أحدهما في حالة حرجة.. إيقاف ام عمدت الى الاعتداء على طفليها    هام/ إجراء إلزامي جديد للحجيج لدخول المشاعر المقدسة    طقس الليلة    المرسى: القبض على منحرف يروّج المخدرات بحوزته 22 قطعة من القنب الهندي    قبلي: تنظيم يوم حقلي في واحة فطناسة بسوق الاحد حول بروتوكول التوقي من عنكبوت الغبار    هام/ وزارة التربية: "نحن بصدد بلورة تصوّر جديد لمعالجة هذا الملف"..    رئيس وزراء سلوفينيا: سنعترف بالدولة الفلسطينية بحلول منتصف يونيو المقبل    شكري حمدة: "سيتم رفع عقوبات الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات في أجل أقصاه 15 يوما"    الرابطة 1 (مرحلة التتويج) حسام بولعراس حكما للقاء الكلاسيكو بين الترجي والنجم    المدير الفني للجنة الوطنية البارلمبية التونسية ل"وات" : انطلقنا في الخطوات الاولى لبعث اختصاص" بارا دراجات" نحو كسب رهان التاهل لالعاب لوس انجليس 2028    المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية بصفاقس تواصل حملتها على الحشرة القرمزية    تونس تفوز بالمركز الأول في المسابقة الأوروبية لزيت الزيتون    اللغة العربية معرضة للانقراض….    تظاهرة ثقافية في جبنيانة تحت عنوان "تراثنا رؤية تتطور...تشريعات تواكب"    قابس : الملتقى الدولي موسى الجمني للتراث الجبلي يومي 11 و12 ماي بالمركب الشبابي بشنني    سلالة "كوفيد" جديدة "يصعب إيقافها" تثير المخاوف    سابقة.. محكمة مغربية تقضي بتعويض سيدة في قضية "مضاعفات لقاح كورونا"    نابل: الكشف عن وفاق إجرامي يعدّ لاجتياز الحدود البحرية خلسة    181 ألف بناية آيلة للسقوط في تونس ..رئاسة الجمهورية توضح    الزمالك المصري يعترض على وجود حكام تونسيين في تقنية الفار    زغوان: حجز 94 طنا من الأعلاف غير صالحة للاستهلاك منذ افريل المنقضي    أبطال أوروبا: دورتموند الأكثر تمثيلا في التشكيلة المثالية لنصف النهائي    يمنى الدّلايلي أوّل قائدة طائرة حربية مقاتلة في تونس    التحقيق في جثّة لفظها البحر بقابس    عاجل/ حادثة اعتداء امرأة على طفليها: معطيات جديدة وصادمة..    كأس تونس: البرنامج الكامل لمواجهات الدور ثمن النهائي    دراسة صادمة.. تناول هذه الأطعمة قد يؤدي للوفاة المبكرة..    مفزع: 376 حالة وفاة في 1571 حادث مرور منذ بداية السنة..    حماية الثروة الفلاحية والغابية من الحرائق في قابس....و هذه الخطة    في وقفة احتجاجية أمام مقر الاتحاد الأوروبي.. "تونس لن تكون مصيدة للمهاجرين الأفارقة"    سليانة: تنظيم الملتقى الجهوي للسينما والصورة والفنون التشكيلية بمشاركة 200 تلميذ وتلميذة    عاجل/ الحوثيون يعلنون استهداف ثلاث سفن بصواريخ وطائرات مسيرة..    الزغواني: تسجيل 25 حالة تقتيل نساء في تونس خلال سنة 2023    قضية مخدّرات: بطاقة ايداع بالسجن في حق عون بالصحة الأساسية ببنزرت    الثلاثي الأول من 2024: تونس تستقطب استثمارات خارجيّة بقيمة 517 مليون دينار    العالم الهولندي المثير للجدل ينفجر غضباً..وهذا هو السبب..!!    مقارنة بالسنة الفارطة: تطور عائدات زيت الزيتون ب91 %    الفيلم العالمي The New Kingdom في قاعات السينما التونسية    على طريقة مسلسل "فلوجة": تلميذة ال15 سنة تستدرج مدير معهد بالفيسبوك ثم تتهمه بالتحرّش..    البطولة العربية لألعاب القوى للشباب: ميداليتان ذهبيتان لتونس في منافسات اليوم الأول.    كشف لغز جثة قنال وادي مجردة    هل انتهى القول في قضية تأصيل الأدب ؟    كتاب«تعبير الوجدان في أخبار أهل القيروان»/ج2 .. المكان والزّمن المتراخي    بطولة روما للتنس للماسترز : انس جابر تواجه الامريكية صوفيا كينين في الدور الثاني    آخر أجل لقبول الأعمال يوم الأحد .. الملتقى الوطني للإبداع الأدبي بالقيروان مسابقات وجوائز    «قلق حامض» للشاعر جلال باباي .. كتابة الحنين والذكرى والضجيج    ستنتهي الحرب !!    يهم التونسيين : ما معنى التضخم ولماذا ترتفع أسعار السلع والخدمات؟    إذا علقت داخل المصعد مع انقطاع الكهرباء...كيف تتصرف؟    محمد بوحوش يكتب...تحديث اللّغة العربيّة؟    مدْحُ المُصطفى    ماذا قال الفنان صلاح مصباح بعد إيقاف شقيقته سعدية ؟    سالفيني عن ماكرون بعد اقتراحه إرسال جنود إلى أوكرانيا: "يحتاج إلى علاج"    وكالة حماية وتهيئة الشريط الساحلي تنبه من خطر قائم    بدء تشغيل أكبر محطة في العالم لامتصاص التلوث من الهواء    معهد باستور: تسجيل ما بين 4 آلاف و5 آلاف إصابة بمرض الليشمانيا سنوياّ في تونس    بعض مناضلي ودعاة الحرية مصالحهم المادية قبل المصلحة الوطنية …فتحي الجموسي    متى موعد عيد الأضحى ؟ وكم عدد أيام العطل في الدول الإسلامية؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يومَ يتكلم العرب لغتهم
نشر في الحوار نت يوم 08 - 03 - 2014


مارس/آذار 2014

الفهرس
ملخص البحث ................................................................ص3
تمهيد ...........................................................................ص3
كلمة "إسلامي" لم تعُد تفي بالحاجة ..........................................ص4
اللغة تفشي أسرار التخلف والعرب لم يَفهموها .............................ص6
تواطؤ اللغات الأجنبية مع لغةٍ عربية مهمشة، على ترسيخ التبعية ........ص9
تداعيات الأزمة الثقافية على الوضع السياسي الراهن ..................... ص11
النمذجة، برمجة الانحطاط، ومصائب العرب ...............................ص13
الفشل العربي ليس مسؤولية أمريكا ..........................................ص15
صعود الإسلام السياسي إلى الحكم نتيجة للنمذجة ...........................ص15
الطريق إلى الحل.............................................................. ص17
الخاتمة..........................................................................ص18

