المسابقة العالميّة الكبرى لجودة زيت الزيتون بنيويورك 26 ميداليّة لتونس    ما هي الدول التي أعلنت الحداد العام على رئيسي ومرافقيه؟    الجامعة تضبط مواعيد النهائيات وجدل حول «دربي» الكأس    المهدية .. الملتقى الوطني لفنون الصّورة والسّينما والفنون التّشكيلية .. عروض ثريّة للإبداعات والمواهب التلمذيّة    رئيس الحكومة في زيارة ميدانية للشمال الغربي للبلاد التونسية    رقم مفزع/ من 27 جنسية: هذا عدد الأفارقة المتواجدين في تونس..    مع الشروق .. إدانة... بنصف الحقيقة    سجن سنية الدهماني .. يتواصل    القيروان: انتشال جثة إمرأة من قاع فسقية ماء بجلولة    جمعية معرض صفاقس الدولي تكسب الرهان : لهذه الأسباب نجح صالون الفلاحة والصناعات الغذائية    تنبيه/ تحويل ظرفي لحركة المرور ليلا لمدة أسبوع بهذه الطريق..    هل فينا من يجزم بكيف سيكون الغد ...؟؟... عبد الكريم قطاطة    التضامن.. الإحتفاظ ب3 اشخاص وحجز كمية من المواد المخدرة    الليلة: سحب عابرة ورياح قوية والحرارة تتراوح بين 16 و26 درجة    عاجل: وسائل إعلام رسمية: انتخابات الرئاسة في إيران ستجرى في 28 جوان    فقدان 23 تونسيا في'حَرْقة': ايقاف 5 متهمين من بينهم والدة المنظّم واحد المفقودين    وزيرة التجهيز تؤكد على جهود تونس في تحقيق التنمية بالجهات وتطوير الحركة الجوية بالمطارات الداخلية    بنزرت تستعد لاستقبال أبناء الجالية المقيمين بالخارج    النادي الصفاقسي : اصابة وضّاح الزّايدي تتطلب راحة باسبوعين    التوقعات الجوية لهذه الليلة    نابل: وفاة شاب واصابة 10 أشخاص في حادث خطير    والي بن عروس: فخور ب"دخلة" جماهير الترجي وأحييهم ب"عاطفة جيّاشة"    أغنية لفريد الأطرش تضع نانسي عجرم في مأزق !    مدير عام ديوان تربية الماشية: النحل يساهم في ثلث غذاء الإنسان    وزارة التربية: هذه هي الانشطة المسموح بها بالمؤسسات التربوية خارج أوقات التدريس    إضراب عن العمل بإقليم شركة فسفاط قفصة بالمظيلة    بودربالة يوجه الى نظيره الايراني برقية تعزية في وفاة إبراهيم رئيسي    وزيرة السعادة تحافظ على مركزها ال9 في التصنيف العالمي    أبطال إفريقيا: الكشف عن مدة غياب "علي معلول" عن الملاعب    تقرير يتّهم بريطانيا بالتستر عن فضيحة دم ملوّث أودت بنحو 3000 شخص    تزامنا مع عيد الاضحى : منظمة ارشاد المستهلك توجه دعوة لقيس سعيد    سيدي بوزيد: تواصل فعاليات الدورة 15 لمعرض التسوق بمشاركة حوالي 50 عارضا    كيف قتل "رئيسي"..خطأ تقني أم ضباب أم حادث مدبر..؟    نحو الترفيع في حجم التمويلات الموجهة لإجراء البحوث السريرية    وزارة التشغيل تمدّد في آجال التسجيل في برنامج مساندة المؤسسات الصغرى المتعثرة إلى غاية يوم 16 جوان القادم    فظيع: غرق شخص ببحيرة جبلية بجهة حمام بورقيبة..    الشاعر مبروك السياري والكاتبة الشابة سناء عبد الله يتألقان في مسابقة الدكتور عبد الرحمان العبد الله المشيقح الأدبية    تونس : أنواع و أسعار تقويم الأسنان    الأولمبي الباجي أمل جربة ( 2 1) باجة تعبر بعناء    اشادات دولية.. القسّام تتفاعل وإعلام الكيان مصدوم...«دخلة» الترجي حديث العالم    انطلقت أشغاله الميدانيّة: التعداد السكاني دعامة للتنمية الاقتصادية    تونس تقدم التعازي في وفاة الرئيس الايراني    دول إفريقية مستعدّة لتنظيم عودة منظوريها طوعيا من تونس    هذه أول دولة تعلن الحداد لمدة 3 أيام على وفاة الرئيس الايراني..