في ظل الصمت الرهيب الذي تزامن مع ثورة الأحرار وخيار البعض عدم الإدلاء بمواقفهم تجاه ممارسات السلطة في شخصها الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي إزاء الإنتفاضة الشعبية التي عمت أرجاء تونس إبان اندلاعها ...يخرج علينا مسرحي شاب بفيديو نادر ويتوجه للرئيس المخلوع بكلمتين :"إرحل ...إرحل ...لم نعد نريدك ...لقد ضقنا ذرعا منك ...إرحل ..."Degage"...!! هذا الشخص هو لطفي العبدلي الذي كسر جدار الصمت وقال كلمته يومين قبل هروب الرئيس المخلوع من تونس ...تصريح أربك البعض وأشفى غليل الجميع فكبر الرجل في نظر التونسيين وأصبحت مكانته لديهم تتفوق على أعتى النجوم في العالم العربي بل وصف على الموقع الإجتماعي الفايسبوك في صفحة ضمت الألاف من المعجبين بالرجل البطل الذي ساهم من بعيد في إندلاع الثورة ولعب دوارا هاما في كسر جدار الصمت الذي هيمن بقوة في تلك الفترة. في الحوار التالي يكشف لطفي العبدلي ل"الصريح " عن المزيد من مواقفه تجاه النظام السابق و التي لم تمنعنا من الضحك طيلة الحديث معه... بداية ، ألم تشعر بالخوف وانت تنشر على الفايسبوك مطلبك الداعي إلى رحيل الرئيس المخلوع قبل يومين من فراره؟ الخوف...يطال كل إنسان في تلك الفترة لكن تلك المجزرة التي أقترفت في حق الأبرياء أخرجتني من عقلي فلم أعد أقدر على الصمت وإنفجرت ...لم أكن أعي ما أفعل آنذاك ...وهمي الوحيد كان أن أصرخ في وجه أحدهم أو القبض على هؤلاء المجرمين ...في لحظة اتخذت قراري ...وسجلت كلمتي ونشرتها ...وكانت بمثابة الصدمة التي اربكت الجميع فخلت في بادئ الأمر أني أصبحت في عداد الموتى اذا ما كتب للنظام الإستمرار ...وشل تفكيري ليومين ثم اتخذت قراري وانضممت الى المحتجين أردد معهم شعاراتهم ... انضمامك الى صفوف المحتجين ،ألا يجعل منك لقمة سائغة لبعض القناصة ؟ في الواقع لا أريد الركوب على الأحداث والخروج بثوب البطل وارجو أن يكون هذا الكلام بيننا لأن ما سأخبرك به قد يفهمه البعض على انه استغلال لهذا الظرف أو شئ من هذا القبيل ورفضت البوح به في بعض الفضائيات التونسية ومفاده أنه وبعد رواج الفيديو الذي طالبت من خلاله الرئيس المخلوع للتنحي من السلطة تعرضت لتهديدات هاتفية بالقتل من قبل بعض المليشيات التي لا أعرف ان كانت تابعة للتجمع أو هي على صلة ب"بن علي" أو الطرابلسية كما وجهت نفس الرسالة لكل من يحيط بي من أصدقائي ،وهو ما خلق حالة من الذعر خوفا من تنفيذ هذه التهديدات... رغم انك معرض للقتل آنذاك علمنا أنك قد تطوعت لإنقاذ بعض الممثلين من إعتداءات الأمن عليهم؟ صحيح ...المشهد كان مروعا يومها والأمن يومها فقد السيطرة على نفسه وأصبح في حالة هيستيريا ...وتصور أن مجموعة من الممثلين تتعرض للركل والشتم ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل وقع مطاردة البعض منهم على مستوى باب بحر بالعاصمة في حين تم محاصرة العض الآخر في مسرح ابن رشيق ولا أدري يومها كيف تجرأت وقمت بحماية البعض من الضرب المبرح من قبل عناصر من الأمن ثم تحولت الى المسرح لإنقاذ العدد الباقي ومرافقتهم الى منازلهم ...