ملخص البحث
إنّ الهدف من هذا البحث هو من جهة أولى تقصي الخيط الرابط بين الإسلام السياسي واللغة، سواءً كانت اللغة بوجه عام أم اللغة العربية على وجه الخصوص ، لا فقط بصفتها أداة تواصل وإنما خاصة لأنها فكرٌ أو على الأقل وسيلةٌ مؤثرة في التفكير وفي طرائق تشكّل الفكر. ومن جهة ثانية سنحاول استشعار منهاجٍ يتناسب في الآن ذاته مع المقاربة الألسنية التي اخترناها وكذلك مع النتائج التي سيفضي إليها البحث في جزئه الأول. وفي الأثناء، نعتزم إدراج محور الثورة العربية ضمن الإشكالية المركزية للبحث، وذلك بصفتها مرآة عاكسة للأطوار التي يمر بها كلٌّ من المكوّنين الاثنين للكتلة التي هي موضوع البحث: الإسلام السياسي واللغة.
تمهيد
يبدو أنّ من بين العوامل التي سبابالأسبابجنت على المسلمين، وعلى الأخص العرب منهم، الجهلُ بأساليب تطوير اللغة، وما جنَى عليهم أحد. وإذا اعتمدنا اكتشاف نعوم تشومسكي مقياسا لهذا الجهل سنتوصل إلى الفرضية التالية: بينما يبيّن تشومسكي أنّ الكلام عند الصبي شأنه شأن استخدام الجناحَين للطيران عند العصفور وهو ما يعني أنّ الإنسان لا يتعلم الكلام من أحد وإنما يصنعه بنفسه (1) ، كأنّ العرب، علما أنّ لغتهم تُعتبر القاطرة اللغوية للإسلام والمسلمين، لو شبّهناهم بالطيور، عندما خرجوا من بطون أمهاتهم لم يدخلوا الدنيا مباشرة وإنما دخلوها عبرَ أقفاص، مما أعاقهم عن صنع "كلام" (حسب الاصطلاح الألسني) من لغتهم العربية ، يليق بهم. فهل من مخرج من القفص؟
وإذا وضعنا هذه المحنة في إطار الثورة العربية والتي اصطلح على تسميتها ب"الربيع العربي" (التي اندلعت في تونس في أواخر سنة 2010)، سنعتبر، بفضل المعاينة، أنّ صعود الإسلام السياسي إلى سدة الحكم في أكثر من بلد عربي، ثم سقوطه السريع منها (في مصر إلى حدّ إعداد هذا البحث)، يكاد يكون الميزة الرئيسية لهذه الثورة، وذلك من حيث طغيانها حتى على مسائل جوهرية مثل الحريات وحقوق الإنسان ووضع المرأة وغيرها ومن حيث مُجانَبَتها للشعار الرئيس للثورة، ألا وهو "شغل، حرية، كرامة وطنية".
حينئذ سيسهل علينا تشبيه ما جرى في تونس (ثورة 17 ديسمبر/كانون الأول – 14 جانفي/كانون الثاني) ب"ثورة بُكم" حيث قامت بها شعوب بلا مرجعية "كلامية" (بالمعنى الألسني الذي قدمناه طبعا)، وستكون الأسئلة الملخصة للإشكالية المركزية تبعا لذلك كما يلي: ما الذي يمنع الثورة من أن تكون ثورة "متكلمين"، أي مجسدة لخروج الطائر العربي سليما معافى من قفص البكم؟ ثم أليست الثورة، طالما أنّ من قاموا بها هُم من ذوي إعاقة لغوية، هي بدورها حبيسة القفص بعينه؟ وإن كان الأمر كذلك فهل من مخرجٍ لها هي الأخرى؟
كلمة "إسلامي" لم تعُد تفي بالحاجة
من هذا المنطلق لا مفر من افتراض أنّ العرب، ومن ورائهم المسلمين كافة (بما أنّ اللغة العربية لغة القرآن الكريم واللغة التي تحرَّر بها ما شاء الله من الأدبيات الدينية)، يوجدون في وضع متخلف و دونيّ حضاريا وأنهم سيبقون هكذا طالما أنهم لم يستجدّوا اللغة العربية.
وعلى صعيد متصل، نسجل أنّ من بين أمهات المشاكل المنجرّة عن هذا الصنف من التخلف، الذي نفترض أنه مرتبط عضويا بالتخلف اللغوي، هو استعصاء حلحلة المشكلة "الإسلامية"، في مصر كما في تونس وفي غيرها من البلدان التي تعاني من مفعول الثورة، بصفتها لغزا محيّرا يتقاطع من خلاله الديني والسياسي، وهو ما اصطلح على تسميته ب"الإسلام السياسي"، بكل ما تعنيه السياسة من تربية واجتماع والاقتصاد وغيرها من المجالات الأساسية، وبصفتها ظاهرة تعكس، حسب اعتقادنا، شأنها شأن "التخلف الآخر" (التخلف اللغوي وتبعاته) (2)، وتعيد إنتاجه في شكل تخلف فكري وسياسي ولغوي في الآن ذاته. بالمحصلة إنّ توظيف الدين في السياسة من ناحية، وفشل المنظومة اللغوية من ناحية ثانية يتكاملان في إبراز التخلف العام.
كما تجدر الإشارة إلى أنّنا نعتزم منهجيا استخدام المقاربة اللغوية بالرغم من أنّ اللغة تشكّل في نفس الوقت موضوع هذا البحث (هي الخصم والحكَم)، بما أنها كما قدمنا أعلاه جزءٌ من مشكلة التخلف العام. إذن سنطرح الإشكالية المركزية (ماذا يربط بين الإسلام السياسي واللغة، وكيف نتجاوز المشكلات التي قد تنجم عن الصلة بينهما) من خلال النافذة اللغوية، أي عبر بعض العلامات اللغوية المسيطرة على الواقع السياسي (السلطوي بالخصوص)، علمًا وأنّ هذا الأخير يعاني أساسا من تلبُّس سلطة الإسلام السياسي به.
للبدء، وعلى مستوى المضمون، نعلن أنه بالرغم من أنّ ذلك النمط الغريب من الحكم، والملخص في مقولة "الإسلام هو الحل"، يقدّم نفسه على أنه الدواء إلا أنّنا نفترض أنّ الحقيقة كما تتجلى من خلال الواقع هي أنّ الإسلام السياسي شريكٌ للغة، لا فقط في احتوائه على مؤشرات التخلف متعدد الأبعاد وإنما أيضا شريكٌ لها في إعادة إنتاج التخلف، مما خلق مشكلة تسببت، وما تزال تتسبب، في تعاسة الملايين من البشر في المجتمع العربي الواحد. بهذا المعني فإنّ اللغة والإسلام السياسي يشكلان الداء لا الدواء.
وفي الجانب المنهجي، نلاحظ أنّ اللغة المستعملة لتوصيف الواقع السياسي الحالي مشحونة بعلامات لغوية معيّنة وتتميز بكونها تُحيل قسرا إلى الإسلام السياسي طالما أنّ المشهد السياسي متأثر به أكثر من تأثره بأية إيديولوجيا أخرى. ولعل أخطر كلمة من بين تلكم العبارات هي كلمة "إسلامي/ة"، كما سنشرح.
الآن أصبح بالإمكان أن نعرض جزءً من الكم الهائل من التساؤلات التي تنبثق عن الإشكالية المركزية وذلك عبر السياق الذي خلقته كلمة "إسلامي/ية" بأبعادها المتعددة، الفكرية والسياسية خاصة. وتتلخص التساؤلات في ما يلي: هل يجوز أن يُنعت بال"إسلامي" صعودُ الإسلام السياسي إلى سدة الحكم على إثر الثورة التي حصلت في كُل من تونس ومصر والتي ستُعرف عالميا باسم "الربيع العربي" ("ثورة 17 ديسمبر- 14 جانفي" في تونس، و"ثورة 25 يناير" في مصر) بعد أن تأكد نفور جانب كبير من المجتمع من حُكم "الإسلاميين" وتقززهم لمجرّد متابعة الأخبار بشأنه؟ بكلام آخر هل أنّ الإسلاميين إسلاميون (أحداث 3 يوليو في مصر، و تمادي حالة الامتعاض والقلق في تونس)؟ ومن خلال ذلك، كيف دافع المجتمع (الرافض) عن نفسه أمام وضعٍ أقلّ ما يقال عنه هو إنه فُصامي حيث يتضمن ثورة قامت دونما عنوان إيديولوجي، بما في ذلك اللون ال"إسلامي" ثم سيتبيّن، على عكس كل منطق، أنّ الذين اعتلوا عرش السلطة إنما هُم المنتمون إلى الطيف ال"إسلامي"؟ وكيف سيكون بإمكان المجتمع أن يلبي رغبته، العلنية والخفية، في كشف المستور الذي تستبطنه مثل هذه التساؤلات؟ وما العمل من أجل استشعار المسار السياسي المستقبلي، لا في مصر وتونس فحسب وإنما في كل بلد عربي قد سبق أن افترضناه، ولو ضمنيا، من المُنضمّين إلى نادي المُشتكِين من مشكلة لغوية، في جانبها "الكلامي" تحديدا أي التواصلي والوظيفي، بناءً على أنها، كما شرحنا، شريكة الإسلام السياسي في توجيه المجتمع نحو الفشل في مواكبة العصر وذلك في كافة مجالات النشاط، وبالتالي نحو الفشل في إسراع نسق النموّ؟
بادئ ذي بدء، و في سياق الإجابة عن التساؤلات هذه المرة، نقدم أنّه لكي نفهم ما الذي يحدث لغويا، أو بالأحرى ما الذي يحدث فكريا وسياسيا ونفسيا واجتماعيا وماديا ومعنويا عبر الخطاب (السياسي والإعلامي والشعبي) وتحت عباءة اللغة، اخترنا أن نبجّل عرض المشتقات الأخرى، غير نعت "إسلامي" و التي اشتُقت من الاسم الجذر "إسلام" و التي لها صلة بالسياسة في بلاد المسلمين عسى أن نهتديَ إلى السبيل المؤدي إلى حلحلة المشكلات التي تثيرها التساؤلات المنبثقة عن الإشكالية المركزية.
من هذا المنطلق نستحضر، عدا عبارة "إسلامي/ية"، كلمتين اثنتين أخريين تشبهان هذه الأخيرة وتشبه كلاهما الأخرى مورفولوجيّا وفونولوجيّا، ألا وهما "إسلاموي/ية" (النعت والاسم) و"متأسلم/ة" بالإضافة إلى المشتقات الفعلية على غرار "تأسلَمَ" و"يتأسلم" أو الاسمية مثل "تأسلُمٌ" أو "أسلمة". كما نضيف إلى هاتين المفردتين عبارة "متأدين/ة" والتي عثرنا عليها مؤخرا في بعض الأدبيات بصفتها "نيولوجيزما" آخر(3).
