تُعتبر المرأة من الورقات القويّة التي استعملتها الديمقراطيّة "المتوحّشة" ولازالت تستعملها؛ لمقاومة الدّيمقراطيّة الحديثة التي تسعى إلى التوفيق بين الأصالة (حكم الشعب) والحداثة (هُويّة الشعب)، أو تستعملها للدّفاع عن الحرّيات الخاصّة فتضرب بها قصدا أو دون انتباه عقل الحرّياتِ العامّةَ، أو تستعملها لإرساء مساواة يرونها لا تتحقّق إلّا بإنزالها منازل الرّجل وتموقعها في مواضعه!... وقد كثر بما سبق من العناوين، بمناسبة مناقشة الميزانيّة (ميزانيّة وزارة الدّفاع الوطني تحديدا) الحديثُ هذه الأيّام عن تجنيد المرأة وإلحاقها بالرّجل، تدافع عن البلاد ضدّ إرهاب رأى "مقاوموه" الرّجالَ غير قادرين على صدّه!... والحقيقة أنّ المرأة هي العنصر المهمّ في المجتمع، ووجودُها في جميع المواقع أمر لا يختلف فيه أو حوله اثنان، وإنّما يتمحور النّقاش حول الطريقة وليس حول المبدإ!... والنّظر في الأفق يساعد على وجود السلوك المشرّف والطريقة المثلى لكي تكون المرأة مثل الرّجل كما يريد بعض الرّجال الذين لم يدركوا أنّ المرأة ليست مثلهم سواء من حيث خصوصياتُها أو من حيث أداؤُها!... وعندي أنّ الحديث عن مساواة المرأة بالرّجل هو حطّ من قيمتها وعدم إدراك لوظيفتها في المجتمع، والحديث عن إنزالها منزلة الرّجل هو غياب للعقل المخطّط وقصور في التخطيط الموزّع للمهام!... ولو انتبه بعض الرّجال لرصدوا استياء المرأة التي حملتهم وأرضعتهم ونشّأتهم وربّتهم وهم يطلبون منها القيام بدورٍ أعدّتهم للقيام به!... لو راقبوها باحترام لرأوها تمدّ عينيها باتّجاه غزّة المحاصرة ترنو إلى التمثّل بشقيقاتها هناك، وقد وقفن وراء الرّجال دون حمل سلاح يسندنهم بقِيم سامقة ركّزنها فيهم وبعزّة استثنائيّة أرضعنها إيّاهم وبدِين قويم ربّونهم عليه فأعزّهم!... ما قيمة سلاح يقع في أيادي مرتخية أو بحوزة شخصية محطّمة!... وذات يوم من أيّام يناير / جانفي 2003، كتبت في (تونس نيوز) الغرّاء موضوعا بعنوان "تجنيد أم تبديد للأسرة التونسيّة"، ردّا يومها على الرّغبة في تجنيد المرأة!... وإنّي لأرى الأمر كما كان سنة 2003 لم يتطوّر، بل لعلّه صار أسوأَ ممّا كان عليه، من حيث المناخُ الذي سوف تجد المرأة المراد لها التجنيد اليوم نفسها فيه!... فالظلمات (ظلمات الجهل والشهوات والغرائز المنفلتة) قد ازدات حُلكة... والمخاطر قد تضاعفت والأخلاق قد ازدادت سوءً حتّى ما عاد يقوى معها عاقل على الدعوة إلى تجنيد المرأة، والسُمّار في الفضائيات قد باتوا يتحدّثون منتشين عن "جهاد النّكاح" الذي قد ينقلب صدقا هذه المرّة إلى "تجنيد النّكاح"!... تجنيد قد يراه "الوطنيّون" وطنيّا، ومن قبلُ كانوا قد مرّروا دون حياء مفهوم (BS) الماخور الصحراوي (عفوا) الذي كنت قد تحدّثت عنه في الموضوع السابق سنة 2003!...
نريد للمرأة بِرّا بها واعترافا لها بفضائلها علينا ولا نريد لها احتقارا لشأنها يؤسّسه الفاسدون تدليسا بالحديث عن "الدّفاع عنها" وبالسعيّ إلى تحقيق "مساواة" برجل أخذ على عاتقه ذات حقبة إذلالها وإجبارها على الاسترزاق بماء وجهها وبثدييها وبما هو أعزّ من ثدييها، وبتضييع أطفالها ورميها في الشارع يتكفّفون النّاس ويكرهون وطنا انتسبوا إليه!...
أين الرّجال الذين ربّتهم المرأة؟! لمَ لا يحملون السلاح ويرتقون الجبال يطهّرونها من "إرهابيين" انتشى بوجودهم "المثقّفون" الهائجون المائجون بالفضائيات الماجنة الدّائسة على العرف الذابحة للمروءة والحياء المشيعة للرّذيلة، يتّخذونهم حجّة يتطاولون بها على الله تعالى ويخوّفون بهم من دعاة بيّنوا أنّ الإرهاب نتاج محاربة التديّن الوسطي!... من يربّي أطفالنا ورجالنا كي يكونوا قادرين على الدّفاع عن الوطن الحبيب إذا ما حمل النّساء السلاح فأفناهنّ "إرهاب" نُدِبْنَ لمقاومته!...
كان يمكن تدريبُ المرأة لو توفّرت الثقة بين أفراد المجتمع جميعا ولو وضحت الرّؤيا بحبّ الوطن!... نتخيّر الصالحين منّا (يتخيّرهنّ النّساء) للإشراف على التكوين في الحيّ نفسه في جميع أحياء البلاد وفي الأحراش والقرى، نصنع نسخة متطوّرة مطوَّعَة لمفهومنا من الدّفاع الشعبي الذي عمل به الكثير من بلاد العالم كالسويد وسويسرا وغيرهما!... ندرّب الجميع على حمل السلاح والتخصّص فيه وإتقان الرّماية به... نعرّفهم على أماكن تجمّعهم عند ضرورة حمل السلاح... نسمّي الأوليات فيهم لحمل السلاح... فلعلّنا لا نبلغ مرحلة حمل النّساء السلاح!... وأمّا أن تكون الدّعوة إلى التجنيد نوعا من الفلكلور المساعد للآخر على الفرجة أو هو تعبيرة من تعبيرات "الدّيمقراطيّة" والحريّة الصوريَيْن، فإنّ ذلك لن يكون إلّا سبب فرجة على أعراضنا تُنتهك وقِيمنا تنهار وحصوننا تُهدّ وتُدكّ!... وليس لدينا حصن يتعيّن علينا جميعا المحافظة عليه أهمّ من المرأة!... الأم والزوجة والأخت والبنت، التي يجب علينا احترامها وتوقيرها وطاعتها وصونها والافتخار بها والموت شهداء في سبيل الدفاع عنها!... فإنّه لا يستطيع الدّفاع عن الوطن من عقّ أمّه أو أباه أو جهل نسبه ولم يقو على الاعتزاز به وهان عليه عِرضه أو انتهك أعراض أهله!... فاتّقوا الله في المرأة وكونوا أهلا لاحترامها، فإنّكم لن تبلغوا مقامها مهما اجتهدتّم، وإنّكم لن تنالوا صفة المروءة إلّا برضاها وبصمتها!... والله من وراء القصد!...