هاجت الشّوارع و ماجت، و تحرّك الشّعب و انتفض، و سقطت الأرواح و كثرت الجراح، و تصاعدت التّحرّكات و الاحتجاجات و زادت في الطّين بلّة، و كبّدت الشّعب مزيدا من التّفقير و التّعاسة و زادته بؤسا على بؤسه...، و رغم كلّ الجراح و الأرواح ابتهجنا و هلّلنا للثّويرة أملا في تغيّر الأوضاع، و طمعا في إصلاح و قطعا مع ماضي تعيس، و إذا بنا اليوم نعيش حاضرا أتعس و أوضاع أفسد. أمّا في ما يخصّ ثويرة الكرامة و الحرّية التّي خلنا أنّها ستكون بشائر خير على الشّعب و الوطن، و إذا بها ثويرة مدمّرة، دمّرت المنشآت و المؤسسات و زادت الفقراء تفقيرا على فقرهم و البؤساء بؤسا على بؤسهم، أمّا الرابحين من هاته الثّويرة فهم بارونا البلاتوهات و أصحاب القنوات و معهم أباطرة التّهريب و رجال "العمايل" الذين أخذوا يرفّعون في الأسعار دون رقيب و لا حسيب، و في حقيقة الأمر و قد قلتها في عدّة مقالات سابقة أنّ الشّعب ثار و انتفض على ما خلّفته التّوجّهات الرأسمالية المتوحّشة من بطالة و فقر و أزمات، و للتذكير فقد تبنّت الدّولة هذا التمشي منذ أزمة 1985، و لم تستعدّ لها و لم تعدّ آليات الرّقابة و قوانين الرّدع و الجزر منذ السّنوات الأخيرة من حكم بورقيبة و تحت حكم بن علي، و قد كانت توجّهات لبراليّة مقيتة و غير منضبطة أحدثت فرقات و فساد و أزمات.
أمّا في ما يخصّ ثورة المثليّة التّي انطلقت منذ بداية سنة 2011 و أصبحت ظاهرة بكلّ وضوح هاته الأيّام، فهي حقّا ثورة بكلّ ما تعنيه الكلمة من معاني، لأنّه حقيقة تحت حكم بن علي لم نكن لنتصوّر أن تطرح مثل هاته المواضيع و أنّه قطعا لن يسمح بالحديث فيها، و هل تضنّون أنّ إعلام عبد الوهاب العبد الله سيقبل بالتّطرّق و الكلام عن مثل هاته الحكايات و الطرّهات المخزية...
إذا حقّا إنّها ثورة المثليّة و ثويرة للكرامة و الحريّة لم يستفيد منها إلاّ اللّصوص و "القطعيّة" و معهم زعماء الفساد و الهمجيّة.