الكلمة هي نور رب يهدي به " من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه " ويهديهم به إلى صراط مستقيم . نور يكشف أسرار غيب وسبل شهادة . والكلمة هي نار شيطان يأت بها الناس " من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم " (الأعراف 17) ، يمنيهم بها ويخوفهم من غير الله ، ويدعو بها حزبه ليكونوا من أصحاب السعير . الكلمة إذن هي نور رب ونار شيطان . قد تكون سراجا ينير طريقا ، ويُبهت ظالما ، ويهدي ضالا ، وينبه غافلا ، ويُبصٌر شعبا إلى سبيل عز وطريق كرامة . وقد تكون الكلمة كير يبث رمادا يسوٌد الوجوه ويرمي شظية تحرق لباس تقوى وتقطع حبل أخوة وتُلهب سعير فتنة وتُلوث فضاء نهضة . وقد تكون دعاء سجين في ركن من أركان زنزانته يناجي ربه آناء الليل وأطراف النهار ، يشكو ظلم سلطان وتقصير إخوان . يوطن به نفسه ، ويربي به شعبه ، ويعلم به الناس أن الحق أعلى من قضبان السجون ، وأن الحرية أقوى من سلاسل الطغيان . وقد تكون الكلمة ورشة تُصنع فيها قوارب فردية لكل مهجر غلبه شوق وطن أو دفء عائلة أو جلسة صاحب أو حياة ترف أو قسوة قضية ، أراد أن يترك إخوة ويركب البحر وحيدا ليعود إلى الأوطان . وقد تكون اسم قناة تلفزية في بلد صار فيه الظالم مظلوما والسارق أمينا والباطل حقا والخيانة بطولة والكلمة الحرة جريمة . وقد تكون الكلمة سجنا تُبنى جدرانه بشاشة سينما ، أو جهاز تلفاز ، أو لوحة إشهار ، مفاتيح أبوابه يملكها صهيوني في "هوليود " أو مدير في شركة " كوكاكولا " ليبقى المال مالهم والأرض أرضهم والبشر عبيدهم . وقد تكون صيحة محاصر يقول للعالم أن جُدر الفولاذ لا تكسر الإرادة ، وأن البطون الخاوية لا تنسى القضية ، وأن الخيانة كابوس عابر ، وأن الحق سيهزم الباطل ولو بعد حين . وقد تكون الكلمة قصيدة شاعر يحرض بها أمة ، أو أغنية ثائر يقود بها مسيرة ليقول كلمة حق عند سلطان جائر . غريب حقا أمر الكلمة . هي نور رب ونار شيطان ، هي سراج مُضيء وكير حارق ، هي دعاء سجين وقارب عائد ، هي صيحة محاصر وأداة استغلال . الكلمة إذن هي الصديق والعدو ، هي البداوة والحضارة ، هي معول تهديم وأساس بناء ، هي سلطان الزمان ، هي الإنسان .
*ملاحظة : لقد سبق أن أرسلت بهذه الخاطرة متضمنة لبعض الأسماء عبرت من خلالها عن رأيي في مواقفهم السياسية لكن يبدو أن الإخوة في الحوار نت قد فهموا أن في ذلك إهانة لبعض الأشخاص فلم يقوموا بنشرها . مرة أخرى أقول أن الخاطرة بشكلها السابق هي تعبير عن رأيي ولم أقصد من خلالها إهانة لأي شخص .