تسمح لنا مقارنةٌ بسيطة بين تلكم المفردات بأن نعاين من جهة أولى أنّ مفردة "إسلامي/ة" هي التي تنعتُ عموم المسميات من أشياء وأفكار ومشاعر وعادات وتقاليد وآداب وفنون وغيرها مما ينتسب إلى الإسلام على غرار "الثقافة الإسلامية" و"المنهج الإسلامي" و"الدين الإسلامي" و"القيم الإسلامية". كما نلاحظ من جهة ثانية أنّ "إسلامي/ة" تنعت في ذات الوقت بعض الفعاليات والأحداث التاريخية الهامة مثل "الثورة الإسلامية" و"الحكم الإسلامي" و"الدولة الإسلامية".
أما ما نستنتجه مبدئيا فهو أنّ كلمة "إسلامي/ة" مشحونة بمعاني متناقضة من شأنها أن تخلق كثيرا من الالتباس الذي قد يؤثر سلبا في التفكير السياسي وفي السياسة نفسها. فقد يتفق كل الناس حول الصفة الإسلامية لقيمة كذا أو كذا لكن لا نعتقد أنّ كلهم متفقون على أنّ الثورة في إيران كانت إسلامية أو أنّ الحكم في السعودية حكما إسلاميا أو أنّ الحكم الذي تُوِّجت به الثورة في كل من تونس ومصر كان إسلاميا أو، بصفة عكسية، أن يثبتوا أنّ السلطة في العراق أو في سوريا ليست إسلامية، أو أنّ السلطة ليست إسلامية هي الأخرى أيضا ولو كان ذلك في بلدان تتسم حاليا بشيء من الاستقرار بعيدا عن الاستقطاب بسبب الإسلام السياسي على غرار المغرب أو الجزائر.
اللغة تفشي أسرار التخلف والعرب لم يَفهموها
وآخر المعاينات في هذه الجزء الأول هو أنّ الكلمتين الأخريين، "إسلاموي/ة" و"متأسلم/ة" (و"متأدين/ة" كمرادف لهما) قد تكونان، ظاهريا، جاءتا لرفع اللبس الذي تسببت فيه الزحمة الدلالية التي تتضمنها كلمة "إسلامي/ية". ذلك أنّ المجتمع كان، وما يزال، بحاجة لمثل هاته المفردات المستحدثة تبعا لِما يحس به من تعسف يمارَس عليه وعلى كل ما يفعله، وذلك بواسطة كلمة "إسلامي/ة". والكلمتان تمتلكان دلالة خاصة جدا تتمثل في مزيج بين الديني والسياسي تحديدا وتنطبق على الشخص الذي يتخذ من الدين مطية لنيل أغراض سياسية وبالأخص الوصول إلى السلطة وعلى كل ممارسة من صنع ذلك الصنف من الأشخاص أو المجموعات مثل أتباع الإسلام السياسي وأنصاره . وعلاوة على ذلك هما عبارتان أصبحتا تُستعمَلان لتحقير الإخوانية وحُكمها، شفويا وكتابيا، وبنسق مرتفع جدا، مما يدل على أنّ جانبا مهما من المجتمع، وهي الفئات التي استساغت اللفظتين، أضحى يلفظ الإسلام السياسي وأتباعه وأنصاره.
إذن وكأنّ المجتمع رضي بمغالطة نفسه "مؤقتا"، عبر نخبه التي اخترعت هاتين العبارتين، بانتظار تسوية شاملة. وهو ما يتجانس ويتزامن، ولو بصفة لا إرادية، مع سلطة "مؤقتة" في تونس، وبرئيس "مؤقت"، وبحكومة "مؤقتة" وما إلى ذلك. وبالموازاة مع ذلك، فيمكن الجزم، ألسُنيّا، بأنّ التعسف يمارَس أيضا على كلمة "إسلامي/ة" بعينها حيث أريد لها أن تعبّر عن خبرٍ صار يُحكم عليه بأنه سيئ (صعود الإسلام السياسي إلى الحكم)، علاوة على كونه مؤقتا، بينما هي في الأصل كلمة نبيلة ونقية من الأجدى أن تعبر عما هو جميل ووسيم وسليم ومعافى وممتاز.
ما نتخلص إليه إلى حدّ الآن هو أنّ الوضع الفكري والسياسي المتردي والمتأزم والمحتقن في البلدان المحكومة بواسطة الإسلام السياسي هو الذي سهّل استساغة المفردتين الأخريين، "إسلاموي" و "متأسلم"، وذلك من جانب المنتقدين للسلطة الإخوانية، وأنّ هذه الاستساغة تفترض إعادة الاعتبار لكلمة "إسلامي" بعد أن تحررت وبعد أن توفر البديلان الاثنان عنها ليُعبرا عن المدلول السلبي الذي كانت تُعبِّر عنه قسرا. هذا فضلا عن أنّ هذا التحول من المفترض أن يساعد المنتقدين للسلطة الإخوانية على وضع حدٍّ لتلاعب الدوائر السلطوية باللغة وبما يتعلق بها من أساليب التواصل إلى درجة تعاطي الازدواجية و النفاق لتحقيق أهداف حزبية وشخصية (4).
كما أنّ هذه الخلاصة تعني أنّ اللغة العربية "أثْرَت" نفسها بنفسها، أو بالأحرى "أثراها" نفر من الناطقين بها (من اخترعوا المفردات الجديدة)، ربما كنتيجة للورطة التي كانت تعيشها لمّا كانت مفردة "إسلامي/ة" تصُول وتجُول بمفردها ليتّصف بسماتها (المختلفة) الأخضر واليابس، الغث والسمين. لكن بالرغم من هذا "الانفراج" اللغوي، إلا أننا نلاحظ أن ليست هنالك مؤشرات على انفراج سياسي إلى جانبه. فهو إذن انفراج مغشوش وغير كافٍ وأنّ تحويله إلى سند رمزي للجهود المادية (السياسية) الرامية إلى الخروج من أزمة خانقة (في تونس كما في مصر وبدرجة أقل في غيرها من المجتمعات العربية) قد يستوجب العودة إلى الكيانات السياسية، من ظواهرَ وسلوكياتٍ وآراءٍ وأفكارٍ، والتي كانت منعوتة بواسطة مفردة "إسلامي/ية" والتساؤل عما إذا كانت تتضمن قيمة "إسلامية" وأخرى "إسلاموية" أو "متأسلمة"، وما هي هذه وما هي تلك، ثم مراجعة التوصيف بشأن "الثورة الإسلامية" و"الحكم الإسلامي" و"الدولة الإسلامية" وغيرها من المدلولات عسى أن نعرف إن كان يتوجب تأكيد إسلاميتها أم سحبها منها قبل نعتها بال"إسلاموية" أو ال"متأسلمة" وأن نهتدي إلى معاني تنال رضاء وإجماع الناس بشأنها بما يوَحد ويمنع التفرقة والفتنة.
لحوصلة ما سبق، نقرّ بأنّ الناطقين بالعربية يعيشون مشكلة تتسبب فيها كلمات ثلاثة ("إسلامي"، "إسلاموي" و"متأسلم"، مع ترك "متأدين" جانبا بصفتها مرادفا للكلمتين الأخيرتين لا غير) وأنّ المشكلة لا تقتصر على المجال اللغوي وإنما هي مشكلة في الصميم، إن سلطويا (5) أم شعبيا، حيث إنّنا سنعلم من خلالها ومن خلال ما يحفّ بها أنّ المواطن العربي لم يقرر بَعدُ إن كان يعيش عيشة متناسبة مع الإسلام أم أنه يعيش بانتظار واقعٍ أنسب، كما أنّ هذا المواطن لم يقل بعدُ كلمته بشأن المنهج السياسي الذي سيوصِله إلى توليد الواقع الجديد.
من جهة أخرى، بدأ يتضح لنا أنه حتى لو توقّفَ اللبس عند هذا الحدّ، والذي نختم به الجزء الأول من البحث، فإنّ إشكالية اللغة إزاء الإسلام السياسي تتسم بما يكفي من التعقيد لتعرقل التفكير السليم، إن دينيا أم سياسيا أم إزاء الاثنين معا. وبالتالي لم يعُد يخامرُنا الشك في أنّ علاقة قوية و وطيدة وعضوية تربط فعلا بين الواقعين، السياسي و اللغوي، بما يحتويه الواقع السياسي والعام، من جهة، من تسويف و تمديد لآجال العثور على الحل و على مخرج للأزمات القُطرية وذلك على غرار "الحوار الوطني" في تونس الذي يبدو كأنه أنه تأبّد، أو الحراك والصراعات التي تعرفها المشكلة العراقية والاضطرابات القوية والمختلفة التي يعاني منها هذا البلد، أو الفتنة التي تسمّم الحياة في سوريا وغيرها من التحديات، و بما يحتويه الواقع اللغوي، من جهة أخرى، من أداءٍ يتضمن أصنافا من الخطاب الإنشائي الباهت الذي لا يسمن ولا يغني من جوعٍ حيث إنه لا يستجيب لوظيفةٍ معينة كُلفت بها اللغة.
مع هذا فإنّ الفاعلين في حقول التربية و الفكر والإعلام والثقافة لا يحرّكون ساكنا للتأثير في السياسة وذلك من أجل كسر التواطؤ بين التخلف السياسي والتخلف اللغوي. ومع هذا فإنّ المال والإعلام يوجهان المجموعة الوطنية إلى التطرق إلى المشكلات الأصلية في المجتمع فقط على النهج السياسي الصرف، أي التقريري والإجرائي والأداتي دون سواه، ضاربين الشواغل الحقيقية عرض الحائط. بالنهاية وكأن اللغة العربية كلفت نفسها بإفشاء أسرار التخلف للناطقين بها بينما هُم لم يفهموها. وكأنهم لا يتكلمونها.
في ضوء هذا، و في الجزء الموالي من البحث، سوف لن يتعلق الأمر بإثبات أنّ الواقع المنخرم إنما هو هكذا بسبب تعاون عاملين سلبيين على خيانته ثم تعقيده، وهما سوء استخدام الإسلام (بمزجه بالسياسة) من جهة وسوء استعمال اللغة. مع العلم أنّ التدهور اللغوي سابق للأزمة السياسية الحالية، مما أدى إلى استنجاد اللغة بألفاظ مستجدة، لكنه يبقى استنجادا مرتبكا وعشوائيا بل فوضويا على غرار المشهد السياسي والعام. إذن سنخصص الجزء الموالي لتقصي جوانب لغوية أخرى لكنها متصلة قد تساعدنا على استقراء فكرة إنقاذية من شأنها أن تثمر، ولو على المدى المتوسط أو حتى البعيد، صياغةً ل"تغيير درامي في المشهد السياسي" (6) في تونس وفي غيرها من الأقطار العربية، طالما أننا أضحينا متأكدين من أنّ للغة وفلسفتها تأثيرٌ على الفكر السياسي. فطالما كنا شاهدين على مثل هذا التأثير في جانبه السلبي والتخريبي، ما المانع في أن نعمل على استجلاء ما في اللغة من إيجابي وبنّاء؟
