تونس تسجل رسميا تحفظها على 'إشارات' في وثائق 'قمّة البحرين'    انخفاض الانتاج الوطني للنفط    هل سيقاطعون التونسيون أضحية العيد هذه السنة ؟    عاجل: "قمة البحرين" تُطالب بنشر قوات حفظ السلام في فلسطين..    رسما: وزارة الشباب والرياضة تتدخل .. وتمنح جماهير الترجي الرياضي تذاكر إضافية    كاس تونس : تعيينات حكام مباريات الدور ثمن النهائي    الجبابلي: 21500 مهاجر غير نظامي حاولوا بلوغ سواحل إيطاليا خلال هذه الفترة..    سوسة: الإطاحة بوفاق إجرامي تعمد التهجم على مقهى بغاية السلب    فيفا يدرس السماح بإقامة مباريات البطولات المحلية في الخارج    خبير في الإقتصاد : الكفاءات التونسية قادرة على تلبية احتياجاتنا من الطاقات المتجددة    106 أيام توريد..مخزون تونس من العملة الصعبة    بمناسبة اليوم العالمي للمتاحف: الدخول للمتاحف والمواقع والمعالم الأثرية مجانا للتونسيين والأجانب المقيمين بتونس    اليوم : انطلاق الاختبارات التطبيقية للدورة الرئيسية لتلاميذ الباكالوريا    عاجل- صفاقس : الكشف عن ضلوع شركات وأشخاص في بيع محركات بحرية لمنظمي'' الحرقة''    ناجي الجويني يكشف عن التركيبة الجديدة للإدارة الوطنية للتحكيم    المعهد الوطني للإحصاء: انخفاض نسبة البطالة إلى حدود 16,2 بالمائة    التمويلات الأجنبية المتدفقة على عدد من الجمعيات التونسية ناهزت 316ر2 مليار دينار ما بين 2011 و 2023    وزارة التربية تعلن قبولها ل100 اعتراض مقدّم من الأستاذة النواب    رئيس الجمهورية يبحث مع رئيس الحكومة سير العمل الحكومي    وزارة الداخلية تُقدّم قضية ضدّ كل من نشر مغالطات بخصوص ما حصل بدار المحامي    عاجل : جماهيرالترجي تعطل حركة المرور    الترجي الرياضي التونسي في تحضيرات لمواجهة الأهلي    قيس سعيد يُؤكّد القبض على محام بتهمة المشاركة في وفاق إرهابي وتبييض أموال    الاقتصاد التونسي يسجل نموا ب2ر0 بالمائة خلال الثلاثي الأول من 2024    رئيس الجمهورية ووزيرة المالية يتباحثان ملف التمويلات الأجنبية للجمعيات    محمد عمرة شُهر ''الذبابة'' يصدم فرنسا    ضبط معدات لاسلكية لاستغلالها في امتحان الباكالوريا..وهذه التفاصيل..    مفزع/حوادث: 15 حالة وفاة خلال يوم فقط..    عرب يتعاملون بالعملات المشفرة.. و هذه الدولة في الصدارة    سيدي بوزيد: انطلاق الدورة 19 من مهرجان السياحة الثقافية والفنون التراثية ببئر الحفي    عاجل: متحوّر كورونا جديد يهدّد العالم وهؤلاء المستهدفون    ظهورالمتحور الجديد لكورونا ''فيلرت '' ما القصة ؟    حزب الله يستهدف فرقة الجولان بأكثر من 60 صاروخ كاتيوشا    الأيام الرومانية بالجم . .ورشات وفنون تشكيلة وندوات فكرية    محمد بوحوش يكتب...أدب الاعتراف؟    كتاب «التخييل والتأويل» لشفيع بالزين..الكتابة على الكتابة اعتذار عن قبح العالم أيضا    جمهور النادي الافريقي .. البنزرتي رجل المرحلة.. لا نعترف بلجنة الحكماء ونطالب بتنظيف محيط الفريق    ناجي الغندري يدفع المجلس البنكي والمالي نحو دعم الاقتصاد الوطني    الخُطوط التُونسية في ليبيا تتكبد خسائر وتوقف رحلاتها.    ينشط في عديد المجالات منها السياحة .. وفد عن المجمع الكويتي «المعوشرجي» يزور تونس    أخبار المال والأعمال    زلزال بقوة 5.2 درجات يضرب هذه المنطقة..    بطولة اسبانيا : أتليتيكو يهزم خيتافي ويحسم التأهل لرابطة الأبطال الاوروبية    محكمة العدل الدولية تنظر "وقف العمليات العسكرية في رفح"    إصدارات.. الإلحاد في الفكر العربي الإسلامي: نبش في تاريخية التكفير    سيدي بوزيد: يوم جهوي للحجيج    طقس اليوم ...