يتضمن "تنازلات".. تفاصيل مقترح الإحتلال لوقف الحرب    اكتشاف أحد أقدم النجوم خارج مجرة درب التبانة    ليبيا ضمن أخطر دول العالم لسنة 2024    بمشاركة ليبية.. افتتاح مهرجان الشعر والفروسية بتطاوين    جماهير الترجي : فرحتنا لن تكتمل إلاّ بهزم الأهلي ورفع اللقب    كلوب يعلق على المشادة الكلامية مع محمد صلاح    وزارة السياحة أعطت إشارة انطلاق اعداد دراسة استراتيجية لتأهيل المحطة السياحية المندمجة بمرسى القنطاوي -بلحسين-    وزير الخارجية يواصل سلسلة لقاءاته مع مسؤولين بالكامرون    عمار يدعو في ختام اشغال اللجنة المشتركة التونسية الكاميرونية الى اهمية متابعة مخرجات هذه الدورة وتفعيل القرارات المنبثقة عنها    رئيس البرلمان يحذّر من مخاطر الاستعمال المفرط وغير السليم للذكاء الاصطناعي    سجنان: للمطالبة بتسوية وضعية النواب خارج الاتفاقية ... نقابة الأساسي تحتجّ وتهدّد بمقاطعة الامتحانات والعمل    بن عروس: حجز 214 كلغ من اللحوم الحمراء غير مطابقة لشروط النقل والحفظ والسلامة الصحية للمنتجات الغذائية    الرابطة 2: نتائج الدفعة الأولى من مباريات الجولة 20    الترجي الرياضي يفوز على الزمالك المصري. 30-25 ويتوج باللقب القاري للمرة الرابعة    بطولة مدريد للماسترز: أنس جابر تتأهل الى الدور ثمن النهائي    زيادة ب 4.5 ٪ في إيرادات الخطوط التونسية    إمضاء اتفاقية توأمة في مجال التراث بين تونس وإيطاليا    وزير الثقافة الإيطالي: "نريد بناء علاقات مثمرة مع تونس في مجال الثقافة والتراث    توزر: الندوة الفكرية آليات حماية التراث من خلال النصوص والمواثيق الدولية تخلص الى وجود فراغ تشريعي وضرورة مراجعة مجلة حماية التراث    تعاون مشترك مع بريطانيا    سوسة: القبض على 5 أشخاص يشتبه في ارتكابهم جريمة قتل    تامر حسني يعتذر من فنانة    بن عروس: حجز 214 كلغ من اللحوم الحمراء غير مطابقة لشروط النقل والحفظ والسلامة الصحية    الرابطة الثانية : نتائج الدفعة الأولى لمباريات الجولة السابعة إياب    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    برنامج الدورة 28 لأيام الابداع الادبي بزغوان    اعتماد خطة عمل مشتركة تونسية بريطانية في مجال التعليم العالي    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو إلى تنظيم تظاهرات طلابية تضامنًا مع الشعب الفلسطيني    رئيس الجمهورية يستقبل وزير الثقافة الإيطالي    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو مناضليه إلى تنظيم تظاهرات تضامنا مع الشعب الفلسطيني    صادم/ العثور على جثة كهل متحللة باحدى الضيعات الفلاحية..وهذه التفاصيل..    عاجل/ عالم الزلازل الهولندي يحذر من نشاط زلزالي خلال يومين القادمين..    رئيس الاتحاد المحلي للفلاحة ببوعرقوب يوجه نداء عاجل بسبب الحشرة القرمزية..    خط تمويل ب10 مليون دينار من البنك التونسي للتضامن لديوان الأعلاف    القطب المالي ينظر في اكبر ملف تحيل على البنوك وهذه التفاصيل ..    