صحابي جليل من خيرة الصحابة الذين رباهم معلم البشرية الأعظم صلى الله عليه وسلم فأحسن تربيتهم ، أبى رغم فارق المساحة التاريخية التي تفصل بين عصره وعصرنا إلا أن يشاركنا أفراح ثورتنا المجيدة وذلك من خلال إسداءه باقة من التوجيهات والنصائح الثمينة والقيمة إلى أعضاء المجلس التأسيسي المنتخب جماهيريا وبطريقة حرة ونزيهة وشفافة يوم 23 أكتوبر. فمن هوهذا الصحابي يا ترى ؟ إنه وبكل فخرواعتزازسعيد بن عامر الجمحي الذي سطر بزهده وتقواه وجهاده وعدله و إدارته الحكيمة والمقتدرة للسلطة أعظم الملاحم وأنصع الصفحات. أول هذه النصائح: دخل سعيدعلى سيدنا عمر بن الخطاب في أول خلافته فقال له : يا عمر أوصيك أن تخشى الله في الناس ، ولا تخشى الناس في الله ، وألا يخالف قولك فعلك ، فإن خير القول ما صدقه الفعل ، يا عمر أقم وجهك لمن ولاك الله أمره من بعيد المسلمين وقريبهم ، وأحب لهم ما تحب لنفسك وأهل بيتك ، واكره لهم ما تكره لنفسك وأهل بيتك أسمعتم يا أعضاء المجلس التأسيسي . - النصيحة الثانية : عندما عزل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب معاوية عن ولاية الشام ، تلفت حواليه يبحث عن بديل يوليه مكانه.، وأسلوب عمر في اختيار ولاته ومعاونيه أسلوب يجمع أقصى غايات الحذر والدقة والفطنة ذلك أنه كان يؤمن أن أي خطأ يرتكبه وال في أقصى الأرض سيسأل عنه يوم القيامة اثنان الوالي ومن ولاه . الرجل المناسب في المكان المناسب لا مكان للوساطة ولا للقرابة ولا للمحسوبية. المقاييس المحددة عند الفاروق هي ( يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) سورة القصص الآية (26) ( أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ} سورة النمل الآية (39) تكرر في الآيتين عبارة ( القوي الأمين ) فالقوة في المعرفة والعلم ، والقوة في إتقان العمل ، والقوة في الصدق والإخلاص ، والقوة في إظهار الحق وتطبيق العدل مع الجميع ، وحفظ الأمانة بكل أبعادها وعدم خيانتها. مطلبان أساسيان وصفتان متلازمتان لاختيارأي مسؤول كفء. - النصيحة الثالثة : لما عرض عليه سيدنا عمر ولاية حمص اعتذر سعيد وقال ( لا تفتنّي يا أمير المؤمنين ) نعم صدقت يا سعيد إنها بحق فتنة تجعل الحليم حيرانا وأمانة ثقيلة ومسؤولية جسيمة. فيصيح به عمر ( والله لا أدعك أتضعون أمانتكم وخلافتكم في عنقي ثم تتركوني ). ابتلينا في العهدين السابقين بمسؤولين حرامية همهم النهب والفساد والإفساد وتخريب البلاد لذلك وجب على كل من يرى في نفسه الكفاءة أن يتحمل المسؤولية حتى نقطع الطريق على عودة هؤلاء. - النصيحة الثالثة : سأله سيدنا عمر يوما فقال: إن أهل الشام يحبونك ، أجابه سعيد قائلا : لأني أعاونهم وأواسيهم. إذا أردتم أن يحبكم الشعب يا أعضاء المجلس التاسيسي فتفانوا في خدمته وتحقيق مطالبه المشروعة وتخفيف معاناته.. - النصيحة الرابعة : بعد فترة من تولي سعيد بن عامر وفد على أمير المؤمنين بعض من يثق بهم من أهل حمص ، فقال لهم : اكتبوا لي أسماء فقرائكم حتى أسد حاجتهم . فرفعوا كتابا فإذا فيه فلان وفلان وسعيد بن عامر ، فقال : ومن سعيد بن عامر ؟ قالوا : أميرنا . قال : أميركم فقير ؟ قالوا نعم ووالله إنه ليمر عليه الأيام الطوال ولا يوقد في بيته نار ،. فبكى عمر حتى بللت دموعه لحيته ثم عمد إلى ألف دينار فجعلها في صرة وقال : اقرؤوا عليه السلام مني ، وقولوا له : بعث إليك أمير المؤمنين بهذا المال لتستعين به على قضاء حاجاتك . جاء الوفد لسعيد ابن عامربالصرة فنظر إليها فإذا هي دنانير ، فجعل يبعدها عنه و يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون كأنما نزلت به نازلة أو حل بساحته خطب فهبت زوجته مذعورة وقالت : ماشأنك يا سعيد أمات أمير المؤمنين؟ قال : بل أعظم من ذلك ، قالت : أأصيب المسلمون في وقعة ؟ قال: دخلت علي الدنيا لتفسد آخرتي ، وحلت الفتنة في بيتي . قالت : تخلص منها وهي لا تدري من أمر الدنانير شيئا قال : أو تعينيني على ذلك ؟ قالت : نعم ، فأخذ الدنانير فجعلها في صرر ثم وزعها على فقراء المسلمين. الحاكم الصالح يسأل أول ما يسأل عن الفقراء ليحل مشاكلهم. فهل يأتي يوم نرى فيه قائمة فقراء تونس تحتوي على أسماء المنصف المرزوقي ومصطفى بن جعفر وحمادي الجبالي. سثل أردوغان عن السر في القفزة المذهلة للإقتصاد التركي فأجاب بكلمة واحدة : لم أسرق المنصب يا أعضاء المجلس ليس وسيلة للثراء الفاحش و الكسب الغير المشروع كما كان يفعل المخلوع وعائلته وأصهاره وكل الفاسدين في عهده إنما هوسبيل للزهد وعدم إفساد الآخرة. المسؤولية ليست سيارة فخمة لكل واحد من أفراد العائلة وجراية مرتفعة على النوم داخل قبة البرلمان وفيلا على البحر واستغلال للسلطة أسوأ استغلال إنما هي تكليف ، إنما هي سعي لإنقاذ تونس من وضعها المتردي. لذلك اقترح في هذا المجال جردا دقيقا لكل ممتلكات الأعضاء قبل وبعد أداء المهام. - النصيحة الخامسة : مرَّ سيدناعمر رضي الله عنه وأرضاه على أمرائه وولاته في الأقاليم فأخذ سعيد بن عامر وسأل أهل حمص عنه: كيف سعيد بن عامر ؟ أي: كيف مسيرته فيكم ؟ كيف أداءه ؟ كيف عدله ؟ كيف زهده وورعه ؟ فأثنى الجميع عليه خيرا لكنهم أخذوا عليه أربعاً من الخصال : قال عمر رضي الله عنه وأرضاه اللهم إني ما علمت فيه إلا خيراً، اللهم لا تخيب ظني فيه. قالوا: أما الأولى: فيُصرع بين أيدينا ، وأما الثانية فلا يخرج لنا يوماً في الأسبوع لا نراه فينا ولا يرانا ، وأما الثالثة فإنه لا يخرج من بيته حتى يرتفع النهار، وأما الرابعة: فإنه لا يجيب أحدا بالليل مهما طرقنا عليه بابه. قال عمر رضي الله عنه وأرضاه وقد نكس رأسه ودموعه تهراق على خديه ( اللهم لا تخيب ظني في سعيد ) وأمره قم ياسعيد ورد على تشكيات القوم فقال: يا أمير المؤمنين والله لوددت أن أكتم هذا الأمر، فأما والحالة هذه فسأتكلم ، فأمَّا قولهم: أني أصرع فقد حضرتُ مشهداً ما وددت أني حضرته: رأيت خبيب بن عدى وهو يُقتل في مكة ، وأنا مشرك آنذاك ، فسمعته يدعو على كفار قريش: اللهم احصهم عدداً واقتلهم بدداً ولا تغادر منهم أحداً فكلما تذكرت ذاك المشهد صرعت ووددت أني نصرته. وأما اليوم الذي لا أخرج فيه للناس: فأنا رجل ليس لي خادم وزوجتي مريضة أغسل ثيابي وثياب أهلي وأنتظر جفافها في هذا اليوم . وأما الليل لا أخرج إليهم: فقد جعلت النهار لهم والليل لربي تبارك وتعالى وأما قولهم: لا أخرج حتى يرتفع النهار، فزوجتي مريضة، فأنا أصنع إفطاري بنفسي ، فإذا أفطرتُ خرجتُ إليهم، فرفع عمر يديه إلى السماء يبكي ، ويقول: الحمد لله الذي لم يخيب ظني في سعيد ابن عامر. الحاكم الصالح هو من يتابع أداء ولاته عن كثب. وندم على عدم نصرة الحق وتواضع وبساطة في العيش وعلاقة متينة بالخالق قاهر المستبدين وناصر المستضعفين ، مناقب يتمتع بها الوالي سعيد تغني عن كل تعليق. من تواضع لله رفعه وأعزه ومن تكبر قصمه وأذله.