الحرارة في ارتفاع ؟    استشهاد 3 فلسطينيين بنيران جيش الاحتلال في الضفة الغربية    أمراض القلب والجلطات الدماغية من ابرز أسباب الوفاة في تونس سنة 2021    عاجل : أحارب المرض الخبيث...كلمات توجهها نجمة'' أراب أيدول'' لمحبيها    أغنية صابر الرباعي الجديدة تحصد الملايين    حاحب العيون: انطلاق فعاليات المهرجان الدولي للمشمش    أكثر من 3 آلاف رخصة لترويج الأدوية الجنيسة في تونس    ما حقيقة سرقة سيارة من مستشفى القصرين داخلها جثة..؟    مفتي الجمهورية... «الأضحية هي شعيرة يجب احترامها، لكنّها مرتبطة بشرط الاستطاعة»    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ستنتصر الثورة في سوريا رغم الداء والأعداء.
نشر في الحوار نت يوم 27 - 05 - 2011

لست سوريا ولكني أعد الثورة في سوريا ضد إستبداد العائلة العلوية ثورتي.
أعد أهل سوريا الثائرين أهلي في العروبة أو في الإسلام أو في كليهما فإن لم يكن ذا ولا ذاك فهم أهلي في الآدمية والتوقان إلى الحرية والديمقراطية والكرامة.وكفى البشرية أديما يلف الناس كلهم إليه على أساس المساواة التامة ( كلكم لآدم وآدم من تراب ).
كتبت لي أقدار الرحمان أن أحيا هناك ( حي اليرموك بدمشق ) ستة أشهر كاملة عام 1993 برفقة مجموعة من الإخوة الذين ضاقت بهم تركيا بعدما أبرم حكامها يومها إتفاقية أمنية مع الذيل المقطوع بن علي على أساس أن نسلم إلى تونس مقايضة مع تسلم تركيا مقاتلي الحزب الكردستاني اللاجئين في تونس.
أحسن السوريون إلينا إحسانا كبيرا لنتفيأ ظلال الشام الوارفة ونتعلم أدب الحديث ورقة المعاملة وفنون المجاملة التي ضن بها علينا عرق دساس ورثناه من غلاظة البربر نحن أصلاء المغرب العربي .
آوتنا هناك مساجد فسيحة لا تكاد تخلو في كل ساعة من ساعات النهار من مشهد من مشاهد طلب العلم في شتى المعارف الشرعية.
أما لذتي التي لا يشبع لها نهم يوما فكانت ساعات طويلات أقضيها في حي الحلبوني متنقلا بين المكتبات الزاخرة بالمصنفات العلمية.
هما لذتان كانتا محرمتين علينا في تونس في أيام حكم عصابات النهب والسلب : مسجد فسيح يتفيأ المصلون ظلاله لا يخشون مساءلة بوليس ولا تعقبات مخابرات و مكتبات تنضح علما وعرفانا لا يحجر على صاحبها إستيراد عنوان ولا مؤلف ولا يسأل طالب علم عم إقتنى : لم وكيف وهل يمكن أن تساهم تلك العملية في التآمر على أمن الدولة!
خلط سياسي آن له أن يزول.
ينسب الناس اليوم إلى نظام الأسد أنه نظام ممانعة ضد الإحتلال الصهيوني وما هو كذلك عند التحقيق التاريخي والعلمي الصحيح. الممانعة لا تنسب أولا إلى نظام سياسي ولكن تنسب إلى الشعب السوري الكبير فهو الذي تحطمت على يديه محاولات الصهاينة الإختراقية سواء للنيل من وحدة البلاد وحفاظها على ممانعتها أو للنيل من بنى المقاومة الفلسطينية التي يؤويها الشعب السوري الكبير. أما ممانعة نظام الأسد فلا تفهم سوى في سياقها الجغرافي والسياسي : جغرافيا هناك إيران الطائفية التي تفرض على سوريا ضربا من الممانعة مقايضة مع مصالح أخرى منها الوجود الشيعي في سوريا ومنها الإئتلاف الطائفي بين النظام الشيعي الحاكم في إيران والنظام العلوي النصيري الحاكم في سوريا كما أنه هناك لبنان الذي ظل لعقود طويلة أشبه ما يكون بمحمية سورية ذات إستقلال داخلي. تداخلت تلك التوازنات العرقية ( عرب وأكراد وفرس وغيرهم ) والمذهبية ( سنة وشيعة وغيرهما ) مع مصالح مالية وإقتصادية لتكون سوريا ممانعة بحكم الجغرافيا والتاريخ والتركيبة وليس بحكم وفاء وطني لقيادة سوريا.