تواطؤ اللغات الأجنبية مع لغةٍ عربية مهمشة، على ترسيخ التبعية
في مستهل هذا الجزء الثاني نسجل أنّ هنالك معطى آخر لا بدّ أن يؤخذ بعين الاعتبار هو بدوره، وبتقاطعٍ مع المعطى الذي تناولناه في الجزء السابق. و المعطى الجديد هو تدخل اللغات الأجنبية في طرائق فهم العرب لقضاياهم ومشكلاهم والتحديات المنتصبة أمامهم. إذ يبدو من الوهلة الأولى وكأنّ اللغات المهيمنة (انكليزية وفرنسية بالأخص، ربما لأنهما كانتا وما تزالان لغتا الاستعمار، إن المباشر أم الجديد أم الناعم كما يسمى اليوم) تتدخل في السياسة العربية على وقْع تدخّل سياسات البلدان الناطقة بها مباشرة في هذه الساسة. بل وكأنّ هذه اللغات تتناوب تارة وتتقاطع طورا مع سياسات بلدانها للتأثير في السياسة العربية.
في هذا المضمار، وفي باب العلاقة بين العربية من جهة واللغات الأجنبية من جهة ثانية من حيث تطور معاني الكلمات، نعاين من ناحية أن ليست الكلمات العربية "إسلامي، إسلاموي، متأسلم" (و"تأسلُم" و"إسلاموية") مستعملة بمفردها لكأنها كيانات معزولة عن السياق اللغوي والفكري والإيديولوجي والسياسي العالمي، أو لكأنّ الناطقين بهذه المفردات يعيشون ويُفكرون ويتكلمون بمنأى عن بيئة كونية تسيطر عليها لغات دون سواها وذلك بمفعول سيطرة فكر وسياسة واقتصاد وعسكر المجتمعات الناطقة بهذه اللغات على بقية العالم. لذا فإنّ فحص مدلولات النعوت المتوفرة في اللغة الأجنبية (الفرنسية والانكليزية) والمشتقة من الأصل الأجنبي لكلمة "إسلام" أضحى أمرا ضروريا للتوسع في فهم الإشكالية المطروحة.
وهذا يمثل وسيلة إضافية تتيح لنا فرصة المقارنة لا فقط من داخل اللغة العربية، كما فعلنا أعلاه، ولكن أيضا المقارنة بين معاني الكلمات التي تتضمنها العربية من جهة واللغة الأجنبية من جهة أخرى بل وكذلك من داخل اللغة الأجنبية الواحدة أي بين المفردات التي تتضمنها لغة أجنبية بعينها.
وفي ما يلي حصيلة ما تبيّن لي:
بصفة عامة، إنّ عبارات "إسلامي، إسلاموي، متأسلم" (والصيغ المؤنثة المناسبة) والمشتقة من الأصل العربي "إسلام" لا تتسق مع المفردات الأجنبية التي يُفترض، بنسبة عالية، أن تكون مرادفة لها، لا من حيث الدال ولا من حيث المدلول. و لمّا ندقق في الأمر ونركّز اهتمامنا على كلمة "إسلامي" باعتبارها المولود البكر ضمن تلك السلالة العربية سيتضح لنا جليّا أنّ لهذه الكلمة ما يرادفها في كلِا اللغتين الأجنبيتين المذكورتين. لكن الملفت للنظر حقا هو أنه ليس هنالك في كلتا اللغتين الأجنبيتين المُعتمَدتين مرادِف واحد ووحيد لهذا النعت العربي بل هنالك اثنان، ألا وهما "إسلاميك" و"إسلاميست". هكذا يقال عن الحضارة والثقافة إنهما "إسلاميك" (وتارة كبديل عن "مُوسلِم" أو "موزلِم" تقريبا، بالانكليزية، و"موزولمون/ ان"، تقريبا، بالفرنسية) و أيضا يقال عن العادات والتقاليد والآداب والفنون وغيرها بأنها هكذا، بينما يقال عن الحزب السياسي إنه "إسلاميست" وعن نشطاء الإسلام السياسي (من إخوان وسلفيين وأصوليين وغيرهم) إنهم "إسلاميست" أيضا وعن التظاهرات والفعاليات التي يقوم بها نشطاء الإسلام السياسي إنها تتسم بنفس الصفة كذلك.
ما يمكن استنتاجه إلى حد الآن بخصوص تطور المعاني ينقسم إلى محورين اثنين، واحد (أ) يُعنَى بهذا التطور حسب مقياس المخالطة (بين العربية من جهة واللغات الأجنبية من جهة ثانية)، والثاني (ب) يُعنَى بالتطور حسب مقياس الزمن (التاريخ):
أ. إنّ نعت "إسلاميك" الأجنبي ما يزال يعني "إسلامي" مبدئيا، لكنّ "إسلامي" لم يتغير ليصبح مقتصرا على حمل معنى "إسلاميك" دون غيره من المعاني، بناءً على أنّ المرادف العربي لنعت "إسلاميست" الأجنبي متوفر الآن وهو "إسلاموي" وربما أيضا "متأسلم". كما نستنتج أنه إذا كانت كلمة "إسلاميك" الأجنبية قد طُهرت من أية إمكانية لأن تصبح حمالة لأية دلالة تحقيرية (طالما أنّ "إسلاميست" تفي بالغرض، وحتى لو لم يكن الغرض تحقيريا فهو حمّال لمعنى سلبي آخر وهو الغلوّ) بينما، وهنا تكمن الخطورة، لم يطال التطهيرُ المفردةَ العربية "إسلامي" طالما أنها ما تزال تتضمن في الآن ذاته دلالة إيجابية (كما في "الحضارة الإسلامية") وأخرى سلبية (كما في "الحكم الإسلامي" و"الدولة الإسلامية"، في السياق المعاصر) وذلك بالرغم من وجود "إسلاموي" و"متأسلم".
ب. كما نسجل أنه بالرغم من أنّ العبارتين المشَكّلتين للثنائي (المخضرم) "إسلاميك/إسلامي" كانتا تقريبا متلازمتين دوما ومتزامنتين عبر التاريخ إلا أنّه لمّا كانت مفردة "إسلاميست" الأجنبية موجودة وسارية المفعول، لم تولد بعدُ كلمتا "إسلاموي" و"متأسلم"ُ. وهذا مما يعني أنّ الحُكم على الشيء بأنه "إسلاميست" كان سابقا على الحُكم عليه بأنه "إسلاموي" و"متأسلم". أي أنّ مَن أصدر الحكم على "شيء" عربي لم يكن العرب، بواسطة لغتهم الأم، وإنما كانوا الأجانب بواسطة لغاتهم.
نأتي الآن إلى الخلاصة من الاستنتاج (أ) وهي أنّه يتوجب توخي الحيطة عند استعمال نعت "إسلامي"، تبعا لكونه لا يستحق أن يبقى ترجمانا للمعاني التحقيرية. بل ويتوجب العمل على إنقاذ المفردة والسياقات المتعلقة بها وكذلك البراديغمات المتصلة بها وبخاصة تلك التي تتناول التفكير عموما والفكر الديني على وجه الخصوص، أي إنقاذ اللغة. مع العلم أنّ هذه العملية لا تشمل اللغة العربية دون غيرها وإنما تتمحور حول العربية وتستهدفها بالدرجة الأولى مع الاستئناس الضروري باللغات الأجنبية.
أما الخلاصة من الاستنتاج الزمني (ب) وهي أن ليست كل الأفكار بشأن العرب وحياتهم وواقعهم وثقافتهم صادرة عنهُم وإنما بعضُها مستوردٌ عبر كلمات متداولة في اللغة الأجنبية وهي كلمات لم تواكبها اللغة العربية لتستفيد منها. وهذا مما يدل على أنّ العرب مُستلِبون للثقافة الأجنبية وبالتالي فهُم مُغتربون عن واقع حياتهم. ولن نعجب إذن لو قدرنا أنّ الإسلام السياسي، وهو الذي يقوم بدور الحمّال لحزمة التناقضات والتباينات والمفارقات المتعلقة بالإسلام، صناعة غربية، ومن باب أولى أحرى، أمريكية.
تداعيات الأزمة الثقافية على الوضع السياسي الراهن
إذن، وطِبقا للمعاينتين، العلاقاتية والزمنية، وما استنتجناه منهما وما تخلصنا إليه تبعا لذلك، نقرّ أنّ ما أصبح من المُحَيّرات بشأن الأُحجية اللغوية في الفضاء الثقافي العربي، إلى جانب الحيرة بشأن مسألة الإسلام السياسي بصفتها هَمّا أضحى عصيا على العامة و الخاصة على حدّ سواء، هو أنّ الخلط بين مفردات عربية وأخرى أجنبية قد خلق نوعا من الخلل في التزامن في عالم الأفكار. على سبيل المثال، نقرّ بأنه لو كانت عبارة "إسلاموي" أو "متأسلم" موجودة قبل سنة 1979 من جهة، ولو تدرّبَ العقل اللغوي العربي على تطهير كلمة "إسلامي" مع التشديد على تنظيرها مع نعت "إسلاميك" بوصفه المرادف الوحيد لها في اللغة الأجنبية، من جهة أخرى، لَما أتيحت الفرصة لكل أصناف الخلط بأن تلقى طريقها صلب هذا العقل لتتسبب له في الحيرة و التلعثم والاضطراب والاحتقان كلما كان الأمر يتعلق بالمقارنة بين أحداث تاريخية مفصلية في تاريخ المسلمين مثل "الثورة الإيرانية" (1979) و"الربيع العربي" (2011).
بهذا الخصوص، يحق لنا التساؤل، وما زالت اللغة العربية تتساءل إلى الآن، إن كان كلٌّ من هذين الحدثين، الثورة الإيرانية والثورة العربية، "إسلاميين" أم "إسلامويتين"، وأيضا، إن كانتا "إسلاميك" أم إسلاميست"، وذلك حسب منطق العقل العربي لا حسب منطق العقل الذي أنتج هاتين المفردتين وروّج مدلولاتها في سوق الألفاظ العربية.
