بطولة افريقيا للسباحة : التونسية حبيبة بلغيث تحرز البرونزية سباق 100 سباحة على الصدر    هذه هي أسعار أضاحي العيد بالقصرين    عاجل : انتخاب تونس رئيسا للمجلس التنفيذي لمركز أكساد    مساندة متواصلة للفئات الضعيفة.. قريبا انطلاق معالجة مطالب التمويل    أعمارهم بين 13 و16 سنة.. قصّر يخربون مدرسة..وهذه التفاصيل..    وفد من الحماية المدنية في الجزائر لمتابعة نتائج اجتماع اللجنة المشتركة التقنية المنعقد في جانفي الماضي    مدنين: حجز 50 طنا من المواد الغذائية المدعّمة    الحمامات: اختتام فعاليّات الصالون المتوسّطي للتغذية الحيوانيّة وتربية الماشية    صندوق النقد الدولي يدعو سلطات هذه البلاد الى تسريع الاصلاحات المالية    جندوبة: الحكم بالسجن وخطيّة ماليّة ضدّ ممثّل قانوني لجمعيّة تنمويّة    الرابطة الأولى: جولة القطع مع الرتابة في مواجهات مرحلة التتويج    قرعة كأس تونس 2024.    الحكم الشرعي لشراء أضحية العيد بالتداين..!    مفزع/ حوادث: 15 قتيل و500 جريح خلال يوم فقط..!!    الكاف..سيارة تنهي حياة كهل..    مدنين: القبض على مُتحيّل ينشط عبر''الفايسبوك''    المدير العام لبيداغوجيا التربية:الوزارة قامت بتكوين لجان لتقييم النتائج المدرسية بداية من السنة الدراسية القادمة.    مواطنة من قارة آسيا تُعلن إسلامها أمام سماحة مفتي الجمهورية    وزارة الفلاحة ونظيرتها العراقية توقّعان مذكرة تفاهم في قطاع المياه    التلقيح ضد الكوفيد يسبب النسيان ..دكتور دغفوس يوضح    بدرة قعلول : مخيمات ''مهاجرين غير شرعيين''تحولت الى كوارث بيئية    عمال المناولة بمطار تونس قرطاج يحتجون    جدل حول آثار خطيرة للقاح أسترازينيكا مالقصة ؟    البحيرة: إخلاء محيط مقر مفوضية شؤون اللاجئين من المهاجرين الأفارقة    أبل.. الأذواق والذكاء الاصطناعي يهددان العملاق الأميركي    عاجل/ يرأسها تيك توكور مشهور: الاطاحة بعصابة تستدرج الأطفال عبر "التيكتوك" وتغتصبهم..    خليل الجندوبي يتوّج بجائزة أفضل رياضي عربي    حفاظا على توازناته : بنك تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة يرفع رأس ماله الى 69 مليون دينار    دراسة صادمة.. تربية القطط لها آثار ضارة على الصحة العقلية    معهد الصحافة يقرر ايقاف التعاون نهائيا مع مؤسسة كونراد أديناور الألمانية بسبب دعمها للكيان الصهيوني    خطير/ خبير في الأمن السيبراني يكشف: "هكذا تتجسس الهواتف الذكية علينا وعلى حياتنا اليومية"..    اليونسكو تمنح جائزة حرية الصحافة للصحافيين الفلسطينيين    المنظمة الدولية للهجرة: مهاجرون في صفاقس سجلوا للعودة طوعيا إلى بلدانهم    نبيل عمار يستقبل البروفيسور عبد الرزاق بن عبد الله، عميد كلية علوم الكمبيوتر والهندسة بجامعة آيزو اليابانية    عاجل/ اكتشاف أول بؤرة للحشرة القرمزية بهذه الولاية..    حالة الطقس ليوم الجمعة 03 مارس 2024    عاجل/ الأمن يتدخل لاخلاء محيط مقر مفوضية شؤون اللاجئين في البحيرة من الأفارفة..    خطبة الجمعة ..وقفات إيمانية مع قصة لوط عليه السلام في مقاومة الفواحش    وسط أجواء مشحونة: نقابة الصحفيين تقدم تقريرها السنوي حول الحريات الصحفية    الرابطة المحترفة الاولى : تعيينات حكام مقابلات الجولة السادسة لمرحلة التتويج    تشيلسي يفوز 2-صفر على توتنهام ليقلص آماله بالتأهل لرابطة الأبطال الاوروبية    البطولة الوطنية : تعيينات حُكّام مباريات الجولة الثانية إياب من مرحلة تفادي النزول    العمل شرف وعبادة    ملف الأسبوع .. النفاق في الإسلام ..أنواعه وعلاماته وعقابه في الآخرة !    "أنثى السنجاب".. أغنية أطفال مصرية تحصد مليار مشاهدة    إصابة 8 جنود سوريين في غارة صهيونية على مشارف دمشق    أبناء مارادونا يطلبون نقل رفاته إلى ضريح في بوينس آيرس    بايدن يتحدى احتجاجات الطلبة.. "لن أغير سياستي"    مجاز الباب.. تفكيك وفاق إجرامي مختص في الإتجار بالآثار    وزارة الشؤون الثقافية تنعى الفنان عبد الله الشاهد    وفاة الممثل عبد الله الشاهد‬    صفاقس : غياب برنامج تلفزي وحيد من الجهة فهل دخلت وحدة الانتاج التلفزي مرحلة الموت السريري؟    موعد عيد الإضحى لسنة 2024    هام/ الترفيع في أسعار 320 صنفا من الأدوية.. وهذه قيمة الزيادة    وفاة الروائي الأميركي بول أستر    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الخميس 2 ماي 2024    محمد بوحوش يكتب .. صرخة لأجل الكتاب وصرختان لأجل الكاتب    وفاة حسنة البشارية أيقونة الفن الصحراوي الجزائري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين يدي الذكرى الثالثة للثورة السورية
نشر في الحوار نت يوم 16 - 03 - 2014


