هام/ ترسيم هؤولاء الأعوان الوقتيين بهذه الولايات..    تقلص العجز التجاري الشهري..    سوسة/ القبض على منحرف خطير مفتش عنه..    13 قتيلا و354 مصابا في حوادث مختلفة خلال ال24 ساعة الماضية    الشابّة: يُفارق الحياة وهو يحفر قبرا    وقفة احتجاجية ضد التطبيع الأكاديمي    العاصمة: وقفة احتجاجية لعدد من اصحاب "تاكسي موتور"    بن عروس: انتفاع 57 شخصا ببرنامج التمكين الاقتصادي للأسر محدودة الدخل    السعودية على أبواب أول مشاركة في ملكة جمال الكون    متابعة/ فاجعة البحارة في المهدية: تفاصيل جديدة وهذا ما كشفه أول الواصلين الى مكان الحادثة..    عاجل/ تحذير من أمطار وفيضانات ستجتاح هذه الدولة..    فريق عربي يحصد جائزة دولية للأمن السيبراني    الحكومة الإسبانية تسن قانونا جديدا باسم مبابي!    لاعب الترجي : صن داونز فريق قوي و مواجهته لن تكون سهلة    الوكالة الفنية للنقل البري تصدر بلاغ هام للمواطنين..    صدور قرار يتعلق بتنظيم صيد التن الأحمر    هلاك كهل في حادث مرور مروع بسوسة..    فاجعة المهدية: الحصيلة النهائية للضحايا..#خبر_عاجل    تسجيل 13 حالة وفاة و 354 إصابة في حوادث مختلفة خلال 24 ساعة    600 سائح يزورون تطاوين في ال24 ساعة الأخيرة    أخصائي في أمراض الشيخوخة: النساء أكثر عُرضة للإصابة بالزهايمر    حريق بشركة لتخزين وتعليب التمور بقبلي..وهذه التفاصيل..    أبطال إفريقيا: الترجي الرياضي يواجه صن داونز .. من أجل تحقيق التأهل إلى المونديال    وزارة المرأة : 1780 إطارا استفادوا من الدّورات التّكوينيّة في الاسعافات الأولية    تُحذير من خطورة تفشي هذا المرض في تونس..    جندوبة : اندلاع حريق بمنزل و الحماية المدنية تتدخل    الإعلان عن نتائج بحث علمي حول تيبّس ثمار الدلاع .. التفاصيل    هرقلة: الحرس البحري يقدم النجدة والمساعدة لمركب صيد بحري على متنه 11 شخصا    "ألفابت" تتجه لتجاوز تريليوني دولار بعد أرباح فاقت التوقعات    دورة مدريد : أنس جابر تنتصر على السلوفاكية أنا كارولينا شميدلوفا    بطولة انقلترا : مانشستر سيتي يتخطى برايتون برباعية نظيفة    أمين قارة: إنتظروني في هذا الموعد...سأكشف كلّ شيء    البطولة الايطالية : روما يعزز آماله بالتأهل لرابطة الأبطال الأوروبية    زلزال بقوة 5.5 درجة يضرب هذه المنطقة..    وصفه العلماء بالثوري : أول اختبار لدواء يقاوم عدة أنواع من السرطان    تواصل نقص الأدوية في الصيدليات التونسية    طقس الجمعة: سحب عابرة والحرارة تصل إلى 34 درجة    الرابطة الأولى.. تعيينات حكام مباريات الجولة الأولى إياب لمرحلة "بلاي آوت"    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    إثر الضجة التي أثارها توزيع كتيّب «سين وجيم الجنسانية» .. المنظمات الدولية همّها المثلية الجنسية لا القضايا الإنسانية    الاستثمارات المصرح بها في القطاع الصناعي تتراجع بنسبة 3ر17 بالمائة خلال الثلاثي الأول من سنة 2024    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    جندوبة.. المجلس الجهوي للسياحة يقر جملة من الإجراءات    قبلي: السيطرة على حريق نشب بمقر مؤسسة لتكييف وتعليب التمور    الفنان رشيد الرحموني ضيف الملتقى الثاني للكاريكاتير بالقلعة الكبرى    وزيرة التربية : يجب وضع إستراتيجية ناجعة لتأمين الامتحانات الوطنية    قبلي : اختتام الدورة الأولى لمهرجان المسرحي الصغير    سعر "العلّوش" يصل الى 2000 دينار في هذه الولاية!!    تتويج السينما التونسية في 3 مناسبات في مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة    جريمة شنيعة: يختطف طفلة ال10 أشهر ويغتصبها ثم يقتلها..تفاصيل صادمة!!    خدمة الدين تزيد ب 3.5 مليارات دينار.. موارد القطاع الخارجي تسعف المالية العمومية    بطولة مدريد للماسترز: اليابانية أوساكا تحقق فوزها الأول على الملاعب الترابية منذ 2022    أكثر من نصف سكان العالم معرضون لأمراض ينقلها البعوض    طقس الخميس: سحب عابرة والحرارة بين 18 و26 درجة    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إسلام رباني لا إسلام سعودي