كانت الممانعة السورية بكلمة واحدة ضربا من ضروب الإبتزاز أو ضربا من ضروب ( البزنس) بالتعبير الإعلامي المعاصر. تماما كما كان الأمر في عهد عصابات النهب والسلب في تونس : ( بزنس ) دولي لإستدرار العطف المعنوي والضخ المالي بعنوان مقاومة الأصولية والتطرف.
كفى الثورات العربية الراهنة شرفا تمحيص الرجال والحركات.
إمتحان سقط فيه الدكتور البوطي سقوطا مريعا ولكنه مرقوب.
الدكتور البوطي رجل تعلمت منه الكثير و آلاف من أبناء جيلي. رجل من فقهاء العصر دون منازع. رجل جمع بين فقه الشريعة وفقه قضايا المعاصرة. رجل إذا تحدث عن المادية الجدلية التي بنى عليها الشيوعيون أطروحتهم الفلسفية نقضها نقضا ( أنظر كتابه : كبرى اليقينيات الكونية مثلا ) حتى تراءى لك أن الشيوعية بنظرتها الفلسفية للكون والحياة ليست سوى بيوت من التراب يشيدها الأطفال في ساعات مرحهم لتضحى من بعد ذلك أثرا من بعد عين. رجل إذا تحدث عن شريعة الإسلام فإن له فيه باعا طويلا يجمع إليه ريشة بيان ساحرة إلى وسطية فكرية معتدلة. رجل جمع إليه بكلمة واحدة خصلتين لا يجمعهما كل من هب ودب : ضارعة في الحجاج وشاحها البرهان و رهبانية إسلامية تسرح فيها الروح سرحان النحلة في حقول الأزهار ( أنظر شرحه للحكم العطائية مثلا ).
مشكلة البوطي واحدة هي : لا مكان في عقله لقيمة الجهاد والمقاومة.
شن الدكتور البوطي هجومات لا أول لها ولا آخر ضد ( الفيس ) الجزائرية أيام ظهورها وفوزها بإنتخابات الجزائر في شوطها الأول عام 1991 فلما وصل به الأمر حدودا جاوزت المشروع دينا وعقلا ألف كتابا في الجهاد كاد يلغي فيه قيمة الجهاد جملة وتفصيلا. لم يلق ذلك منه عند الناس ترحيبا سيما قبل ظهور ( الجيا ) الجزائرية و تحول قضية الجهاد في الجزائر إلى ما تحولت إليه قضايا كبيرة وكثيرة أي إلى ( بزنس ) فيه شركاء محليون ودوليون فيهم المتجانس وفيهم المتشاكس. وقف الدكتور البوطي من بعد ذلك في مناسبات قليلة جدا يثني على جلاد سوريا الأكبر : حافظ النعجة الذي ظل يكتنز سلاحه ليصبه على مدينة حماة عام 1982 متجاهلا أن جزء من بلاده يحتله الصهاينة ( هضبة الجولان).الدكتور البوطي معروف بعزوفه عن الأضواء : حتى الأضواء العلمية التي له فيها باع وأي باع بله الأضواء السياسية. أكاد أقول : أن تقرأ له علما يفيدك خير لك ألف ألف مرة من أن تسمع له تصريحات سياسية تصيبك بالدوار والدهشة. يمكن لك أن تلتمس له عذرا في دولة بوليسية طائفية بإمتياز شديد.