#خبر_عاجل    استدعاء ثلاثة لاعبين لتشكيلة البرازيل في كوبا أمريكا واستبدال إيدرسون المصاب    بينهم زعيم عربي.. زعماء دول قتلوا بحوادث تحطم طائرات    تحذير من موجة كورونا صيفية...ما القصة ؟    نهائي "الكاف": حمزة المثلوثي رجل مباراة الزمالك ونهضة بركان    المندوبية الجهوية للشؤون الثقافية بسيدي بوزيد تستعد للموسم الثقافي والصيفي 2024    القصرين : الوحدات العسكرية تشارك أبناء الجهة احتفالاتها بالذكرى ال68 لإنبعاث الجيش الوطني التونسي    المرشح الأول لخلافة الرئيس الإيراني..من هو ؟    4 تتويجات تونسية ضمن جوائز النقاد للأفلام العربية 2024    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    دار الثقافة بمعتمدية الرقاب تحتفي بشهرث الثراث    نحو 20 % من المصابين بارتفاع ضغط الدم يمكن علاجهم دون أدوية    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن المقاربة اللغوية في فهم ظاهرة الإسلام السياسي
نشر في الحوار نت يوم 02 - 04 - 2014

بلغ بالعرب و المسلمين حدودا من التخلّف اللغوي و الثفافي و السياسي و الاقتصادي و السلوكي، مما سبّب في مضاعفة أزمة العقل العربي و الإسلامي و عجزه حتى عن ادراك أزمته. و بقي سؤال لماذا تقدّم الآخرون و تأخّرنا نحن، من الأسئلة المزمنة التي بلغت حد" العفونة" الفكرية في تناولها. و مما أميل إليه أن أزمتنا مركّبة و متعدّة الأبعاد، و لا يمكن فهمها إلا بمناهج مركّبة و متعدّدة أيضا. فالإدعاء بأن المقاربة اللغوية لوحدها أو المقاربة النفسية لوحدها.. ستوصلنا إلى الفهم الموضوعي و تفتح لنا أفقا في حل المشكلات العربية و الإسلامية، هي دعوة لا تستقيم علميا.

فرضيات لاعلمية و فهم تجزيئي:
قد سُعدت مؤخرا بقراءة مقال الأستاذ محمد الحمّار " يوم يتكلّم العرب لغتهم" و الذي ذكر بأنه توسّل بالمقاربة اللغوية في فهم ظاهرة " الإسلام السياسي" و مآلات فعله في الواقع العربي أساسا.و كنت أنتظر من الأستاذ الحمّار أن يخرج لنا بنتائج يمكن أن تساهم في الفهم كمقدمة للبناء عليها على المستوى العملي.. إلا أنه في نظرنا لم يكن وفيا للمقاربة اللغوية المحضة و التي تغوص في كنه المكوّن اللفظي و دلالته و " تشخّصه" المادي و النفسي واقعا. لتكون القراءة موضوعية و إن هي حملت بذور الفهم التجزيئي، و ليس ذلك بمعيب فكل مقاربة تأتي على شكل المنهجية المستخدمة و تتحدّد بحدودها، لتُكمل بقية المقاربات المغايرة بقية أجزاء الصورة. و هذا هو مطلب التحليل العلمي. و مما يُلاحظ في مقاربة الأستاذ الحمّار أنه كان سجينا لمجموعة من "العيوب المنهجية" و التي في تقديرنا تقدح تاليا في علمية و موضوعية نتائج مقاربته و التي نُجملها في التالي لعلنا نعود إليها في محاورة أوسع تفاعلا مع الكاتب:
1. المنهجية العلمية عادة ما تنطلق من فرضيات، يؤكّها البحث أم ينقضها. إلا أن الأستاذ الحمّار انطلق في مقاربته بأحكام مسبقة و رؤية مطلقة و"دغمائية" بيّنة حاكمة لقوله. من مثل:
· "اللغة والإسلام السياسي يشكلان الداء لا الدواء" و هي حقيقة تتجلّى في الواقع كما يدعي الكاتب..
· "..تأكد نفور جانب كبير من المجتمع من حُكم "الإسلاميين" وتقززهم لمجرّد متابعة الأخبار بشأنه.."
