كنا نتعاطف معها زمن بن علي ونصنّفها على أنها حقوقية بامتياز وسعدنا كثيرا بعودتها إلى تونس بعد 14 جانفي 2011 لكن شيئا فشيئا وبشكل ذاتي غير خارج عن نطاقها بدأت الأستاذة سهام بن سدرين تحطم الصورة المثالية التي رسمها لها التونسيون في قلوبهم فتارة تقحم نفسها في ملفات وزارة الداخلية الأكثر حساسية زمن صديقها فرحات الراجحي, وطورا تحتل ساحة باب سويقة هي ورابطات حماية الثورة شُهرت رابطات العنف لتحضر اجتماعاتها التحريضية في مساندة واضحهم لخطها الفوضوي والعنيف. دون أن ننسى طبعا أن سهام بن سدرين هي نفسها صاحبة راديو كلمة التي هضمت حقوق الصحفيين والإعلاميين الذين كانوا يعملون معها في إذاعتها المذكورة وجازتهم جزاء سنمار. ولأنها جاءت نتيجة محاصصة حزبية من داخل المجلس الوطني التأسيسي الذي كانت تهيمن عليه حركة النهضة وجدنا سهام بن سدرين أمامنا رئيسة لهيئة الحقيقة والكرامة ونظر الكثير بعين الريبة إلى الدور الذي يمكن أن تضطلع به الهيئة مستقبلا معربين عن خوفهم من انحراف مسار العدالة الانتقالية إلى عدالة انتقامية أو انتقائية. ولكن الأكثر لفتا للانتباه في كل هذا هو ما أقدمت بن سدرين يوم أمس إذ تحولت مدججة بالعمال والموظفين والشاحنات والسيارات وتوجهت إلى قصر قرطاج دون إذن كتابي لدخول القصر وكأنها في نزهة إلى قرطاج لاند مع صديقاتها لتلهو وتمرح قليلا ثم تعود أدراجها. والأخطر هنا أن اللهو والمرح يمكن أن يطالا أرشيف الرئاسة الذي هو أرشيف الدولة التونسية. فأي نية مبيّتة لدى بن سدرين تجبرها على نقل الأرشيف الرئاسي في شاحنات في ما فترة ''فراغ'' بين رئيس يغادر ورئيس يتسلّم؟ وهل ستقوم الدنيا ولن تقعد لو انتظرت السيدة بن سدرين يومين إلى أن يتسلم الرئيس الجديد مهامه رسميا؟ ثم كيف يتمّ التلاعب بالأرشيف بهذا الشكل ففحصه وتحليله يتم بطلب رسمي ولا تؤخذ الأصول إنما تُسلّم نُسخ فقط للوثائق الأصلية المراد الاطّلاع عليها. وكل هذه العملية لا تتمّ إلا بموافقة قضائية بينما تمسكت بن سدرين أمس بالقول إن الرئيس المتخلّي المنصف المرزوقي سمح لها بذلك. ولو صحّ كلامها فستكون لعبة جديدة من ألاعيب المرزوقي وجماعته وستساعده فيها سهام بن سدرين ليمارسوا الابتزاز على أعدائهم. هل هذه هي العدالة الانتقالية أيتها الحقوقية الفاضلة .عجبي ما بال الحقوقيين في هذا الزمان يثيرون الشك والاستغراب ؟؟؟ وفي المقابل قد يستغرب الكثير من كلامي هذا لأن القانون في أحد تأويلاته يسمح لهيئة الحقيقة والكرامة بنقل الأرشيف ولكن قراءة السيدة بن سدرين للنص القانوني كان مُشطّا ومبالغا فيه بحيث لم يقل القانون نقل الأرشيف كله دفعة واحدة كأنها عملية استحواذ على الذاكرة الوطنية قبل أن توصد أبواب القصر في وجهها بقدوم الباجي قايد السبسي وهذا أمر وارد. ثم هل أحدثت هيئة بن سدرين لجنة لحفظ الذاكرة الوطنية لتتصرف في الأرشيف وفق الضوابط التي تكفل بالفعل حفظ الذاكرة وليس إتلافها. السيدة بن سدرين عندما تدخلين قرطاج لاند رغم أن الدخول حُر فإنه يتعين عليك اقتطاع تذكرة دخول, فما بالك عندما تدخلين قصر الجمهورية فيتعين عليك إتمام كل الإجراءات خاصة إذا كنت تنوين الدخول فارغة والخروج ممتلئة, وأيُ امتلاء, إنها ذاكرتنا التي نشترك فيها جميعا وليست حكرا على هيئتك التي صاغت لنفسها قانونا داخليا أعطت فيه لنفسها سلطات ستجعلها تتغوّل وقد تتحول إلى سلطة زجر وابتزاز وهذا ما نخشاه جميعا.