نشر في الحوار نت يوم 30 - 08 - 2014

عمل حكّام السعودية – بعد الملك فيصل رحمه الله - على تأسيس إسلام على مقاسّهم يتميّز بالتركيز على التديّن الفردي وتغييب الأمة عن المساهمة في الحياة السياسية وصنع القرار ، ووطّدوا من أجل ذلك علاقتهم بالمؤسسة الدينية الرسمية فتركوا لها المجال واسعا لنشر الفكر الوهابي المتشدّد في المسائل الفرعية – العقدية منها والفقهية – مقابل التأصيل للحكم الفردي المطلق والاستبداد السياسي وخنق الحريات وإنكار الحقوق ، كلّ ذلك باسم الاسلام ، وقد أنفقت الأموال الطائلة في سبيل نشر هذا الاسلام عبر العالم من خلال حملات كتابية وخطابية تستهدف ذوي التديّن العاطفي بالأساس من شباب محدود الثقافة وطبقات ضيّقة العطًن والأفق والمستوى الذهني ، وانشغل الجميع بالمسائل الخلافية التاريخية والهامشية التي تفنى فيها الأعمار من غير طائل ليخلو الجوّ للقلّة الحاكمة تستنزف الخيرات والموارد في خدمة مشروع الأسرة و وأد مشروع الأمة ، مع رفع دائم لشعار الإسلام على ان يبقى مجرّد شعار ، في حين تتبع السياسة منهجا علمانيا صِرفا تكون فيه الدنيا لقيصر يتصرّف فيها بهواه الذي تزكّيه الفتاوى الرسميه ، أما الدين فمجاله – كما أشرنا – الوجدان الفردي والمعارك الحامية الوطيس مع الطواحين الهوائية حيث ييبذل الشباب البريء و" العلماء " أوقاتهم وقواهم من غير طائل ، ومن أهمّ ما يشغل السلفية الحكومية التي أنشأتها السعودية - أو على الأقلّ نفخت فيها الروح بعد موات وضخّمتها وأنفقت عليها بسخاء – ما يطلقون عليه " شرك القبور " ، فأتباع هذا التيار مهووسون بالموتى ومقارّهم ، يرون فيها أنواع الشرك والكفر والبدع المنكرة فيسمّون الأضرحة والمزارات أصناما وأوثانا ، ويكفّرون المسلمين من أجل أيّ خطأ سلوكي يتعلّق بها ولو كان جزئية مختلفا فيها ، ويتراءى للمتابع لثقافتهم في هذا المجال أنه لم يبق على وجه الأرض من المسلمين إلا الوهابيون لأنهم يسوّون القبور بالأرض ولا يشدّون إليها الرحال...( هم تابعون في هذه المسألة لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله الذي بالغ فيها مبالغات مفرطة بناء على آراء خالفه فيها جمهور العلماء) ، لكن في المقابل يغضّون الطرف على الشرك الذي يملأ قصور ملوكم وأمرائهم والذي شاعت أخباره في أطراف الدنيا ، ومن الطرائف أن أحد أعلام الاسلام السعودي – د. عبد العزيز الطريفي – قد راسل شيخ الأزهر أيام نظام حسني مبارك في شأن الأضرحة المنتشرة في مصر – وكلّ مسلم صحيح العقيدة يؤيّده في هذا بلا غلوّ – وأنكر عليه أشدّ الإنكار لكنّه لم يراسله في شأن نظام مبارك الاستبدادي الطاغي وما فعله بملايين البشر – وعلى رأسهم المسلمون وخاصة الدعاة إلى الله – طيلة 30 سنة من الحكم الأسري الظالم...وهكذا هو الاسلام السعودي ، يقول د. عبد الرزاق الشايجي عن أتباعه :فهم مع الدعاة إلى الله خوارج يكفّرونهم بالخطأ ويخرجونهم من الاسلام بالمعصية ، ويوجبون قتلهم وقتالهم ، واما مع الحكام فهم مرجئة يكتفون منهم بإسلام اللسان ولا يلزمونهم بالعمل ، فالعمل عندهم بالنسبة للحكام خارج عن مسمّى الإيمان " .
