ا1) التوصيف : مرة اخرى يضرب الارهاب احد المناطق الحدودية الداخلية التى تعاني الفقر والتهميش والمعاناة والبطالة وضعف البنية التحتية ، ويضاف لكل تلك المصائب ، المصيبة الأكبر وهي الارهاب ، فبعد القصرين وجندوبة ياتي الدور على الكاف ، فهل حكمت علينا الجغرافيا بان نكون حصن الدفاع الاول بحكم السلسة الجبلية الممتدة والمتواصلة عبر الولايات الثلاث ،وان نقدم الضحايا والشهداء قرابينا لامن البلد بكامله ؟ ام حكمت علينا طول حدودنا الجبلية الوعرة والغابية مع الجارة الجزائر؟ ام حكم علينا نظام بن علي البائد بان نكون دائما وقودا للمعارك؟ فالمقتولون دائما ينحدراغلبهم ، ان لم نقل كلهم ، من تلك المناطق سواء كانوا ارهابيين ام جنود ام امنيين ، فاهالي المناطق المحظوظة وابناء العائلات الميسورة لا يدخلون وظائف المخاطر وقد وفرت لهم الدولة البورقيبية وبعدها النوفمبرية ، ما يكفي من الاستثمارات في جهاتهم لتوفير فرص للعيش افضل بكثير من الدخول للجيش او الشرطة او الحرس الوطني ، وان دخلوها فكضباط كبار يكونون بحكم رتبهم في مناى عن الخطر ويعملون دائما ربما في المناطق الناعمة التى تكون نسبة التهديد فيها تقترب من الصفر ، كما ان العصابات المسلحة لا تستهوى ولا تستقطب الاّ الضعفاء والمستضعفين من تلك المناطق المحرومة ، مرة اخرى نخسر ثلة من جنودنا الابطال ، هاته المرة في جبال ورغة بجهة الكاف بين بلدة الطويرف ومعتمدية ساقية سيدي يوسف ، في جبل ورغة الاصلي اولا ثم في منطقة جبلية نائية قريبة منه تسمى بجبل " كسار القلال " والتى ما تزال تحاصرها قوات الجيش وتحاول بصعوبة مطاردة العناصر الخطيرة المتحصنة داخلها ، خاصة مع مخاطر الالغام المزروعة هنا وهناك ، ان هاته الخسائر هي نتيجة متوقعة للاستراتيجية الامنية المتبعة حاليا والمتمثلة في مطاردة العناصر المسلحة في عقر مخابئها في الجبال الوعرة ، ومفاجئتها هناك قبل ان تتمكن من تركيز مناطق محصنة اشبه بالثكنات العسكرية المنظمة ، والتى يمكن ان تشكّل في وقت لاحق خطرا كبيرا على امن البلاد واستقرارها خاصة اذا اتخذت تلك المواقع قاعدة لتنفيذ عمليات داخل المدن ، فملاحقتها في الجبال هي بمثابة الضربات الاستباقية لحماية امن الوطن والمواطنين ، غير ان هاته الاستراتيجية يبدو انها مكلفة جدا لارواح ابنائنا من العسكريين والامنيين عموما خاصة اذا لم تستند الى عمليات استخباراتية مكثفة وعمليات مسح واسعة واسترشاد دقيق حول مسالة الألغام المزروعة التى تهدّد بجدية حياة الجنود وحتى المواطنين ، فليس من المقبول في الحقيقة ان يسقط في اليوم الاول جرحى بسبب الالغام ، وفي اليوم الثاني مباشرة يسقط قتلى بنفس الطريقة الاولى وهى الالغام ، فلا بد في رايي من اعادة النظر في طريقة عمل الوحدات ،رغم اني لست خبيرا امنيا، ولكن يجب علينا استحضار النظرية الامريكية وهي الحرب بصفر قتلى في صفوفنا لان ارواح جنودنا غالية علينا ولا يجب تعريضهم الى خطر نكاد ندرك جميعا انه محدق بهم اثناء دخولهم لهاته المناطق الوعرة ، والتى يبدو ان الارهابيين يختبؤون في مناطق