تعريف الأخلاق: التعريف اللغوي: الأخلاق في اللغة، هي جمع خُلُق –بضم الخاء واللام، والخُلق على معان: 1. السجية والفطرة والطبع، وهو ما جُبل عليه الإنسان ولا يزول منه. 2. المروءة، وهي إتباع محاسن العادات، واجتناب مساوئها التي تؤذن بخسة النفس ودناءة الهمة. 3. الدّين والملّة. وعرَّفه علماء السلوك بأنه صفة نفسية مستقرة ، ذات آثار في السلوك محمودة أو مذمومة ، و هو عبارة عن هيئة للنفسراسخة تصدر عنها الأفعال بسهولة ويسر من غير حاجة إلى فكر وروية, فإن كانتالهيئة بحيث تصدر عنها الأفعال الجميلة عقلاً وشرعاً بسهولة سُمِِّيَت الهيئة) خلقاً حسنا), وإن كان الصادر منها الأفعال القبيحة سُمّيَت الهيئة التي هيالمصدر (خلقاً سيئاً). والأخلاق أمر فطري جبل عليه الإنسان منذ خلق «ونفس وما سوّاها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكّاها وقد خاب من دسّاها» فهيتعني إدراك للخير وللشر وانفعال أيضا بالخير والشر ثم نزوع لفعل الخير والشر. وردت كلمة خُلُق في القرآن مرتين : في قوله تعالى { وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ }(القلم:4) وفي قوله تعالى{ قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ * إِنْ هَذَا إِلاَّ خُلُقُ الأَوَّلِينَ (الشعراء:136-137). علاقة الخُلق بالتربيةوالسلوك: السلوك الذي هو عمل الإنسان الصادر عن إرادة حرة ، المتجه نحو غاية معينة مقصودة. ومن خلال تعريف كل من السلوك والخلق يظهر أن بينهما فرقاً : فالخلق : صفة النفس الباطنة وهو يدرك بالبصيرة ، فهو بمثابة السبب . أما السلوك : فهو صفة النفس الظاهرة وهو يدرك بالبصر، وهو بمثابة المظهر. فالعلاقة بينهما :هي علاقة مطردة ، إلا في حالتين : - إذا وجدت أسباب خارجية تؤثر على السلوك وتجعله غير دال دلالة صادقة على الخلق ؛ كمن يتصدق رياء أو مجاملة أو إكراهاً . - وإذا وجدت موانع تمنع من دلالة السلوك على الخلق ، أي ترجمة الخلق إلى سلوك ، كضيق ذات يد الكريم فأنى يتصدق ، وكعدم وجود المعارك لإظهار الشجاعة . وكل هذا يتم بالتربية. والتربية هي تبليغ الشيء إلى كماله تدريجاً، وإنشاءُ الشيءِ حالاً فحالاً إلى حَدِّ التمام . وتفيد الدراسات وتجارب التحليل النفسي أن معظم السلوك البشري هو عبارة عن استجابة داخلية للمثيرات الخارجية، لذا فان موقف الانسان من المثيرات الخارجية التي يواجهها: كالمثير المالي، أو الجنسي أو السلطوي، أو الوجداني، والتحديات التي يواجهها...الخ، تتوقف على طبيعة الملكة النفسية، ونوعية المحتوى الداخلي للانسان، فانطلاقاً من هذا المحتوى يتحدد موقفه من المثير، ومدى الاستجابة له. وذكر الاستاذ محمد يوسف موسى رحمه الله في كتابه – مباحث فلسفية في الاخلاق- درجات التوجه والتنبيه عند الكائنات المختلفة فسمى امتداد جذور النبات الى ادنى طلبا للغذاء وامتداد الاغصان والفروع الى اعلى طلبا للضوء والهوى سمى ذلك – حاجة – وسمى تطلع الحيوان الى ما به قوام حياته وادراكه المحدود لمقومات وجوده دون شعور بالغاية المترتبة على تحصيلها سمى ذلك – شهوة- ثم قال :« نرتقي بعد ذلك للانسان فنجده يسعى لما يحتاج اليه وهو شاعر تماما به متصور اللذة التي تعقب وجوده والالم الذي ينتابه لفقده». وذلك ما يميزه عن