سيدي حسين : قدم له يد المساعدة فاستل سكينا وسلبه !!    8 شهداء وعشرات الجرحى في قصف لقوات الاحتلال على النصيرات    البطولة الوطنية: النقل التلفزي لمباريات الجولتين الخامسة و السادسة من مرحلة التتويج على قناة الكأس القطرية    مدنين: وزير الصحة يؤكد دعم الوزارة لبرامج التّكوين والعلاج والوقاية من الاعتلالات القلبية    طقس السبت: ضباب محلي ودواوير رملية بهذه المناطق    كيف نتعامل مع الضغوطات النفسية التي تظهر في فترة الامتحانات؟    ابتكرتها د. إيمان التركي المهري .. تقنية تونسية جديدة لعلاج الذقن المزدوجة    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    وزير الخارجية يعلن عن فتح خط جوي مباشر بين تونس و دوالا الكاميرونية    طقس اللّيلة: الحرارة تصل 20 درجة مع ظهور ضباب محلي بهذه المناطق    وزير الفلاحة: "القطيع متاعنا تعب" [فيديو]    بنسبة خيالية.. السودان تتصدر الدول العربية من حيث ارتفاع نسبة التصخم !    تألق تونسي جديد في مجال البحث العلمي في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    منوبة: تفكيك شبكة دعارة والإحتفاظ ب5 فتيات    قفصة: ضبط الاستعدادات لحماية المحاصيل الزراعية من الحرائق خلال الصّيف    تونس : أنس جابر تتعرّف على منافستها في الدّور السادس عشر لبطولة مدريد للتنس    مقتل 13 شخصا وإصابة 354 آخرين في حوادث مختلفة خلال ال 24 ساعة الأخيرة    عميرة يؤكّد تواصل نقص الأدوية في الصيدليات    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    انطلاق أشغال بعثة اقتصادية تقودها كونكت في معرض "اكسبو نواكشوط للبناء والأشغال العامة"    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الببلاوي: الحرية شرط نجاح اقتصاد السوق (1-3)
نشر في الحوار نت يوم 24 - 07 - 2010

كأن مصر كانت بانتظار انقشاع سحب الألفية الثانية وانبلاج فجر ألفية جديدة حتى تبدأ معها حالة صحوة سياسية واجتماعية شجعت الكثيرين على تصور أن ما يجري الآن مجرد إرهاصات لمشهد برتقالي مخملي سينتهي بدولة مدنية ديمقراطية في مصر.
لكن يبقى السؤال: هل هناك من يتحمل كاهله وطأة أوزار هذه المرحلة بعيدا عن الشعارات التي لا يستطيع أصحابها أن يجعلوها واقعا على الأرض؟ وهل يمكن أن يتحقق ذلك والطبقة الوسطى في مصر تتآكل؟ وهل يتفق ذلك مع ما قاله رئيس الوزراء المصري أحمد نظيف من أن الشعب المصري لم يتأهل بعد لممارسة الديمقراطية؟
وتبقى الإشكالية الكبرى هل من الممكن أن ينجح اقتصاد السوق بغير الديمقراطية؟ وهل من الممكن أن يلتقي الاستبداد والعدل؟ ولماذا يصر الغرب على فرض اقتصاد السوق ويصمت عن الديمقراطية؟
أسئلة كثيرة يسعى هذا الحوار الذي أجرته شبكة "إسلام أون لاين" مع المفكر الاقتصادي المصري حازم الببلاوي للإجابة عنها، كما يسعى الحوار للحديث عن المستقبل الذي ينتظر مصر التي غادرت مقعد الزعامة في العالم العربي ولم يستطع أحد أن يشغل مكانها.
