الدكتور "رفيق حبيب" من الأقباط المصريين المنتمين للكنيسة الإنجيلية، وهو صاحب عدد من الكتب المتميزة، تعبر عن مشروع يتبناه يقوم على ضرورة أن تكون المواطنة هي الوعاء الذي يجمع أبناء الوطن الواحد، وألا تكون الأديان حاجزًا مانعًا في التواصل. وفي هذا الحوار رفض "رفيق حبيب" ما طرحه الدكتور "أندريه زكي" حول تفكيك الهوية الدينية كشرط أساسي لتحقيق مشاركة المسيحيين في العملية السياسية في الشرق الأوسط. ورأى "حبيب" أن الكنائس التي تمثل الليبرالية الغربية في الغرب تعاني من انهيار كبير وتراجع في جماهيريتها؛ نظرًا لأن ما تقدمه لا يختلف كثيرًا عن الفكر العلماني غير الديني. ورأى -أيضًا- أن الإسلام السياسي غير مسئول عن فشل المشاريع القومية أو حتى عن ضعف مشاركة المسيحيين العرب؛ لأن حركة الإحياء الديني المسيحي تزامنت مع حركة الإحياء الإسلامي، وبالتالي لم تكن ردة فعل لها. واعتبر "حبيب" أن تأييد المسيحيين للمشاريع العلمانية يُعَدّ أحد أهم المشكلات المعاصرة؛ لأنها تعبر عن حالة افتراق بين المسيحيين والمسلمين، واعترض على دعوة بعض الاتجاهات المسيحية المحافظة إلى العلمنة؛ لأن هؤلاء يدعون إلى العلمنة دون أن تطال العلمنة الكنيسة. وأن علمنة الدين هدم للمجتمع العربي، وإذا حدث هذا ستكون هناك من التفكك ولن تكون هناك مواطنة، مؤكدًا أن الاتجاه الليبرالي في المسيحية محصور في عدد من أفراد النخبة دون أن يكون له أي تواجد شعبي. وفيما يلي نص الحوار: * هل يمكن أن تتحقق المواطنة السياسية للمسيحيين العرب في ظل تغييب دور الدين وتغييره كهوية أساسية للمنطقة وفقًا لما يراه الدكتور أندريه زكي؟ - الإشكالية التي تواجه مشروع الدكتور أندريه زكي أنه ينادي بأن يكتب لاهوتا عربيا مصريا جديدا؛ لاهوت المساواة والمواطنة، وتغيير تعريف الهوية، وبالتالي هو يطالب بلاهوت عربي يكتب على طريقة اللاهوت الغربي، فبدلاً من أن يكون ترجمة يصبح اقتباسًا أو تمصيرًا وتعريبًا. الاحتياج الحقيقي الذي نريده هو تجديد الفكر اللاهوتي العربي لدى كل الطوائف من داخل سياق الحضارة العربية الإسلامية التي تمثل ثقافة الأمة الخاصة بالمسلمين والمسيحيين، وما يحاول طرحه "زكي" من أفكار عن المسيحية الليبرالية والتي تقدم مشروعًا لاهوتيًّا غربيًّا لا يصلح في الوطن العربي؛ لأن المرجعية الأساسية لهذا المشروع هي العلمانية، ومعظم الكنائس التي تمثل المسيحية الليبرالية في الغرب انهارت بالكامل، وفقدت عضويتها بنسب كبيرة جدًّا؛ لأن ما تقدمه لا يختلف عن الفكر العلماني غير الديني، ومعظم جمهور العلمانية في الغرب ترك الكنيسة؛ لأن الدولة هي التي أصبحت تمثل العلمانية تمثيلاً دقيقًا. * هل فشل مشاركة المسيحيين العرب سياسيًّا يرجع إلى ظهور الحركات الإسلامية فقط؟ - دائمًا الرؤية العلمانية تنسب كل المشكلات الطائفية لظهور الحركات الإسلامية، فمثلاً إذا تناولت مصر سنجد أن كل المواقف القبطية هي رد فعل لوجود حركات إسلامية، وتصبح الخلاصة المطلوبة هي القضاء على هذه الحركات من خلال العلمنة الشاملة، وهو ما يطالب به كثير من الأقباط، وهذا الأمر يعيبه الكثير؛ نظرًا لعدة اعتبارات، منها: أولاً: أن اختيارات الأقباط كثير منها اختيارات حرة وليست رد فعل. ثانيا: أن تأثير الحركات الإسلامية وهي في موقف المعارضة والمحاصرة ضعيف جدًّا في النظام العام السياسي والقانوني والدستوري، لكن في الواقع أن أكثر ما أثر على الأقباط كان تصرفات بعض الجماعات المسلحة ضدها، كذلك فإن حركة الإحياء القبطي التي أدت في النهاية إلى تكوين طائفة قبطية سياسية على النهج الماروني تعبر عنها الكنيسة. هذا الإحياء القبطي بدأ مع الإحياء الإسلامي، وليس رد فعل له، ويمكن أن نعتبر أن عام 1972 الذي غضت فيه الدولة النظر عن الجماعات الدينية ولم تشكل الظاهرة، ظهرت الأسر القبطية، ثم ضمت نفسها إلى الكنيسة. هذه الأسر كانت بمثابة جماعات دينية قبطية مثل الجماعات الدينية الإسلامية غير المسلحة التي ظهرت في ذلك الوقت، وأصبحت الجماعات القبطية جزءًا من تكتل الأقباط داخل الكنيسة، ومنذ هذا الوقت ظهرت حركت الإحياء الديني الإسلامي والمسيحي، فليس من المنطقي أن نلقي بالتبعية على التيار الإسلامي فقط. لماذا التأييد للعلمانية؟ * معظم المثقفين الأقباط ورجال الدين المسيحي يطالبون بعلمنة الدولة، والاتجاه نحو الإسلام والمسيحية الليبرالية، فهل يتفق هذا الاتجاه مع ما يطرحه الدكتور أندريه زكي من أفكار عن المشروع العلماني لتحقيق المواطنة السياسية للأقباط ودعوته إلى تجديد اللاهوت المسيحي العربي؟ - أعتقد أن تأييد المسيحيين للمشاريع العلمانية بعد سقوط الخلافة العثمانية يمثل أحد أهم المشاكل المعاصرة، وهي حالة الافتراق بين المسيحيين والإسلاميين، وحالة المخاوف لدى المسيحيين من المشروع الإسلامي والتي تؤدي في النهاية إلى تأييد من المسيحيين للمشاريع العلمانية، وهي في النهاية مشاريع بلا جماهير، خاصة بعد سقوط معظم الأنظمة التي تبنت القومية العربية والمشروع العلماني. ويلاحظ أنه لدى كثير من الأقباط في مصر اتجاهات دينية محافظة تهتم بمركزية دور الدين في الحياة، ومع ذلك يطالبون بعلمنة الدولة، وهذا ما يؤكد ازدواجية التفكير. فالرؤية الليبرالية للدين تقوم على نقد الدين وعلمنته، وبالتالي علمنة الدولة، وهنا يتم حصر الدين بوصفه شأنًا فرديًّا يخص الفرد ولا يخص الجماعة، ويكون دور الدين منحصرًا في مجال الأخلاق الفردية، وليس له دور في النظام العام؛ وهذا ما حدث في أوروبا العلمانية. وبعض الكتاب العرب يروجون لنفس المشروع فنحن أمام اختيارين من المسيحيين اختيار للعلمنة على أساس أنها قد تكون حلاًّ لأي مشكلات تتعلق بالتفرقة الدينية دون أن يصيب المسيحية أو الكنيسة أي قدر من العلمنة، والتصور الآخر هو تصور علماني ليبرالي يدعو إلى علمنة الدولة والمجتمع بالكامل، وأعتقد أن الاتجاه الليبرالي في المسيحية هو اتجاه نخبة محدودة وليس لها أي قواعد، ومعظم أفكارهم مرفوضة رفضًا قاطعًا، وغالبًا ما يتهمون بالخروج عن المسيحية في مصر أو العالم العربي. * هل الموقف الليبرالي الديني، أو هل علمنة الدين تحقق المشاركة؟ - أعتقد أن علمنة الدين هدم للمجتمع المصري والعربي، فإذا حدث هذا سنجد حالة من التفكك ولن تكون هناك مواطنة، ولا يمكن أن يكون الحل لتحقيق المساواة هو هدم الوعي الجمعي والتاريخي للمصريين. -------------------------------------------------------------------------------- ** صحفي مصري.