الحيوان ويسمى ذلك في الانسان – ميلا – ويعرف الميل بانه توجه من الانسان لشيئ متصور بوضوح مع ادراك الغاية المترتبة عليه وباختلاف غايات الناس اختلفت ميولهم هذا غايته الشهرة وذاك غايته السيادة وغيرهما الغنى وهكذا . وكل طائفة متشابهة من الميول تدور حول غاية واحدة تسمى - عالما – ومنها تنشأ الرغبة فإذا تغلب ميل من هذه الميول على سائر الميول المتشابهة التي تدور معه في محور واحد وسيطر عليها كان ذلك ما يسمى- بالرغبة- فإذا فكر فيما يرغب فيه ورآه ممكنا ليذلل ما قد يكون بينه وبين نيله من عقبات ثم اجمع امره عليه ارتقى ذلك الاتجاه فسمي - ارادة – والفرق بين الرغبة والارادة يتضح من ان الرغبة قد لا يتلوها العمل المثمر... اما الارادة فلا تتكون الا حيث يتروى الانسان في الامر ويزن جميع الظروف والملابسات . ثم بعد ذلك يراه ممكنا فيعزم عليه. وبهذا يعقبها العمل الذي إذا اعتيد يصبح – خلقا – ويظهر من هذا الخلق عادة للارادة وليس مجرد الارادة التي هي تغلب عالم من قوى النفس على غيره...» ومن ثم استقر الامر في علم الاخلاق على ان الاتجاه المائع الذي تتارجح فيه النفس لا يسمى خلقا. موقع الاخلاق في الاسلام الإسلام فى جوهره رسالة أخلاقية، بكل ما تحمله هذه الكلمة من عمق وشمول، إذ حث بقوة على الفضائل، وحذر بقوة من الرذائل، ووصل فى هذا وذاك إلى أعلى درجات الإلزام، ورتب على ذلك أعظم مراتب الجزاء، ثوابًا وعقابًا، فى الدنيا والآخرة. وحتى أن الرسول صلى الله عليه وسلم ليلخص الهدف من رسالته فيقول فى إيجاز بليغ: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) (رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبى). والأخلاقية تسرى فى كيان الإسلام كله، وفى تعاليمه كلها، حتى فى العقائد والمعاملات، وتدخل فى السياسة والاقتصاد، والسلم والحرب. يقول الله تعالى: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال". ويقول معللا هلاك الأمم الفاسدة : " كدأب آل فرعون و الذين من قبلهم كفروا بآيات الله فأخذهم الله بذنوبهم إن الله قوي شديد العقاب ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم". والإسلام فى علاجه للنفس ابتغاء إصلاحها ينظر إليها من ناحيتين: أن فيها فطرة طيبة تهفو إلى الخير وتُسر بإدراكه وتأسى للشر وتحزن من ارتكابه وترى فى الحق امتداد وجودها وصحة حياتها. وأن فيها إلى جوار ذلك نزعات طائشة تشرد بها عن سواء السبيل وتزين لها فعل ما يعود عليها بالضرر ويُسفُّ بها إلى منحدر سحيق.وهما موجودتان فى الإنسان تتنازعان قيادته، ومصيره معلق بالناحية التى يستسلم لها. والمعروف أن الخلق لا يتكون فى النفس فجأة ولا يولد قويا ناضجا بل يتكون على مكث وينضج على مراحل. وهذا سر ارتباط نمائه بأعمال متكررة وخلال لها صفة الدوام كالصلاة والزكاة والتصديق بيوم الجزاء والإشفاق من عقاب الله.. الخ. وإذا كانت الطباع الرديئة دائمة الإلحاح على صاحبها تحاول العوج بسلوكه بين الحين والحين فلن يكفكف شرها علاج مؤقت. وإنما يُسكن ثورانها عامل لا يقل قوة عنها يعيد التوازن على عجل إذا اختل. والخلاصة أن الإسلام يحترم الفطرة الخالصة ويرى تعاليمه صدى لها. ويحذر الأهواء الجامحة ويقيم السدود فى وجهها والعبادات التى أمر