وهذا نص الحوار:
شعار بدون ثورة
*"الحرية.. المساواة.. العدالة" تحت هذا الشعار كنت ممن أسسوا حزب "الجبهة الديمقراطية"، يذكرنا هذا الشعار بالثورة الفرنسية، حيث استطاع الثوار الفرنسيون أن يجعلوه واقعا على الأرض؛ فماذا فعلتم أنتم لتحقيق هذا الشعار "بدون ثورة"؟
فيما يتعلق بالشعار كنت أرى أن العدالة قريبة جدا من المساواة؛ فالعدالة تتضمن معنى المساواة.. وليس المقصود بها إذابة الفوارق ولكن المقصود بها عدم التمييز في الدين واللون والجنس وغيرها.أما الثورة الفرنسية فقامت في نهاية القرن ال18 والعالم تغير، وما كان يستحيل تحقيقه بغير الثورة يمكن الآن تحقيقه... والعمل الثوري غير العمل الحزبي، فالعمل الثوري يحاول تغيير النظام بأساليب كثيرة بما فيها العنف.. ولكن أعتقد أن الناس المنضمين للأحزاب يؤمنون بأن هناك أساليب كثيرة للتغيير بطريق سلمي، ويكفي أن هناك شعورا جارفا بالرغبة في التغيير لدى الجميع في إطار القانون.
والثورة أو غيرها هي أسلوب لكن الهدف في النهاية هو الوصول إلى مجتمع تتوافر فيه الخصائص التي أشرت إليها، أما الأساليب التي تحاول قلب النظام بالعنف فالتجارب أثبتت أنها مخاطره كبيرة.
* على الساحة المصرية والعربية ما زالت هناك أصوات تدعي أسبقية العدالة على الحرية، فهل الاستبداد والعدالة يلتقيان؟
قضية الحرية والعدالة قضية هامة جداً، ومن الصعب أن تقول أيهما أكثر أهمية؛ فحرية الاختيار والرغبة الجارفة في تحقيق الذات أهم عنصر في الحرية، وفي نفس الوقت إذا لم يكن هناك عدالة فهذه الحرية ستصبح من الناحية العملية لا شيء.
التجربة التاريخية أثبتت أن كل المجتمعات التي ادعت الرغبة في تحقيق العدالة انتهى الأمر بها إلى القضاء على الحرية، وفى معظم الأحوال لم تحقق العدالة على العكس النظم التي وضعت نصب عينها فكرة الحرية، فهي حققت- لا نقول كل الحرية- قدرا كبيرا من الحريات، وقطعت أشواطا في طريق العدالة، وعلى العكس من ذلك فكل المجتمعات التي "ادعت" أنها تعمل على تحقيق العدالة والمساواة قضت على الحرية تماما، وفى أغلب الأحوال لم تحقق الكثير من العدالة.
* هل الديمقراطية بالمعنى المتعارف عليه من انتخابات وأحزاب وبرلمانات تكفي لتحقيق الحرية؟ وما العلاقة بين الحرية والديمقراطية؟
الدعوة للديمقراطية الآن ابتذلت حتى إن الأكثر تطورا يكاد يختصر الديمقراطية في كثير من الأحيان على أنها مجرد مجموعة من الإجراءات مثل الانتخابات.
والفكر الديمقراطي جزء من التيار الديمقراطي، ولكنه يرى أن الديمقراطية لها مضمون ولها إجراءات، والمضمون أكثر أهمية من الإجراءات، لكن الإجراءات وظيفتها ضمان تحقيق الديمقراطية. فالانتخابات والأحزاب وحكم الأغلبية إجراءات، أما المضمون الأساسي لفكرة الليبرالية فهو أنه لابد للنظام أن يقوم على فكرة احترام الحقوق الأساسية للأفراد، فلا يجوز له أن يعارضه ولو بحكم الأغلبية، فحقه في الحياة وحقه في التعبير وفي اختيار الآراء التي يريد أن يتبناها وحقه في الاجتماع والتنقل حقوق أساسية للأفراد حتى لو اجتمعت الأغلبية وقالت: إن المصلحة في غير ذلك.
