لم يكن دعاء جاري المعلم المتقاعد,على حاكم احدى الممالك المنتشرة كالفطر على رقعة الجسد الجغرافي للأمة,أن يأخذه الله قبل أن يصل موعد الاستحقاقات الرئاسية ببلاده,ونحن نشاهد نشرة الأخبار على قناة الجزيرة ليثير في أي رد فعل,إن قبولا أو استهجانا,لإن علاقة المواطن العربي-عبر شتاته الجغرافي المتمثل بأمم الحدود المصطنعة-بما يسمى تجاوزاحاكما عربيا انفصمت عراها,وانزوى كل طرف في عالمه الذي يحمله معه عبر مخياله راسما وطنه المشتهى,دونما اجتماع على أية قواسم.لكن بعد افتراقنا وخلودي الى نفسي عاودتني تلك الحادثة في شبه استرجاع لمشهدية أبت أن تقبع بين طيات ماهو عابر,وأبدت لي من حالنا مالم يكن يحضر آنذاك بالخاطر,فانهالت الأسئلة الحارقة من وحي اللحظة لتصوغ قوالبهاوتصرخ.ماالباعث الذي يدفع العربي أن يدعو على حاكمه بالويل والثبور,وسوء المنقلب وبئس المصير؟مالذي أوصل العلاقة بين الحاكم والمحكوم إلى مثل هذا التباغض الذي لايعمل الا على تهديد اللحمة الرابطة بين مكونات كل بناء سياسي سليم؟من المسؤول عن هذه الحالة الشاذة التي وصلنا إليها؟ألا يترجم الدعاء على الحاكم ضعف إرادة التغيير,وانعدام القدرة على الإنجاز لدى الفرد المسلم؟من الذي عمل على خلق الإنسداد في القنوات الموصلة الى تداول سلمي على السلطة في المجال السياسي العربي؟هل فعل الدعاء على الحاكم يتأسس على قاعدة دينية سليمة,أم هو حالة سوء فهم للدين؟ إن هذا الفعل ونماذجه المماثلة كصورانسحابية مهلكة لاتنبئ في جوهرها الا عن تجذر ثقافة اللامبالاة التي تملكت الوجدان, وتعويضا نفسيا يتم من خلاله الإحتماء بعوالم تشكل طقوس التدين جدرانها المسيجة.فمادامت جنة الله لم تتنزل على الأرض لتنعم فيها ومن خلالها الأرواح دونما مكابدة ولا نصب ولامدافعة لموانع تنزلها ذاك,فلا مناص من التحصن بحلم النعيم ألأخروي المؤجل,في تأويل مسف لدور الإنسان في الوجود,ومن ثم إسقاط للرسالة بما هي تكاليف توجب على الإنسان مسؤولية إصلاح الكون,ومحاربة كل فساد طارئ وناشئ.فعل الدعاء هذا هو ارتداد للذات الى حالة عجز كئيبة ترهق الروح,وهو إذعان وقبول بالذي هو أدنى,ضمن مسيرة إخفاق متواصل لاترى الذات من نتاج فعلها نفعا يحملها على الإقدام وتجشم العناء,كذا هي الإستعاضة عن راشدية الفعال تكون مولدة لانفصال يقصي الذات عن وجوب تشهيد كدحها. إن كل إنزياح عن مقدور فعل التغيير لدى الفرد المسلم هو جنوح نحو تقزيم مطمح الوجود الانساني الموسوم بالفرادة,وإن شكوكية تتلبس روح الفرد بفعاله وأدواره هي مايعطل دافعيته,فتصبح اللاجدوى فلسفة لموانع حدوث التحصيل,فيقصر فكره عن خلخلة البنى القائمة,ويعجز خياله عن إبداع عوالم مفارقة عمقا ونسقا.وبذلك تصير كل ذات تبخس قدر فعلها,وتعدمه قيمة ووجوداأحقر من أن تحمل أمانة الله. يبدو أن قدرتنا على استلهام المخارج لفواجعنا الحضارية قد أصابها النضوب فأوكلنا حلها لأقدار هي حاصلة من دوننا إن لم نكن نحن من يصوغ خطاها وفق مشيئة متعالية تتماهى مع إرادتنا في رصف خطى الفعل والتأسيس. الحلو عبد الحفيظ طنجة-المغرب