كثير من العقلاء نادوا بتجنيب تونس مشهد الاستقطاب الثنائي وقدموا التنازلات الكبيرة حتى يجنبوا تونس الصورة المهددة لوحدة شعبها والحائلة دون تحقيق حريتها وكرامة شعبها ونهوضها الاقتصادي. وإن ما قدمته حركة النهضة في هذا المجال من تنازلات عن حقوقها الديمقراطية كبير إلى درجة أنها هددت وحدة صفها الداخلي من أجل حماية وحدة الشعب وتجنيبه الانقسام إلى "فسطاتين"، وتنازلت بداية عن حقها في ترشيح شخص منها للرئاسة، أو دعم شخص من المرشحين وقبل ذلك ومنذ الأيام الأولى "للثورة" أعلن رئيس النهضة أنه غير معنيّ بأي تنافس سياسيّ لتطمين "الإسلامافوبيين" وتجنيب البلاد الصراعات الإيديولوجية. ورغم ذلك فإن كثيرين ممن يسمون أنفسهم ب"النخبة" السياسية مازالوا مصرّين على خطاب الإقصاء والاستقطاب الثنائي والتبشير بالمنطق "البوشي" "من ليس معنا فهو ضدنا"! وهو نفس المنطق الذي ردّده خلال الانتخابات التشريعة العجوز معلّم سحر الاستقطاب الثنائي حيث أصر على على تكريس هذا المعنى وأراده أن يبقى شوكة في ظهر تونس يمنعها من تجاوز الماضي وجراحاته الأليمة، والحاضر وخياناته الجسيمة! الباجي وفي لحظة تماهي مع "بوش الإبن" قال: "من ليس معنا فهو ضدنا ومن لم يصوت لنا فهو يصوت للنهضة"!! ويتعالى عن تسمية منافسيه ويصفهم ب"الأخرين" ليكرّس منطق "نحن والآخر، أو نحن وما سوانا الجحيم"! ومازال مصرا في إطار الاستعداد للانتخابات الرئاسية مع بعض شواذّ جماعته على نفس المنطق، منطق الثنائية والتهديد! يهددون الشعب التونسي ونشاطائه السياسيين و"المدنيين" بغطرسة واستعلاء، ويتوعدونهم بالمحاسبة وسحب رخص العمل القانوني، والسجون والتشريد، والانقلاب على المؤسسات الدستورية! ... وهو المنطق الذي يتوقّع أن يعجل بهلاكهم ويجعل نهايتهم أليمة! ومن هذا المنطلق حاولوا شيطنة كل من ساند الحملة الانتخابية للدكتور المنصف المرزوقي ونعتوهم بالإرهاب! ... "الشيخ البشير بن حسن" وغيره يجب أن يصمتوا لأنهم "رجال دين" والدين للجميع! وليس من حقّهم كأفراد أن يساندوا مرشحا دون مرشح!! وأما من ساندهم ممن ينتسب "للشيوخ" والزوايا فمرحّب به ولا حرج في ذلك! الذين نشطوا سابقا في روابط حماية الثورة التي تم حلها، يجب أن يقبروا أحياء وليس من حقّهم كأشخاص أن يساندوا المرزوقي، لأنهم "إرهابيون" تواطأ معهم القضاء وتركهم أحرارا!! ... وأما نشطاء التجمع الإرهابي المنحلّ فهم قلب الرحى ومدارها وعماد حملة "بجبوج" وركازها! هم يريدون أن يتماهوا مع منطق "بن عليّ" الذي كان يختار مناصريه و"معارضيه" بعناية شديدة! نعلم علم اليقين أن "باجيهم" لا تعنيه تونس ولا"نداءها" ولا الانتخابات التشريعية ولا رئاسة حكومة أو برلمان! ... الرجل مهووس ب"برستيج" الرئاسة وبكرسي "سيده بورقيبة" ومستعد أن يدفع أي ثمن وأن يحرق الأخضر واليابس من أجل مبيته بقرطاج ولو ليلة أو أسبوع! وأن يتصدر نشرة أخبار "تونس7" وأن يسمعهم يقولون "سيادة الرئيس الباجي قايد السبسي يدلي باليمين الدستورية ..." وبعد ذلك لا يهمه أن يستقبل ملك الموت الذي سيأتيه دون استئذان! لست من أنصار السخرية من عمر الباجي ولا مما يفرضه طول العمر على كبار السنّ من لوازم أو "معدّات" لأن تلك مسائل بيولوجية ربّانية وقد عبّر الله تعالى عنها في قوله تعالى: "وَمَنْ نُعَمِّرهُ نُنَكِّسهُ فِي الْخَلْق أَفَلَا يَعْقِلُونَ" أي أن الله تعالى "يرُدّهُ إِلَى مِثْل حَاله فِي الصِّبَا مِنْ الْهَرَم وَالْكِبَر" والله تعالي أعلم بأحوال خلقه ومراحلهم: "اللّه خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفاً وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير" ووصف ما يتعرض له كبار السن من تلف في المخ ونسيان أو ما يعبر عنه اليوم ب"الزهايمر" قي قوله "ومنكم من يردّ إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئاً". ولكن السؤال الذي يُطرح على الباجي وأنصاره، هل يكون صادقا في دعوى حبّ تونس من يرشّح لرئاستها رجل قد بلغ أرذل العمر (88 سنة) لمدة رئاسية طولها خمس سنوات؟ ... هل يريد الباجي وأنصاره أن يحكم تونس رجل في الثالثة والتسعين من العمر (93 سنة) عند انتهاء الفترة الرئاسية، هل يريدون تحقيق رقم قياسي في كبر سن الرئيس؟؟ ... إنه إن حصل سيكون فعلا رقما قياسيا في التعاسة والبؤس والاستخفاف بعقول الناس! أليس أكيدا لدى كل صاحب عقل أن انتخاب الباجي سيكون كارثة على تونس، فكما كانت نهايات زمن "العجوز بورقيبة" مكر ودسائس وصراع على الخلافة رغم أن بورقيبة كان أصغر سنا حينها من الباجي اليوم، سنعود إلى نفس المشهد وأشدّ! ألا يعد الاصطفاف وراء الباجي اصطفافا "قطعانيّا" في إطار الاستقطاب الثنائي نكاية في النهضة ومن حالفها يوما ما؟
وعليه فإن انتخاب الباجي سيكون جريمة في حق تونس مهما كانت مؤهلاته لأنه سيدخلها في متاهة بعدما لاحت بعض تباشير الضوء في نهاية النفق الملتوي الطويل! وانطلاقا من الاستقطاب الثنائي الذي نرفضه من حيث المبدأ نقول أن من لم ينتخب الدكتور المنصف المرزوقي (رقم 24) فإنه ينتخب الباجي (رقم 7) وما أدراك ما سبعة، السبعة التي أذاقت شعبنا الهموم والويلات ونكلت بالرجال والشباب والنساء والبنات!
كل شيء عند الله بقدر وحكمة، وأن يكون "الباجي" رقم سبعة في القائمة وتكون الانتخابات في شهر نوفمبر فذلك ليتعظ الناس وينتبهوا ويهبوا في وجه نُذر الاستبداد المكشّر على أنياب العودة، وعليهم أن يقاوموا "7 نوفمبر" ويمنحوا أصواتهم من يحمي كرامتهم! كما عليهم أن يتجنّدوا ضدّ التزوير وشراء الذمم واستغلال الحاجة والفقرلابتزاز الناس وترغيبهم بالمال الخليجي وتهديدهم بعصا السلطة القادمة! وتستمر المقاومة! طه البعزاوي 16 نوفمبر 2014