تشهد تونس إنتخابات بلدية يوم 9 مايو 2010. ( عدد المجالس البلدية : 264). ليس من المعتاد أن يتناول الخطاب الرئاسي لبن علي الذي إستولى على الحكم بإنقلاب أبيض ضد الزعيم بورقيبة يوم السبت 7 نوفمبر 1987 .. ليس من المعتاد أن يتناول الخطاب الرئاسي لبن علي الرد المباشر على المعارضة غير أن بن علي ركز خطابه بمناسبة عيدي الإستقلال والشباب ( 20 مارس ) ردا على حملات التشكيك التي قادتها المعارضة ( سيما السيدة مية الجريبي الأمينة العامة للحزب الديمقراطي التقدمي ) ضد الإنتخابات البلدية واصفة إياها بأنها بعيدة جدا عن النزاهة المطلوبة بسبب الإنغلاق السياسي. ربما يوحي ذلك بأن رئيس الدولة منزعج أكثر من أي وقت مضى من أي حركة لأي معارضة تونسية مهما كانت صغيرة محدودة وهو أمر مفهوم بسبب أن الدولة الجديدة ( الدولة البوليسية كما تصفها منظمات حقوقية دولية معتبرة من مثل آمنستي وهيومن رايتس واتش وغيرهما ) إنما حاولت إقامة مشروعها بعد الإنقلاب على بورقيبة على خطاب قوامه الديمقراطة وحقوق الإنسان وإلغاء الرئاسة مدى الحياة بما يعني أن تلك المشروعية تهاوت بعد أزيد من عقدين من الحكم مما جعل كل نقد يوجه إليها محل إنزعاج كبير من الدولة..لذلك لم يدخر بن علي جهدا في خطابه الأخير لإتهام المعارضة بأنها تخشى المنافسة لقلة ثقتها ببرامجها على حد قوله. إذا كان بيتك من زجاج فلا تقذفن بالحجارة. ذلك هو ما ينطبق على بن علي بالتمام والكمال. عرف بن علي على إمتداد عقدين كاملين في العالم كله بالتسعات المشؤومة التي يزين بها نتائج الإنتخابات الرئاسية في كل مرة. تسعات بدأت رباعية في البداية ثم ظلت تفقد مع كل إنتخابات جديدة وهجومات ساخرة جديدة بتلك المناسبة .. ظلت تفقد مع كل مرحلة جديدة تسعة من تسعاتها.. إذا كان ذلك هو حال الإنتخابات الرئاسية والبرلمانية والبلدية التونسية على إمتداد أزيد من عقدين كاملين مما أثار سخط المراقبين بمن فيهم أوفى الأصدقاء لبن علي فضلا عن حالة السخرية الدولية العامة .. إذا كان ذلك كذلك فأنى لبن علي أن يتهم المعارضة بالخوف من المنافسة أو بعدم توافرها على برامج رئاسية أو برلمانية أو بلدية.. ومتى أتيحت لتلك المعارضة فرصة مهما كانت محدودة حتى تعرض فيها على الناس رؤاها وبرامجها.. هل يمكن أن تلتحق هيومن رايتس واتش بأمنستي ؟ لئن طغى علينا النسيان فإنه لا يمكن أن ينسى المرء إتهام الدولة رسميا على لسان الناطق بإسم وزارة الداخلية عام 1991 أعرق منظمة حقوقية دولية أي آمنستي بأنها خلية من خلايا حركة النهضة التونسية.. ذاك تاريخ شهد على أصحابه وحكم لهؤلاء أو على أولئك. يرد ذلك بمناسبة منع الدولة التونسية يوم 24 مارس المنصرم 2010 منظمة هيومن رايتس واتش من عقد ندوة صحفية بتونس بمناسبة إنتهائها من تحرير تقريرها السنوي لعام 2009 بعد أن إستغرق إعداده أسابيع طويلة معتمدا على تحقيقات ميدانية واسعة مع مساجين سابقين. يمكن الرجوع إلى تفاصيل التقرير إما في موقع المنظمة أو في تونس نيوز للأيام المنصرمة من شهر مارس 2010. في ظل ذلك الإحتباس السياسي والإختناق الإعلامي المريع لم يعد ينقصنا سوى إتهام منظمة هيومن رايتس واتش بأنها خلية أخرى بعد آمنتسي من خلايا حركة النهضة.. غير أننا لا ندري هل خلايا نائمة أو يقظة.. مقتطفات من تقرير هيومن رايتس واتش. تقول المقدمة : „ الحكومة التونسية غير متسامحة إلى حد كبير مع أي شكل من أشكال المعارضة السياسية الفعلية أو المتصورة. فجهاز أمن الدولة القوي ينفق الكثير من الوقت والموارد على إسكات أي شخص أو جماعة ترى على أنها تتحدى الدولة ..