فهذه أمثلة لما وصفنا. فإذا كانت الحقيقة متجلّية في الواقع و النفور سائد، فهلاّ تركنا المجتمع يدافع عن نفسه بنفسه وفق الآلية التي تواضع عليها لتكون حكما بين مكوّناته!. و الذي يهمني هنا إن ما صدّر به الأستاذ الحمّار مقاربته ليست فرضيات علمية قابلة للبحث. بل هو انطلق من مجموعة حقائق مسلّمة لديه و مثبتة واقعا. فمن الطبيعي أن تجرّه هذه الدعوة إلى تثبيتها مما يُفقد مقاربته صفتي العلمية و الموضوعية. و أنا هنا في سعي إلى تبيّن انضباط المقاربة منهجيا و ليس الحكم عليها فكريا أو سياسيا.
2. إن الحقائق التي ذكرها الأستاذ الحمّار و التي أوردنا مثالا لها سابقا، لم يشر إلى المقياس الذي اعتمده ليضفي عليها صفة الحقيقة. فإذا كانت حقيقة موضوعية في الواقع الاجتماعي من الأكيد أنها تأسست على آلية متواضع عليها، فما هي الآلية المستخدمة هنا. أما إذا كانت حقيقة نفسية فذات الكاتب هي التي أطلقت عليها هذه الصفة مما يُبعدها عن الموضوعية و العلمية.. و إذا تركنا الأمر على اطلاقيته لوجدنا في الواقع أمثلة أكثر تنقض ما وُسم بالحقائق في المقال.و لكن هذا التمشي يُدخلنا في المحاججة السياسية و التي ليست طلبنا هنا، على رغم "تهاوي" المقال في قاعه.مما جعل من مقاله "مقاربة سياسية" و إن تخفّى وراء " المقاربة اللغوية".
3. و تأسيسا على ما سبق أيضا كان المقال المذكور مشبعا بلغة "الخصومة" و مشحونا سياسيا. فكلما حوالت المقاربة اللغوية جذب الكاتب إلى التفكيك في الأبنية و مدلولاتها، مما ينبىء ببلوغ المقاربة نتائج موضوعية، بقدر ما تفاجئك "الاسقاطات" لتنبهك بأنك لست أمام مقاربة لغوية و إنما هو تخفّ وراءها .

المقاربة و سيطرة المقاصد السياسوية:
تم التركيز فيما سبق على جزئية الفرضيات التي وضعها الباحث لنفسه. و بيّنا أن الفرضيات المذكورة لا ترتقي لوصفها بالفرضيات كتلك التي تُعتمد في البحوث العلمية. و قلنا أن الكاتب انطلق من حقائق مطلقة في نظره و أسقط عليها منهجا غير علمي، مما أفقد البحث المقصد العلمي لينزل به إلى المقصد السياسوي. و مقاربتنا النقدية سوف تحاكم البحث أولا منهجيا من خلال تبيّن مدى انضباط الباحث للبحث العلمي، و ثانيا مضمونيا من ناحيتي الصدق و الموضوعية و ثالثا اجرائيا من حيث النتائج و مدى تساوقها مع الأهداف المرسومة في البحث و المنهجية المعتمدة في التقصّي.
في مقدمة البحث ذكر الباحث أن أهداف بحثه تتجه إلى :
1. تقصّي الخيط الرابط بين الاسلام السياسي و اللغة
2. استشعار منهاج يتناسب في الآن ذاته مع المقاربة الألسنية و كذلك مع النتائج التي سيفضي إليها.
فيما يتعلّق بالهدف الأول مشروع و مقبول و يتّصف بمقومات الوصف العلمي للأهداف. أما إذا انتقلنا إلى الهدف الثاني فهو ملتبس من الناحية العلمية. فما المقصد من كلمة "استشعار" ربما تعني "استبطان" منهج مُسبق، مما يغيّر من هوية الهدف لننتقل إلى مقام الوسيلة. و ربما يعني بلوغ أو انتاج منهاج جديد يحقق المطلوب العلمي للبحث. و هذا الالتباس في تحديد الأهداف ينقض مقومات الوصف العلمي للهدف. إضافة إلى ذلك و إذا قبلنا بالرأي الثاني ففي صيغته انكشاف للمستور قبل أوانه. فالنتائج معلومة مسبقا و مُعلنة بدءا.
