إنشَغَلَت وسائل الإعلام الفرعونية طوال عام كامل تتحدث عن جمال ونقاء الدستور العلماني، وتنتقد دستور عام 2012م المستفتى عليه بنسبة 77% وتعتبره دستوراً رجعياً، وتهاجم محتوى ديباجته ومواده ونصوصه، وتعتبرها غير دستورية وتتعارض مع حقوق الإنسان، وإعتبر بعض فقهاء القانون الدستوري ماسحي الجوخ بأنه دستور إسلامي وإخواني، وإنهُ بحاجة إلى إعادة صياغة مجمل مواده أو إلغاؤه كاملاً ليتناسب مع مفهوم الدولة المدنية الحديثة. وبعد عام من الإستفتاء على دستور عام 2012م تم الإنقلاب عليه وعلى المؤسسات المتخبة وشملت مؤسسة الرئاسة والبرلمان والنقابات والنوداي والإتحادات، وتعتبر المؤسسات الأولى المنتخبة إنتخاباً حراً ونزيهاً في مصر منذ عهد الفراعنة. وإستبشر البعض بعد الإنقلاب العسكري بحقبة جديدة تسودها منظومة العدالة الإنتقالية، وضوابطها تحكمها قيم مدنية علمانية، وتحقق الحرية والكرامة الإنسانية. وراهن البعض على صدق وعود العسكر لهُم، وإمكانية أن يَعتَزِل العسكر الحياة السياسية ويمنحها لأحزاب وقوى مدنية ليبرالية عليمانية شاركته الإنقلاب، بينما النتيجة فنكوش كبير ومخالفة بالكامل لمجمل قيم العلمانية الغربية الحديثة، وللأسف شهدنا مصر تُحكَم بقوة العسكر والدبابة، وتم تأميم البلاد عسكرياً، ولم تَسلَم الجامعات والمدارس من مظاهر العسكريتاريا وإستغلوا كهنوت المؤسسات الدينية، ووظفوا الدين في خدمة أغراضهم السياسة بشكل مُقزز يدفع المجتمع إلى الإحتراب، وهذا يتعارض مع مجمل قيم العلمانية، ولا سيما مشهد إعلان الإنقلاب تصدرته تلك الكهول الكنسية والأزهرية في وسط كهول من الجنرالات، وكأنه مشهد يُجَسِد إنحناء براهمة المعابد حول عرش الفرعون عشية إلقاء عروس النيل في المياه الجارية.
ولم تَحتَكِم المؤسسة العسكرية لأبسط قيم ومضامين الدساتير الحديثة، وشهدنا مصر بدون برلمان منذ عامين، ويتفرد بسلطتها التنفيذية والتشريعية والقضائية جنرال إغتصب السلطة، وإعتقل الرئيس المنتخب إلى جانب أعضاء البرلمان والأحزاب وحكم عليهم بالإعدام شنقاً مستغلاً قدرات الجيش العسكرية.
وأصبحت مصر في عهد دستورها العلماني "المتعلمِن" الإنقلابي مستنقع من الدماء وسِجن كبير، والقتل على الهوية في الشوارع والأزقة والبيوت، وتخلل هذا المشهد إغلاق الصحف والفضائيات ومؤسسات المجتمع الأهلية والخاصة، وتولي جنرالات ولواءات مهام إدارة المؤسسات القومية والمدنية والخاصة، وإحتوت السجون على أكثر من أربعين ألف مُعتَقَل، والإعدامات مُتَتالية، ونسبة الفقر تزداد في كل يوم، وإضافة لظاهرة الإنتحار المنتشرة، وإتساع العشوائيات حول المدن الكبرى، وتفاقم ظاهرة العنوسة الكبيرة، وزيادة الهجرات الجماعية المتتالية عبر زوارق الموت نحو أوروبا، وإتضح الفَشل الأمني جلياً في عدم القضاء على الإرهاب المتصاعد نتيجة إنسداد مناخات التعددية السياسية، ونتيجة تولي منظومة تقليدية تزعمها الكهول الكبار في إدارة مؤسسات الدولة والمجتمع، وإغتصاب الفتيات والشباب في عربات الترحيلات وأقبية التحقيق، وفَصل وإقصاء النخب الأكاديمية والصحية والتربوية، وإصدار قوانين وتشريعات غير دستورية في كل يوم وليلة، وتحصينها بواسطة مراسيم طاغوتية، وتكميم النخب والكتاب ورموز المعارضة والفقهاء والقُراء والساسة.
بينما في عهد الرئيس الدكتور الأكاديمي المنتخب محمد مرسي لم تغلق صحيفة واحدة، ولم يعتقل صحفي، ولم تُغلَق مقرات الأحزاب، وأطلق سراح المعارضين من السجون، ولم تعتقل الفتيات، ولم يصدر حكم واحد بالإعدام، وفتحت الفضائيات ووسائل الإعلام الرسمية والخاصة أمام المعارضة لتهاجم وتنتقد، وسادت أجواء السيولة السياسية والحرية المطلقة، وأصبحت ظاهرة الإرهاب معزولة وهامشية، وبدأت مصر تستعيد حيويتها وتعتمد على نفسها إقتصادياً، ولم تحصل على فلوس رُز وشحادة المال السياسي الخليجي، ووُضِعَت الحكومة خطوات مشجعة أمام المشاريع الإقتصادية والسياحية والتنموية. مصدر الخبر : بريد الحوار نت a href="http://www.facebook.com/sharer.php?u=http://alhiwar.net/ShowNews.php?Tnd=28021&t=" علمانيتهم فنكوش كبير ... ومدنيتهم متوحشة"&src=sp" onclick="NewWindow(this.href,'name','600','400','no');return false"