بها هى تدعيم للفطرة وترويض للهوى ولن تبلغ هذه العبادات تمامها وتؤدى رسالتها إلا إذا كانت كلها روافد لتكوين الخلُق العالى والمسلك المستقيم. وسلوك الإنسان الأخلاقي يتأثر بعدة مؤثرات إيجابية وسلبية ، داخلية وخارجية ، ويصل تأثير هذه المؤثرات إلى أن تطغى على خلقه الأساسي حتى يصبح السلوك الجديد له خُلُقاً وطبعاً ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" إنما العلم بالتعلُّم ، وإنما الحلم بالتحلُّم " رواه البيهقي عن أبي الدرداء ، وقال أيضاً " ومن يتصبَّر يصبِّره الله " رواه البخاري عن أبي سعيد الخدري ، وهذان دليلان على أن الإنسان يستطيع أن يتخلق بالأخلاق الحسنة إذا عزم على ذلك وأعانه الله سبحانه وتعالى. أخلاق النهوض وأخلاق الجمود قد يتساءل البعض كيف قامت الحضارة الحديثة وتفوقت وسادت، مع وجود الانحرافاتالخلقية مثل تلك المتصلة بالجنس وتناول الخمر والقمار.. لكن إذا تأملنا الأخلاقوجدناها عبارة عن مجموعة متكاملة من القيم تغطي جوانب الحياة كلها فكرية و سلوكية - فردية و اجتماعية. والذي يحدث عادة في الأمم أن تبرز بعض القيم وتسود وتضعف قيمأخرى. والأمة تنهض وتتقدم بغلبة تأثير مجموعة معينة من القيم مثل الثقة بالنفسوالطموح والجد والاتقان واليقظة والنظام والبسالة والاستهانة بالموت فإذا برزت هذهالقيم وسادت امتد دورها إلى التخفيف من ظهور أثر بعض الانحرافات الخلقية كالزناوالخمر والقمار. ولكن مع مضي الزمن ومع تدخل بعض العوامل الخارجية كظروف حرب أو ترفأو فقر شديد أو فراغ روحي، قد يقع عند ذلك اسراف في (الخمر والميسر والزنا) ممايحطم من أخلاق النهوض ويهدد تماسك المجتمع ويضعف من قوته. ان أخلاق القوة كالعزم والشجاعة والمغامرة والطموح والنظام والصبر والغيريةيقابلها أخلاق الضعف كالسلبية والجبن والخوف والتواكل والرضى بالدون والأنانية، وإنأخلاق الحق والخير مثل الاخلاص لله والتعفف عن المحرمات من زنا وخمر وميسر... والتوبة والتواضع والحياء والعدل مع الصديق والعدو يقابلها أخلاق الباطل والشركالتبذل وشرب الخمر ولعب الميسر والزنا والتهالك على الدنيا والظلم لغير الصديق. وفي مجال نهوض الأمم وتقدمها المادي أو ضعفها وانحلالها لا يضير مع أخلاق القوةوجود بعض أخلاق الباطل والشر كما أنه في مجال انحلال الأمة وسقوطها لا يفيد معأخلاق الضعف وجود أخلاق الحق والخير ليكون نهوض وتقدم. ان أخلاق الحق والخير تضاف الى القوة فتزينها. كما أن أخلاق الباطل والشر تضافالى القوة فتقبحها، ولكن أخلاق الحق والخير إذا أضيفت إلى الضعف تميع ويضيع أثرهاوتصبح باهتة أي أنها تخفق في جبر الضعف بينما ينجح الضعف في تمييع الحق والخير بلومحقهما أحيانا. وقد تعرض الأستاذ أبو الأعلى المودودي لهذا الموضوع في كتابه القيم «الاسسالأخلاقية للحركة الاسلامية» ان هناك أخلاقا أساسية انسانية لايمكن أن ينجح الانسان في هذا العالم سواء أكانمؤمنا أو كافرا أو صالحا أو طالحا إلا إذا تحلى بها مثل قوة الإرادة والصبروالثبات والهمة والشدة والبأس والولوع بالغاية والاستعداد للتضحية بكل شيء فيسبيلها والحزم والحيطة وإدراك العواقب وحب النظام والاحساس بالمسئولية والامتلاكللعواطف والرغبات النفسية....» على أن هذه الثروة لا تنقلب الى