إذن فإنّ الخطورة التي رصدناها لا تقتصر على الوضع اللغوي وإنما تتمثل في أنّ مجرد الضعف اللغوي، على غرار كلمة "إسلامي/ية"، وأنّ مجرد اللخبطة والتذبذب بشأن استعمال وتوظيف مفردات مثل "إسلاموي/ة" و"متأسلم/ة"، وأنّ مجرد غياب الاتساق بين ما يقال يكتب عن ماضي وحاضر ومستقبل العرب والمسلمين بواسطة العربية وما يقال ويُكتب عنها باللغة الأجنبية يدل على أنّ العرب، بإسهام لغوي سالب، ليسوا قادرين على السيطرة على قضاياهم، إن مِن حيث الفهم أم من حيث حلحلة المشكلات والخروج من الأزمات بفضل تطبيقٍ مناسب للأفكار و تنزيلها المُجدي في الواقع المعيش، وبأنّ الإخلالات اللغوية تندرج ضمن الأساسات التي يرتكز عليها احتلال العرب لغويا.
كما أنّ استشراء الفساد اللغوي المتقاطع مع الفساد العقدي والسياسي بيّنٌ وجليّ من خلال فسْح العرب المجال للعقل الأجنبي بأن يصف مشكلاتهم عوضا عنهم وبواسطة كلمات لا يعرفها عامة الناس ("إسلاميست" خاصة، وحتى "إسلاميك"، كما شرحنا) حتى يتقوا شرها. بينما "مَن تعَلم لغة قومٍ أمِن شرَّهم" (وفي رواية أخرى: "مَكْرَهم")، كما جاء في الأثر شبه الديني (7) و" لن تنتصر ما لم تتمكن من الرؤية بعين عدوّك" (ونضيف إليها "بعين منافسك")، كما جاء في أثر علمي كُتب لتَوِّهِ (8). وكل هذا مما يفسر لماذا لا يتقن العرب لا لغتهم الأم ولا اللغات الأجنبية.
وفي سياق إقامة الدليل على تأثير الأزمة اللغوية في المسار السياسي، من انتقال ديمقراطي وما يتطلبه من حوار وطني ومن توافق (في تونس اليوم مثلا)، نلاحظ أنّ أسوأ نتيجة، وآخرُها أيضا، قد أفرزها الفقر اللغوي، بالإضافة إلى عوامل ميتا- لغوية مشتركة معه في تدعيم التخلف العام، هي تورّط مجتمعاتنا في ثورةٍ ("الربيع العربي") لم يشارك فيها الإسلام السياسي مباشرة.
لذا، بالرغم من قبولنا بما أجمعَ عليه العالم بأسره بأنّ ما حصل في تونس ومصر محسوب على قوم العرب دون غيرهم، إلا أنّنا قررنا النأي بأنفسنا عن البحث عما إذا كان ذلك ثورة أم لا، بينما آثرنا أن نحاول معرفة ما إذا كان هذا الحدث يتصف بال"إسلامي"، على غرار السلطة "الإسلامية" التي انتصبت ولية على الثورة والثوار، أم لا. وإن لم تكن الثورة هكذا فكيف نتعاطى معها حتى نستبطنها ونواصلها، حيث إنّ الخطر الداهم في صورة استحالة مواصلتها يتمثل في تحوّل الثورة لا قدر الله إلى سبب لإقامة محاكم التفتيش (9) وذلك بحُكم عودة وشيكة للاستبداد بعناوين سحرية مثل "التخوف من الثورة المضادة" أو من "الدولة العميقة" أو من "عودة التجمع" (نسبة لحزب "التجمع" المنحل في تونس) ؟
إنّ الإجابة عن هذه الأسئلة تبدو شبه مستحيلة في ظرف ثقافي وفكري عام يتسم بالتخلف الابستيمولوجي، وهو تخلف يحُول دون المثقف وتمَلُّكِه القدرة على السيطرة على وضعٍ يتضمن الشيء ونقيضه:
من جهة أولى: سيادة لغوية مفقودة بل أداءٌ لغوي يخفي من جهة داءًا عُضالا يتمثل في التبعية للغات الغرب المهيمن ولسياساته، وتخفي من جهة ثانية لامبالاة العرب إزاء العربية بل إيهامَهم أنفسَهم بأنهم ممن يتقنون اللغات الأجنبية. وهذا مما يعني أنّ بلية عقدة الأجنبي في نموّ مطّرد.
من جهة ثانية: حُكمٌ "إسلامي" معروف لدى جُل مكونات المعارضة السياسية و العديد من الفئات الشعبية أنه كان قد استحوذ على الثورة (في الكواليس) ثم ركِب عليها (علنا) وتسلق، عبر صندوق الاقتراع لا محالة، سُلم السلطة بسرعة تفوق سرعة الصوت وانتهى به الأمر إلى نيلها (مع أنه نُزع عنها في مصر). وهذه السلطة تثبت مع مرور الزمن أنها ليست سيّدة نفسها بما أنهل قد ورّطت نفسها في سجال عقيم وفي تجاذبات وصراعات وَلَيِّ ذراع من الصنف الإيديولوجي مع فرقائها السياسيين.
ومن منظور معكوس، يلاحَظ أنه بالرغم من استئثار "الإسلاميين" دون سواهم بالحُكم إلا أنّ فئات من الشعب، تتكاثر مع مرور الأيام، أضحت تعلمُ علم اليقين أنّه لا يمكن العودة إلى الوراء لوَصف الثورة بأنها كانت إسلامية وأنّ ذلك يُعدّ هروبا بما أنه لا يتسق مع أهداف الثورة ("شغل، حرية، كرامة وطنية") مع أنّ الناس كلهم يُجمعون، على نحوِ إجماعهم على عُروبية الثورة على أنّ هذا الحُكم (وهو اليوم مُستراب) كان ناجما عن الثورة بعينها وعن شرعية انتخابية. إنّ هذه لَمفارقةٌ عجيبة وإنه لأمرٌ فضيع حقا.
ونتخلص إلى الاستنتاج أنّ اللغة العربية الهشة قد تواطأت مع اللغات الأجنبية في تكريس التبعية التي من شأنها أن تعيد توليدَ دورة لانحطاط.
النمذجة، برمجة الانحطاط، ومصائب العرب
رأينا كيف تشكلَ الأخطبوط اللغوي، المفاهيمي والدلالي، الذي أسفر عن احتقان فكري وسياسي رهيب وعن منهجية كسر عظام بين السلطة من جهة والمعارضة من جهة ثانية، لكن من الضروري أن نتعرف في ما يلي على المنهجية التي توختها، وما زالت تتوخاها، الجهات العالمية المهيمنة للمزيد من تكريس الغلبة على العرب وعلى ثقافة العرب، الثقافة الإسلامية.
إنّ الأجنبي (المهيمن) ولغته ، بناءً على ما شرحناه أعلاه، وعبر آليات التبعية لهذا الأجنبي من طرف العرب وثقافتهم و لغتهم، هما المنتفعان من حالة الخلط و اللخبطة اللغوية وما تفرزانه من ضبابية مفاهيمية مقرونة بتذبذب عقدي و فكري وسياسي. كيف لا والتبعية هي التي أدت إلى حدوث مزجٍ خفيّ و فظيع بين الأفكار الإسلامية (جُل الأفكار المتأتية من الثقافة الإسلامية الحقة، الحياتية منها و الفنية و السياسية وغيرها) لدى العقل العربي حتى صارت كلمة وحيدة ، على غرار"إسلامي"، تعني لهذا العقل الأشياء كلها (أي لم يعُد تعني شيئا في حقيقة الأمر)، أو، في عيون العرب المستلبة للغرب المهيمن، أصبح كل ما يفعلونه بصفتهم منتمين للثقافة الإسلامية (بالمعنى الحقيقي)، هو في نفس الوقت "إسلاميست" و"إسلاميك"؟
ويمكن أن ينسحب هذا التمشي المبدّل لطريقة تفكير المسلمين، وبالخصوص تفكير الناطقين بالعربية منهم، على تقنية النمذجة، وهو علمٌ مستجدّ استُعمل و يُستعمل الآن في الحروب الناعمة كما في الحروب الخشنة على غرار الحرب على العراق، ويتمثل في التبديل بواسطة اللغة والوسائل الموازية لها مثل الإعلام ما لا تقدر على تبديله صواريخ "التوماهوك" والقنابل العنقودية (10).
وأبرز مثال على ذلك ربط "الإسلام" ب"الإرهاب" ثم بالتوازي مع ذلك ربط المعادلة "الإسلام مع (+) الإرهاب" ببلد مثل العراق (بينما المعروف رمزيا عن الإسلام أنه يرتبط بالسعودية، بلد الحرمين الشريفين) فتكون النتيجة أن "العراق يساوي (=)الإرهاب و يساوي (=) تنظيم القاعدة و يساوي (=) أسامة بن لادن". وهذه المعادلة قد تحولت إلى حقيقة وكانت من باب المحصول الحاصل حيث إنها تُرجمت في الأفعال وإنه وبواسطة النمذجة، من بين أدوات أخرى، قد تمّ تمهيد السبيل إلى تسديد الضربة الأولى على هذا البلد الشقيق (المعروفة ب"حرب الخليج"، 1991) وذلك بعد أن قامت أمريكا بترويض نصف الكرة الأرضية على فكرة إعلان الحرب على العراق وذلك قبل أن تقوم بترويض النصف المتبقي من سكان المعمورة لتقبل فكرة تسديد ضربة ثانية (2003) على نفس البلد، أحد مهود الحضارة وإحدى مفاخر الشعب العربي والإسلامي.
وقد كانت الضربة الثانية مشفوعة هذه المرة باستعمار العراق تُرابيا وسياسيا بعنوان الانتقام لأحداث 9/11 علما وأنه عنوان كان مخفيا مثل خفاء السبب المباشر والمتمثل في ضمان الاستقرار (المزعوم) في المنطقة مع منع النظام العراقي الأسبق من تكليف نفسه بحماية السعودية من هيمنة الولايات المتحدة عليها (11). بالمحصلة هذا المشروع الجهنمي ما كان ليدخل حيّز التنفيذ فيصبح حقيقة لو لم يكن مرتكزا على سبب غير حقيقي أي على نموذج (12)، و بفضل تقنيات علم "ديناميكيات الحياة الإنسانية" التي تمّت في الكواليس (بواسطة المخابرات والدبلوماسية والإعلام والتبشير السياسي – البروبغندا- وغيرها من المَعاول) (13) أي بواسطة ما يسميه د. مازن الشريف الخبير الاستراتيجي في الشؤون الأمنية والعسكرية ب"العقل المدبر" (14) والذي هو عقل يشتغل على مستوى كوني و "هو عقل يتقن فنون البرمجة العقلية" (15).