ذاك ما وقر في من بعد متابعة دائبة لإنتاج الرجل الذي لا أذكر أني ضننت على نفسي بثمن كتاب من كتبه وله وحده سبحانه الحمد والمنة والفضل. رجل تطرف في نفي البعد الجهادي في الإسلام ومنه البعد المقاوم إنطلاقا من إستراتيجية علمية أو دعوية يقدرها هو ومن يشترك معه فيها. إستراتيجية علمية أو دعوية تتطرف في فرض الإذعان لولي الأمر رغم تبدل هذا المفهوم السياسي تبدلا كبيرا جدا إلى حد إدانة أي مقاومة حتى لو كانت سلمية مدنية ديمقراطية. عجبي العجاب الذي لا ينقضي هو كيف يجمع عقل مثل عقل الدكتور البوطي بين وسطية إسلامية فكرية معتدلة جدا كلما طرق أي موضوع لا يتصل مباشرة بالسياسة الشرعية ( أنظر مثلا كتابه الفريد في حقله : السلفية ليست مذهبا فقهيا ..) وبين تطرف فكري كلما تعلق الأمر بالولاء لوكلاء الإحتلال المعاصرين الذين يحكموننا بالحديد والنار بعدما سلبت منهم كل سبل الشرعية والمشروعية دينا ودنيا معا. هل هو خلل في التكوين أم هو تورم في الإهتمام أم هي العصا التي تكره الفقيه على قول ما لا يعتقده أم هي المصالح المتبادلة؟ لا أدري ولا أجزم بواحدة من ذلك.
ثم تعرى الدكتور البوطي في الثورة الراهنة عريا فاحشا.
إستمعت إليه مرة أو مرتين بهذه المناسبة ينعت الثوار السوريين بنعوت من مثل : حثالة. نعوت ينقصها الأدب من لدن فقيه معاصر. أما خلو تلك النعوت من الحقيقة العلمية فهي الخائبة التي ورط فيها فقيه سوريا نفسه بالمجان. الأمر لا يعتمد من قبل الدكتور البوطي ولا من قبل أي رجل فوق الأرض على أهواء أو ميولات. الأمر هنا أمر في الإسلام مقدم ومعظم. أمر لا ينتمي إلى حقل الظنيات بل إلى حقل القطعيات. بل حقل المحكمات التي تعصم الأمة بإسلامها وتعصم الإسلام بأمته ليشد بعضهم بعضا. الأمر يعتمد على قيم الحرية والكرامة ومن قبل ذلك على قيمة الإنسان ومنزلة رأيه حتى لو كان خاطئا كلما كان في كنف السلم ورعاية الحرمة المادية والمعنوية للآخرين. الأمر يعتمد على قيمة المواطنة في الإسلام وعلاقات الحاكم بالمحكوم حتى لو كان ذلك الحاكم منتخبا إنتخابا ديمقراطيا صحيحا من لدن المحكومين بما لا تشوبه شائبة فما بالك إذا كان الحاكم وهو كذلك في سوريا وغير سوريا مفروضا على الناس بالحديد والنار. هذا لمظنة إنتمائه إلى العترة النبوية وكأن الخليفة الأول له عليه الصلاة والسلام كان الحسن أو الحسين أو فاطمة أو عليا ولم يكن أبابكر عليهم جميعا الرضوان وكذا على إمتداد الخلافة الراشدة كلها حيث لا مكان لمشروعية عترة نبوية بل كان المعيار الأوحد المحكم هو بيعة التراضي بين الحاكم والناس حتى أن رئيس إدارة الهيئة العليا للإنتخابات في إثر إغتيال الخليفة الراشد الثاني الفاروق أي : إبنه عبد الله إبن عمر لم يدع بيتا من مدر ولا وبر إلا ولجه سائلا حتى العذراوات في خدورهن عن إختيارهن بين عثمان وعلي عليهما الرضوان. وذاك لمظنه غلبته بالقوة المادية أي العسكرية والأمنية سيما بعد تورط بعض الفقهاء قديما في إضفاء مشروعية دستورية على سلطان الغلبة والقهر وإنتاجهم قالة والغة في الإنحطاط إلى حد التأثم : حاكم غشوم خير من فتنة تدوم.أمر السياسة إذن ليس موكولا في أصوله الدستورية إلى رأي فلان أو قول علان. هناك أصول مرعية لا قوام للأمة إلا بقوامها وعلى رأس تلك القيم المرعية : بيعة تراض متبادل بين الحاكم والمحكوم ولا ريب في أن خير وسيلة تضمن ذلك اليوم : إنتخابات عامة مباشرة ديمقراطية لا حجر فيها على ناخب ولا منتخب لا بسبب جنس أو دين أو لون أو عرق أو لغة إلا الإعتبار الوطني أو بعض الشروط المتعلقة بالسن ومدارك الأهلية الأخرى وهي تراتيب إدارية لا تحط من شأن تلك القيم المرعية.