قوة جماعية عظيمة محكمة فعالة في الأمرالواقع إلا إذا ساعدتها جملة من الصفات الخلقية مثل الاتفاق على غاية مشتركة كانتأحب اليهم من أغراضهم الشخصية وكان زعماؤهم عندهم الاخلاص وحسن التدبير....» ثم ذكر أن الاسلام مع تقديره لتلك الاخلاق الاساسية حض على مجموعة من الاخلاقأطلق عليها الاستاذ الفاضل «الاخلاق الاسلامية» وقد بين أن لهذه المجموعة دورا خاصاوهو: توجيه الاخلاق الاساسية الانسانية وجهة الخير (والاستعمار الغربي الحديث مثالجيد يوضح كيف يمكن توجيه الاخلاق الاساسية وجهة الشر. فإذا أردنا تحقيق النهضة المرجوة والموعودة فعلينا معالجة ما علق بالعقل الجمعي من خلل وقصور في كثير من المفاهيم وتطبيقاتها الواقعية،وإعادة التوازن لمنظومة القيم حتى نمارس الحياة ممارسة تعمير شامل وإبداع كامل، كما أراد الله وليس على استحياء الذي يعيق الإبداع في جميعالمجالات. تشويه الاخلاقان تشويه الاخلاق ليس بعدم التطبيق فعدم التطبيق عجز انما التشويه هنا يعنيتحريف الخلق عن أصله الانساني الحياتي الواقعي «وهو الاصل الشرعي» والتهويم به فيصور خيالية «مثالية» ترمي به بعيدا عن أرض الواقع وعن حياة الناس مع الزعم أن المقصود بهذا الابعاد هو بلوغ اقصى درجات السمو وأقصى درجات الكمال. وهكذا يغلب على المسلم المسايرة وعدم الاعتراض حتى لو رأى مايستحق الاعتراض. الأخلاق المركبة: قد نعجب أحيانا من صدور نوعين من السلوك من شخصين نراهما متماثلين في خلق منالأخلاق. ولكن هذا العجب يزول إذا أدركنا أن بعض الأخلاق أو بعض أنماط السلوك إنمايتشكل من خلقين أو أكثر. ولكي يصدر سلوك واحد من شخصين يستلزم تماثلهما في جميعالأخلاق المكونة لهذا السلوك، ولا يكفي التماثل في خلق واحد. ومن أمثلة الأخلاق المركبة: التقوى + إيجابية = امر بالمعروف ونهي عن المنكر/التقوى + سلبية = صمت عن المنكر/الورع + وعي = اجتهاد محكم/الورع + جهل = تقليد وجمود/الإخلاص لله + تسامح = تعاون/الاخلاص + تشدد= تنافر/العفة + إيجابية = نشاط ملتزم / العفة +سلبية = تقوقع وانكماش الخلل طال الحركة الإسلامية المعاصرة وهذه الحالة من التردي طالت بأقدار متفاوتة حتى الجماعات الإسلامية حاملة لواء الإصلاح والتغيير فمناهجها تغلب عليها النزعة الحزبية وهكذا لا تخرج لنا الجماعة في هذه الحالة الشخصية التي تملك ايجابية ذاتية إنما تملك ايجابية موجهة من الخارج موجهة بقوةديناميكية الحركة ونشاطها وقيادتها... فإذا تعرضت هذه القوة للضعف أو للزوال لأيسبب عارض ضعفت تبعا لذلك أو زالت ايجابية الفرد وعاد سلبيا، معنى ذلك أن ايجابيةالفرد الحزبي ايجابية موجهة مكانا (أو مجالا) إلى خارج الجماعة أو الحزب وموجهةزمانا بفترة ارتباط الفرد بالحزب وموجهة من حيث الدرجة بمستوى نشاط الحزب. كيف نغير ما بانفسنا حتى يغير الله ما بنا ؟ ظهر في السنوات الأخيرة كم هائل من الدراسات والأبحاث التجريبية المنضبطة التي تشير جميعها إلى أن السلوك الإنسان لا يتغير من خلال التوجيهات والنصائح أو كثرة الوعظ والكلام عن القيم النبيلة والفضائل والآداب الرفيعة فقط. وبالرغم من أهمية هذه النصائح والتوجيهات فإن أثرها الفعلي في تعديل التفكير وتغيير الاتجاهات والسلوك يظل محدودًا ما لم يرتبط بتطبيقات عملية وأنماط سلوكية تستمر لفترات طويلة، وتدعم من البيئة المحيطة لضمان تكرارها وتثبيتها؛ حتى تتحول إلى عادات راسخة في السلوك الإنساني.. ويصبح أكثر إلحاحًا في عصرنا هذا.. عصر السرعة والتعجل والتشويش الذهني الناتج عن تأثير الثقافات والسلوكيات الواردة إلينا من الشرق والغرب، وحالة عدم التوازن وفقدان القدرة على تحديد الأهداف ومواصلة السعي لتحقيقها التي أصبحت أيضًا من العوامل التي تؤكد على أن التغيير الإيجابي المنشود لن يأتي أبدًا من خلال الخطاب الوعظي أو التوجيهات الصارمة أو العلوم والمحفوظات النظرية المنفصلة عن الواقع والتي تجعل الناس تعيش في منظومة لانهائية من الازدواجيات والتناقضات.. ولقد اشتمل القرآن والسنة النبوية الشريفة على عدد هائل من هذه النماذج السلوكية العملية والتطبيقات العملية في كيفية التصرف في مختلف نواحي ومواقف الحياة وتحت مختلف الضغوط والظروف النفسية والاجتماعية، مما يفرض علينا ضرورة دراسة وتحليل هذه النماذج والمهارات السلوكية والتدريب عليها، بل وضرورة تأسيس علوم جديدة في فقه السلوك تهتم بدراسة تلك الأساليب السلوكية وتطويرها لتتناسب مع العصر وظروفه، وأن يكون ذلك وفق مناهج التفكير العلمي التجريبي.. مع الاستفادة من علوم النفس والطب النفسي والاجتماع وبحوث التعلم وعلوم النفس المعرفية وقواعد العلوم السلوكية والتي من أهمها التدرب في تعديل السلوك واستخدام أسلوب المكافأة والتدعيم وغيرها؛ لتثبيت السلوكيات المرغوبة والعادات الإيجابية. ولقد وردت النماذج السلوكية العظيمة التي قدمها الرسول صلى الله عليه وسلم في مواقف الحياة المختلفةفي السنة وفي تراثنا الديني..مثل رياضة النفس وهي التدريب العملي المستمر لاكتساب وتثبيت السلوكيات المرغوبة: فعلى سبيل المثال يوضح كيفية السيطرة على الغضب وتعلم الحلم والصبر من خلال التدريب الذي يبدأ بالتكلف والافتعال -إذا لزم الأمر- لفترة زمنية كافية مصداقًا للحديث الشريف "إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم"؛ حتى يصبح جزءًا من المنظومة العصبية والسلوكية للفرد.. ويتطلب ذلك الالتزام بخطوات متدرجة تصاعديًّا، مع التقيد الصارم بنظام محكم ومتواصل. ولقد قدم الرسول صلى الله عليه وسلم نماذج عملية حية ذات طبيعة تعليمية تسمى في علم النفس بالنماذج الضمنية، وتعتبر أحد أساليب تعديل السلوك في علم النفس الحديث. ولا شك أن العديد من الدراسات والأبحاث التجريبية الحديثة تؤكد أن سلوك الإنسان لا يتغير بمجرد الاستبصار أو العلم بسبب المشكلة -كما كان يعتقد فرويد ومدارس علم النفس التقليدية-. ومن النماذج العملية التي قدمها الرسول صلى الله عليه وسلم لتزكية المهارات الاجتماعية والتواصل الاجتماعي الذي يدعم التوافق الاجتماعي والصحة النفسية.. أنه صلى الله عليه وسلم كان يبدأ من لقيه بالسلام وبوجه بشوش، وكان إذا لقي أحدًا من الصحابة بدأه بالمصافحة، وكان يؤثر الداخل عليه بالوسادة التي تحته.. وكان يعطي كل من جلس إليه نصيبًا من وجهة، أي من النظر إليه والاهتمام به.. وكان في كل سلوكه يتسم بالحياء والتواضع.. كما كان أكثر الناس تبسمًا وضحكا في وجه أصحابه. المراجع : خلق المسلم للشيخ محمد الغزالي حول أزمة الخلق المسلم المعاصرعبد الحليم محمد أحمد أبو شفة