فالفكر الليبرالي يقوم بالدرجة الأولى على حقوق الإنسان، وأيضا يقوم على فكرة دولة القانون، وليس معنى ذلك أن القانون أداة في يد الحاكم ليحكم بها، وإنما تتحقق بعد أن يخضع الحاكم والمحكوم معا للقانون؛ لأنه كان دائما في ذهن الحكام المستبدين أن القانون وسيلة الحاكم للحكم، فهو يسري على المواطنين ولا يسري عليه بنفس الدرجة، لكن القانون هو في الحقيقة قاعدة تفرض على الاثنين.

ودولة القانون معناها أولا أن هناك تدرجا؛ فالقانون لا يمكن أن يخرج على الدستور، والدستور بطبيعته لا يمكن أن يخرج عن المبادئ الأساسية المستقرة في الضمير الإنساني؛ لأن المبادئ المستقرة في الضمير الإنساني هي الضمانات الأساسية، والقانون ليس فخًّا منصوبا للناس، بل يجب أن يكون معلنا ومعروفا، ويجب أن يعطى للمخاطبين بأحكامه فرصة لمعرفته.
والدستور يجب أن يحمي التوقعات المشروعة، فمثلا لو أن شخصا يعمل في ظل نظام تتراوح الضرائب فيه بين 20 و25% فلا يصح أن يفاجأ بأن الضرائب أصبحت 90%، فدولة القانون لا تحمي مجرد الحقوق المكتسبة، ولكن تحمي أيضا التوقعات المشروعة، وهذه الأمور فيما يتعلق بالحكم الليبرالي لا تقل أهمية عن الإجراءات كالانتخابات وحكم الأغلبية ووجود أحزاب.
فالحكم الليبرالي يتطلب دولة قانون وشفافية تامة ومساءلة وتداول سلطة، ولكن إذا جاء نظام مفصل يجعل نظام الحكم لسنوات طويلة في يد حزب واحد، فليس معنى ذلك أن الخطأ عند الناس، ولكن معنى ذلك أن العيب في النظام.
ديمقراطية بالتقسيط المريح
*الشعب المصري غير قادر على ممارسة الديمقراطية دفعة واحدة... قال مثل هذا الكلام مسئولون مهمون في الدولة المصرية.. فما رأيكم؟
- هذه لا تعدوا أن تكون وجهة نظر قائلها الخاصة، وهذا الشخص نفسه لو أعطي الحرية سيسيء استخدامها، لكن ليس بالضرورة الآخرون كذلك.. كل شخص يتحدث عن تجربته الخاصة، وأنا لا استطيع أن أقول: أنا أرهق عندما أصعد السلم إذن فلا أحد يستطيع أن يصعد السلم.. يمكن أن قدرته هو على استيعاب القضية ليست كبيرة وهذا حقه، لكن أنا لا أستطيع أن أستغني عن الحرية، لكن كونه يوصف الثمانين مليونا بأنهم غير قادرين على استيعاب الحرية فهذا ليس من حقه.
عندما تخرج الروتارية رقم 19 باستمرار فمعنى ذلك أن هناك عيبا في الروتارية؛ لأن النفس البشرية واحدة وتحن إلى التغيير والحرية، فكلما أراد النظام التغيير أدار الروتارية، فتخرج رقم 19، معنى ذلك أن هناك خطأ.
والمنطق الذي يقال كثيرا بأننا لنا ظروف خاصة منطق غير صحيح، نحن نشارك العالم والجنس البشري، وحتى الدول التي تحولت إلى الديمقراطية تاريخها في الديمقراطية حديث، ألمانيا مثلا لم تعرف الديمقراطية إلا بعد الحرب العالمية الثانية، وكانت تحكم بالحديد والنار، اليابان بعد الحرب العالمية الثانية كان يحكمها- ليس فقط ملك- إله يعبدونه، فالكلام الذي يدعي أننا لم نتعود بعد هذا كلام غير صحيح، ويقصد به إهانة المجتمع؛ لأن معناه أن المصريين دون مستوى البشر، فالنفس الإنسانية تنزع دائما للحرية، وإذا قال الحاكم إن الشعب لا يستطيع صنع الديمقراطية؛ فكلامه هذا لن يخرج عن واحد من اثنين إما أن الحاكم لا يريد إعطاءه فرصة أو أن لسان حاله يقول إنه لا يحترم شعبه ويعتبره دون مستوى الإنسان.