“.كما تورد المنظمة في تقريرها أسماء كثيرة منها عبد الله الزواري وعبد الكريم الهاروني ورضا البوكادي وغيرهم بمثل ما تورد أشكالا عنصرية في العسف والجور منها المراقبة اليومية اللصيقة دون إذن قضائي وفرض الإقامة الجبرية بعصا البوليس دون رجوع إلى القضاء والحرمان من جواز السفر والحرمان من طلب لقمة العيش الكريمة وغير ذلك مما يجعل تونس بحق جمهورية رعب يصدق فيها قول القائل : الداخل إليها مفقود والخارج منها موجود. البلدية محضن زعامة فلا بد من سحقها. ما ضر الدولة التونسية لو تنازلت عن متر واحد من الحريات إدارة للإنتخابات البلدية التي لا تهدد في العادة لا منصب الرئاسة ولا مؤسسة البرلمان بأي أغلبية. أليست البلديات فرصة للتنفيس حتى لو كانت السلطة ليس في وارد طبيعتها أبدا تشريك المجتمع في إدارة شأنه؟ أليست البلديات إدارة وتمويلا وتخطيطا شأنا محليا صرفا دعا كثيرا من الأنظمة الديمقراطية سيما في أروبا إلى التفويت في ذلك إلى المجتمع الأهلي المدني المحلي؟ أليست الهيمنة على البلديات من كل جانب دليلا إضافيا على الطبيعة الشمولية للدولة؟ أم هل أن أردوغان أيقظ بعض حواس المعارضين أو أسال لعابهم عندما إستخدم رئاسته لأكبر بلدية تركية ( أسطنبول ) قنطرة إلى الوصول إلى السلطة من خلال توخي قيم الأمانة والصدق والخدمة المتفانية ورعاية مرافق الناس المادية الضرورية؟ أم أنه نبه السلطة العربية إلى أن البلدية هي الطريق إلى قصر الرئاسة؟ الحقيقة هي أن البلديات شأن أهلي مدني محلي من مصلحة الدولة نفسها التفويت فيها إلى المجتمع سيما في المجتمعات المحرومة بالكامل من الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان مثل تونس حيث تنتقل مهنة الصحافة من مهنة المتاعب إلى مهنة تحيل بيسر وسرعة إلى السجن وما بعد السجن هو سجن مضاعف في تونس.. أم أن الدولة في تونس غرّتها هرولة بعض المعارضين السابقين؟؟؟. أخبرنا بعض زملائنا في موقع تونسي معارض شهير بأن أحد المعارضين السابقين ألح إلحاحا غريبا على ضرورة إدراج بلاغه الذي يتبرأ من حزبه السابق ويزكي بن علي وحزبه على صفحات ذلك الموقع الإعلامي الإلكتروني التونسي الشهير.. ثم علمنا أن حالة الرجل في سفارة تونس بإحدى البلاد الأروبية مرتهنة بظهور بلاغه على أي موقع إلكتروني تونسي معارض شرطا مشروطا لنيل جواز سفره وقبول توبته أما ما ينتظره بعد عودته إلى تونس في مخافر الداخلية فلا ينبئك به مثل خبير .. وأنى لنا بخبير ينقل لنا الذي يدور بين حمائم الداخلية الوديعين ومعارض سياسي سابق محكوم عليه بالسجن غيابيا.. أنى لنا به والحال أن أغلبهم لا ينقلون سوى أنهم تمتعوا بعودة آمنة كريمة شريفة بل نالوا من بركات وخيرات جلادي الداخلية ما لم ينله ضيف الطائي في خيمة حاتم الطائي.. فهل تحول حقا جلادو الداخلية الذين قتلوا الشيخ الزرن وسحنون الجوهري وما لا يقل عن خمسين آخرين تحت التعذيب .. هل تحول الجلادون والقتلة إلى مضيفين كرام .. أم هل تحولت مخافر الداخلية إلى نزل سياحية مريحة جميلة أم أن التحوّل طرأ على بعضنا؟!