الفشل العربي ليس مسؤولية أمريكا
ولئن كانت الضربتان على العراق جُرما امبرياليا في حقّ بلد مستقل ذي سيادة فإنّ الجُرم المتمثل في ضياع اللغة العربية في متاهات التخلف بالاشتراك العضوي مع موت السياسة، في كل الأقطار العربية، ليس من صنع المستعمر ولا الأجنبي عموما ولا الولايات المتحدة بالذات إزاء الثقافة الإسلامية وإنما هو جُرم اقترفه المسلمون أنفسهم، وعلى الأخص العرب منهم، لكن استغله اللسان والعقل الأجنبيين والساسة الأجنبية، لأنّ الأجنبي لم يَجد أمامه عربًا ينافسونه زحفَه نحو مزيدٍ من الهيمنة العسكرية والاقتصادية والسياسية، ولأنه لا يفرّط في حقه، وكما يتصور هو هذا الحق، في تأمين مصالحه وذلك لغاية توطيد سيطرته على العالم. إنّ الأجنبي ينمذج حياة العرب بينما لا يعرف العرب سبيلا إلى نمذجة حياة هذا الأجنبي، وذلك، ومن باب أضعف الإيمان، باتجاه ردّ الاعتبار للذات العربية حتى لا تتلبّس بها النماذج الأجنبية عبر أجنداتها المدروسة.
فالعرب هُم الذين لم يؤَمّنوا حياة اللغة العربية بتطويرها حتى تكون قادرة على التمييز بين ما هو كذا وما هو كذا وما هو هكذا وما هو هكذا، وعلى معرفة ما إذا كان فعلٌ ما، أو فكرةٌ ما، أو سلوكٌ ما، نابعا من عند المسلمين أو من عند أناس منتمين إلى ثقافات أخرى وناطقين بلغات غير العربية حتى ينالَ كل ذي حقٍّ حقه وتستتِبَّ المساواة اللغوية كساند شرعي للمساواة الشاملة في كافة المجالات بين العرب والغرب. والعرب هُم الذين لم يزاوجوا بين الوظيفة اللغوية والوظيفة السياسية حتى تسمو السياسة العربية إلى مصاف السياسات المتقدمة.
صعود الإسلام السياسي إلى الحكم نتيجة للنمذجة
لقد سمح العرب إذن للتجارب والألاعيب السياسية العالمية بأن تُمارَس عليهم، ذلك بواسطة الهيمنة على لغتهم العربية وعلى إعلامهم من جهة، وعلى حياتهم، بما فيها طرائق التفكير السياسي، من جهة أخرى.
وبالتوازي مع الانحدار اللغوي، كم كان بودنا أن نقتنع كيف سمحت كلٌّ من مصر وتونس لنفسها باقتراف أخطاء تاريخية تراجيدية مثل الترخيص لحزب الإخوان في مصر ولحزب النهضة في تونس للنشاط السياسي العلني(16)، وكم كنا نرغب في التفكير (لكننا لم نقدر، أمام الواقع السافر) بأنّ ذلك لم يكن نتيجةً، ولو غير مباشرة وخفية، للانصياع العربي العام للقرار الخارجي، وفي شكله المنمذَج، أي المغلف برداءٍ مغايرٍ للحقيقة لكنه مبرمجٌ ليصبح حقيقة.
فالذي حصل على الأرجح هو أنّ ظاهرة الإسلام السياسي تسللت داخل المجتمع العربي الكبير عبر ظاهرة لغوية مبرمجة إذ إنّ وجود الشيء المسمى (اللون أو الصوت أو الشكل أو الصفات) أو المفهوم أو الممارسة (على غرار الإخوانية والسلفية)، في داخل ثقافة الناطق بلغةٍ معينة (العربية في قضية الحال)، إنما هو شرط لانبثاقِ وتشكُّلِ الاسم ومن ثمة انسحابه على المسمَّى بصفة راسخة. لذا نعتقد أنّ الشرارة الأولى للخطر تنقدح لمّا تتأثر ثقافة بعينها (وهو شأن الثقافة الإسلامية في قضية الحال) بالصورة التي تعكسها ثقافة أخرى (الانكليزية والفرنسية خاصة) عليها.
ونعتقد أنّ من هذا الباب قد تمّ إقحام الحزب الديني في ثقافة المسلمين (في مصر وفي تونس وفي ليبيا فضلا عن السبق الذي نالته بلدان مثل إيران والسودان في هذا المضمار). هكذا قد كانت المشكلة الموصوفة في الصورة التي رسمها الغرب المهيمن لِما ينبغي أن تكون عليه ثقافة المسلمين (من منظوره وتلبية لحاجياته وتأمينا لمصالحه) هي الصورة (المُنمذَجة) أو النموذج الذي فرض نفسه على مجتمعاتنا ليصبح حقيقة وواقعا لكنه واقع عير متناسب مع ذاتنا، بتناقضاته وبتداعياته النفسية والسياسية على حياة عامة الناس في المجتمع المسلم.
وهكذا تحوّل هذا النموذج، والواقع الذي تَوَلد عنه، من أداةَ أجنبية للهيمنة إلى أداة للمغالطة الذاتية طالما أنّ المشتكين من هذه مشكلة حُكم الإخوان اليوم، بعلمانييهم وشُيوعييهم وعُروبيِّيهم وبكل أطيافهم، كانوا قد وضعوا أنفسهم تحت رحمة الرؤى الأجنبية لمشكلاتهم الذاتية. ولعل الإطاحة بالإسلام السياسي الذي كان يحكم مصر، ومحاولات المجتمع التونسي ترويض حزب النهضة (الإخواني) دلالة على استفاقة عامة أمام غلوّ الأجندات الأجنبية وتحكمها بالسياسات الداخلية في بلداننا.
نستنتج من هذا أنّ الثقافة الإسلامية، واللغة العربية بصفتها القاطرة لهذه الأخيرة، قد أجازتَا ما لا يجوز، ألا وهو حلول مسمَّيات دخيلة عليها (والتي ذكرناها أعلاه)، غير مبالية بالأخطار التي ستنجم عن هذا الجواز. و هذا أمر خطير مع أنّ خطورته لا تكمن في الانفتاح على ما هو وافد (فهذه ضرورة) ولكن في أنّ الثقافة (الإسلامية) أجازت الوافدَ بِغضّها النظر عن وزنه النفسي والمفاهيمي بينما اللغة (العربية) أباحت وُلوجَ مضامين المسميات الوافدة. وقد فعلت ذلك بصفة غريبة تتمثل في امتناع اللغة الأم عن استيعاب هذه المسميات الوافدة ومن ثمة توليد البديل اللغوي والمفاهيمي عنها. بكلام آخر، لقد تبَنت الثقافة المضامين الدخيلة على أنها مكوّنات أساسية (في الفكر والمخيال فقط) مع إبقاء اللغة (العربية) على المفردات الدخيلة في عِداد المجهول وغير المُدرَك ودون مقاومة ممنهجة، لا في المجال المدرسي ولا في الإعلام ولا في الفكر ولا في السياسة (17).
والذي يشكل ذروة الخطورة في كل هذا هو أنّ عملية القبول التي تمّت بشكل مرتبك وغير متوازن قد أفرزت "ثقافة جديدة" (دينية وسياسية، عنيفة ومرتبكة، من بين أوجه عديدة أخرى تقل عنها أهمية)(18) تتسم بالالتواء و الهجن والفجاجة، والحال أنه من المفترض أن تستنبط الثقافة الإسلامية ولغتها الأم اللغة العربية، بكامل الاتساق بينهما، الوسائل الخاصة بها للتعبير عن تلكم المشكلات الداخلية ، لكي يُمنع حدوث التضارب مستقبلا مثل ذلك الذي حصل لمّا تمّ اعتماد الوسائل الوافدة لتفسير المشكلات الداخلية، ولكي يُسمح في الوقت ذاته بحصول الاضطلاع بين الدال والمدلول المتعلقَين بهذه المسميات كلاهما بالآخر، ولكي يتلافى العقل المجتمعي إعادة تشكل مثل هذه الشبكة الواسعة من التناقضات والتجاذبات النفسية والفكرية التي ما تزال سارية المفعول إلى اليوم. ولعل الاحتقان السياسي الذي يعيشه المجتمع التونسي منذ يوم 25 جويلية/تموز 2013 (اغتيال القيادي العروبي محمد البراهمي) راجعٌ بشكل أو بآخر إلى عدم الامتثال لإكراهاتٍ يفرضها مثل هذا النهج المعرفي.
الطريق إلى الحلّ
بالمحصلة يجدر التعميم والقول إنّ أقطارا عربية مثل تونس ومصر، وكل قطر عربي إسلامي آخر قد أتيحت له فرصة ثورية لإنجاز الصحوة الشاملة أو كان مجبرا على المرور بمرحلة ابتلاء على غرار العراق وسوريا وليبيا ، ولأنّ هذه البلدان لم تلبِّ الشروط الثقافية واللغوية التي تتطلبها المرحلة التاريخية الراهنة، ومنه لم تستثمرها فكريا وسياسيا كما ينبغي بصفتها شروطا كافية وضرورية للتحرر من عقدة الأجنبي، فإنّ المجموعة الوطنية في هذه البلدان توجَد في وضعٍ لا تحسَد عليه حيث إنها مطالبة إما بالتعاطي مع مفاهيم دخيلة (المسميات) وكأنها جوانية، وإما بالقبول بمفردات دخيلة (الأسماء والنعوت) من دون إدراك تداعياتها على تشكّلِ لغةٍ و تفكيرٍ سليمين ومن دون إعارة أية أهميةٍ تُذكر لارتباط السجلات اللغوية بالسجل السياسي.
فهل من حلٍّ يلوح في أفق هذا اليمّ؟ هل حريّ بالباحثين العرب والدارسين للبراديغمات اللغوية أن يطالبوا مثلا الهيئات اللغوية الأجنبية بأن تختار نعوتا بلُغتها (الأجنبية) تكون أكثر تلاؤما مع حاجيات الناطق بالعربية؟ نعتقد أنّ هذا لن يحدث إلا في حال تكون القضية المطروحة مسألة صفقة تُبرم بين رجال أعمال. كما أنّ هذا لن يحدث إلا في حال تكون اللغة المطالبة بالانصياع لأمر لغة أخرى تشكو من ضعفٍ يضاهي الضعف الذي تشكو منه اللغة العربية (وظيفيا وتواصليا، لا مبدئيا). مع العلم أنّ البلد الذي كان يسمى بالعربية "ساحل العاج" سبق له أن "أمر"، وبكل إلحاح، كافة بلدان العالم بأن يسموه "كوت ديفوار" (كما هو بالفرنسية) بكن لم تستجب لهذا الطلب اللغة الانكليزية حيث لم تستغنَ أبدا عن "آيفوري كوست" (الترجمة الانكليزية الحَرفية) للتعامل مع هذا البلد. فاللغة المحترمة لا تأبه لتطبيق قوانين مسلطة عليها من خارجها عدا قوانين التلاقح الثقافي والتطور اللغوي. وهي حركة رفضٍ نبيلة لم تفعل مثلها اللغة العربية، لا عبر الفاعلين اللغويين ولا عبر الفاعلين السياسيين، ولم تحتفظ بعبارة "ساحل العاج" إلا نادرا.
من جهة أخرى، لو كان الاختراع اللغوي أمرا هيّنا لسارعَ الألسنيون العرب بتطبيقه على لغتنا أولا وبالذات وذلك بأن ينحتوا، بكل مباشراتية، كلمة مثل"مُسْلِمِيٌّ/يَّةٌ" لكي تُستخدم في وصف كل ما يتعلق بالإنسان المسلم وثقافته وحياته ولكي تحيى إلى جانب الكلمة الموجودة "إسلامي/ية" وتتفاعل معها وتتناوب معها.
مهما يكن من أمرٍ، لن نتخلص إلى إصدار حُكم سريالي قاضٍ بشطب كل الكلمات الدخيلة على اللغة العربية من المعجم، مع أنّ تلك الكلمات تتسبب لنا في الاضطرابات الفكرية والنفسية والتي تعقّد الأداء السياسي في مجتمع تواق للانتقال السياسي السلمي والثابت والمَرن.
بهذا المعنى، ليس هنالك مخرج سحريّ من أزمة عامة وشاملة. ولكن الأجدى أن تتحلى نخبنا المثقفة بالمثابرة على البحث العلمي والتجربة الميدانية مع الحرص على جلب الإرادة السياسية إلى جانبها بخصوص تجسيد الإشكالية المطروحة وذلك بمكوناتها كلها. و إذا أردنا صياغة تعريفٍ يلخص الإشكالية المطروحة في هذه الورقة ابتغاء تبليط الطريق المُفضية إلى الحل، حريّ بنا أن نعترف بأننا مسلمون يقال عنّا من بعيد إننا "إسلاميكيون" تارة و"إسلاميستيون" طورا، وبأننا إذ نخرّ راكعين لمثل هذه الرؤى فإننا لا نرَ بُدّا من ممارسة المناورة على أنفسنا فندفع البعض منا إلى تقمص تلكم الأدوار المستوردة ثم نسميهم متأسلمين تارة وإسلامويين طورا (ومتأدينين تارة أخرى). كما أنه من الأجدى أن نعترف لأنفسنا بأنّنا لم نعُد نَعرف التوحيد إلا لمّا يتعلق الأمر باختزال كل تلكم الأمراض الموصوفة في كلمة "إسلامي" وأنّ الكل يرحب بهذا النعت مع فارق كبير: أولئك الذين يسحبونه على أنفسهم ينفرون من أولئك الذين يرفضون تطبيقه على أنفسهم، أما هؤلاء فلم يبقَ أمامهم من خيار، بعد أن يئسوا من عبارة "إسلامي"، سوى أن يبحثوا عن بديل، مع أنّ هذا البديل لن يأتي أبدا، لأنّ البديل موجود في داخلهم ولا يقبل بأن ينفصل عن ذواتهم مع أنهم شديدو الحرص على الانفصال.
الخاتمة
في الختام ما من شك في أنّ قبول الأحكام التي تصدرها بشأننا الثقافات الأخرى، بواسطة لغاتها ومعاجمها المنبثقة عن رؤاها الذاتية، ثم تكليف نخبنا أنفسهم بأنفسهم، بصفة غريبة ومستلبة ومغتربة، بتنزيله في الفكر وفي السياسة وفي الواقع الفكري والسياسي والعام، إنما هو جرمٌ في حق مجتمعنا الكبير. ولكل جرمٌ ذاتي إصلاح ذاتي، إذ بمجرد أن تتوقف هذه النخب عن حمل الوِزر تلو الآخر وعن ترك المساحات شاغرة للشباب حتى يوهم نفسه بالعثور على الحل، وذلك كأن يكتب اللغة العربية بالحروف اللاتينية مثلا، مُعرٍبا هكذا بأسلوب عملي، مع أنه غير مناسب، عن استنكافه عن الإسهام في المحافظة على لغته الأم، ناهيك أن نتوقع منه أن يسهم في تطويرها (19).
لكن في المقابل فإنّ المطلوب هو ترويض الكلام الوافد، بكل أشكاله وبكل مضامينه العقدية والسياسية والإيديولوجية والاقتراحية والتآمرية وغيرها، لا لشيء سوى لتحويله من وسيلة للتدخل في الشأن النسبي لبلد مثل تونس أو مصر أو العراق أو اليمن أو غيرها، إلى وسيلة لعتق العصفور العربي من غمّ القفص حتى يكون قادرا على إطلاق نفسه في فضاء الكونية الرحب.
ومن الوسائل التي من شأنها أن تساعد على تحقيق هذه الغاية إصلاح المنظومة التعليمية والتربوية باتجاه العناية بتعليم اللغات الأجنبية مع التركيز على تحويل الحداثة منها إلى داخل الفكر العربي الإسلامي، طِبقًا لنماذجَ مصاغة باستهداف واضح وبكل دقة، وذلك من اللغة الأجنبية باتجاه اللغة العربية (20).
ولم يبق سوى أن تسهّل النخبُ على الناشئة الشروع في الخروج من القفص وذلك بدءًا باجتناب سحب مفردة "إسلامي" على مشكلات خصوصية علما وأنّ هذه الأخيرة تستحق نعوتا أدقّ، وأنّ المطلوب هو توظيف هذا النعت في توحيد كلّ خصوصية واحدة بالأخرى، وفي ما بين الخصوصيات و الأشياء والسلوكيات والقيم والآداب بعضها ببعض، وكلِّ ما هو ومَن هو، محلي وأهلي وداخلي ووطني وذاتي ونسبي وإقليمي وقومي وسني وشيعي وعلوي و قبطي ومسيحي ويهودي، وكلّ ما هو ومن هو أمازيغي وطَرقي وموريسكي وتركي ومالطي وإيطالي إلى غير ذلك (المغرب العربي)، وكل ما هو ومن هو نوبي و"باجي" أو بدوي على سبيل الذكر لا الحصر (مصر والسودان)، وكل ما هو ومن هو كردي وتركماني وآشوري وأرمني وأوزبكي وسومري وسرياني وهلم جرا (العراق والشام)، وكل ما هو ومن هو درزي وأرمني إلى آخر القائمة (سوريا ولبنان)، وكل ما هو ومن هو فارسي وآسيوي وبلوشي وما إلى ذلك (الجزيرة العربية)، وأخيرا وليس آخرا، كل ما هو ومن هو كنعاني وشركسي إلى غير ذلك (فلسطين والأردن).
فالأوصاف المتسقة مع العرب المنتمين إلى ثقافة المسلمين كثيرة والحمد لله. وكما يوَحد هؤلاء الإسلامُ تُوَحدهم اللغة العربية أيضا، ولا تحرمهم لا من لغاتهم ولا من ثقافاتهم الخصوصية، حيث إنه مثلما في الاختلاف رحمة فإنّ في الوحدة على أس الاختلاف رحمة أيضا.
في السياق نفسه نعتقد أنّ من يجوز له نعت ثقافة الإسلام وأمة المسلمين والمواطنين المسلمين، وأعمالهم وتاريخهم، بال"إسلامي/ية"، هو الطرف الآخر، أي الطرف غير المنتمي إلى هذه الثقافة. ولكنه جوازٌ مشروط، والشرط فيه أن ينسحب نعت "إسلامي" على كلّنا لا على بعضنا، وأن لا تشوب هذه الكلمة شائبة تعود على المواطن والقوم والشعب والأمة بالوبال.
أما السبب في أنّ التوصيف بال"إسلامي/ي" لا يجوز، كما كان يجوز، إلا لمّا يصدر عن الأجنبي، هو أنّ كل من ينتمي إلى هذه الثقافة إنما هو إسلامي بالفعل وبمبدأ الواقع، وبالتالي فلا يستحق المنتمون إليها أن يصفوا أنفسهم بأنهم "إسلاميين". ولا ينبغي أن يفعلوا ذلك، كما فعلوا مكرهين ودون وعي من قبل، لمّا كان الاستلاب والاغتراب والإذعان للتبعية وللتغريب أسياد الموقف.
بل الخيار الأوحد، والذي من شأنه أن يكون قيمة مضافة لكل مواطن عربي، ولو كان من غير المسلمين، هو أن يضطلع هذا الأخير، قولا وفعلا، بإسلاميته (ثقافيا) بعد أن تبيّن أنّ الإسلام (الدين)، على غرار المنتمين إليه وإلى ثقافته، وعلى غرار لغةٍ عربية أفقدها الناطقون بها "كفاءتها التواصلية"، ليؤثروا عليها "كفاءة أداتية" و"إنشائية"، كان هو الآخر حبيس السجن نفسه، مع فارق الزنزانة (التحزب السياسي باسم الدين)، وذلك على إثر تضحية المنتمين إليه ب"الكفاءة التواصلية" ("التديّنية" بالمعنى الشامل) بدعوى توطيد "كفاءةٍ دينيةٍ" لن تتوطد من دون ازدهار الأخرى.
يومئذ، يومَ يتكلم العرب، بوَصفهم منتمين شرعيين إلى ثقافة الإسلام وذوي مشروعية إسلامية متضمنة لديانة اللغة (وهي بمثابة ديانة جامعة وموحّدة)، ليعلنوا عن مغادرتهم لقفص البكم، سنرحّب بثورة العرب و لو وُصفت حينئذ بالإسلامية.
المراجع:
(1) مقتبس عن 'غي صورمون' في كتابه "المفكرون الحقيقيون لهذا العصر" (بالفرنسية)، ص 131.
Guy Sorman in « Les Vrais Penseurs de Notre Temps », éditions France Loisirs, 1990, p.131.