استراتيجية داخلها تسمح لهم بمراقبة حركة الدوريات الامنية بكل دقة تمهيدا لاستهدافها بسهولة مقلقة ، الحقيقة ان محاصرة المنطقة وعمليات المطاردة في جبال ورغة بدات منذ مدة ، ومباشرة بعد الافادات التى حصلت عليها الجهات الامنية على اثر اعتقال احد المشتبه بهم في احداث فرنانة ، الذى اكّد ما كان شكوكا حائمة حول تواجد عناصر مسلحة بجبل ورغة من مدينة الكاف ، فقد سبق للاهالي ان لاحظوا تحركات لاشخاص مسلحين داخل منطقة برنوصة جنوب مدينة الكاف بين الاحياء السكنية ، كما تشكى عدد من متساكنى بعض المناطق القريبة من جبل ورغة من عدة حوادث غريبة كافتكاك بعض الخرفان بالسلاح من مواطن بسيط ، او قطع الطريق وافتكاك " قضية الاسبوع " او قفة الاسبوع من بعض المتسوقين في المسالك الوعرة المؤدية الى مساكنهم، وما تزال عمليات المطاردة مستمرة في جبل ورغة وبخاصة في جبل " كسار القلال المذكور " وسط منع اقتراب المواطنين من مواقع الاحداث وذلك ربما لطبيعة العملية وخطورتها و حفاظا على سلامتهم ، وتبدو ثقة الوحدات العسكرية والامنية عالية في تطهير جبل ورغة نهائيا من هاته العناصر خاصة بعد القرار والامر الحكومي باكتساح الجبل وسحق المسلحين داخله ، ويفيد شهود عيان بان النيران اشتعلت في عدة مناطق غابية من الجبل بسبب اطلاق النار الكثيف بموقع الاحداث ، 2) التوظيف : لم تسلم الاحداث المؤلمة الموصوفة ، التى عاشتها مدينة الكاف ، ومقتل الجنود الاربعة بطريقة غادرة وسيلان دمهم الطاهر، الحرام ، في شهر الصيام ، لم تسلم من لوثة التوظيف السياسي ، وان كان بدرجة اقل من فترة حكم الترويكا حين دعى الاتحاد العام التونسي للشغل لاضراب عام بعد مقتل جنودنا بالشعانبي ، اكتفى الاتحاد هاته المرة بالدعوة الى الاسراع بالمصادقة على قانون الارهاب وكأنه الدرع الذي سيحمى قواتنا المسلحة من ان تقتل في جبال ورغة بدم بارد ، وكأنه لا يوجد لدينا قانون ارهاب ساري المفعول والمحاكم بصدد تطبيقه بصفة عادية ، الا ان يكون الاتحاد يبحث عن قانون ارفق بالمتهمين بالارهاب ويوازن بين حق المجتمع في السلم والامن والخلاص من آفة الارهاب وحق المتهم في المحاكمة العادلة طبق المواثيق الدولية ودستور البلاد التونسية ، وهو امر صعب المنال طبق نص المشروع الجديد ، اما الاحزاب الصغيرة والاعلام العمومي والخاص الموالي لها ، وان لم تدعو الى اسقاط حكومة السيد المهدي مثلما فعلت مع الترويكا منذ عام فارط ، الا انها حملت الاخيرة (الترويكا )المسؤولية مرة اخرى واسغلت الدماء البريئة التى سالت لتنشيط حملتها الانتخابية السابقة لأوانها ، والتي يبدو انها لم تخرج كبرنامج استراتيجي عن كيل الاتهامات الجزافية لخصومها السياسيين دون تقديم البدائل والحلول سواء على مستوى نظرتها لمستقبل امن التونسيين ودرء مخاطر الارهاب عنهم او غيرها من المسائل الوطنية الاخرى ، وقال مساندو المرزوقي ان الضربة تستهدفه ، وتستهدف كسر الثقة التى سادت بين القيادات العسكرية والامنية من جهة والقيادة السياسية من جهة اخرى ، وانها ترمي لاضعاف موقف الرئيس المرزوقي المكلف