الغرب والديمقراطية
* تأخرنا كثيرا في مجال تحقيق الديمقراطية؛ فرآنا الغرب دولا لا تستطيع انتزاع الديمقراطية من أنياب حكامها؛ فجاء الآن ليفرضها علينا، ولكن أليس الغرب هو من فرض إلغاء الرق؟ وفرض إعطاء حقوق المرأة؟ وفرض مبدأ المواطنة؟ لماذا لا يفرض الديمقراطية؟ أليست اختراعا غربيا؟
- هناك بعض المقولات التي عندما تذكرها تكون ملغومة، فعندما نذكر أن الديمقراطية يفرضها الغرب وهي مقولة غربية فإذا قبلت ذلك فسيعني هذا أنك تكاد تقول: لا، نحن لا نقبل سيطرة الغرب علينا، ينبغي أن نعرف أن الحضارة تتقدم بشكل مجمل، وفي كل مرحلة تتقدم منطقة أو شعب، فيلعب الدور الأكبر، وفي مرحلة من المراحل لعب الشرق الأوسط دورا وكان رائدا للحضارة، وكل الأفكار الأساسية كانت موجودة في هذه المنطقة.
فعندما جاء الإغريق ظهرت أفكار منها الديمقراطية؛ فهل معنى ذلك أن هذه الفكرة التي حققتها الحضارة في مرحلة معينة تصبح ملكها؛ فالثورة الصناعية حدثت في إنجلترا والثورة الزراعية حدثت في منطقتنا، والإنسان يبني على هذا، فلا يجوز أن نقول لا نقبل الثورة الصناعية؛ لأنها من عمل الإنجليز والأوروبيين، فهم بنوا على ما عملناه، كذلك التطور الفكري، صحيح أن الديمقراطية نشأت في المدن اليونانية بالدرجة الأولى ثم ازدهرت في العصر الحديث في الدول الأوروبية، لكن هذا نتاج إنساني وتملكه الإنسانية كلها.

وبالنسبة للدعوة إلى للديمقراطية حاليا فمع أن الحكومات الغربية ساعدت وأيدت لوقت طويل النظم الاستبدادية لمصلحتها، والآن هي تدعو لنوع من الديمقراطية؛ لأنها تعتقد أيضا أن هذا لمصلحتها، فنحن ينبغي أن نفكر في مصلحتنا بصرف النظر عن أن هذا الأمر يصادف مصلحة الآخرين أو يضرهم؛ فمثلا لو وجد بيني وبين جاري عداوة وقلت له إن ابنه قليل الأدب ولابد أن يربيه، فقال لي أنا لن أربيه لأن بيني وبينك عداوة.. فلو أن هذا الشخص ربى ابنه فسيكون ذلك في مصلحته بالتأكيد.
دعك من مقولة أن الغرب يريد أن يفرض الديمقراطية، المشكلة الأساسية: هل نحن شعب مثل كل الشعوب يتطلع للحرية أم لا؟ وإذا كنا نحن الشعب هكذا فهل الحاكم جاء من مكان آخر أو لديه جينات أخرى، إن حكامنا بعد الثورة كلهم نشئوا في عائلات مصرية، وليس لهم جذور تستطيع أن تقول إنهم أكلوا طعاما خاصا لعشرة أجيال بحيث يصبحون ذوي عقلية مختلفة!

المحتل والديكتاتور
* فلماذا إذن نقاوم المحتل وننحني للدكتاتور؟
- هذا طبيعي ومنطقي لأن المحتل يحكم حكما استبداديا، لكن أيضا فيه إهانة؛ لأن هذا الأمر يفعله الأجنبي الذي ينفي شخصيتك ولا يحترمك.
