تعدّ الإسرة الخلية الأولى والكيان الاجتماعي العام والشامل لإيّ مجتمعٍ من المجتمعات وإن تباعدت الحدود،واختلفت الإقطار، إلا أن الإسرة تمثلُ البناء الاجتماعي الذي تحوي بداخله كل عناصر الترابط والتألف والإنسجام الاجتماعي بين آفراد المجتمع الواحد. بالرغم من أن الأسرة تمثلُ الكيان الاجتماعي العام لكل المجتمعات، فهذا يعني أنه يقعُ عليها مسؤولية جسيمةً في تنشئة المجتمع تنشئةً سليمةً، يكون قوامها أفراداً صالحين ملتزمين بالقيم والإخلاق قادرين على الإسهام البنّاء في بناء مجتمعاتهم عبر الإلتزام بالمبادئ والقوانين المنصوص عليها في ثقافتهم وبيئتهم التي تربوّا عليها من آجل بناء مجتمع آمنٍ مستقرٍ يسوده عناصر السلامة والأمن الاجتماعي. لكن السؤال الهام الذي يطرأ في الآذهانِ كل يومٍ ما وظيفة الإسرة داخل نطاقِ أيّ مجتمعٍ من المجتمعات، وهل وجود الإسرة في مرحلةٍ ما شرطاً لازماً، ثم سرعان ما ينفك هذا الشرط ويصبحُ الفرد خارج هذا السربِ يغردّ بمفرده بدون أي موجه يوجه أو يرعاه إلى أيّ اتجاه يريدُ أن يسير نحوه؟ عرفت المجتمعات قديماً وحديثاً بأن الإسرة تتمتعُ بوظائف متعددةٍ، ولا يمكن لها أن تتجردّ من أيّ وظيفةٍ لها أو تتنصل من أيّ مسؤولية ملقأة على عاتقها. ولهذا فإن الإسرة تمثلُ مُجتمعاً عاماً وشرطاً لازماً لبناء أيّ مجتمعٍ ما ولا يمكنُ أن تتوقف عند نقطةٍ ما وتعلن بأنها غير قادرةٍ على القيام بوظائفها المنوطة بها. ولهذا فإن وظيفة الإسرة ليست محصورةً في الإنجاب فقط، بقدرِ ما هي محصورةً في تنشئة الإبناء وتربيتهم وتنشئتهم التنشئة السليمة، عبر الاهتمام والرعاية والمتابعة لهم في كافة المراحل العمرية حتى يكونوا أفراداً منتجين قادرين على الاعتماد على أنفسهم وتحملّ المسؤولية، وهذا لا يعني أن تستلقي الإسرة على ظهرها وتترك الإبناء بدون أي مساءلة أو اهتمام أو متابعة يفعلون ما يشاؤون بدون أي رداعٍ يردعهم أو يحاسبهم. وآخيراً فإن الإسرة تمثلُ كياناً متجانساً تعملُ دوماً على تحقيق التناغم والانسجام بين آفرادها حتى تضمن لهم التآلف والترابط الاجتماعي فيما بينهم، بعيداً عن أيّ مؤثراتٍ اجتماعية تفتك بهم بين الحين والآخر.