سؤال خاطئ
السؤال الخاطئ الذي يلح عليه أعداء الثورة بقصد وتردده من خلفهم الببغاوات العجماء جهلا هو : هل العيب في الثورات العربية من حيث قيامها أصلا أم العيب فيها من حيث تعسكرها أو من حيث دخول قوى إحتلالية على الخط. ذاك سؤال خاطئ منهاجيا لأنه يتجاهل بعمد قاصد أو بحطة شنيعة في الوعي السبب الحقيقي الأولي الذي أدى ببعض الأوضاع الثورية الوضع السوري مثالا إلى ما يشبه السير نحو المجهول. لا ريب إذن في أن السبب الحقيقي الأولي للكارثة السورية هي اليوم كارثة لأسباب ترد هنا لاحقا ولا يشفع لها أنها كانت ثورة شعبية ضد أحد أعتى الحكام وأشقاهم هو حالة الإستبداد السياسي وما صاحبه من سياسات نهب وسلب وقمع وقهر ودكتاتورية وتبعية وتجزئة. تلك الحالة التي هيمنت على العالمين العربي والإسلامي منذ عقود طويلات وذلك في إثر أمرين كبيرين : أولهما سقوط الدولة العثمانية التي كانت تضمن الحد الأدنى من الوحدة السياسية الإسلامية وتحفظ السقف القومي أن يندك بالكامل وثاني الأمرين هو ما جاء يترى بين يدي ذلك ومن خلاله ومن بعده أي الغزو الفكري الغربي الذي أدى في نهاية المطاف إلى الغزو العسكري والإحتلال وتحول الأمة الإسلامية لأول مرة في تاريخها إلى دويلات مجزأة ومماليك تابعة ناهيك أن الهوية الإسلامية وقع دحرها في كثير من تلك الدويلات المملوكة التابعة على إختلاف في درجات ذلك الدحر.
الخلاصة هي إذن أن الدولة العربية دولة التجزئة والتبعية والتفكك هي السبب الرئيس الأكبر لحدوث الثورة العربية إذ بلغت تلك الدولة في أكثر من مشرق ومن مغرب أحط درجات التخلف سياسيا وماليا وإجتماعيا وقوميا وعندها آن للقانون الإجتماعي غير المتخلف أن يعمل عمله وهو قانون الإستجابة من لدن بعض شعوب تلك الأمة ومجتمعاتها ضد ما بلغه التحدي من لدن تلك الدولة في حق الأمة هوية دينية وإجتماعية وسياسية وإقتصادية ووجودا فوق رقعة الأرض.إذا بلغ التحدي أي تحد أوجه فإن مطرقة الإستجابة له بالمرصاد. وذلك هو التفسير السنني السببي العلمي للثورة العربية الراهنة.
الخلاصة هي إذن أن الثورة كانت محاولة في الحل ومبادرة في التصحيح ولم تكن أبدا سببا لما آلت إليه الأوضاع في الحالة السورية. الخلاصة هي إذن أن تجريم الثورة من حيث المبدإ هو تجريم للأمة بأسرها وهو تجريم للقيم الأخلاقية التي قامت عليها تلك الأمة. وعندما يكون أعداء الثورة أذكى منا في سوء وصف الحالة وذلك من خلال تمترسهم وراء قالة مغلوطة وسؤال خاطئ .. عندما يكون أولئك أذكى من بعضنا فنسير وراءهم سير الببغاوات العجماء لننقض على حق الأمة في الثورة وما كان يسمى في الفقه السياسي القديم خروجا .. وذلك بدل أن ننقض على الدولة العربية القديمة النظام العميق كما يسمى عندنا في تونس مثلا بحسبانها السبب الرئيس وراء المتاعب والمصائب قبل الثورة وأثناء الثورة ومن بعد الثورة .. عندما يكون ذلك الوضع كذلك وعيا بائسا من جهة وجلدا للذات الثائرة من جهة أخرى .. عندها لنا أن نسأل أنفسنا من جديد : إذا كان فعلنا الثوري صحيحا ثم إصطدم ببعض العثرات في سوريا وغيرها من بلاد الثورة فالسؤال الكبير الإيجابي هو : كيف نرمم الوضع الثوري أو كيف نجدده أو كيف نقاوم أعداء الثورة.