*لكن الحاكم الديكتاتور أيضا ينفي شخصيتي ولا يحترمني؟
* لكن ابن البلد دائما يحاول أن يخفي هذا العنصر؛ فيحاول أن يقول أنا أحكم دون إهانة، ويظل فقط لا يعطي الفرصة للمشاركة، أما في حالة الاحتلال فمقاومته أمر يشبه الغريزة، فستقاومه بشراسة وستدافع عن أرضك، وهذا الأمر موجود أيضا عند الحيوانات، فلها مكان لو دخله حيوان آخر فستحاربه بشراسة.
وهذا ينبغي ألا يؤخذ كعيب على الشعوب؛ فمن حقها ومن واجبها أن تدافع عن نفسها ضد أي اعتداءات من الخارج، أما الخلافات الداخلية فقضية أقل غريزية وهذا شيء طبيعي، ففي ظروف معينة تظهر لديك قوى أنت لا تدركها، وهذا ليس بالنسبة لنا فقط لكن انظر للشعب الروسي في مقاومته ضد الألمان بذل جهودا خارقة وتحمل تضحيات هائلة، أيضا الشعب اليوغسلافي مع تيتو قاوم الاحتلال الألماني بقوة هائلة، ثم بعد ذلك استسلموا بالكامل لديكتاتورية ستالين وتيتو الرهيبة.
* ولماذا لا نقول إن الاستسلام للحاكم المستبد أصبح سمتا للشعوب العربية والإسلامية، وشيئا مستقرا في الوجدان الجمعي لهذه الشعوب، أليس أهل السنة من نادوا بالقاعدة الشهيرة "حاكم غشوم خير من فتنة تدوم"؟.
* ليس أهل السنة فقط من قالوا ذلك، وكانت هناك آراء مماثلة أيضا في أوروبا، فهم ليسوا أفضل منا وبعض من دافعوا عن الملكيات المستبدة المطلقة بدأ كلامه دفاعا عن حقوق الأفراد، لكنه كان يخشى من الفوضى، وبناء عليه عندما يأتي الحاكم فليس لأحد الانقلاب عليه حتى لا تعود الفوضى والاستبداد.. الفوضى لا تحمي أحدا، وبعد ذلك جاء جون لوك في إنجلترا وقال إن البديل للاستبداد ليس الفوضى بل أن يأتي بحكم دستوري، ومن يريدون إعطاءنا الديمقراطية بالقطارة يحاولون التخويف بالفوضى، بالضبط كما تقول للطفل لو خرجت فسيأكلك "أبو رجل مسلوخة".
* ممكن أن يقال إن هناك نماذج في المنطقة العربية تدل على أن شعوب المنطقة لا بد أن تأخذ الديمقراطية على جرعات "النموذج الجزائري مثلا"؟
* النموذج الجزائري لابد أن يدرس بتمعن، بالفعل حدثت مجازر لكن لا تنس أن حزبا كاد أن يتولى السلطة عن طريق ديمقراطي فانقض عليه العسكر تقتيلاً، وفي أحيان كثيرة افتعل العسكر مجازر لكي يفقدوه مصداقيته ويشوهوا صورته أمام الناس، وطبيعي أنه عندما تكون أمام من يريد أن يقضي عليك فبرد الفعل ستحاول أن ترد عليه؛ وبالتالي ستحاول تجنيد الناس وسيحدث تطرف، لكن لا تستطيع القول بأن الذي حدث في الجزائر حرية أسيء استخدامها.
فالجزائريون ذهبوا ليعبروا عن آرائهم عبر صناديق الاقتراع بكل تحضر ونظام، ولكن العسكر هم الذين انقضوا على الحزب الفائز، بل إن الغرب أيد العسكر لخوفه آنذاك من وصول الإسلاميين للحكم، وحتى المجازر التي ارتكبت هناك لم يكن الجيش بعيدا عنها، فهناك من يقول إن الجيش ارتكب مجازر ليسيء للإسلاميين، والخلاصة أن الذي حدث في الجزائر لم يكن نتيجة الحرية بل نتيجة الاعتداء على الحرية.