فأخطاء الأفراد في الفروع أخطر في نظر الاسلام الحكومي من مفاسد القصور وعبث الأسرة الحاكمة بموارد الأمة وحقوق الناس ومستقبل البلاد ، وكم من فضائح متعلقة بالجنس والمخدرات والقمار انغمس فيها أمراء وأميرات في الغرب وتناقلتها الصحافة العالمية بالصوت والصورة فلم تحرّك أولئك " العلماء والدعاة " ، فلا هُم نهوا عن المنكر ولا هم سكتوا عن الجميع كما يقتضي الحياء ، ومن المعلوم أن أكثر هؤلاء المرتزقين من خزائن الدولة من حملة الدكتوراه في الشريعة ، هذه الشهادة التي يحصل عليها عشرات اللوف وربما الملايين من " طلبة العلم " هناك مقابل عدد ضحل من المتخصّصين في التخصّصات الأخرى ، وهي شهادة ليس لها كبير وزن علمي لأن رشائلها – كما يمكن أن يتأكّد أي باحث – مجرّد ترديد للمقولات الموروثة عن محمد بن عبد الوهاب ومدرسته ، لا جديد فيها ولا تجديد ، ويستطيع المرء أن يقرأ بعض كتبهم ويستمع لخطب الجمعة من مكة المكرمة والمدينة المنورة ليقف على المستوى المتدني والرداءة المعشّشة.
هؤلاء الدكاترة يرفعون أصواتهم بالنكير على من يتابعون الشاشات الصغيرة ويسمعون الأغاني ويتوعّدونهم بسوء المصير وهم يعرفون ملكية الأمير الوليد بن طلال لأقذر تلك المحطات وتحالفه العلني مع روبرت مردوخ ، فما نبس " عالم " منهم ببنت شفة ، لكنّهم يصبّون جام غضبهم على من يحلق اللحية أو يحتفل بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم.
هكذا هو الاسلام السعودي : يؤوي الطاغية المتجبّر بن علي بعد فراره من تونس بعد أن فعل بالمسلمين هناك الأفاعيل وأهان دين الله وضيّق عليه وحاربه بلا هوادة ، أما الشيخ راشد الغنوشي فهو ممنوع من دخول السعودية قبل ثورة تونس وبعدها حتى لأداء الحج او العمرة.
