ألزمني النقاش الذي دار بين الأخ منير السايبي و الأخت مريم حمدي حول مقالي السابق (أحب طالبان ولكن ...) أن أكتب هذا الملحق التوضيح من وجهة نظري ، و الإختلاف لا يفسد أخوتنا ولا يبدد وحدتنا.ازعم أنني من المراقبين لهذه الحركة من بزوغ فجرها وإبان صعود نجمها وحتى اليوم ، وقد يكون مرد ذلك ،لهوى في نفسي لازمني منذ الصغر لأفغانستان المباركة ، فهي تميتني و تحييني . 1/ ظروف نشأة الحركة : لا أحد يعرف بالضبط تاريخا محددا لنشأة هذه الحركة ، إلا أن ظهورها العلني كان في بداية التسعينات وبالتحديد سنة 1994م ، حيث قام استقطابها للشعب الأفغاني تحت شعار ،إنقاذ البلد من عبث قدماء المجاهدين ، الذين عاثوا في الأرض فسادا ولم يستقر لهم أمر ، ولا اتفقوا على طريق للحكم منذ رحيل السوفييت سنة 1989م و حتى كنسهم من البلاد سنة 1996م . إن فرضية علاقة طالبان بالمخابرات الباكستانية قائمة حتى اليوم ، وهو أمر مفهوم في إطار التنافس التقليدي بين الهند والباكستان في هذا البلد ، غير أنه لا ينتقص شيئا من صدقية الحركة ، التي شهد لها القاصي و الداني ، في بسطها للامن ، ولجمها للاسعار ، ومساواة الكل امام القانون (الشريعة) ، وكذلك استبدال زراعة الافيون بزراعة القمح ولذلك كادت حركة طالبان ان تقضى على الافيون نهائيا في البلد ، وللتؤكد من ذلك ، يمكن الرجوع للإحصائيات ذات العلاقة . إن كلمة صنيعة استخباراتية ، التي اوردها الاخ منير ، لا تبدو لي مناسبة تماما في هذا الموضع ، وإلا لكانت الجماعة الإسلامية سلف النهضة صنيعة بورقيبية ، إذ كانت تجوب البلاد طولا وعرضا ، و تقيم المخيمات على الشواطىء و في الغابات ، كما فتحت المساجد حتى داخل الثكنات ،دون أن يعترضها احد ، في ظل نظام علماني متطرف .هل نستطيع انكار تقاطع المصالح ، بين الحزب الحاكم في تونس ، وبين الجماعة الإسلامية حينئذ ، لدحر المد الشيوعي الذي كاد يجعل بورقيبة في خبر كان ؟...أقول هذا ،بغض النظر إن كان الإسلاميون على وعي بهذه الحقيقة يومذاك. 2/ أخلاق الحكم : لم نسمع من يقول بأن طالبان ، قد قتلت من المسلمين ، اكثر مما قتلت من الغزاة ، إلا سماحة السيد حسن نصر الله ، وهذا كلام لا سند له من الواقع ، و لا ارقام تسنده ،ولكنه مجرد دعاية سياسية ، في إطار التنافس بين الشيعة و السنة ، التي يحكمها الهوى اكثر من العقل . وليس صحيحا أيضا ما اورده الاخ منير ، بأن طالبان قد ازاحت حكومة معتدلة ، ففضلا عن أنه لم تكن هناك حكومة بالمعنى الإداري للكلمة، فلكل حزب جيش خاص به ، ولكل مليشيا منطقة نفوذ قبلية خاصة به ، بل ظلوا يتقاتلون فيما بينهم حتى آخر لحظة ، والانكى من ذلك انهم تحالفوا مع اعداء الامس ضد بعضهم من اجل الكراسي ، ولم نسجل من إعتدال مسعود ورباني ، إلا تسليمهم للمجاهدين لحكوماتهم كي يزج بهم في السجون والمعتقلات .