و في تشخيصه للعوامل التي جنت على المسلمين عموما و على العرب خصوصا قال بأن من بينها الجهل بأساليب تطوير اللغة، مما حوّلهم إلى شعوب بلا مرجعية "كلامية" و أن ما أنتجوه فيما يُسمّى بالربيع العربي هو نسخة من البُكم و من الإعاقة اللغوية. و تقديره أن المُعاق لا يُنتج إلا إعاقة جديدة. و المشكلة هنا أن الكاتب تلبّس ب"الإعاقة اللغوية"، و انتقل من تعددية العوامل إلى أحاديتها. و هذه هي الإعاقة الحقيقية. و كيف لباحث يكون هدفه هو تقصّي الخيط الرابط بين الاسلام السياسي و اللغة، و في الوقت نفسه ينطلق من حقيقة تصفهما بالداء و الدواء. فعن أي خيط نبحث؟ و عن أي تقصّ نتحدّث؟. و هكذا تتحوّل حقيقة الأهداف كما الفرضيات إلى "دغمائية سياسية" تتخفّى و راء مسمّى المقاربة العلمية.
المصطلحات و "الشحن الايديولوجي":
جعلت المقاربة اللغوية التي نتتبّعها في هذه القراءات منهجيا و مضمونيا و نتائج، من الإسلام السياسي مركز نقدها و جهد نقضها له. إلا أنه كان مستغربا من الناحية العلمية أن توجّه معاول الهدم و مناهج النقد و مقولات النقض إلى هذه الظاهرة و خاصة المصطلح المستخدم دون بدء بالتعريف بمدلوله الاصطلاحي و تعيّنه المادي. فقد ذكر مصطلح " الإسلام السياسي" عديد المرات، إلا أنك لا تظفر بتعريف له!.
و من المفارقات المنهجية التي تُحيلنا مرة أخرى إلى أن المقاربة سياسوية محضة و ليست لغوية، أن المبررات و الدوافع والتي اتخذت شكل القاعدة المنهجية التي تأسست عليها المقاربة و هي أن اللغة المستخدمة لتوصيف الواقع السياسي تُحيل قسرا إلى الإسلام السياسي!. و في حالة صدقية هذه المقولة، تفترض أن يكون الإسلام السياسي هو المتحكّم في النسيج الثقافي و الاجتماعي و العلمي و الاعلامي..لعقود حتى يتمكّن من بسط نفوذه اللغوي و يفرض مصطلحاته لتكون اللغة المستخدمة!. فهل هذا هو الواقع في تونس مثلا؟. بل على العكس بتاتا. فلغة التوصيف في تونس هي من صناعة و بلورة ما يُسمى بقوى الحداثة. و هي التي احتكرت الانتاج الثقافي و الفكري و الاعلامي. و الجمع يعرف أن تونس شهدت "حربا" على ما يُحيل إلى "الإسلام السياسي" بل إلى الفهم الشمولي للإسلام عموما. و نعيش اليوم على منتجات و آليات مرحلة " تجفيف الينابيع". فعن أي علاقة يتحدث الكاتب؟. فالمُتهم هنا ليس ما يُطلق عليه الإسلام السياسي و إنما من رضي بأن يكون أداة للإستبداد على الجبهة الثقافية و تولى مهمة إعادة صياغة الخطاب و أدواته ، ظنا أن ذلك يُكمل خطوة المستبد في "ترويض" المجتمع، فهل انقلب السحر على الساحر.
و أظن أن "الشحن الايديولوجي" الذي أُشبعت به هذه المقاربة، جعل من كاتبها "يخبط خبطا" عشوائيا. فعن أية علاقة بين كلمتي "إسلاموي/ة" و " متأسلم/ة" و " تحقير الإخوانية" ؟. هكذا يُنزل الكاتب حُكما قيميا و سياسيا و اجتماعيا دون تحليل علمي و تفكيك للمدلولات و يعتبر أن العبارتان " أصبحتا تُستعملان لتحقير الإخوانية و حُكمها، شفويا و كتابيا، و بنسق مرتفع جدا.." و ليصل إلى الحكم/الحقيقة الذي انطلق منه و يريد البرهنة عليه :".. مما يدل على أن جانبا مهما من المجتمع، و هي الفئات التي استساغت اللفظتين، أضحى يلفظ الإسلام السياسي و أتباعه و أنصاره". و الكاتب هنا ينطلق من حكم اطلاقي، لنكشف في جملته التالية أن الحكم ينحصر في الفئة التي استساغت اللفظتين!، إلا أنه ستر ما يستوجب كشفه ليكون قوله علمي، ألا و هو نسبة مستساغي اللفظتين!. فاللغة كشفت أسرار ما يُفكّر فيه و ما يُنتجه من تخلّف في التحليل و القراء العرب علموها و فهموها، على عكس ما أراد.