مقارنة خاطئة.
حسن السؤال هو نصف الجواب كما ورد في الحديث الشريف وفي غيره من أقوال الحكماء. أي أنه على المستمع أن يفحص السؤال أي سؤال هل هو سؤال صحيح وعندها لا ضير في إختلاف الأجوبة أما عندما يكون السؤال خاطئا فلا تكون الإجابة إلا خاطئة وتائهة ذلك أن خارطة الأسئلة والأجوبة مثلها مثل خارطة الطرقات فوق الأرض وفي الأجواء وفوق المياه فمن سلك طريقا خاطئا لن يصل إلى مقصوده مهما كان سيره حثيثا أو صحيحا.

السؤال إذن خاطئ لا محالة وعلينا تصحيحه لتغذية الثورة بقيم جديدة وروح جديدة وأمل جديد. ناكية النواكي أن هناك خطأ كبيرا آخر يردده أعداء الثورة والببغاوات منا كالعادة يسيرون خلفهم. هو خطأ المقارنة الذي يطرحه بعض الناس : كيف أضحت الثورة التونسية تصارع أعداءها وهي تقف على قاعدة صلبة وأدنى إلى الثبات والرسوخ في حين أن الثورة السورية أو حتى الليبية بله المصرية تسير منذ شهور طويلة وهي تعانق عامها الثالث بالتمام والكمال في طريق مجهول أو أدنى إلى إختلاط الأوراق كما يقال اليوم إعلاميا وبصورة مخيفة. لا ريب في أن المقارنة آلية من آليات التفكير العقدي العلمي الجامع والمتوازن ولكن إعمال المقارنة يحتاج إلى علم وبصيرة إذ لا مقارنة إلا بين المتجانسات من جهة كما يفيد بذلك علم المنطق ومن جهة أخرى لا مقارنة إلا من بعد قراءة الجزئيات التي تساهم في بناء الصورة أي حسن تحليل المناخات المحيطة بكل ثورة وكل فعل. عندما تلتزم المقارنة بذينك الأمرين فهي مقارنة علمية صحيحة وعندما تتنكبهما فهي مقارنة مغلوطة.

لا يستطيع أحد أن ينسب إلى التونسيين حكمة ولا سدادا وتوفقا بأكثر مما يتوفر عليه المصريون فيما يتعلق بترشيد الثورة والحفاظ على وهجها أن ينطفئ بالكلية. ذلك أن الثورة التونسية لو حدثت في مصر لأجهز عليها وربما بأسرع مما وقع هناك. الأمر لا يحتاج إلى تحليلات إذ يكفي أن تعلم أن مصر هي قائدة الأمة العربية بل وربما حتى الإسلامية إلى حد معتبر مقدر وأنها تتاخم عدو الأمة أي إسرائيل المحتلة وأن أمن إسرائيل هو محل الإجماع الوحيد بين مختلف مكونات الوجود الغربي أمريكيا وأروبيا. وعوامل أخرى لا غرض لي هنا بإحصائها ولا عدها.