أما ان كنت تعني الإعتدال الفقهي ، فأذكرك ، بأن اول مرسوم اصدره حكمتيار عندما استلم رئاسة الحكومة ، هو منع الموسيقى في الراديو الرسمي بكابول. أدعي والله اعلم ، أن حركة طالبان ، كانت تعبيرا صادقا عن تعطش شعبها للامن ، وطهارة اليد التي لوثتها مافيا الحرب وصراع الاحزاب (الجهادية) على الغنيمة . بقي ما يقوله بعض الإسلاميين من ظلم طالبان للمرأة ، وهي اسطوانة لا اراها بريئة ، عندما يكون اخواننا في مرمى السهام الغربية ، التي تصمت عندما يتعلق الامر بالوضع القائم في دولة نفطية تعامل النساء على انهن عورة مطلقة ، و لا يرون في ذلك بأسا ما دام ضخ النفط مضمونا .إن حركة طالبان ، تسير في فلك فقه السنة والجماعة ، ولم تبتدع شيئا في الدين ،بل ظلت على يمين المذهب الحنفي ، و حاشا له ان يكون ظالما للمرأة ، ولا يحق لخريجي الرؤية الفكرية والمنهج الاصولي لحركة الإتجاه الإسلامي على عظيم هذا الإنجاز الرائع أن يكونوا قضاة على ابواب الاسلام الذي حوى امما باسرها فطبعت به ، كل بما تيسر له من فهم ، و دفع من اجل هذا الدين ، كل غال و نفيس . ومن المغالطات ايضا ما يدعيه البعض على حركة طالبان ، من إعدامها للبعثة الديبلوماسية الإيرانية ، في مزار شريف ، وفي الحقيقة ، ان ايران هي التي اختارت ان توفد سفارتها لدى المعارضة ، وليس لدى الحكومة الشرعية في كابل .و بهذا صنفوا انسهم محاربين ، لا ديبلوماسيين . كما لا يفوتني أيضا الإشارة ، إلى ان قصف طالبان ، لتمثال بوذا ، رغم انفعاليته ، إلا انه جاء بعد ان استفزت حركة طالبان ، إذ ان اليونيسكو خصصت اكثر من مائتي مليون دولار ، لترميم التمثال ،فطلبت الحركة ، بان يكون هذا المال لمستشفيات لعلاج الشعب الافغاني المكلوم ، ولكن اقتراحهم جوبه بالرفض ، ورأت الاممالمتحدة ان الصنم اهم من الانسان الافغاني المتألم .هنا غضب الافغان ، وقصفوا إله اليابان التي تبرعت بالمبلغ لليونيسكو. 3/ المقاومة : إن لم يكن من المناقب للملا محمد عمر ، غير تضحيته بالسلطة ، على ان يسلم مسلما للامريكان ، لكفاه إن مقاومة الشعب الافغاني للغزو ، لم تأت هكذا من فراغ ، فلكل شعب مقاوم ، منظمات تؤطره ، وتقوده ، وتناغم كفاحه ، فإن كان حزب الله في لبنان على راس المقاومة ، وحماس فلسطين على راس المقاومة ، ففي افغانستان ، تعتبر طالبان سنام المقاومة . خاتمة : ذكر الشيخ يوسف القرضاوي ، إثر عودته من لقائه مع طالبان ، عندما ذهب لثنيهم عن قصف تمثال بوذا ، أنهم قالوا له : نحن نفهم يا شيخ ،ان تتحرك لنصرة إخواننا في فلسطين ، ولكن ما لا نفهمه منك ، هو ان تتحرك من اجل التوسط لصنم . يعقب الشيخ حفظه الله : عندما جلست معهم ، غمرني شعور بأنني مع اناس بأخلاق الصحابه رضي الله عنهم . وفي النهاية ، و في البداية ، اقول : هؤلاء طالبان ، هؤلاء الذين أحبهم