(2) ما أسميناه "التخلف اللغوي"يطلق عليه عالم الاجتماع التونسي د. محمود الذوادي اسم "التخلف الآخر".

(3) في "متأدينون " لوليد الحسيني، نشر على الشبكة بتاريخ 27-8- 2009.

http://www.filgoal.com/Arabic/News.aspx?NewsID=58957


(4) بحَثنا عن بعض العلامات الدالة على أنّ اللغة أصيبت هي بدورها بالوهن (أدائيا ووظيفيا) وعلى أنّ ذلك انعكاس لأزمة متعددة الأبعاد فعثرنا على أكثر من قرينة واحدة في مقال واحد: يكتب الهاشمي الطرودي رئيس تحرير جريدة "المغرب" اليومية التونسية محللا الوضع السياسي في تونس وواصفا سلوك "صقور" حزب حركة النهضة الحاكم: "لقد واصل (تيار الصقور)، رغم اللغة الدبلوماسية والتظاهر بدعم الحوار الوطني، مساعيه (...) لتطويع الحوار لخدمة أجندته السياسية، أو لتعطيله إن لزم الأمر، أو إفشاله إن تسنى له ذلك"، ثم يتمادى في الوصف كاتبا: "(...) هناك نهضتين، نهضة في وزارة حقوق الإنسان منخرطة في الحوار الوطني (...) وأخرى بالمجلس التأسيسي تعلن بالشفاه تأييدها للحوار، وتشتغل - عمليا – لعرقلته وإفشاله." ورد في مقال "هل نصدق ما يقوله راشد أم ما يقوله علي؟"، جريدة "المغرب"، عدد 683، بتاريخ 20-11-2013 ص8-9.