الوهن المضموني و التناقضات المنطقية:
مواصلة فيما شرعنا به من تفاعل نقدي، سنركز نقدنا في هذا الجزء على الجانب المضموني و تناقضاته الداخلية، مما يفقد المقاربة المذكورة جدّتها و نسقيتها و وحدتها المنطقية.
يشير الكاتب إلى أن:" إشكالية اللغة إزاء الإسلام السياسي تتسم بما يكفي من التعقيد لتعرقل التفكير السليم، إن دينيا أم سياسيا أم إزاء الاثنين معا". فاستخدام لفظتي التعقيد و العرقلة، يشيران إلى صعوبة منهجية للوصول بالمقاربة إلى نتائج موضوعية. والإشكالية بحسب تقدير الكاتب تعرقل التفكير السليم. مما يستوجب فكّها لتعبيد الطريق أمام التفكير السليم أو تجاوزها لتحقيق المناط نفسه أيضا. إلا أن ما بلغه الكاتب لا يعدو أن يكون "توهانا" في أتون الاشكالية "المزعومة". و مما يضاعف في ارتباك المقاربة و عدم قدرتها على بلوغ ما تستهدفه هو الواقع المنخرم و الذي " هو هكذا بسبب تعاون عاملين سلبيين على خيانته ثم تعقيده، و هما استخدام الاسلام (بمزجه بالسياسة) من جهة و سوء استعمال اللغة". فلو اكتفى الكاتب بلفظ استخدام الاسلام أي توظيفه دون "تعقيب توضيحي" بالمراد و هو مزجه بالسياسة، لكان موضوعيا. و يحق لنا التساؤل هنا: فإذا كان مزج الاسلام بالسياسة هو عامل خيانة و تعقيد، ألا ينطبق الأمر نفسه على الفصل بين الاسلام و السياسة. فهو في صورته توظيف في اتجاه آخر!!. إذن من حيث أراد الكاتب التحرر من العوامل السلبية، استخدمها و أعاد استخدامها في المقاربة. و الأمر نفسه أيضا ينطبق على العامل الثاني و الذي يتعلّق بسوء استخدام اللغة. ثم يتوسّع الكاتب بذكر معطى جديدا ألا وهو "تدخل اللغات الأجنبية في طرائق فهم العرب لقضاياهم و مشكلاتهم و التحديات المنتصبة أمامهم". و هذا المعطى واضح و جليّ و نتفق مع الكاتب حوله. إلا أن المفردات التي يقترحها صاحب المقاربة، و التي يعتبر انتشار استخدامها أيضا دليلا على "رفض الاسلام السياسي"، هي أيضا في مجملها نتيجة لتدخل المعطى الجديد. و قد دعا الكاتب إلى مسألتين مهمتين نتفق معه أيضا حولهما، فقد دعا إلى:
1. إنقاذ مفردة "إسلامي" و السياقات المتعلقة بها لتحريرها من المعاني التحقيرية
2. ليست كل الأفكار بشأن العرب و حياتهم و واقعهم و ثقافتهم صادرة عنهم و إنما بعضها مستورد..فالعرب مُستلبون للثقافة الأجنبية و بالتالي مغتربون عن واقع حياتهم..