وبمثل ذلك سقط السيد نصر الله.
سقوط نصر الله أمين عام حزب الله اللبناني لا يفسر سوى في كنف ما أنف ذكره أي أن الممانعة السورية حيال الإحتلال الصهيوني ليست ممانعة وطنية من لدن القيادة السورية ولكنها ممانعة مفروضة من تحالفات مذهبية إيرانية لبنانية سورية. بعض العقول لا تقوى على تفصيل الأمر لحسن إستيعابه وتفكيك مفاصله فإما أن يستوعب العقل أمرا إيجابيا بالكامل أو أن يلفظه بالكامل. أحسن مثال تطبيقي على ذلك هو مثال : حزب الله من جهة وإيران من جهة أخرى حيال المقاومة ضد إسرائيل من جهة كذلك وحيال حقوق المختلفين معهما مذهبيا من جهة أخرى كذلك. بعض العقول لا تستوعب الجمع بين الحسنة ونقيضها. تلك عقول أحادية لا تصلح للحوار في القضايا التي لا سبيل إليها سوى بتفكيك التعقيدات. إنحياز حزب الله على لسان أمينه العام السيد حسن نصر الله إلى جانب السلطة في سوريا ضد الثورة الشعبية الراهنة ( دعا إلى ذلك قبل أيام قليلة صراحا بواحا) لا يجعلنا نحكم على الحزب وأمينه العام جملة وتفصيلا بالعدم. ولكنهما مشهدان متقابلان يحسن بالعقل المركب إستيعابهما معا : مشهد حزب الله المقاوم ومشهد حزب الله الطائفي. إذا حملك عقلك على إعدام حزب الله المقاوم لأنه حزب طائفي ينتصر للظلم العلوي النصيري في سوريا ضد إرادة الشعب السوري فلا تتردد في إتهام عقلك. التهوين من الموقف المخزي لحزب الله حيال المقاومة الشعبية السورية ضد السلطة هناك تهوين يهون من قدر صاحبه دون ريب ولكن التهويل إلى حد شطب قيمة المقاومة من قاموس حزب الله هو كذلك تهويل يهون من قدر صاحبه دون ريب. وبمثل ذلك إيران مع بعض الفوارق المعينة.
الحرية والتحرر وجهان لعملة نقدية واحدة.
المقصود بالحرية مقاومة الشعوب ضد حكامها المغتصبين لإرادتها على درب إستعادة الكرامة والعدالة والديمقراطية والمواطنة والشراكة في الوطن. أما المقصود بالتحرر فهو مقاومة الشعوب ضد المحتل وخاصة المحتل الصهيوني سواء كانت مقاومة ميدانية فوق أرض فلسطين أو مقاومة غير مباشرة خارج الوطن المحتل. الحرية والتحرر من رحم واحدة ولا يفصل بينهما إلا جاهل أو أحمق. هما سبيلان متلازمان تلازما عجيبا. لقد ثبت اليوم بالتجربة أن كل تغول للكيان الصهيوني المحتل يعقبه ضمور في الحريات الداخلية للشعوب والعكس بالعكس دوما صحيح. أصل ذلك أن المحنة العربية الراهنة كما كتب ذلك بحق المفكر السوري الكبير برهان غليون ليس لها سوى عنوان واحد هو: الدولة القطرية هي صنيعة إستراتيجية التجزئية والتبعية الغربية و معلوم أن اللوبي الصهيوني له في تلك الإستراتيجية نصيب موفور.هي معادلة فكرية من أحسن إستيعابها أحسن إستيعاب عصره : الحرية تفضي بالضرورة إلى التحرر والتحرر يفضي بالضرورة إلى الوحدة العربية والإسلامية. السؤال الخاطئ منهجيا هو : أي مسار نقدم؟ سؤال خاطئ منهجيا لأننا نشكو من الظلموت الثلاثي : لا نحن أحرار في أوطاننا بل نورث كما تورث الأنعام ولا نحن أصحاب أرض محررة ولا نحن موحدون فوق أرضنا بل محكوم علينا أن نحيا شظايا أمة. مسارات ثلاث متلازمة يخدم بعضها بعضا بالضرورة.