بحماية ارواح وامن التونسيين بحسب الدستور الجديد ، واشار الدكتور الجنوبي نور الدين العلوى الى تزامن الاحداث مع الحملة الواسعة ضد الرئيس للتقليل من ثقله الانتخابي وقطع الطريق امامه للوصول للدور الثاني ،ودعى السيد سليم حميدان وزير املاك الدولة السابق في صفحته على الفايس بوك الى عدم الرد على الاكاذيب والافتراءات التى يتعرض لها الرئيس المرزوقي والتى تشكل جرائم طبق القانون ، وكتب على صفحته الفايسبوكية انها تدل على قيمة ومستوى اصحابها وانهم لن ينجحوا في مرماهم وانهم خاسرون لا محالة ، وسعت حركة النهضة الى الدعوة لانجاح المسار الديمقراطي والانتقالي عموما وانجاح الانتخابات واعتبرته الرد الافضل عن الارهاب الذي يستهدف فيما يستهدفه تعطيل المسار الانتخابي والتحول الديمقراطي ككل ، وتواترت المواقف وتكاثرت ، وفيما عدا التنديد الذي لا يبدى ولا يعيد ، فلم نلحظ اي من الفرقاء السياسيين يطرح بديلا حقيقيا وجديا يمكن ان نحافظ به على ارواح التونسيين وبخاصة على ارواح جنودنا البواسل من الاستهداف بدم بارد ، والحفاظ ايضا على الشباب المتدين من الاندفاع نحو الجريمة الارهابية وتصحيح المفاهيم وربما الدعوة الجريئة الى ادراج برنامج للعفو في مشروع قانون الارهاب الجديد ، العفو، نعم ،العفو عن المتحصنين بالجبال وحاملي السلاح في وجه الدولة وجيشها وامنها ومواطنيها وذلك مقابل القائهم السلاح والعودة الى الوطن ما لم يرتكبوا جرائم قتل او جرح ، وذلك في نظرة امنية شاملة وعميقة تمس جذور الازمة على غرار برنامج العفو المنصوص عليه بقانون العدالة الانتقالية ، واخذا للدروس والعبر من عدم نجاعة المواجهة الامنية بمفردها التى جربها بن على طيلة عشرات السنين ولم تكن ناجعة ، واخذا للعبرة ايضا من تجربة اخواننا في الجزائر التى آتت اكلها ونزل عدد ضخم من الشباب الجزائري من الجبال الذين وضعت لهم الدولة برامج تاهيلية لاعادة ادماجهم في المجتمع . لقد غلب علي كل المواقف السياسية والحزبية وحتى الاعلامية ، غلب عليها التوظيف الفئوي السياسوى الضيق ، التى تفوح منه رائحة الرداءة والانتهازية والذي يحمل في طياته استخفافا بارواح ابنائها من الجيش العزيز على كل التونسيين بمواقفة المشرفة عبر تاريخه الطويل سيما في احداث الثورة ، ولم ترتق تلك المواقف الى درجة الوعي الوطني بخطورة ما نحن مقدمون عليه وما يجب علينا الاعداد له حتى نتجنب انزلاقات لا تتحملها بلادنا بامكانياتها المتواضعة ، فافيقوا يا اهل السياسة والنخب من غفلتكم وقفوا موقفا وطنيا خالصا وتوحدوا لانقاذ بلادكم من الارهاب والفوضى ولانقاذ المشوار الديمقراطي الذي بدأنا في عده التنازلي ولاحت بشائره بتعيين موعد ثابت للانتخابات التشريعية والرئاسية ، ولنكن يدا واحدة لانجاح المسار ، وفاء لكل الشهداء الذين سقطوامنذ بداية النضال من اجل الحرية فور نشاة الدولة البورقيبية وحتى آخر شهيد سقط في جبال ورغة من ابطال جيشنا الوطني الابي ، ولتعلموا ان كل جنود الشرّ يتحدون لوأده ، وكثير من الامم يحسدوننا عليه . بقلم الأستاذ عمر الرواني المحامي