حسمت حركة نداء تونس أمرها وقطعت الشكوك لدى أنصارها وحلفائها بأن لا تحالف مع حركة النهضة على مستوى الحكومة القادمة وبالتالي على حركة النهضة أن تتموقع في صف المعارضة وربما هي من سيقود المعارضة خلال السنوات القادمة. قد يبدو هذا مُطمئنا للعائلة الديمقراطية وخاصة لأنصار الجبهة الشعبية وقيادييها, وقد تكون تلك رسالة طمأنة بعث بها الباجي قايد السبسي إلى القوة السياسية الصاعدة ألا وهي الجبهة الشعبية. ولكن في نظري الرسالة الأقوى موجهة بالأساس إلى أنصار حركة النهضة الغاضبين مسبقا من إمكانية تحالف حركتهم مع حركة نداء تونس. وبالتالي يكون الباجي قايد السبسي قد ضرب عصفوريْن بحجر واحد فيما يتعلق بحركة النهضة. فهو من جهة يساهم بشكل كبير في إعادة ترتيب البيت الداخلي لحركة النهضة الذي تصدع مؤخرا واستقال منه حمادي الجبالي وهدد الحبيب اللوز بالاستقالة هو الآخر والرجلان لهما دور اعتباري وتاريخي عبر كل مراحل بناء حركة النهضة. وتلك خدمة أخرى يقدمها الباجي قايد السبسي لصديقه اللدود راشد الغنوشي الذي وجد نفسه في مأزق لا يُحسد عليه. أما العصفور الثاني الذي أصابه الباجي بحجره فيتمثل في سحب البساط من تحت أقدام المنصف المرزوقي الذي شحن الغاضبين من حركة النهضة وعبّأهم واستولى عليهم لفائدة حراكه ''شعب المواطنين''. فبمجرد تيقّن قواعد النهضة المستاءة من قياداتها أن حركتهم لن تتحالف مع غريمهم ''نداء تونس'' فسيعودون جميعا إلى البيت الكبير الذي ضمهم وسيتغنّون جميعا بقصيدة الراحل نزار قباني التي تنتهي بقولة ''ما أحلى الرجوع إليه'' بينما سيُهدون المرزوقي مطلع القصيدة الذي يقول ''أيظنّ أني لعبة بيديه''.. وهكذا فلن يبقى من شعب المواطنين إلا بقايا الحزب المؤتمر ومشتقاته إلى جانب شعب التكفيريين والمجرمين والإرهابيين وهؤلاء نبذهم المجتمع بطبعه ولن يجنوا أي تعاطف شعبي علاوة على أن الدولة ستعود إليها ''هيبتها'' وبالتالي ستطالهم يد القضاء وسينتهي أمرهم بقوة القانون. التحالف الآن بين النداء والنهضة وإن كان بالأمس القريب أمنية وحلما لذيذا يراه الغنوشي كل ليلة في منامه بات اليوم كابوسا مزعجا لدى الغنوشي نفسه ويجب ألا يتمّ حفاظا على حركته من التمزق والاندثار ولقطع الطريق على المرزوقي. والحل يبدو مريحا لجميع الأطراف, النهضة وحلفاؤها والنداء وحلفاؤه على أنه تبقى مراجعته واردة في أي وقت متى ارتأت ''المصلحة الوطنية'' ذلك.