إلا أن النتائج التي بلغها تأتي على عكس ما تستوجبه المقدمات المنطقية. بل يندفع سياسويا و بدون دليل إلى القول بأن "الاسلام السياسي.. يقوم بدور الحمّال لحزمة التناقضات و التباينات و المفارقات المتعلقة بالإسلام، صناعة غربية، و من باب أولى أحرى، أمريكية..". و الباحث المُنصف يعقل جيدا خلفية هذا القول و من يروّج له. و لا يمكن أن يكون ضمن محاججة تسعى إلى تفكيك تناقضات الواقع العربي و ملامسة تعقيداته لبلوغ رؤية تحليلية موضوعية. و بهذا " التشظّي الفكري" سقطت المقاربة في حيرة لم تدر كيف تخرج منها و قد اعترف الكاتب بذلك: " .. نقر أن ما أصبح من المحيّرات بشأن الأحجية اللغوية في الفضاء الثقافي العربي، إلى جانب الحيرة بشأن مسألة الإسلام السياسي بصفتها هما أضحى عصيا على العامة و الخاصة على حد سواء..". فالنتيجة التي بلغها الباحث هو الاقرار بحالة "استعصاء" على العامة و الخاصة، و هو من الخاصة. فكيف يجوّز لنفسه الاستمرار في التبشير بمقاربته !!. و كلما اتجه يمنة أو يُسرى، إلا وجد أن الآليات التي توسّل بها لا تُسعفه ببلوغ النتائج المرجوة، أو ما هي دواعي و استدعاء مصطلحات : التعقيد، الاستعصاء،الاستحالة .. فحتى الأسئلة حول الربيع العربي، الإجابة عنها: " ..شبه مستحيلة في ظرف ثقافي و فكري عام يتسم بالتخلف الابستيمولوجي، و هو تخلف يحول دون المثقف و تملكّه القدرة على السيطرة على وضع يتضمن الشيء و نقيضه". و السؤال الذي يفرض نفسه هنا: ما هي الإضافة التي قدّمتها المقاربة لتجاوز التخلف الابستيمولوجي؟ و ما هي مساهمة المقاربة أيضا لتمليك المثقف القدرة على السيطرة وضع يتضمن السيء و نقيضه؟
النتيجة لا شيء!!.
أما الحالة التي وصفها الباحث فهي في تقديره نتيجة إلى:
· سيادة لغة مفقودة و تبعية لغوية
· لا مبالاة العرب إزاء العربية
· حكم "إسلامي" معروف
و سأكتفي فقط بتناول السبب الأخير و الذي هو في تقديره " حكم إسلامي معروف". فعن أي حكم "إسلامي" يتحدث؟ هل تسلّم "مرسي" للسلطة هو " حكم إسلامي معروف"!. و هل تسلّم النهضة لرئاسة الحكومة " حكم إسلامي معروف"! .. أظن أن هذه دعوة سياسوية محضة. أما الحديث عن استئثار "الإسلاميين" دون سواهم بالحُكم. فهو حديث بالمعنى الشعبي" غايب شطره". فهل يعرف الباحث كم عدد وزراء و كوادرالاخوان في مصر أيام محمد مرسي، ليُبيّن لنا حجم هذا الاستئثار. أما النهضة فبخروجها طواعية من السلطة تغليبا للمصلحة العامة، هو دليل على وهن المقاربة و مواقفها تجاه الاسلام السياسي. و من "العجب الفكري" للنخبة أن يتساءل صاحب المقاربة: ".. كم كان بودنا أن نقتنع كيف سمحت كل من مصر و تونس لنفسها باقتراف أخطاء تاريخية تراجيدية مثل الترخيص لحزب الاخوان في مصر و لحزب النهضة في تونس للنشاط السياسي العلني..". هل يُعقل هذا السؤال أن يصدر من مثقف يدعي الابداع و الانفتاح و علو قيمة الحرية، ليصادرها عن غيره المغاير له فكريا فقط!!.. و تستمر التناقضات و يعتبر أن تلك الخطوة التي فرضتها إرادة الشعب بتمكين كل من يريد أن "ينتظم" وفق القانون، أن يُمنح تأشيرة العمل في الواقع، و القانون و إرادة الشعب هي الحكم بين الجميع، بأنها "انصياعا عربيا عاما للقرار الخارجي، و في شكله المنمذج .."!! و هذا تخريف سياسوي رفضته الشعوب.
فالباحث يعتبر أن "إقحام الحزب الديني في ثقافة المسلمين نتيجة للنمذجة .." ليصبح حقيقة و واقعا لكنه واقع غير متناسب مع ذاتنا..". و المشكلة أن النمذجة التي أتت (وفق رأي الباحث) بهذه "الكارثة"، يستدعيها الباحث في جميع مقاربته: آليات، منهج،أفكار... فالنمذجة ( على فرض صحة المقولة و القول) يجوز لنا استدعاءها إذا ستقدم لنا نتائج مُوجّهة، و هي مصيبة و كارثة إذا لم نتحكّم في نتائجها.. و هذا تناقض صارخ.
و حديثنا القادم سوف يتناول تفكيك مقاربة الباحث حول مقولة الحزب الديني..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.