الأمر في الثورة السورية لا يختلف عن ذلك كثيرا. سوريا كذلك متاخمة لعدو الأمة الأول والأكبر أي إسرائيل المحتلة وسقوط قيادتها حتى لو إفترضنا أنها تنتمي إلى الممانعة لا يكون بديله المحتمل سيما من بعد التجربة الثورية التي رشحت ألد أعدء عدو الأمة الأول والأكبر أي الإسلاميين والوطنيين عامة مرضيا عنه. سوريا كذلك نقطة إشتراك بين قوميات وأعراق وأديان مختلفة جدا مما يجعل من أي محاولة لتمزيقها أمرا لا يعسر في العادة وفي ظل توازنات المشهد المعاصر فمن القضية الكردية المشتعلة في تركيا ولها في سوريا جذر نابت إلى القضية الشيعية الأكثر إشتعالا ولها في سوريا كذلك جذور ناشبة ومعلوم أن أنفق ورقة رائجة اليوم في السوق الدولية هي الورقة الطائفية المذهبية فإذا ما تغذت هذه بالمياه العنصرية من مثل العنصر الفارسي فإن إمكانيات التمزيق تشتد أكثر وأكثر. سوريا إذن بالخلاصة منطقة ضعيفة إقتصاديا وسياسيا بسبب الإستبداد الطائفي أي طائفة العلويين والنصيريين وهي ضعيفة في ميزان المقاومة أي الممانعة وهي منطقة ضعيفة ولكن بوأتها مساحتها الجغرافية إلى أن تكون محل أطماع طورا من إيران الشيعية الطائفية الفارسية وحليفها أو إبنها المدلل حزب الله وطورا من الإمبراطورية التركية سيما من بعد إستقرار الأمر لدولة أردوغان التي نجحت بالفعل في تجميد الملف الكردي ومن حقها إستغلال الوضع السوري لصالح تجميد ملفها التقليدي الموجع جدا على مدى عقود طويلة وخاصة على حدودها المتاخمة وطورا من إسرائيل المحتلة التي تريد تأمين حدودها السورية بمثل ما أمنت حدودها المصرية من بعد الإنقلاب العسكري ضد الثورة الشرعية أي ثورة 25 يناير.

لا أريد الإسهاب هنا ولكن أريد التذكير بمنهج المقارنة الخاطئة التي يعكف على ترسيخها فينا أعداء الثورة ومن ورائهم قطعان الوعي المنحط. ألا ترى أن تقهقر الثورة الليبية حمال كوارث ومصائب إلى الثورة التونسية وليس ذلك سوى لأن الوضع الجغرافي مهم جدا في التحولات الكبرى. ومثله الوضع الجزائري بل كادت تونس أن تضحى صدى لما جد في مالي قبل شهور طويلات. لعل أصح خلاصة هي أن العالم اليوم أضحى بيتا واحدا من زجاج فلا يكاد يستقل أحد بشيء أبدا إلا أن يكون ذلك الشيء مراعيا لحد أدنى من الإستحقاقات القائمة والتوازنات السائدة وهو الخط الوسط المعتدل بين الثورة الهوجاء التي تزعم لنفسها تدمير كل شيء كأنها دبابة شارون وبين الإستكانة في وجه الهيمنة الغربية وأذيالها. هناك بين الإمكانين إمكانية ثالثة وقليل ملتقطيها.

بين يدي الذكرى الثالثة للثورة السورية.
كان ما أنف ذكره تقديما ضروريا في ظني. فيئة إلى الموضوع لا بد منها لتسجيل الأمور التالية :

1 لا يمكن تجريم الثوار السوريين بما فيهم القوات العسكرية " المنشقة " وذلك بخلفية المشهد المحرج جدا والمتأزم جدا سيما على الصعد الإنسانية. إنما الثورة السورية ثورة عربية تلقائية نشأت النشأة ذاتها التي نشأت عليها الثورة في تونس ومصر واليمن وليبيا. بل إن خروج القوات العسكرية " المنشقة " لهو شرف كبير يرصع هامات رجال أبوا إلا أن ينتصروا لشعبهم ضد حاكم طائفي خبروه طويلا ومن الداخلي وليس من الخارج.