http://www.lemaghreb.tn/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/2196-

(5) نفس المرجع.

(6) وشهد شاهد من أهلها. فهذا التعبير للسيد راشد الغنوشي أحد رموز الإسلام السياسي. وبالرغم من تحفظنا المبدئي والدائم إزاء الحركة "الإسلامية" ككل وإزاء حزب حركة النهضة التونسي الذي يتزعمه الغنوشي إلا أننا نقتبس هذا التعبير منه للتدليل على أنّ الإسلام السياسي قد يهتدي إلى الحلول نظريا ولكنه لا يملك الموارد الفكرية الضرورية والكافية لتحويل النظري إلى واقع. مع العلم أنّ الغنوشي يؤكد أنّ "سبيل الإنقاذ المتبقي لا يمر بالضرورة بالاقتصاد ولا بالأمن ولا بالقضاء وإنما بالسياسة وذلك عبر تغيير درامي في المشهد السياسي". ورد في المقال المذكور في المرجع رقم (4).
(7) وهذا الأثر ليس بحديث كما يذهب إلي ظنه الكثيرون مع أنّ معناه صحيحا. يكتب أعضاء الفريق التابع لموقع "مركز الفتوى" التابع إلى مجموعة "إسلام ويب": (...) أما: من تعلم لغة قوم أمن مكرهم، فليس له أصل في كتب السنة المشهورة وإن كان معناه صحيحا."
http://fatwa.islamweb.net/fatwa/index.php?page=showfatwa&Option=FatwaId&Id=60573

(8) مقولة صادرة لتوّها عن د.مازن الشريف الخبير الاستراتيجي في الشؤون الأمنية والعسكرية ورئيس قسم الاستشراف ومكافحة الإرهاب ب"المركز التونسي لسياسات الأمن الشامل"، وقد اقتبسته جريدة "المغرب" التونسية وجعلت منه عنوانا لملخصٍ لكتابٍ جديد لل د. الشريف وهو بعنوان "رحلة في عقل إرهابي". انظر "المغرب" عدد 686 بتاريخ 23- 11- 2013 ص 16، أو الرابط التالي:

http://www.lemaghreb.tn/2362


(9) قال الرئيس التونسي المؤقت المنصف المرزوقي "إنّ العلمانيين المتطرفين، لو وصلوا بانقلاب إلى السلطة، سيواجهون بثورة تنصب لهم المشانق". كان ذلك في حديث لقناة الجزيرة في 26- 3- 2013. للإطلاع على الخبر:

http://www.babnet.net/rttdetail-62421.asp

(10) كتبَ العقيد ستاننجر دراسة مطولة بعنوان "الشلل الاستراتيجي حسب بويد ووردن" ويصف فيه، من بين أشياء أخرى، النموذجَ الذي خُطط له مسبقا ثم نُفذ بنجاح.

http://www.cesa.air.defense.gouv.fr/IMG/pdf/PLAF_No9_Col_Steininger.pdf

(11) لمعرفة العلاقات الخفية التي تساهم النمذجة في حبكها انظر على وجه الخصوص مقالا كتبه أستاذ العلوم السياسية الأمريكي 'جوزيف بافومي' ('دجو') (بالانكليزية) بعنوان "القاعدة والعراق: صلة غير مستكشفة كما ينبغي"
"Al Qaeda and Iraq: An Under Explored Link"

http://andrewgelman.com/2006/04/13/al_qaeda_and_ir/

(12) نموذج العقيد الأمريكي "دجون آشلي ووردن" ونظريته "الحلقات الخمس" التي اشترك معه فيها "دجون بويد" والمؤدية إلى "الشلل الاستراتيجي". المرجع رقم (10)
(13) " يقول اللواء الأمريكي 'روبرت ه. سكايلز':" إنّ الحروب تُربح على قدر تكوين التحالفات وتقوية الامتيازات غير العسكرية وقراءة النوايا وبناء الثقة وتبديل الآراء وإدارة الاستشعار. كل هذه المهمات تتطلب قدرة استثنائية على فهم الناس وثقافتهم وتحفزهم" (ترجمتنا من اللغة الانكليزية). استشهد به فريق من خبراء النمذجة وديناميكيات الحياة الإنسانية في مؤلف مشترك بشأن تطبيقات النمذجة السوسيوثقافية عموما وفي نيجيريا على الأخص، وهو منشور على الشبكة بالعنوان التالي:
"Sociocultural Modeling in the Social Identity Look-Ahead Simulation and the Green Country Model" p. 13
على الرابط التالي:
http://techdigest.jhuapl.edu/TD/td3001/Bos.pdf
(14) و(15) المرجع رقم (8): بالرغم من أنّ د. الشريف يتحدث عن الإرهاب إلا أننا لا نرى مانعا من تنظير المنهج التخطيطي والبرمِجي للإرهاب على منهج التخطيط والبرمجة للحركات الإسلامية حيث لا يخفى على أحد أنّ العلاقة بين الإرهاب والإسلام السياسي وطيدة.
(16) يكتب الإعلامي زياد كريشان:" (...) إن قانون الأحزاب لسنة 1989 يحجر تأسيس حزب سياسي على قاعدة دينية، عرقية ولغوية. الإسلام واللغة ملك لكل التونسيين. كل "خصخصة" حزبية لهذه العلامات الهوياتية من شأنها أن تكون مضادة لمفهوم الأمة" (ترجمتنا من الفرنسية)، في مقالة (بالفرنسية) بعنوان "حزب ديني في تونس؟" نشرت في مجلة "حقائق" بتاريخ 26-11-2007:
http://heritiers-ibn-rochd.over-blog.com/article-14112213.html
هذا وقد تم الترخيص لحزب حركة النهضة (في غرة مارس/آذار 2011) وذلك قبل المصادقة على الأمر المنظم للأحزاب السياسية (التي تمت بتاريخ 20-7-2011)، بعد أن تم عمليا رفع الحظر عن أحزاب أخرى (غيردينية) كانت محظورة قبل الثورة، وذلك بتاريخ 20-1-2011 .
(17) "هل أنّ لغتنا تشكل طريقتنا في التفكير؟" هو عنوان مقال ممتاز لأستاذة علم النفس والعلوم العقلية 'ليرا بوروديتسكي' (من روسيا البيضاء) " تؤكد فيه العودة القوية، منذ أواخر القرن ال 20، لِنظرية كانت قد بنيت في أواسط نفس القرن على فكرة نشأت في القرن 19. وأصبحت النظرية تعرف ب"فرضية سابير و ورف" (أستاذ أمريكي وتلميذه الأمريكي أيضا) أو "النسبية اللغوية" قبل أن تقوضها (مؤقتا) نظريات المدرسة التشومسكية في أواسط القرن الماضي. وتتلخص الفرضية في أنّه قد يكون للغة تأثيرٌ على التفكير، مما يعني مثلا أنّ من يتكلم عدة لغات يفكر بعدة طرائق مختلفة. المقال منشور على الانترنت بتاريخ 6-11-2009 وفي ما يلي الرابط:
http://edge.org/conversation/how-does-our-language-shape-the-way-we-think
(18) أليس الإسلام السياسي، وعلى الأخص السلفية، نمطا من بين الأنماط الثقافية الهجينة والتي حمَلت رموز الإسلام السياسي على غرار راشد الغنوشي زعيم حزب حركة النهضة التونسي على التصريح علنا بأن السلفيين "يبشرون بثقافة"؟ لمزيد الإطلاع على فحوى الخبر، راجع مقالة " راشد الغنوشي : السلفيون يبشرون بثقافة ولا يهددون الأمن العام"، منشورة على موقع "باب نت" التونسي بتاريخ 22-2-2012 وفي ما يلي الرابط:
http://www.babnet.net/rttdetail-46065.asp
(19) حول هذا الموضوع وخطورة هذه الظاهرة، كتب محمد الصاوي مقالة متميزة بعنوان "الانترنت تعيد القضية من جديد: كتابة العربية بالحرف اللاتيني" وهو على الرابط التالي:

http://www.almarefh.org/news.php?action=show&id=1694

(20) أنجزنا عديد الدراسات في هذا الصدد وخصصنا اثنتين منهما لشرح ما أسميناه ب"التعريب العكسي" (أو "التعريب غير المباشر")، وهما منشورتان على الانترنت، وفي ما يلي العنوانان و الرابطان:
خطة لإصلاح تعليم اللغات: "التعريب العكسي""
http://www.alhiwar.net/ShowNews.php?Tnd=22751#.Uopmn9Iz2zk
"التعريب العكسي: رؤية عربية مع الاستئناس بالأجنبية"
http://www.alnoor.se/article.asp?id=133013


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.