( النرويج) ينطلق إصلاح التعليم من الرؤية الوطنية للإنسان- المواطن، الذي سيتحمّل بناء الوطن في المراحل القادمة. فصورة الوطن القادمة، تنبني على صورة الإنسان، المُشيّد لها. و أي "غبش" في صورة الوطن القادمة، يسبّب "غبشا" في صورة الانسان المأمول، "صناعته"، "بناءه"، "صياغته".. تنبني رؤية النرويج لإنسانها على أساس استمرارية كل مظاهر الايجابية فيها اليوم و تنميتها، في ظل تحولات سريعة في النمط المجتمعي الذي يتأثّر بسرعة كبيرة نتيجة للتحولات العلمية الهائلة، خاصة في مجال المعلومات. لذلك كان من أبرز أهدافها تحقيق ما يُسمى بمجتمع المعرفة، الذي يكون قادرا على مواكبة التحولات العلمية التي تلوح بعض ظلال صورها في الأفق، فخلال عشرين سنة، ستحدث تغيرات علمية هائلة، ستترك بصماتها على المجتمع، و ويل لمن لم يستعد لها. فبأي رؤية تدخل تونس إصلاح منظومة التعليم؟. ما زالت النرويج تتصدّر المراتب الأولى في تقاريرالتنمية البشرية، و تُعتبر المدرسة النرويجية من أجذب المدارس عالميا. و يُعتبر المجتمع النرويجي من أكثر الشعوب مسالمة و انفتاحا، و بذلا في العمل الإغاثي و الخيري.. و هذا نتيجة طبيعية لرؤية ثاقبة، و تخطيط محكم، و تنزيل دقيق، و متابعة قويمة، و تطوير مستمر في كل المجالات. و سنشير هنا إلى أبرز الملامح التي ندعو إلى الاستفادة منها: 1. تشابك العمليتين التعليمية و التربوية. 2. إن العملية التعليمية مهمة المجتمع و الدولة معا، و لكل دوره وفق القانون. 3. التكاملية بين الأسرة و المدرسة و المحيط. 4. الرؤية الاستراتيجية للتعليم، من مهام البرلمان. 5. لامركزية التعليم، إذ تتولى الحكومة الإشراف على التعليم العالي، و المحافظات على التعليم الثانوي و البلديات على المرحلة الأساسية. و كل سلطة من هذه السلط تشرف بالكامل على ما حدّده القانون لها من صلوحيات وفق الرؤية العامة للتعليم، بدءا ببناء المدارس، و توظيف المدرسين، و تحديد المقررات و البرامج.. فهي المسؤولة عن تسيير التعليم في جميع جوانبه. 6. مركزية مهمة التوجيه و الارشاد النفسي و التربوي. 7. المساواة في الحقوق و الواجبات، فكل طالب له الحقوق نفسها، بغض النظر عن الفروق الفردية.. 8. التركيز على القيم المشتركة، من مثل المساواة، التسامح، الاحترام، الانضباط.. 9. ترسيخ قيمة الحرية و آلية الديمقراطية في إطار العيش المشترك. 10. تعميق قيمة العمل. 11. بناء التفكير الاستراتيجي. و ذلك من خلال الاهتمام بتعليم الاستراتيجيات المتعددة، بدل التركيز على الإجابة الصحيحة. 12. التركيز على الايجابية في بيئة العمل. 13. ترسيخ روح المواطنة و حب الوطن. 14. بناء الذات و تعميق الثقة في النفس في نفوس الطلاب. 15. ترسيخ قيم الشعور الانساني. 16. ترسيخ قيمة العمل الخيري و التطوعي. 17. التسيير الإداري الأفقي و ليس العمودي. 18. المشاركة الحقيقية و ليست الصورية للمدرسين في العملية التعليمية. 19. التطوير و التكوين المستمر. 20. استثمار البيئة المحلية في العملية التعليمية. هذه خلاصة مقتضبة و سريعة لعل بعض أهل الاختصاص و النظر يلتقطها و يدعو إلى النظر فيها، في الحوارات القائمة اليوم للإصلاح منظومة التعليم. و نشير إلى مسائل مهمة: 1. إن بناء المنظومة التعليمية، عمل يحتاج إلى جهود كبيرة، و قراءات علمية للسائد، و تجميع خلاصات من التجارب السابقة و القائمة و المغايرة. فلا يدفعنا "بؤس" السائد إلى استعجال النظر، فكل استعجال، يُعيد انتاج السابق.. 2. أهمية البناء القيمي و أولويته، فهو محور العملية التعليمية الأساسي، و إذا حدث الخلل فيه، تشوّه المجتمع، و سيدفع من مستقبله الشيء الكبير.. 3. إبعاد إصلاح المنظومة التعليمية عن التجاذب السياسي و الايديولوجي، فهما يقتلان الابداع و يمنعان التغيير الحقيقي و المنشود.
4. الاستفادة من جميع التجارب و توسيع دائرة الاطلاع عليها و تنقيتها.