2 لم يكن أحد يعلم في البداية مهما كان خبيرا في القراءات التحليلية السياسية والعسكرية أن إيران من جهة وحزب الله من جهة أخرى سيكفران بما علمنا عليهما من قيم أخلاقية بعضها ديني وبعضها قومي وذلك إلى درجة التدخل العسكري المباشر لقتل الثوار والقتال جنبا إلى جنب مع القوات الطائفية النصيرية. وربما لم يكن أحد يعلم أن الولاء الطائفي المذهبي بل قل الديني بين العلويين النصيريين وبين الشيعة العرب والفرس سواء بسواء هو متين إلى هذه الدرجة. بل لم يكن أحد يعلم أن النظام الطائفي في سوريا سيستخدم الأسلحة ذاتها التي كان سيستعملها لو كان في مقاومة عدو خارجي هجم عليه بغتة وبأسلحة عسكرية ثقيلة.لم يكن أحد يعلم أن الدموية البشرية تصل في هذا العصر إلى ذلك الحد الذي رأيناه بأم أعيننا. كل ذلك الذي لم نكن نعلمه ما كان ليكون مبررا كافيا لتجريم الثوار السوريين سواء كانوا مدنيين أو عسكريين. الثورة الشعبية التلقائية لا تأخذ تأشيرة من أحد وذلك هو سر قوتها.

3 الأمر الآخر الذي لم يزد الطين إلا بلة هو التدخل " السلفي " من لدن جبهة النصرة من جهة ومن لدن ( داعش ) من جهة أخرى. أغلب مكونات التيار السلفي مهما كانت معتدلة إلا قليلا جدا تقترف حماقات فكرية غائرة ومركبة عندما تنظر إلى قضية الجهاد في الإسلام. أغلبها يصنف الشيعة دون حتى تمييز بين التشيع المذهبي الأول وبين التشيع السياسي التقليدي والمعاصر وبين التشيع المعتدل كما هو عند الزيدية فقها على الأقل وبين التشيع المغالي كما هو الحال عند الإسماعلية وغيرها كفارا وأعداء وبالجملة فإذا أسفرت التدخلات الشيعية الإيرانية واللبنانية عما أسفرت عليه فإنها ساحة مفتوحة لممارسة " الجهاد " كما يفهمه السلفيون بصفة عامة وهي سوق كانوا يبحثون عنها في السماء فإذا هي بين أيديهم على مرمى حجر أو بصر. فلا هم حسموا المعركة ضد القوات الرسمية ولا ضد الدخلاء ولا هم منحوا الثورة العربية الراهنة حتى في سوريا نفسها مجالا للعمل وفسحة من الأمل بل كانوا عنصر إرباك شديد جدا. فلما تطور الأمر إلى أن تقابل " المسلمان " بسيفيهما هذا من " النصرة " وذاك من " داعش " وقتل بعضها الآخر .. لما تطور الأمر إلى ذلك الحد وهو كذلك منذ شهور فلم يعد يسع مسلما يخشى الله أو مؤمنا يعي دينه أن يطلق على ذلك العمل جهادا بأي صورة من الصور. الأمر الذي لا يريد سماعه أغلب مكونات التيار السلفي إلا قليلا جدا هو أنهم مخترقون من أكثر من دائرة إستخباراتية وإستعلاماتية. ليس أيسر من إختراق أي تنظيم سلفي لمن يعرف أبجديات هذه الأمور التي نتحدث عنها. لا أقر بحال من الأحوال التدخلات الشيعية في الساحة الثورية السورية بل هم عندي خونة وسفلة وحظهم من الدين على شفار جرف هار يكاد ينهار بهم ولكني بمثل ذلك لا أقر رد الفعل السلفي لأن الأمر في مثل هذه الشؤون ليس متروكا لمعركة محلية داخلية أو عربية إسلامية بل هي ساحة مفتوحة لأكثر من لاعب دولي وأكثرهم على الإطلاق العدو الصهيوني من جهة وبقية المعركة التقليدية السائدة منذ 1945 أي بين الدب الروسي وبين الإدارة الأمريكية ولعل المتابعين لما يحدث في أوكرانيا يدركون أنها فرصة مقايضة مناسبة جدا يبحث عنها الطرفان لينسحب كل واحد منهما من الساحة غير المفضلة عنده وماء وجهه محفوظ كما يقال.
ربما لم تشهد الأمة العربية والإسلامية في العقود المنصرمة ساحة عسكرية مشتعلة تتداخل فيها مقايضات القوى المتنفذة عربيا ( السعودية خاصة ) وغربيا ( الناتو وأمريكا وروسيا ) وإسلاميا ( تركيا وإيران ) وشعبيا ( السلفية خاصة ) .. ربما لم تشهد أي ساحة عربية أو إسلامية في العقود المنصرمة مثل ذلك بمثل ما نشهده اليوم في سوريا.
السؤال الإستراتيجي الذي يطرحه كل مشارك في أي معركة هو : لصالح من أقاتل أنا. ذاك هو السؤال الذي لا يفكر أكثر السلفيين حتى في طرحه. فإذا طرح على أحدهم أجابك بإجابة خارجة عن أطر الزمان والمكان الذي تعيش فيه أنت ويعيش فيه هو.
التيارات السلفية المقاتلة اليوم في سوريا تعمل ولكن بغير وعي ويا للأسف الشديد لصالح أمرين أحلاهما مر : إما تثبيت الطائفة العلوية في مكانها أي برئيسها أو بطاقمها حتى لو ذهب رئيسها وإما تثبيت الوجود الخارجي في سوريا بل إن أغلب فرص ذلك الوجود الخارجي تصب في صالح إيران الشيعية وليس بعيدا عن ذلك ما طرأ اليوم من " تسهيلات " على الملف النووي الإيراني وذلك في إطار المقايضات الجارية اليوم في الساحة السورية.
ذلك وعي بعيد جدا عن " الوعي السلفي المنحط جدا " إلا من كون الجهاد في سوريا فريضة عينية. نسي أولئك أن أي " جهاد " يزيد الأمة تفككا أو يزيد عدوها ظهورا عليها هو خروج على الأمة وبغي عليها ولا علاقة للعبث بالجهاد البتة. الجهاد عملية مركبة متعددة الأبعاد والمعول عليه ليس الإخلاص فحسب كما يظن السلفيون ولكن المعول عليه سيما في هذه الدنيا هو النظر التشاوري الجماعي الرصين في مآلات ذلك الجهاد فإن آل إلى حال أحسن فهو جهاد وإن آل إلى حال أسوأ فهو عبث معبوث.