لا نتهم حزب الله في مقاومته ولكن لا نستأمنه على أنفسنا.
ذلك هو شعوري. لا أنفي عن حزب الله وإيران رغم الإختلاف معهما على المنزع الطائفي وليس المذهبي إذ برغم سنيتي فإني أعد المذهب الشيعي مذهبا إسلاميا معتمدا من لدن الأمة ضمن ثمانية مذاهب يتدين بها المسلمون اليوم وليس هذا محل تفصيل منزعهما المقاوم بل هو محمود بكل آيات الحمد وعرابينه. غير أني لا أستأمنهما على نفسي وحريتي وكرامتي بعدما رأيت بأم عيني وسمعت بأذني هاتين ما جرى للسنة في إيران وما يحاك ضدهم خارج إيران. أما موقف السيد نصر الله من الثورة السورية الراهنة فهو الموقف المتجانس مع كونه طائفيا متطرفا في طائفيته حتى النخاع. موقف مفهوم ولكنه موغل في الخزي والعار. موقف يعمق شعوري : أنتصر لإيران وحزب الله مقاومة لإسرائيل ولا أستأمن أيا منهما على نفسي وما يليني حتى يلج الجمل في سم الخياط.
الممانعة ورقة توت كشفت الثورة السورية العورة التي تخفيها.
ظل يلوح النظام السوري بمثل ما لوح به غيره ممن إمتحن بالثورة ضده : يلوح بتنظيم القاعدة حينا وبالإخوان المسلمين حينا آخر فلما أعيته الحيلة في إقناع الغرب فر إلى التلويح بأن الثورة الشعبية ضده صناعة غربية إنتقاما منه لموقفه الممانع من الإحتلال. وقع في تلك الأحبولة الخبيثة من وقع من الناس الذين كان لهم من قبل ذلك أثر محمود. أثارت بعض المصادر الصحفية أن الصحفي الشهير غسان بن جدو أسس إستقالته من قناة الجزيرة على أسس منها خلفيات الموقف الإعلامي من ثورتي البحرين وسورية بل نقلت بعض تلك المصادر أنه يؤيد عصابة الفساد في سورية ضد الإرادة الشعبية. إذا ثبت ذلك ولم أعثر على ما يؤيده رغم أني مازلت أحتفظ للرجل في صدري بمكان كبير فإن الرجل ليس سوى أكبر الساقطين في تلك الأحبولة الخبيثة. هب أن النظام السوري نظام ممانع هب ذلك ولست من الواهبين لذلك بسبب أن الممانعة السورية فضلها للشعب السوري وليست لحكامه فبأي حق ندين عشرات الآلاف من السوريين المقاومين بصدورهم العارية في الشوارع ويبثون الشهداء شهيدا في إثر شهيد .. بأي حق ندين أولئك بسبب أن حاكمهم ممانع؟ تلك قسمة ضيزى. أول علامات النفاق في الممانعة السورية على المستوى الرسمي وليس الشعبي هي أن حاكم سوريا يذرف دموع التماسيح على الفلسطينيين المحرومين من نسمات الحرية ولكنه يعامل شعبه بمثل ما تعامل به إسرائيل المحتلة الناس في الأرض المحتلة. ليس ذلك هو المعنى الأصيل القح للحرية.
ورقة توت كشفت عورة القذافي وستكشف عورة الأسد كذلك.
تلك هي ورقة التوت التي خيل للمجرم السفاح القذافي في لحظة صحو أنه يستخدمها ليحصد ما بقي من رؤوس الليبيين. صور الأمر على أنه هجوم صليبي ضده وضد شعبه فما إلتفت إليه عربي واحد. ذاك هو مصير الأحبولة الخبيثة التي يلوح بها حاكم سوريا اليوم. الشعب السوري شعب مقاوم ولكنه يقاوم الصهيونية والإحتلال من جانب ويقاوم الإستبداد والقهر من جانب آخر. هما مقاومتان تتلازمان.
وسينتصر الشعب السوري بإذن الله سبحانه على عصابات النهب والسلب والفساد المتسلطة عليه بمثل ما إنتصر في مقاومته للعدوان الصهيوني والإحتلال الإسرائيلي.
الهادي بريك ألمانيا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.