يومها أقسمت أن لا يهدأ لي بال حتى يسقط هذا النظام البوليسي... قمت مؤخرا بتوظيف بعض المشاهد من رحم الثورة في مسرحيتك الجديدة "Made in Tunisia"، هل كان ذلك مرتجلا من وحي اللحظة أم أعد مسبقا؟ قمت بإرتجال تلك المشاهد بحيث كانت المسرحية مسايرة للأحداث الأخيرة وقد حظيت بإعجاب الجالية التونسية المقيمة في فرنسا وصفقت لها طويلا... بعد النجاح الباهر لمسرحيتك "Made in Tunisia" هل سيواصل لطفي العبدلي في خانة "الوان مان شو"؟ - بالتأكيد ...وأعكف حاليا على كتابة سيناريو للنسخة الثانية من هذه المسرحية لتكون متزامنة مع الأحداث التي شهدتها بلادنا ...وهو مطلب ألح عليه العديد من المواطنين ... شنت لك في السابق حملات متعددة ضد بعض أغانيك التي وصفها البعض بالخادشة للحياء ،فهل يمكن القول أنها قد انتهت اليوم؟ - نعم هذا صحيح ودائما ما أتعرض لهذا النوع من الحملات لكني صامد أمام هذه الحملات بإيماني القوي في المقام الأول وبفني في المقام الثاني ، وربما يجوز القول أيضا أنهم كانوا يطبقون ضدي آنذاك تلك المقولة التاريخية الشهيرة للحجاج ابن يوسف "لقد أينعت رؤوسهم ...وحان وقت قطافها"... !! وللأسف البعض يعتقد أنه سينجح في إستفزازي ...لكنه يتوهم ذلك و لايمكن بأي حال من الأحوال أن تنجح معي هذه الممارسات أو حتى تقلل من نجاحي ... وتصور انت أن البعض منهم في تلك الحقبة أي بعد الثورة إحترف توجيه الإشاعات ضدي ...فأين ذهب هؤلاء اليوم. على ذكر المسرحية ، شاهدناها مؤخرا على العديد من الصفحات في الفايسبوك ألا يساهم ذلك في فشل ترويج العروض مستقبلا؟ -شئ يؤسفني كثيرا ان أشاهد مثل هذه الممارسات التي تصنف في خانة القرصنة ،والسؤال الذي دائما أطرحه من ستحارب وأين ستحاربه ...وماهي الطريقة التي ستعتمدها...تصور انت البعض يبيعها علنا على أقراص ليزرية ألا يخجلون من هذا التصرف ... بالمختصر يريد هذا السيد أو غيره ان يقول ان مثل هذه الأعمال المخالفة للقانون هي جائزة... !! وأنا اتوجه لهؤلاء بالقول :" خالف ولكن ليس على حسابي ...قم بقرصنة الفنانين... وأتركنا نحن الممثلين نقتات ما يسد رمقنا !!". لديك عدة عروض لمسرحيتك بالخارج فهل تعتقد ان المتوافدين عليها سيفهمون كلامك؟ - أولا هذا شئ يشرفني كثيرا أن اكون محل إعجاب وقد وصلتني العديد من العروض حتى من فلسطين والحمدالله لا يوجد هناك عائق في اللهجة بإعتبار أني أتقألم بسرعة مع لهجة البلد المضيف كما أن المسرحية تحتوي على العديد من اللغات والتي من السهل أن يستوعبها المتلقي في اي بلد سأزوره. دائم ما تردد في لقاءاتك الصحفية أنك شخص تسعى في عملك الفني إلى إثبات مفهوم التسامح في حين انك سريع الغضب وتكره النقد...فكيف تفسر هذا التناقض؟ -أنا سريع الغضب لأني أكره كثيرا المواقف الغبية... لا أقلق بالمرة إن كنت ضد أفكاري لكني لا أتسامح مع المواقف ومع من يقزمني أو شئ من هذا القبيل ....وهناك شاعر عظيم قال :" أنا أختلف معك في الراي ...