المصير السوري مجهول ومخيف في الآن نفسه.
أظن أن ذلك أضحى اليوم شبه مشاع بين المهتمين. هو مجهول ومكمن الجهل فيه أنه يعسر جدا أن يفضي في المدى المنظور إلى إنتاج ثورة سورية شعبية جديدة تطرد رأس الطائفة العلوية النصيرية على الأقل وبعض حاشيتها المتنفذة وتتهيأ لها الأجواء الداخلية والخارجية لبناء ديمقراطية سورية جديدة تضع البلاد على سكة الإصلاح. أتمنى ذلك وأرجوه ولكنه بعيد المنال فيما أرى والله أعلم. وهو مخيف ومكمن الخوف فيه إحتمالان أحلاهما مر :

1 أن تهدى سوريا إلى الإمبراطورية الإيرانية الشيعية الطائفية المقيتة وذلك بمثل ما وقع للعراق بالتمام والكمال إذ العراق عندي هو هدية الكلب الجائع بوش الإبن إلى إيران ولم يكن يقصد ذلك ولكن الحماقة داء ما له دواء. سوريا مهددة بمصير مخيف مثل ذلك أي هدية السلفية من جهة وبعض القوى الخارجية من جهة أخرى إلى إيران الشيعية الطائفية القومية. وبذلك تحقق إيران إنتصارين سياسيين عسكريين إستراتيجيين كبيرين جدا ويكون ذلك عندما تضم إليها سوريا بمثل ما ضمت إليها العراق. إيران دولة قوية ومن أبرز مظاهر قواها الداخلية الديمقراطية الداخلية أي بين الشيعة ولكنها ديمقراطية النار ضد السنة هناك. إيران دولة براغماتية إلى حدود قد لا يتوصل العقل إلى مجرد حذقها. تتوفر إيران على رأس سياسي إستراتيجي كبير جدا. تلك هي إيران عندي وأترك لك وصفها بالأوصاف ذاتها التي أشاركك فيها ولكني أنظر من " عدوي " في مواضع قواه وليس في مواضع ضعفه. ذلك هو الفرق الوحيد بيننا.

