أجمع كلّ المراقبين لانتخابات المجلس الوطني التّأسيسي بأنّ العمليّة الإنتخابيّة قد جرت في كنف الشفافيّة والنّزاهة ، معتبرين بأنّ ما تمّ رصده من خروقات في بعض الدّوائر لا يرتقي إلى مستوى التّأثير على النتائج . هذا وقد أفرزت نتائج الإقتراع إلى نجاح عدد من الأحزاب الوطنيّة التي يشهد لها بالمصداقيّة وانحيازها لمطالب الشّعب ، كان من بينها حزب حركة النّهضة التي وجّهت عدّة رسائل طمأنة للدّاخل والخارج ، وقد صرّح عدد من قادتها بأنّ الحكومة القادمة ستضمّ كلّ الكفاءات التّونسيّة التي يشهد لها بالنزاهة والثّقة . وفي انتظار ما ستكشف عنه المشاورات بين الأحزاب يبدوا أنّ الإتّجاه العام الذي دعت إليه حركة النّهضة هوّ الكفيل الوحيد لإخراج البلاد من حالة الفوضى والتصدّع ، لاسيما وأنّ المشهد السيّاسي والإقتصادي والإجتماعي في غاية من التعقيد ، إذ العديد من الملفّات مازالت عالقة بالرّغم من مرور ما يقارب سنة عن سقوط رأس النّظام . فالوضع الأمني ورغم تحسّنه النّسبي مازال يشهد ضعفا واضحا سواءا ما تعلّق الأمر بأداء الأجهزة الأمنيّة التي مازالت تمارس التسلّط والعنف ، أوفي تركيبتها الإداريّة التي مازالت تضمّ عددا من ميليشيات النّظام السّابق ، بالإضافة إلى ارتفاع نسبة البطالة وخاصّة في أوساط أصحاب الشّهادات العليا والتي يتزايد عددها بالآلاف مع غياب استراتيجيّة واضحة تحدّ من التزايد المستمر في الأرقام المعلنة . علاوة على ذلك فالوضع الإقتصادي والإجتماعي والسيّاسي يشكوا هوّ الآخر صعوبات جمّة ، فارتفاع الأسعار، وتدنّي المقدرة الشّرائيّة للمواطن وانخفاض نسبة النموّ الإقتصادي كلّها عوامل من شأنها أن تساهم في تصاعد حركة الإحتجاج إذا لم تتوفّر الإرادة اللازمة لإيجاد حلول عاجلة قد تنعكس سلبا على استقرار الأوضاع بالبلاد ، على اعتبار أنّ ماهوّ متاح لحدّ الآن لم يمكّننا من تجاوز الخطاب الزّائف الذي كانت تروّجه سلطة العهد البائد. وإلى جانب هذه الإهتمامات ستواجه الحكومة المقبلة والتي ستؤول الرئاسة فيها للأمين العام لحركة النهضة عدّة ملفّات كبرى ، منها ما هوّ يتعلّق باختلاس الأموال ، والتعذيب ، واستغلال النفوذ ، قد يصعب التغلّب عليها في ظلّ الأوضاع الرّاهنة والتي تتعالى فيها بعض الأصوات الناشزة المناوئة للديمقراطيّة لعرقلة المسار الدّيمقراطي التي أفرزته صناديق الإقتراع بما يجرّ البلاد إلى حالة من الفوضى والتمزّق . وفي خضمّ هذا التجاذب الإديولوجي يتطلّب من حركة النهضة إيجاد حلول عاجلة للمشاكل الإقتصاديّة والإجتماعيّة العالقة والتي تتمثّل في الفقر وانعدام البنى التحتيّة الأساسيّة وتدهور التعليم والصحّة ، و إنهاء مظاهر وممارسة الفساد المتمثّلة في اختلاس المال العام ، إلى جانب إعادة الإعتبار للشّهداء والجرحى وضحايا النّظام البائد عبر حلّ منصف وعادل ، بما يبعث الطمأنينة في النّفوس ويعيد الثّقة والإيمان بالعمليّة الدّيمقراطيّة ، ونظنّ أنّ حركة النهضة والمخلصين معها على قدر من المسؤوليّة لتخطّى كلّ الصعوبات وتحقيق العدالة الإجتماعيّة . نورالدين الخميري إعلامي تونسي