الفن له دور حيوى فى تغيير المجتمع إلي الأفضل ، فهو ينمى العقل ويغذى الفكر ويرقى الاحساس ، ويوقظ دواعى الجد والنهضة ، وأفضح ما يعيب الفن أن يلعب الدور السلبى المعاكس لذلك ، فبدلا من الدفع إلي الأمام يعوق الحركة ، وبدلا من استكشاف مواطن الجمال يشيع القبح ويكشف العورات ، وبدلا من أن يكون عامل بناء يكون معول هدم وتخريب . هذه السلبية المقيتة فى الفن تُستمد من من تصورات مادية نفعية ، ولا تنطلق من التصور الإسلامي الذى يسعى متجردا إلي الإصلاح واليقظة . الفن الإسلامي يستمد ايجابيته من ايجابية التصور الذى ينطلق منه ، فقد سخر الله للإنسان كل شئ فى الكون " وسخر لكم ما فى السماوات وما فى الأرض جميعا منه " . وجعله عنصرا ايجابيا فى الحياة يغير الأمور على طريقته " ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " . وايجابية الفن الإسلامي من جهة تحفز على العمل والإبداع " يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات " ، ومن جهة ترشد الأخطاء وتحدد مواطن الخلل وتكشف المواهب وتوظف القدرات وتزيد من تماسك المجتمع وتقيم سدودا لحجز طوفان الجريمة والعنف ، وتسعى لغلبة تيار الإيثار والتراحم ولإجهاض الأثرة والنفعية والأحقاد والكراهية . لكن – كما يقرر محمد قطب – " ليس معنى الايجابية الفعالة فى التصور الإسلامي أن تنتصر الفضيلة فى كل صراع سواء الفضيلة الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية أو الخلقية ، أو ينتصر أصحاب العقيدة المنافحون عنها ، أو ينتصر الخير فى أية صورة من الصور ! فقد ينهزم الخير مرة ومرة ، ويكون هناك سبب وحكمة فى كل مرة ؛ قد تكون هناك فتنة جائحة تجتاح الحق والباطل " واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة " . وقد يكون الله يريد أن يفتن الطغاة البغاة ، فييسر لهم النصر على الحق " ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة " . وقد يريد الله أن يمحص المؤمنين ليحملوا العبء على سلامة وتمكن واستعداد " وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين " . وقد يكون غير ذلك من الأسباب ما يكون ، ولكن التصور الإسلامي يؤمن بأن سنة الله فى نصر الحق وأصحابه سنة ماضية لا تتبدل ، وإنما أعمار الأفراد ليست هى المقياس ، والجولة العارضة ليست هى الجولة الأخيرة . وواجب الإنسان أن يؤدى دوره المطلوب منه فى عمره المحدود ، ثم تسير السنة الماضية فى طريقها ، ويتحقق النصر فى الموعد ، وتظل القلوب فى كل جيل معلقة بهذا الوعد لا تيأس من روح الله . الفنان المسلم عنصر ايجابي مؤثر فى مجتمعه ، لا تقدر سلطات الرجعية والتخلف على تجنيده فى جيوش السخف واللهو العابث والسفه لإنتاج مجتمعات سلبية غافلة متبلدة الإحساس عديمة الضمير ، إنما طموحه للارتقاء بمجتمعه لا يحده حدود ، لا تثنيه العقبات وحجم التحديات عن السعى إلي غايته فى الإصلاح والتغيير ، ويدرك أن المعجزة ستتحقق على يديه كما ألان الله عز وجل لداود عليه السلام الحديد . ويدرك أن الفن أداة بناء وارتقاء ، ويشعر بمسئوليته وخطورة رسالته . ولولا خلال سنها الشعر ما درى بناة العلا من أين تؤتى المكارم وللحديث بقية ان شاء الله .