2 أن تهدى سوريا إلى المعسكر الغربي الصهيوني الصليبي والخلاف بيننا هو أنها حيال المقاومة لم تكن دولة ممانعة بالكامل ولكنها لم تكن كذلك دولة موالاة بالتمام كذلك. هي دولة عرفت قدرها حيال إسرائيل المحتلة وخير لها أن تفرط بالجولان محتلا على أن تخسر أراض أخرى. هي كذلك لأنها وتقريبا فحسب ولاية روسية سابقة. فهي إذن دولة ممانعة أو دولة لا موالية بسبب موقعها الإستراتيجي وليس بطولة من الطائفة العلوية النصيرية.

دعني أفاجئك. إذا قدر لسوريا لا قدر الله حقا وصدقا وعدلا أن تكون هدية من الحماقة السلفية والصلف الصهيوني الغربي الصليبي وبتدخل سعودي كذلك إلى إيران أو إلى الغرب وأذياله فإني أفاجئك بأن أخف الضررين عندي هو أن تكون سورية هدية للغرب وأذياله وليس لإيران.

هي قراءات وإحتمالات وتقديرات وإجتهادات فكرية. لا أحد يزعم لنفسه القول الفصل في مثل ذلك. ولا شيء يمنعنا لا شرعا ولا عقلا من إستقراء الأوضاع. ولكن الأماني شيء والمآلات فوق الأرض شيء آخر.

والذي أعتقده أننا نتحمل مسؤولياتنا ومسؤولية أفعالنا خيرا وشرا والذي أعتقده كذلك أن الثورة السورية حتى لو تعثرت لسنوات قادمات فإنها منتصرة يوما ما بإذنه وحده سبحانه. والذي أعتقده كذلك أن الدماء السورية الطاهرة التي إستبيحت والعالم كله ينظر سليب الإرادة ستزهر يوما ثورة صحيحة مطهرة من الحماقات العربية والغربية وعندها ينعم السوريون بثورتهم وبلدهم وهويتهم المتنوعة ليظل الشيعي هناك شيعيا وطنيا مسالما والدرزي كذلك والمسلم كذلك والكردي كذلك بل حتى العلوي المسالم غير المتقوي على الناس بالدولة الطائفية. يظل أولئك جميعا أبناء بلد واحد وتحت سقف واحد حتى وهم مختلفون. ومتى كان الناس غير مختلفين حتى ينكر بعضنا على بعض أعظم قانون إلهي سماوي أي قانون التنوع والتعدد.

والذي أعتقده كذلك حتى وأنا لا أرى في التشيع السياسي الذي يقترف شره حزب الله اللبناني ودولة إيران الطائفية إلا معولا يدمينا هو أن الحرب الشيعية السنية هي حرب ضدنا نحن وليست حربا لا ضد الشيعة منا ولا ضد السنة منهم بل هي حرب نخسرها جميعا شيعة وسنة وهي حرب يربحها عدو الأمة الأول أي الصهيونية وبناتها من غربية صليبية وغيرها.

كل ذلك أعتقده من فقه هذه القالة العظيمة لإبن تيمية : ليس العاقل من يعرف الخير من الشر ولكن العاقل من يعرف خير الخيرين وشر الشرين.

ليس العيب في الثورة إذن حتى ونحن نراقب الوضع الدامي جدا لمآلات الثورة السورية إذ الفعل الثوري ضد الطغيان هو قربة من أجل القربات إلى الله تعالى ولا يسأل أي شعب في الدنيا وفي التاريخ لم ثار وكيف ثار وضد من ثار ولكن المؤاخذ هو النظام السوري وبقية الأنظمة العربية المتهالكة التي أفحشت في الفساد والإفساد حتى أغرت شعوبها بالثورة ضدها. ولعلل الله سبحانه يحدث من بعد هذه الأزمة القاسية علينا في سوريا أمرا كان مفعولا ويومها يفرح السوريون بنصر الله ويفرح معهم كل حر أبي كريم فهو ينصر من يشاء سبحانه ولكنه يقلب الأيام بيننا إبتلاء وإصطفاء.
الهادي بريك
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.