ولا يتورّع هذا الاسلام المبدَّل عن تصنيف جماعة الإخوان المسلمين في خانة الإرهاب ويرسل البعثات الدبلوماسية والدينية إلى أطراف الدنيا للإقناع برأيه السديد لكنه لم يطلق صفة الارهاب على دولة الكيان الصهيوني بل قرّر منذ مدة – بمباركة المؤسسة الدينية الرسمية ومفتيها الأكبر أن اليهود جنحوا للسلم فيجب التفاهم معهم ، ومَنعَ خطباء المساجد من الدعاء عليهم ، ولا غرابة في ذلك فالطرفان تجمعهما مصالح البقاء والتسلّط مهما كان الثمن ، لكن حاخامات الدولة العبرية الغاصبة يخدمون مشروعهم الوطني في حين يُشرف رجال الدين السعودي على المشروع الهدمي بسلبيتهم القاتلة وينأون بأنفسهم عن المشروع البنائي الايجابي ويرمونه عن قوس واحدة لأنه يزعج المعبد الرسمي ، وفي سبيل ذلك يشيع الخطاب الاسلامي المبدًّل ثقافة العبودية للحكومات القائمة مهما كان ظلمها وطغيانها ، ويحرّم ويجرّم أبسط الحريات والحقوق كالمظاهرات والمسيرات والاعتصام وكتابة العرائض فضلا عن تكوين الأحزاب والجمعيات ، أي يغيّب المجتمع تماما ويلغي الانسان نهائيا ، وهذا عكس ما يقوم عليه الاسلام الرباني ويدعو إليه من كرامة الانسان وحقه في تسيير شؤون الجماعة واختيار الحكّام ومساءلتهم وعزلهم ، والنظام السعودي يروّج للدولة الدينية بمعناها الثيوقراطي ، ولا علاقة له بالدولة الاسلامية القائمة على الاختيار والحرية والشورى والعدل ، وتعرف جميع الدوائر المهتمّة بحقوق الانسان أن السجون هناك مكتظّة بأساتذة جامعات ومحامين ورجال فكر ودعاة أبرياء لا ذنب لهم سوى المطالبة بإقامة حياة سياسية واجتماعية نظيفة مرجعها القرآن والسنة وفق فهم جمهور علماء الاسلام لا وفق رؤية الاسلام الحكومي ، وبالمناسبة نذكر أن من أهمّ ما يجب الالتفات إليه بالنسبة للمسلمين إعادة بناء ثقافة الاجماع لتتمكّن الأمة من خدمة دينها وقضاياها المصيرية ، والغلوّ – الذي يمثّله الاسلام السعودي - أبعد ما يكون عن النهوض بهذه المهمة ، بل هو نقيضها لأنه يشيع التكفير والإقصاء والإلغاء ويحتكر النطق باسم السماء بعيدا عن المنهج الوسطي ، وعند تغييب هذا الأخير أصبحت السعودية منذ عقود مقبرة للدعاة ، يعيش أحسنُهم حالا في سجن كبير، ربما فيه الرفاهية لكن ليس فيه حرية ولا كرامة و لا عدل ، وهذا ما يخدم العلمانية المزدهرة هناك من جانبين ، فالإسلام ترك الدنيا للملوك والأمراء أي " علمَنَ " الحياة العامة ، فاغتنم " الليبراليون " الفرصة للتموقع في مفاصل المجتمع على مستوى الاعلام والجامعات والاقتصاد والمال في تحالف طبيعي غير معلن مع النظام القائم يعطي عن دين الله تعالى أبشع الصور ، ومن في الناس يستسيغ قطع يد من سرق رغيفا وغضّ الطرف عمّن يستنزف أموال الأمة جهارا ؟ ومن يستسيغ اعتبار مقاتلة الروس في أفغانستان جهادا ومقاتلة الأمريكان هناك إرهابا ؟
إنّ الدين الذي يلتفّ حولهم المسلمون ويملأ قلوبهم وأذهانهم دين التوحيد الحقّ ، لا عبودية فيه لغير الله تعالى ، يسيّر جميع ميادين الحياة ليس بطريقة فوقية مستبدّة ولكن بالثقة في الانسان وتوسيع صلاحياته وتقليص هيمنة الحكّام والصدع في وجوهم بكلمة الحقّ وتربية المجتمع على هذه المعاني وعدم تغوّل المؤسسة الدينية ، فلن يؤدي العلماء وظيفتهم إلا إذا استقلّوا عن الحكومة وتخلّصوا من وصاية السياسة ، ذلك هو الاسلام الرباني .

عبد العزيز كحيل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.