قرأناها تنبّه التونسيين إلى خطورة أن يمنحوا أصواتهم للإسلاميين عموما لأنّهم سينقلبون على مكاسب المجتمع فيضيّقون على الحرّيات التي يتمتّعون بها في مجالات عدّة تتصل بالملبس و المشرب و العلاقات الجنسيّة خارج إطار الزواج في سيناريو مشابه لما حدث في إٌيران بعد الثورة على حكم الشاه.
و على عكس البهجة التي كان يدخلها "قرينط الشلواش"على الأسر التونسيّة، أحدث الفلم الإيرانيّ رجّة لدى الكثير من التونسيّين الذين استفزّتهم مشاهد تشخّص الذات الإلاهيّة و تعرّضها لما يشبه التوبيخ من طفلة صغيرة ساءها ما تعيشه من أحداث في طهران.
و بدرجة أقلّ، كان مبعث الاستياء أنّ الفلم يركّز على الحرّيات التي تتعلّق أساسا بمعاقرة الخمرة و ممارسة الجنس وكأنّها أصبحت في تونس حقوقا مسلوبة تستدعي النضال و إعلان صافرات الإنذار لمحاصرة من يتربّص بها.
و لم يخل الشريط من بعض الأقوال و الأفعال التي يذمّها الذوق السليم في نمطنا الثقافيّ التونسيّ المحافظ على الأقلّ داخل الأسرة، و لكنّ المؤكّد أنّ الكثير من الأطفال شاهدوا ذلك العمل لأنّ لهجته تغري الجميع بمتابعته قبل أن يتفطّن الكبار إلى تلك المشاهد الصادمة و يكتشفوا أنّهم وقعوا في فخّ يصعب الخروج منه، و يتساءلوا عن المغزى من عرض الفلم الإيرانيّ بلهجتنا التونسيّة و يفهموا في النهاية – ربّما- الرسالة المشفرة التي وجّهت إليهم و التي تدعوهم إلى حماية ثورتهم من "أعداء الحريّة و الحداثة".
غير أنّ الثورة التي خاضها التونسيّون كانت من أجل العزّة و الكرامة و التشغيل و حريّة التعبير التي تقول كلمة الحقّ في وجه سلطان جائر. و الثورة في تونس قامت في وجه الظلم و الطغيان الذي حكمنا لعقود بقوّة الحديد و النار ترهيبا من الدخول في معارضة الحاكم و التشويش على حكمه.
و لذلك فإنّ إسقاط الفلم بأحداثه الإيرانيّة على واقعنا التونسيّ لا يستقيم بتاتا و لا يعنينا من قريب أو بعيد. و ليس بين إيران و تونس قواسم مشتركة على المستوى الاجتماعيّ و الثقافي رغم أنّنا مسلمون عموما، و ليس في ذلك غرابة فأبناء تونس لا يشبهون حتّى أشقّاءهم العرب في السعوديّة مثلا.
فلماذا كلّ هذا الخوف و كلّ هذا الترهيب للتونسيين من "شبح" الدين و المتديّنين و الحال أنّ الصورة العامّة أثبتت أنّنا وصلنا إلى درجة من النضج و الوعي و التسامح و التنوّع الثقافيّ ما يحمينا من شرور التطرّف و التزمّت.
بالأمس القريب، نوّه النهضويّون في تونس بالمثال التركيّ و تبنّوه منهجا لحكم معتدل إن وصلوا إلى السلطة. و تركيا بلد مسلم علمانيّ تسيّره حكومة ذات توجّهات إسلاميّة بقيادة أردوغان الذي نجح في تحقيق قفزة إقتصاديّة ، و لم نسمع في عهده الذي استمرّ لعشر سنوات بسياسات تغتصب حرّيات الأتراك و مكاسبهم. فأيّهما أقرب إلينا النموذج التركيّ المطمئن أم النموذج الإيرانيّ "المخيف"؟
نشكر لقناة نسمة مساعيها لإنارة العقول التونسيّة و لكنّنا نأسف لما أهدرته من طاقات و ما أثارته من ضغائن، و كان الأجدر أن تبذل إمكاناتها لإنجاز تحقيقات أو أفلام كرتونيّة تصوّر لنا ما وقع من تجاوزات في تونس طيلة العقود السابقة، لأنّ الذاكرة الجماعيّة مطالبة بحفظها لتكون درسا للقادمين من أبنائنا و أحفادنا.
و الأمثلة التي يزخر بها ماضينا القريب و البعيد لا تعدّ و لا تحصى و كلّها صالحة لتحويلها إلى أفلام سنمائيّة ومسلسلات تلفزيونيّة و تقارير وثائقيّة... و لكن من سيقنع المخرجين و المنتجين بالعمل عليها و هي خالية من مشاهد الحمّام و النساء العاريات يمارسن الجنس في البيوت المتوارية خلف أزقّة المدينة "العربي".
كان للمخرجين صولات و جولات في هذا اللون من الأعمال، فهل ستقودهم الثورة إلى تنويع إنتاجهم بما يخدم المجتمع التونسيّ و يشير إلى جراحه لعلاجها.
لا نرى ذلك مستحيلا ما دام القائمون على الشؤون السمعيّة البصريّة لا يضعون لأنفسهم خطوطا حمراء حتّى و لو تعلّق الأمر بالذات الإلاهيّة و المقدّسات عموما.
و لكنّنا نعتقد أنّ التونسيّين أذكياء بما يكفي للتمييز بين الرسائل التي تصلهم فيقرؤوا و يفهموا ما يناسبهم و يناسب مستقبل أبنائهم، و يلقوا الرسائل الأخرى التي كُتبت بعقول رديئة في سلّة المهملات.
عبد الرزاق قيراط.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.