تونس - الصباح "الصباح" حاولت رصد آراء بعض الفتيات والشبان عن موقفهم بشأن هذا الموضوع. ورغم وجود اتفاق على مبدا المساواة بين الجنسين، إلا ان التباين في الآراء برز في كيفية التطبيق، إذ خير معظم المستجوبين وخاصة الفتيات منهن على ترك الأمر للخيار التطوعي وليس عن طريق الإجبار. "انا مع دعوة الفتيات لأداء الخدمة العسكرية" هكذا بادرتنا ايمان (طالبة ) بقولها، مضيفة ان تجنيد الفتيات له ايجابيات عديدة على عكس ما يعتقد البعض، إذ يعطي مجالا لتعلم الانضباط والصبر، كما يمثل فرصة للفتيات للتدريب الاحترافي والمهني." وعلى الرغم من أن بعض الفتيات تشاطر ايمان الرأي على غرار سارة التي ساندت فكرة تجنيد الفتيات لأداء الخدمة الوطنية عملا بمبدأ المساواة بين الجنسين، بل اعتبرته تكريسا لحق المرأة في مشاركة الرجل في كافة مناحي الحياة. على حد تعبيرها. إلا أن بعضهن ترى بأن تقاليد المجتمع التونسي لا تسمح بتقبل هذه الفكرة، كما ان العوامل الاجتماعية والنفسية للمراة تمنع من تحقيق ذلك. سامية (موظفة) اعتبرت أن فكرة أداء الفتيات للخدمة العسكرية صعبة التحقيق في الوقت الراهن، وقالت " لست ضد تطبيق مبدأ المساواة بين الجنسين، لكن يجب مراعاة الظروف الاجتماعية والإنسانية وحتى المادية للمرأة على وجه الخصوص. فقرار قبول مبدأ التجنيد، لا يعود إليها فقط، فلا أعتقد أن العائلة ستتقبل بسهولة هذا الموضوع"، قبل أن تضيف "الأجدر أن يتم الإبقاء على الخيار التطوعي إذا كان لا بد من تطبيق هذا الإجراء". وعن إمكانية تطبيق خيار التجنيد عبر التعيينات الفردية، كررت قولها بأن "الهدف الأسمى من التجنيد لن يتحقق عبر إجبار الفتاة العاملة على دفع معاليم شهرية للمؤسسة العسكرية، فتجنيد الفتاة هو لتدريبها على حمل السلاح والاستعداد للدفاع عن الوطن." وعلى النقيض من ذلك، ترى بعض الفتيات أن تطبيق الخدمة الوطنية على الفتيات مضيعة للوقت واهدار للطاقات. على غرار عواطف (طالبة) التي رفضت بشدة فكرة القبول بمبدأ دعوة الفتيات لأداء الخدمة العسكرية، وقالت " لا أفهم لماذا يريدون إقحام الفتيات في هذا الموضوع، ولا أرى جدوى مقنعة في تأدية الفتاة للخدمة الوطنية، كما أن بلدنا في حالة سلم وأمن" وقالت "إن خدمة الوطن ليست بالضرورة مقتصرة على الخدمة العسكرية". هذا الرأي عارضته أحلام (طالبة حقوق وعلوم سياسية) التي تدخلت لتقاطع زميلتها قائلة بحماس " الخدمة الوطنية واجب وطني ينطبق على الجميع" وتبرر رأيها بحجة أن"المجتمع التونسي إن كان سمح للمرأة بتقلد مناصب وظيفية كانت حكرا على الرجل، بحكم تغير العقليات، وتطور التشريعات المؤسسة للمساواة بين الجنسين وإحداث آليات تشجع على مشاركة المرأة في الحياة العامة والنشاط في هياكل المجتمع المدني والهيئات المنتخبة، وتحمل مسؤوليات مهمة في أعلى مناصب المؤسسات، لماذا يتم إقصاؤها عن أداء واجبها الوطني إن كانت هي نفسها ترغب في ذلك وقادرة على تحمل المسؤولية.." نائبة بمجلس النواب: المجتمع التونسي غير مستعد لتقبل أداء الفتيات للخدمة الوطنية تقول السيدة شاذلية بوخشينة النائبة بمجلس النواب، أنها لا ترى مانعا في أن تقوم المرأة بواجب أداء الخدمة الوطنية، ما دام الدستور التونسي يضمن المساواة بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات. وبينت في تصريح ل"الصباح" أنه علاوة على الدستور فإن قانون الخدمة الوطنية لا يفرق بين ذكر وانثى ولا يمنع من تعميم واجب الخدمة الوطنية على الفتيات. لكنها أبرزت انه " لا العقلية الجماعية ولا المجتمع التونسي مستعد حاليا لتقبل هذا الموضوع." وعبرت النائبة عن أسفها لتهرب الشباب الذكور من أداء الخدمة الوطنية الذي يظل رغم كل شيء واجبا وطنيا مقدسا وأساسيا في تربية الناشئة. وقالت أن هذا التهرب سببه الموروث القديم الذي تراكم منذ عقود في المخيال الجماعي منذ عهود الاستعمار، وأصبح يورث من جيل إلى جيل. وأشارت السيدة شاذلية بوخشينة، أنه ورغم التقدم الحضاري والمجتمعي الذي تشهده البلاد، وتطور قيم وآليات الشراكة والمساواة الفعلية بين المرأة والرجل إلا أن موضوع أداء الفتيات للخدمة العسكرية يصعب طرحه في الوقت الراهن، على اعتبار أن أغلبية الدول لا تجبر سواء الذكور او الإناث على أداء الخدمة الوطنية، وتعول أساسا على مبدأ الإقبال التطوعي. أما عن تعميم الخدمة على الفتيات فحسب علمها لا توجد أية دولة عربية او إسلامية او افريقية ولا حتى بلدان الحوض المتوسطي تعمل وفق هذا المبدأ. وتساءلت "هل اننا في حاجة إلى إجبار الفتيات على أداء الخدمة الوطنية"؟ قبل ان تستدرك" بلدنا مسالم ومستقر أمنيا وسياسيا ولنا جيش عتيد يحمي الوطن، لكننا نحميه أيضا عبر جبهة وطنية موحدة، وتشريك كل فئات المجتمع في العمل المدني والتضامني، وعن طريق انتهاج دبلوماسية حكيمة تدعم مبادئ حسن الجوار وتمتين العلاقات الدولية واحترام مبادئ وقوانين الشرعية الدولية." وختمت بقولها أن موضوع تعميم الخدمة الوطنية على الفتيات "ليس مطروحا بحدة حاليا، وحتى لو فرضنا وجود رغبة لدى العنصر النسائي في التجنيد، فإن الأمر يتطلب توفير تجهيزات وبنية اساسية لاستقبال الآلاف من الفتيات المعنيات". لكنها أشارت في المقابل أن العنصر النسائي حاضر في المؤسسة العسكرية وتشغل المرأة فيها عدة وظائف لكن ليس بالكثافة التي تتطلبها الخدمة العسكرية التي تقتضي توفر امكانيات كبيرة. وقالت: "الأمر متروك للأجيال القادمة ويوم تتغير العقليات". خبير في القانون الدستوري: القانون التونسي لا يمنع اجبارية تأدية الفتيات للخدمة العسكرية... لكننا نحتكم للقاعدة العرفية لمزيد التعمق في الجانب القانوني لمبدأ تعميم واجب الخدمة الوطنية على الفتيات، اتصلنا بالأستاذ قيس سعيد الخبير في القانون الدستوري. الذي أكد أن الموضوع طرح للنقاش عند القراءة الأولى للدستور التونسي سنة 1958 من قبل المجلس القومي التأسيسي، إذ أن أحد أعضاء المجلس استفسر عن معنى واجب الدفاع عن الوطن، هل أنه يشمل الذكور والإناث معا، أم الذكور فقط؟ وقد كانت إجابة السيد جلولي فارس آنذاك رئيس المجلس، بأنه واجب على الطرفين. وأثناء القراءة الثانية للدستور خلال نفس الفترة، لم تطرح مسألة التفرقة بين الذكور والإناث في الجانب المتعلق بواجب الدفاع عن الوطن ، إلا أن المسألة اعتبرت واجبا أخلاقيا على الجميع خاصة خلال حالات الحرب، او التعبئة العامة. وقال الأستاذ قيس سعيد، أنه انطلاقا من مبدأ المساواة بين المواطنين، الذي أقره الدستور التونسي، فإن مبدأ أداء الخدمة الوطنية ينسحب على الذكور والإناث على حد سواء. وهو ما يعني انه من الناحية القانونية لا يوجد ما يمنع من سحب واجب الخدمة الوطنية على النساء. مضيفا أن مسألة التجنيد الإجباري للفتيات طرحت سنة 2002، إذ لم ينف وزير الدفاع خلال تلك الفترة إمكانية تطبيق إجبارية التجنيد على الفتيات، لكنه أقر بأن الأمر يتطلب بعض الوقت والتدرج في التطبيق. واوضح انه مع التطور التقني والنوعي للمؤسسة العسكرية الحديثة، فإن المرأة يمكنها تأدية الخدمة العسكرية على اعتبار أن التدريب يركز أساسا على السيطرة على التقنيات العسكرية. لكنه أبرز أن الواقع التونسي يتعامل مع الموضوع كقاعدة قانونية عرفية من الصعب تجاوزها إلا بصفة تدريجية، وهي التي تنتصر لفكرة ان التجنيد الإجباري لا ينسحب على العنصر النسائي. والمفارقة- يضيف الخبير التونسي- أن الدعوات القائلة بإجبارية الخدمة الوطنية على النساء في تونس صدرت معظمها عن نساء او من جمعيات ومنظمات نسائية على خلفية المساواة بين الرجل والمرأة. وفي القانون المقارن، لاحظ أن بعض الدول الأوربية جرت فيها محولات لإضفاء الصبغة القانونية لإجبارية الخدمة العسكرية للفتيات، بدفع من نشطاء المجتمع المدني وخاصة منها المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان استنادا إلى تكريس مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة. وفي النرويج حاولت في فترة ما وزيرة الدفاع تمرير مشروع قانون يجبر تجنيد الفتيات إلا أنه رفض من قبل مجلس النواب. وأشار الأستاذ سعيد أن بعض الدول وضعت قوانين صريحة تنص على إلزامية الخدمة العسكرية للرجال والنساء على غرار الموزمبيق. اما بالنسبة لرأي محكمة العدل للمجموعة الأوروبية فقالت في أحد قراراتها ان التشريع الوطني يمكن أن يجبر الرجال فقط على أداء الخدمة العسكرية.