لكني أسعى إلى أن يكون رأيك راسخا لدي..." وأقدم لك على سبيل المثال موقفا غبيا إرتكب من قبل صحفي سألني عن رأيي في المسرحية الأخيرة فأجبته إن كان قد شاهدها فرد علي بالنفي !!...فماذا سيكون موقفي حينها هل أطلق "الزغاريد" من فمي أم أتجاوز كلامه السخيف !!. لاحظنا أنك عولت كثيرا مؤخرا على عنصر الإرتجال في مسرحيتك بمعنى أنها تختلف عن كل عرض؟ - أنا اعشق فن الإرتجال وموهبتي تكمن هنا ، وعلى الفنان أن يكون متمكنا حتى لا يرتجل كلاما في غير محله. لطفي العبدلي طاف بين الرقص والمسرح والتلفزيون والشاشة الكبيرة وصولا إلى الغناء فهل ننتظر لطفي العبدلي في مجال آخر؟ -(يضحك...) كفى...الحمد الله و أرجو أن اكون موفقا في هذه المجالات... ! إستعنت مؤخرا بالشبكة الإجتماعية "الفايسبوك" للرد على منتقديك فهل يعتبر هذا إستراتيجية لطفي العبدلي مستقبلا للرد على كل من ينتقده؟ - نعم هذه إستراتيجيتي المتبعة مستقبلا والفكرة إنطلقت حينما وقع رفضي من الظهور في كل الفضائيات التونسية وقرار منعي كان ظرفيا ...واصبحت مصنفا في خانة "الخطير جدا" وربما أكثر من مهرب المخدرات ... وهل مازالت ممنوعا اليوم من الظهور في بعض الفضائيات؟ - لقد رفع عني هذا الحضر والحمدالله ... يحسدك البعض على جرأتك في الرد على منتقديك وبأسلوب يخرج دائما عن اللباقة مما دفع البعض إلى وصفك بالفنان القليل الحياء ويحسبون لك ألف حساب قبل دعوتك للبرامج المباشرة ،فهل ترى ان هذه التصرفات قد تحد من نجوميتك مستقبلا خصوصا وأنك السبب وراء تحول البرامج من البث المباشر إلى التسجيل المسبق؟ - إذا المطلوب منهم التحضير المسبق للأسئلة وعدم تكرارها إلى جانب أن المنشط عليه ان يكون متمكنا وإلا لا توجهوا لي الدعوة ودعوني في حال سبيلي...ويمكن القول أن هذا نابع عن خوفهم من الحقيقة لأني لا أتحدث إلا الواقع... على غرار شريط " برندو أند برندو" للمخرج رضا الباهي ومشاركتك المتميزة في فيلم كندي هل سيواصل لطفي العبدلي سلسلة هذه النجاحات؟ -بالتأكيد وانا اتعامل مع ثلة من ألمع المخرجين على الساحة العالمية وهناك عروض بصدد دراستها من مختلف الجنسيات ولعل أبرزها فيلم جديد للمخرج إبراهيم لطيف الذي سينطلق تصويره في أفريل المقبل كما اعمل في الوقت الحاضر على كتابة نص مسرحيتي القادمة. هل هناك مسرحية جديدة في الأفق ؟ - نعم وانا أحد الذين يجتهدون في هذا المجال وخاصة إذا تعلق الأمر بنجاح التجربة الأولى مما يدفعك إلى بذل المزيد من الجهود لترضي المتعطش للضحك ...وقليل ما يضحك هذه الأيام.. !!. هل تعتقد أننا اليوم نسير نحو المجهول ؟ لا...بالعكس نحن نسير إلى الأمام ...تونس اليوم في حاجة الى وقفة حازمة من كل التونسيين وبهم سنبني مستقبل بلادنا والمطلوب في الوقت الحالي القضاء على عقلية تصفية الحسابات وكل المواقف التي تصب في هذا المنحى...أصبحنا اليوم محل تقدير من كل الأمم فلنحافظ على هذه الصورة ونحقق التقدم والإستقرار لبلادنا التي ستظل شامخة رغم أنف كل المؤامرات التي تحاك ضدها... أجرى الحوار: محمد سفيان المهداوي