الديمقراطية واقتصاد السوق
* ما علاقة الديمقراطية باقتصاد السوق؟ وهل هناك علاقة سببية أو ترابط بينهما؟
* أولا التجربة التاريخية لم تعطنا صورة واحدة لديمقراطية ازدهرت في غير نظام السوق، فتستطيع أن تقول إذا كنت تريد ديمقراطية فلابد من نظام السوق، وإذا كنت تريد نظام السوق فلابد أن تكون هناك ديمقراطية، ومعنى نظام السوق أن القرارات الاقتصادية كالاستثمار والبيع والشراء نتركها في يد الأفراد، فإذا كان الأفراد هم الذين سيقومون بكل القرارات الاقتصادية فيعني ذلك أن هذه القرارات ستنتهي في شكل تعاقدات، فما لم يوجد قانون مستقر يعرف حقوقي ويعرف حقوقك فلن يكون هناك اقتصاد سوق.
فإذا كنت سأشتري منك شيئا ونظام الملكية غير مضمون فلماذا أشتري؟ وعندما أريد أن أذهب للقضاء لأستطيع الحصول على حكم، فالقضاء لابد أن يكون مستقلا، وإذا صدر منه حكم فلابد أن ينفذ؛ لأن معاملات الأفراد في ظل نظام السوق هي في النهاية تبادل في الحقوق، وما لم يوجد نظام قانوني واضح لا يمكن أن تقوم.
من ناحية أخرى التبادل في نظام السوق لا يكون دون شفافية، فهل أستطيع أن أقرر دخول مشروع يتكلف، وأنا لا أدري إذا كان هناك تضخم أم لا؟ الدخل القومي يزيد أم لا؟ فكيف تطلب من الأفراد تحمل المسؤولية في القرار الاقتصادي والفرد ليس لديه بيانات، فدولة القانون والشفافية والمساءلة كل هذه عناصر لابد أن تتوافر لكي ينجح نظام اقتصاد السوق.
والتجربة التاريخية أظهرت أنه لم ينجح نظام ديمقراطي إلا في ظل نظام السوق، كما لم ينجح نظام السوق إلا في ظل الديمقراطية.
*لكن في الفترة الأخيرة من القرن الماضي قامت عدة تجارب ناجحة لدول أخذت باقتصاد السوق وحققت إنجازات كبيرة رغم أنها لم تعرف الديمقراطية السياسية، وبذلك تحقق لهذه الدول نوع من الإصلاح السياسي دون الإصلاح الاقتصادي "الصين نموذجا"، فلماذا لا نكون نحن مثلهم؟
**الصين هي الاستثناء الذي لا يجوز القياس عليه؛ عدد سكان الصين 1200 مليون نسمة، وهي دولة نووية، وأكبر سوق للاستهلاك في العالم تتنافس عليه الدول الصناعية الكبرى، فإذا حاربتها أمريكا فستتنافس عليها أوروبا والعكس بالعكس، فالكل يتكالب على هذه الغنيمة... ثم يجب ألا ننسى أن الصين لديها 50 مليونا يعيشون في أمريكا وجنوب آسيا، وهؤلاء أكبر رجال أعمال هناك، وبدأت الاستثمارات الخارجية باستثمار هؤلاء، وهم بالفعل جروا استثمارات هائلة.
فلا تحدثني بأن الصين استطاعت أن تُنشئ اقتصاد سوق بدون ديمقراطية، فنحن من الممكن أن نكون كذلك؛ لأن هناك أشياء كثيرة موجودة في الصين ليست موجودة عندنا، نحن ليس عندنا سوق يجعلهم يقبلون علينا وليس عندنا ملايين الرأسماليين العاملون في الخارج.. صحيح، مصر لديها عاملون في الخارج، لكن كلهم موظفون.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.