بعد انتهاء معركة حُنين وعند قسم الغنائم أعطى النبي - صلى الله عليه وسلم - شريف تميم الأقرع بن حابس وشريف فزارة عيينة بن حصن من الإبل مائة وأعطى شريف سُليم العباس بن مرداس أربعا - وكلهم من المؤلفة قلوبهم - فأنشد العباس يقول : أتجعل نهبي ونهبَ العبيد بين عيينة والأقرعِ فما كان حصنٌ ولا حابس يفوقان مرداسَ في مجمعِ وما كنت دون امرئ منهما ومن تضع اليوم لا يرفعِ وقد كنت في الحرب ذا تدرأ فلم أُعط شيئاً ولم اُمنعِ فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بزيادة عطائه حتى أخذ مائة من الإبل . فتركُ الرأي والاجتهاد تمشيا مع المصالح ودفعا للشر والمحافظة على الألفة وعلى الجماعة والوحدة هو من أخلاق النبوة ونهجها والمرونة والمداراة والرفق والتيسير هي مطلب وحكمة تنقص الكثير من تعاملاتنا اليومية أسريا ومجتمعيا . وماتلك الألسنة الحِداد التي علا صوتها خصوصا بعد سقوط النخبة المُحتكرة للمنابر وطغيان وارتفاع الأصوات الشعبوية بعد ثورة مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت "منبر من لا منبر له" ومايعتريها من ظلم وإسفاف وتعد إلا حالة تستوجب منا نشر وترسيخ قيمة التعامل المرن الذي به يُقبل الرأي الآخر، ويعطى فيه الشخص حقه في التعبير وإبداء مكنوناته الذي يتيح لنا مناقشتها وتعديلها ومعالجة مايحيد منها . والمرونة التي أقصد هي : الاستجابة الانفعالية العقلية التي تمكن الإنسان من التكيف الإيجابي مع مواقف الحياة المختلفة سواء كان هذا التكيف بالتوسط أم القابلية للتغيير أم بالأخذ بأيسر الحلول . والمرونة والمداراة لا يستوجب منها تحييد المبادئ الأخلاقية أو الاعتقادية؛ بل هي التعامل وفق المواقف بأيسر الحلول، أو السكوت والتزام الحياد أحيانا ، دون الانتقال إلى المداهنة والمصانعة في الأحكام القطعية الثبوت والدلالة، وفي العادات والتقاليد المجتمعية والتي أصبحت من الثوابت . إن المجتمعات التي تتميز بهذه الخصلة تجدها على درجة عالية من النضج الانفعالي، والتوافق الكبير، والتواصل المستمر بين أفرادها بل إنها تمتاز بالإنتاجية وبالنظرة الإيجابية التي تجعل الحياة أكثر سكونا واستمرارية في العطاء والنماء؛ لما تملكه من تعدد في الآراء والوسائل ، وفي المقابل فإن الأشخاص بل المجتمعات التي لاتنتهج هذا المسار وهذا الهدي النبوي تجد فيها ضيق الأفق وقصر النظر واتباع الهوى والانكفاء على الذات؛ وبالتالي ينتج لنا التقليد الأعمى الذي يعطل العقل، ويمارس المحاكاة والتعصب للرأي الواحد . وأخيرا أقول : كن مرنا راسخا بمبادئك وتعاملك ، تكن مُتقبلا موثوقا فيما تطرحه . ياسر بن معيض https://twitter.com/YasirBinMoaidh